آخر الأخبار
 -  
فيلم  “أنا دانيال بليك” للمخرج البريطاني كين لوتش قيمة الإنسان أقل من الكلب المنبوذ

الأحد, 18-ديسمبر-2016 - 11:27:56
الإعلام التقدمي -

 
أكثر من نصف قرن من الإبداع وحياة سينمائية حافلة بالدهشة، المخرج البريطاني كين لوتش، يمتعنا ويصدمنا مع كل تجربة، سنتوقف مع فيلمه  “أنا دانيال بليك” الذي انتزع بجدارة جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة الـ 69 عن فيلمه.

في هذا الفيلم المشحون بالألم يقدم لوتش نموذجا إنسانيا بسيطا، هذا الإنسان العادي الغير مرئي والمهمش تسحقه الكثير من الاختلالات في النظام الاقتصادي القاسي فتكون النتائج كارثية ومأساوية.

للمرة الأولى في حياته، دانيال بليك، هذا النجار البسيط 59 عاما، يضطر للمطالبة للحصول على المساعدة الاجتماعية بعد تعرضه لمشاكل في القلب، يمنعه  طبيبه من العمل، يصتدم بالكثير من القوانين ويتم رفض طلبه وعليه البحث عن عمل أو مواجهة عقوبات. خلال مراجعته المنتظمة لمركز العمل” يلتقي دانيال مع مسارات راشيل،هذه الأم  لطفلين والعازبة دفعتها الظروف لقبول مسكن يبعد 450كم  من مسقط رأسها، يتعاطف الرجل رغم محنته وهنا نلمس قسوة وفضاعة الانحرافات الإدارية في بريطانيا اليوم، دانيال وراشيل يحاول كل واحد مساعدة الثاني فتولد الصداقة والتقارب.

نعيش لحظة غير عادية لنبحر مع نظرة حادة وعبر لغة سينمائية سهلة ومذهلة يفضح هراء مجتمعاتنا. دانيال بليك لسنا مع السينما الوثائقية الاجتماعي الجافة، ولا الدراما الخيالية المسرفة خارج الواقع، هذا الفيلم خلق خطا مستقيما وواضحا يتجه ويكشف جحيم إدارة الشؤون العامة لبلاده. . دانيال بليك، أصيب بنوبة قلبية في مكان عمله ثم أعلن طبيبه أنه غير لائق للعمل، لكن بعض المختصة التي يراجعها  تمطره بأسئلة غبية مثلا هل يقدر أن يستخدم يده لغلق أزرار معطفه وبنطلونه؟ وهذه الأسئلة بعيده عن حالته الصحية،  صانع القرار ينظر للحالة كرقم يمكن شطبه بسهوله، يخوض هذا الطريق المتعرج إلى الإعانة ثم تحضر كاتي في الفيلم فهنا كين لوتش يدان ويدافع عن المظلومين ويرافقهم إلى القبر.


كما هو الحال دائما، اللعنات والهجاء والصراخ ليس له مكان في عالم كين لوتش. هنا، نعيش الواقع ولا يوجد مبالغة، وبالتالي لا توجد حيل تلوث المسار الدرامي.

 دانيال بليك، ليس ضحية مؤامرة من شخص يعاديه ويزرع حوله الألغام، هذه الألغام والمؤامرة  تتابعه  في سياق الإجراءات الإدارية للحصول على المساعدة الاجتماعية، أي الشكليات فقط هي التي تتحول كشبح مرعب، وبهذا يتصاعد الخط الدرامي ومع قرب الحل يسقط بليك ويتوقف قلبه إلى الأبد.

نرى تأكيدات وتكرارا من المخرج البريطاني،في كشف كيفية التعامل مع إنسان عندما يكون بحاجة إلى الدولة، نرى  قيمة الإنسان أقل من الكلب المنبوذ،  تدهشنا لقطة الكلب يتجول ويعرج ثم يتوقف في منتصف الزقاق،  الإسقاط النفسي وبلاغة التعبير العبقري يلخص الكثير والكثير، عندما يذهب دانيا ليستفسر مراكز العمل تكون النتيجة جبل من الأوراق والحث على تعبئة ملفات على المواقع  الإليكترونية وعشرات المكالمات الهاتفية وعندما تتعاطف موظفة مع حالة ما يكون مصيرها التوبيخ.

يضع المخرج يده على موضع الألم كون القرارات التي ينفذها حزب المحافظين سمحت بالخصخصة والاستعانة بمصادر خارجية وشركات خاصة تدير الأنشطة الاجتماعية للدولة، وهذا أدى إلى تعثر الأهداف من قبل الموظفين الذين تحكمهم قوانين قاسية فلا مكان للضمير والإحساس والرحمة فيها، هذا خلق خللا في الإدارة الاجتماعية في البلاد،نرى هذا المشهد السوريالي الذي يظهر فيه الشخص مسؤول الصحة المهنية لإنشاء ملف بدل العجز عن العمل لدانيال يعطي لنفسه الحكم على قرار الطبيب الخاص، حرمان مواطن من حق شرعي يفقده السعادة والحياة. وبالمثل، نرى نماذج لبعض النكسات وغيرها من عقوبات مثلا كاتي بحجة أنها لم تستطع أن تصل في الوقت المناسب وتأخرت دقائق قليلة عن الموعد لذلك حرمت من المساعدة لتتعايش مع البؤس والحرمان وتضطر لبيع شرفها وأدميتها كي توفر الحياة البسيطة لعائلتها الصغيرة، مشهد كاتي في بنك المساعدة الغذائية حيث يدفعها الجوع إلى فتح علبة الطماطم وتناولها بصورة مقززة، هنا ليست دعوة للتعاطف بل ربما رثاء الأدمية فهذه الأنظمة من المفروض أن تخدم المجتمع وتطوره لكنها تخدم فئة قليلة وتزج بنا إلى مرحلة وحقبة بدائية ومهينة.

كانت الطفولة المحرومة حاضرة بقوه فالولد يعاني من الاضطرابات مما يجعله نشطا، نراه يركض ويتحرك بلا هدف ولا تركيز، كما نرى ملامح القلق والحزن في وجه البنت، دانيال أشبه بالملاك المنقذ لهذه العائله رغم مرضه وضعفه وفقره إلا أنه يساعد ويتضامن مع كاتي وطفليها، هنا رسالة قوية إلى المجتمع فأي فرد منا قد ينقذ غيره ولو بالقليل، فالقليل أفضل من السلبية والعدم.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)