آخر الأخبار
 - 

الديمقراطية بالتعريف هي مضمون الدولة بوجه عام، ومضمون الدولة الوطنية الحديثة بوجه خاص. فليس للدولة من مضمون سوى المجتمع الذي ينتجها والشعب الذي ينتمي إليها، ولذلك تسمى دولة وطنية، أو قومية، ودولة الشعب، ودولة المجتمع، والدولة الأمة.

الاثنين, 04-يناير-2016 - 10:45:47
الإعلام التقدمي -


الديمقراطية بالتعريف هي مضمون الدولة بوجه عام، ومضمون الدولة الوطنية الحديثة بوجه خاص. فليس للدولة من مضمون سوى المجتمع الذي ينتجها والشعب الذي ينتمي إليها، ولذلك تسمى دولة وطنية، أو قومية، ودولة الشعب، ودولة المجتمع، والدولة الأمة.

إن الديمقراطية الحقيقية تفرض نفسها من خلال القوانين والقواعد الدستورية والأعراف والاقتراع العام السري والعلني، وفصل السلطات، واحترام التعددية الأثينية، والقومية، والثقافية، واللغوية، وتحديد صلاحيات ممارسي السلطة، وأتباع أصول وطرائق شفافة وواضحة ومبنية على أسس علمية في اختيار الحكومات أو إسقاطها والاعتراف بالحريات وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات و….الخ، وهذه تعتبر الأساس في النظام الديمقراطي الذي ستتشوه كل ديمقراطية بدونها…

إن تاريخ الديمقراطية هو تاريخ سعي الإنسان من اجل الإنصاف والعدل والمساواة، والحكمة قد هَدَتْ بعض الملوك في الحضارات الزراعية – مثل حمورابي- إلى أهمية إقامة الشرائع وإصدار القوانين التي تنظم الحياة وتحدد الواجبات وتبين الحقوق وذلك من أجل تحقيق قدر من الاستقرار والسلم الاجتماعي من خلال إقامة النظام  وتحقيق قدر من المساواة أمام القانون بين من يعتبرهم النظام السياسي متساوين. حيث كان من بين أسباب انهيار إمبراطوريات وخلع الملوك، تجاهلهم لمتطلبات السلم الاجتماعي والديمقراطية في توزيع الثروات وإقصائهم للآخرين، وعجزهم في اتخاذ القرارات لدى الفئات التي يعتمدون عليها في استمرار السلطة أو القيام بالإنتاج.

أن مبادئ الديمقراطية ومفاهيمها وقيمها ذات طابع كوني، إنساني، كغيرها من المفاهيم والمبادئ والقيم التي أنتجها العقل الإنساني، وأنضجتها التجارب الإنسانية المختلفة، وهي مبادئ ومفاهيم وقيم محايدة، لا يمكن أن ننسبها سوى إلى العقل الإنساني الذي أنتجها. جميع المبادئ والمفاهيم والقيم عابرة للقوميات والأديان وعابرة للزمان والمكان

علاقة الديمقراطية بالوطنية والمواطنة.

تعد الديمقراطية الضامن لعملية الاندماج الوطني وهي تشكل حجر الزاوية في بناء الدولة الوطنية الحديثة. وتؤدي غرض التنمية الفكرية لفهم مشترك أفضل بين المتحاورين، عند مناقشة قضايا المواطنة، الوطنية، العيش المشترك، التعددية الثقافية الليبرالية…الخ

وتُعتبر الديمقراطية الإطار القانوني والسياسي لممارسة حقوق المواطنة، وتحمل واجباتها على ارض الواقع. فلا معنى لوجود حقوق قانونية وسياسية على الورق لا يتوفر الحد الأدنى من ضمانات ممارستها على أرض الواقع، مثل وجود التقارب النسبي في الدخل والثروة، والمكانة الاجتماعية، والمستوى التعليمي، وتوفير فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية، والتي تجعل من الديمقراطية عملية مشاركة محكمة فعالة، وليست مجرد ديكور للاستحواذ والإقصاء والاحتواء من قبل فرد أو قلة من الناس باسم الديمقراطية على حساب قيم العدالة والأنصاف والمساواة. إن النظام الديمقراطي ما لم يؤسس على قيم يجلها المجتمع ويؤدي إلى نتائج تحقق قدراً متزايداً من المساواة والعدل والأنصاف، تبقى الديمقراطية فيه شكلا أجوف ولعبة في يد القوي ضد الضعيف ينخر فيها الفساد. الأمر الذي يجعل الارتداد عنها إلى نظم حكم شمولية ووهم العادل المستبد مطلباً جماهيرياً يستجيب لها المقامرون.

