يذهب كثيرون إلى أن الثقافة والفنون ازدهرت فى العهد الناصرى بسبب رعاية الدولة لها لتكون لسان حال المشروع القومى والثورى، والحقيقة أنه ما من أحد من الضباط الأحرار إلا وكانت علاقته وثيقة بالثقافة، فمنهم من أحبها قبل الثورة ومنهم من امتهن الكتابة والإبداع، فنجد الرئيس الراحل عبدالناصر منذ شبابه المبكر له محاولات كتابية فى المسرح والرواية وله قصة بعنوان «فى سبيل الحرية»، وهى القصة التى بدأها وهو طالب بالمدرسة الثانوية عن معركة رشيد، ولاحقاً كتب «فلسفة الثورة» و«يوميات عن حرب فلسطين».


وكان «عبدالناصر» عندما سئل بعد قيام ثورة 1952، عن المفكرين الذين أسهموا فى تكوين أفكاره، ذكر رواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ونجد جمال حماد (كاتب بيان ثورة يوليو) صاحب قلم متميز، وترك وراءه مؤلفات وله فيلم قوى وشهير وهو فيلم «غروب وشروق» كما كان السادات محباً للثقافة والفكر حتى أنه حين فصل من الجيش قبل الثورة كان يعمل بالصحافة، وحين أصدر عبدالناصر جريدة الجمهورية كان هو المدير المسؤول عنها، كما ترك وراءه كتابين أهمهما «البحث عن الذات»، أما يوسف صديق فكان شاعراً مجيداً، وثروت عكاشة كان وزير الثقافة الأشهر فى العهد الناصرى، وله مؤلفات منها ترجمات لأعمال جبران فضلاً عن كتبه عن عصور النهضة فى أوروبا فى موسوعته الشهيرة «العين تسمع والأذن ترى»، وسامى شرف كان أيضاً صاحب قلم متميز وله كتاب مهم وشهير وهو «أيام وسنوات مع عبدالناصر»، أما أحمد حمروش والذى تولى بعد الثورة شأن الفنون والمسرح فكان قد أصدر كتابين قبل الثورة أولهما «حرب العصابات» الذى أهداه إلى المناضلين فى أوطانهم عام 1947، و«خواطر» عن الحرب وأهداه إلى زملائه تحت تراب فلسطين، غير كتبه التى أصدرها طوال حياته ومنها ما أرخ لثورة يوليو.

وهكذا يمكن القول إن بعض قيادات الضباط الأحرار كانت من نوعية خاصة، كما أنهم كانوا يفكرون فى الآخرين وتثقل صدورهم هموم الشعب، إذن فلم يكن من غريب أن يكون أحد شعارات ثورة يوليو «الثقافة للجميع»، فلقد كان الضباط الأحرار فى حركتهم دعاة تغيير وإصلاح، لم يكونوا مثل جنرالات آخرين استولوا على السلطة دون أن يكون فى أحلامهم تغيير شكل المجتمع أو القيام بإصلاحات جذرية، بل إنهم كانوا استمراراً لنظام الحكم القائم بملابس عسكرية بدلاً من الملابس المدنية، كما خرج من الضباط الذين ينتمون لجيل ثورة يوليو مخرجون وممثلون ومؤلفون، فلم يكن من عجب إذن وعلى نحو تلقائى أن يقف كثير من المثقفين فى خندق الثورة ويتألقوا فى العهد الناصرى، وهو العهد الذى أسست فيه أكثر من مؤسسة ثقافية، وكان الخطاب الثقافى والفن موصولاً مع الشارع المصرى.

وفى الوقت الذى كانت تخشى فيه الأنظمة الاستبدادية على مستوى العالم من الفكر والثقافة والمعرفة اعتنى نظام ثورة يوليو الثقافة والمعرفة والفنون، ولعلنا لا ننسى مقولة النازى جوبلز «كلما سمعت كلمة ثقافة مثقف تحسست مسدسى».

ففى العهد الناصرى كان إنشاء أول وزارة للثقافة فى عام 1958، والتى كان على رأسها الراحل ثروت عكاشة، أول وزير للثقافة والإرشاد القومى من 1958 حتى 1962، ثم من 1966 حتى 1970، وفى هاتين الفترتين استطاع ثروت عكاشة أن يحدث تغييراً جذرياً فى المشهد الثقافى فى مصر، أدى إلى نهضة ثقافية حقيقية سواء على المستوى الفكرى أو على مستوى البناء، حيث يراه الكثيرون، الشخصية الثقافية الأولى فى مصر، كما تم إنشاء كثير من الهيئات التى عملت على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا، مثل المجلس الأعلى للثقافة، وهو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك، والهيئة العامة للكتاب، وفرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفونى وفرق الموسيقى العربية والسيرك القومى ومسرح العرائس والكونسرفتوار والبرنامج الموسيقى، والبرنامج الثقافى، وسلاسل الهيئة العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة وكلها لاتزال قائمة.

كما تم إنشاء أكاديمية الفنون التى تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والبالية والموسيقى والفنون الشعبية، كما تمت رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية.

وتعد الهيئة العامة لقصور الثقافة إحدى المؤسسات الثقافية ذات الدور البارز فى تقديم الخدمات الثقافية والفنية ورفع المستوى الثقافى للجماهير فى مجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية.

وقد أنشئت تحت مسمى الجامعة الشعبية عام 1945، ثم تغير اسمها فى سنة 1965 إلى الثقافة الجماهيرية، وفى عام 1989 صدر القرار الجمهورى لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة، وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة.. ولها فروع وقصور منتشرة فى ربوع مصر للنزول بالثقافة الجماهيرية إلى الشارع المصرى، حتى تصل لكل فئات الشعب.

ومنذ عام 1961 أنشئت الهيئة المصرية العامة للكتاب بقرار رئيس الجمهورية رقم 1813 لسـنة 1961 بإنشاء «الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة»، وكان الهدف الرئيسى من إنشاء هيئة ثقافية كبرى فى حجم هيئة الكتاب تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وشعوب العالم بإتاحة كافة التسهيلات للتعريف بالإنتاج الفكرى العربى والعالمى، وإعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث وكذلك تأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمى والعالمى، وأيضا طبع ونشر وتسويق الكتاب المصرى على المستوى المحلى والعربى والدولى.

وكان من بين الإنجازات المهمة ثقافياً وفنياً لثورة 23 يوليو 1952 إنشاء أكاديمية الفنون عام 1969 كأول جامعة لتعليم الفنون، وأنشأت الدولة عدداً من المعاهد العليا للفنون كان أولها معهد الفنون المسرحية عام 1935، ثم توالى إنشاء معاهد أخرى، وقد أنشأ ثروت عكاشة أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسؤولية وزارة الإرشاد القومى بسنة واحدة، والتى تضم المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما والمعهد العالى للباليه والمعهد العالى للفنون الشعبية والمعهد العالى للكونسرفتوار والمعهد العالى للموسيقى العربية والمعهد العالى للنقد الفنى.

ويعد المجلس الأعلى للثقافة (المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب) مركزاً للإشعاع للثقافى والفكرى على المستوى المصرى والعربى.. ففى 1956 صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كهيئة مستقلة ملحقة بمجلس الوزراء، تسعى إلى تنسيق الجهود الحكومية والأهلية فى ميادين الفنون والآداب، وكان فى عام 1980 قد تغير اسمه إلى «المجلس الأعلى للثقافة» بصدور القانون رقم 150 لسنة 1980، فضلاً عن القفزة الكبيرة التى حققتها الثورة على صعيدى المسرح والسينما.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.