آخر الأخبار
 -  العلمانية بداية الحل ..

الثلاثاء, 17-يناير-2017 - 07:03:19
الإعلام التقدمي-بقلم زكريا كردي -



لا أظن قد أتى في ذهن الكاتب البريطاني جورج هوليوك عام 1851، المبتدع الأول لمصطلح العلمانية أن يدخل القرن الحادي والعشرين على شعوب كوكب الأرض ومازال بعض منها يعارض النظام الاجتماعي الذي دعا إليه ، أو أن يكون هناك بعض الشعوب ما فتئت تعتبر الدعوة إلى النظام العلماني مساً خطيرا بعقيدتها الدينية، أو كما يروّج بعض رجال الدين - زوراً وجهلاً - من أن العلمانية إنما هي بمثابة دعوة صريحة لإلغاء الدين من المجتمع..

فهل حقاً العلمانية تقف ضد الأديان ، أم هي فقط تدعو للإستقلال عنها..!؟

ولماذا يصرّ مشايخ الإسلام السياسي بالذات، محاربة العلمانية بشراسة وهل حقاً عرفوها ..!؟ . ألا يجب على الأقل ، أن يعلموا عنها شيئا ما ويناقشوها على الملأ ، لئلا ينطبق عليهم ما قيل حقاً :

" إن أسوأ أنواع الجهل هو معاداة فكرة لا تعرفُ عنها شيئاً ..

بحسب الويكيبيديا يشير مصطلح العلمانية إلى الرّأي القائِل بأنّ الأنشطةَ البشريّة والقراراتِ بعامة - و السّياسية منها بخاصة - يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المُؤسّسات الدّينية.

ولفهم تعريف العلمانية علينا أن له أوجه عديدة مكملة لبعضها بعضاً منها وببساطة :

- لغوياً : بحسب معجم الوسيط وغيره من المعاجم ..

[ ع ل م ] ( نِسْبَةٌ إِلَى عَلْمٍ بِمَعْنَى الْعَالَم ). والعَلمانية (بفتح العين) من العالم :

- رَجُلٌ عَلْمَانِيٌّ :- : أَيْ لَيْسَ رَجُلَ دِينٍ ، وَهُوَ خِلاَفُ الدِّينِيِّ أَوِ الْكَهَنُوتِيِّ .

- فلسفياً : هي " التفكير النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق" وهو التعريف المعروف والدقيق الذي أورده المفكر المصري الدكتور مراد وهبة

- إجتماعياً : نجد التعريف الأشهر لها بين الناس، وهو فصل الدين عن مؤسسات الدولة ، فمثلاً لا يجب ان يكون في الدولة الواحدة فريق كرة قدم إسلامي سني وآخر شيعي أوآخر درزي وآخر مسيحي، كما لا يمكن أن يوجد مؤسسة مياه علوية وأخرى كردية او مؤسسة كهرباء إسلامية وأخرى مسيحية و ... و .. الخ.

- دينياً : أو بالتعبيرالديني يمكن مقاربة مفهوم العلمانية بأنها تقديم العقل على النقل في الشؤون العامة للدولة.

- معرفياً : هناك من يفضل العِلمانية (بكسر العين) وذلك لتأكيد صلتها بالعلم والمعرفة الوضعية ، ويفضل التأكيد الدائم في تعريفها ، بأنها عبارة عن أفكار وقواعد تفكير علمية محضة، تهتم بالواقع العياني المعيش للناس ، وديدنها السعي إلى التطور والرفاه لهم في هذه الحياة والواقع ، وتأبى إلا أن تختبر نتائجها فيه..

بمعنى أنها نسق أو بناء فكري يعتمد فقط على القوانين العلمية و الوضعية المدنية ، مستنداً على العقل العلمي كمرجع أساسي وحيد له ..

قانونياً : تعني علمانيّة الدولة، أن تتشكل حصانة للمجتمع وصون للدستور والقانون، وهي التي تضع الأساس لمدنيّة الدولة وديموقراطيّتها ودستوريّتها وتداول السلطة فيها، من دون تحيّز أو تمييز لمواطن على آخر، بسبب العرق او المذهب أو الدين أو حتى لمن هو في أي مستوى أو سلطة في الحكم أو الادارة.

إقتصادياً : العلمانية لا تقرر للدولة أيّ نظام اقتصادي يجب ان تتبعه ( اشتراكي او رأسمالي ..الخ

سياسياً : العلمانية تسعى لأن تكون القاعدة السياسية في قيادة شؤون الدولة خاضعة لمتغيرات الواقع الزمني وليس للثابت أو المُقدس الديني ( في أي دين ) للحزب الحاكم، والذي يجب أن يضمن أي حزب يتولى الحكم في العلمانية الحق لأي فرد في المجتمع أن يؤمن به بحرية تامة ، ويكفل الحق كذلك لأفراد الأحزاب السياسية الأخرى ، ممارسة عباداتهم الروحية، وبالطريقة التي يروها مناسبة ، على ألا تتعارض أو تصطدم مع حقوق الآخرين بالإعتقاد كذلك بما يشاؤون ، وحسب القانون العلماني، و الذي يستند في جوهره على ألا تكون مرجعية القوانين والأحكام والقرارت التي يتخذها أو يسنها الحزب الحاكم تعود إلى معتقدات أفراده الروحية أو أفراد أي جماعة دينية في المجتمع ..

وهي - أي العلمانية - لا تقدم أي نسق سياسي ولا تفرض على الناس رؤية محددة للكون .

بكلمات أخرى : أن العلمانية ليست دينا جديداً أو عقيدة تماماً ، بقدر ما هي طريقة للحكم ، ترفض وضع الدّين أو غيره، كمرجع رئيسي للحياة القانونية و السياسية والمعرفية للدولة، وهي تتجه إلى الاهتمام بالأمور الحياتية للبشر، أي الأمور المادية الملموسة بدلاً من الأمور الغيبية .. أي إلى ما هو مُنتمٍ إلى الدّنيا أو العالم المعلوم ، دون النّظر إلى العالم الرّوحي أو الماورائي أو العالم الموهوم.. ..

من هنا أعتقد أن السلطة المدنية العلمانية هي الوحيدة القادرة على دحر الأصولية والفكر التكفيري الذي ضرب ودمر الإنسان قبل البنيان في مجتمعاتنا، وأخال أن لا خلاص لمجتمعاتنا المتعددة مذهبيا وطائفيا تلك ، سوى بتكريس سلطة الدولة العلمانية وكل ما عدا ذلك فهو مجرد تأجيل للإنفجار مرة أخرى ..

ولكن أكاد أجزم أننا لن يمكن الإنتصار الحقيقي عليه ، إلا عبر تعزيز دور العلم والثقافة وفرض مناهج التعليم المدروسة والمتطورة ، التي تنشر التنوير وتشجع على إستعمال العقل، وتجعل الإنسان يفكر بنفسه ولنفسه في حل مشاكل الحياة ، فلا ينتظر أحدا من رجال الدين كي يفكر بالنيابة عنه، أو يسمح لأحد الأديان من أن يقرّر مصلحة المجتمع ككل، بالنيابة عن كل طوائف ومعتقدات وإثنيات أفراده ، أو يفرض حقائقه الغيبية على كافة العقول وأنماط السلوك لأبناء الوطن ...

نعم العلمانية هي بداية الحل للخلاص من غول التطرف والجهل الذي يلتهمنا..

للاستزادة :

كتاب العلمانية من منظور مختلف / عزيز العظمة

الأصولية والعلمانية / مراد وهبة
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)