ولعل النقل الشكلي للديمقراطية إلى بلدان العالم الثالث وتوظيفها لتكريس مصالح الحكام وترسيخ التبعية بكل أبعادها  يفسر الاحباطات الكثيرة التي يعانيها الوطن العربي  تجاه الممارسات الشكلية الجوفاء للديمقراطية في معزل عن المشاركة الفعالة لمعظم أفراد المجتمع وجماعاته. إن مثل الممارسات التي تبتسر الديمقراطية وتفرغها من مضمونها الوطني تبعدها عن التطور باتجاه المشاركة السياسية الفعالة وتحقيق المصالح الحيوية للشعوب، هي في الحقيقة تضليل وإعاقة للديمقراطية وخلق التناقض بين نتائج الممارسة الديمقراطية المزعومة، والأهداف الوطنية للمجتمع الذي تطبق فيه.

الديمقراطية والدولة

إن الديمقراطية، بوصفها مضمون الدولة الوطنية وروح الشعب، وبوصفها فضاء مشتركاً من الحرية، لا يمكن استيرادها أو استنساخها أو تقليدها أو محاكاتها، ولا يمكن أن تأتي بها أي قوة (ديمقراطية) خارجية مهما حسنت نيتها ومهما تكن وفية لمبادئها، بل يمكن إنتاجها فقط، وفق الشروط الموضوعية المعطاة، وفي سياق عملية الإنتاج الاجتماعي، الوطني، المادي والروحي بالتلازم. لذلك فإن كل تجربة ديمقراطية تحمل خصائص المجتمع الذي ينتجها

من جهته روبرت دال يُقرن مفهوم الديمقراطية عبر التاريخ بإقرار المساواة للبعض أو للكثرة من المواطنين ويعتبرها الممارسات الديمقراطية الراهنة. لقد كان التعبير عن ممارسات الديمقراطية مرتبطة دوماً بحق ممارسة أحد أبعاد المشاركة أو ممارسة كل أبعادها بشكل جزئي أو كلي بحسب نوعية النشاط ولنقل الاقتصادي والتمتع بثمراته على سبيل المثال.

في الدول الديمقراطية يتمتع كل من يحمل جنسية الدولة من البالغين الراشدين بحقوق المواطنة فيها، وهذا الوضع ليس نفسه في الدول غير الديمقراطية حيث تكون الجنسية مجرد تابعية لا تتوفر لمن يحملها بالضرورة حقوق المواطنة السياسية. وهذا أن توافرت هذه الحقوق أصلا لأحد غير الحكام وربما للحاكم الفرد المطلق وحده.

ترمز الديمقراطية إلى نظام يكون كل فرد فيه نظرياً عضوا في المجموعة الحاكمة. وطبقا للمنظرين الديمقراطيين فإن الفرد الذي يعتبر جزءا من الأمة يختلف من نظام إلى أخر. اعتبر أهل أثينا، الأحرار من الذكور الإغريق من ساكني أثينا فقط كشعب واستثنوا العبيد والأجانب والنساء…..ألخ واستمرت غالبية الجماعات السياسية الحديثة في تطبيق قدر ما من التمييز ونجاحه ضد النساء والفقراء والأقليات العرقية والدينية.

أظهرت الممارسات الديمقراطية ميلاً نحو توسيع مفهوم حقوق الأفراد تدريجياً، وجعل التمييز ضد المجموعات المتضررة في حالة ممارسته أمرا مرفوضا وأصبح من المقبول الآن عموما وجوب السماح لجميع الأفراد المقيمين داخل حدود دولة معينة بالتمتع بالعضوية الكاملة للمجتمع السياسي لتلك الدولة وعلى الصعيد النظري يجب اعتبار أعضاء كهؤلاء مؤسسين ومشاركين للمجتمع السياسي سيتيح لهم فرصة التأثير في الطريقة التي يتشكل فيها وحتى تستطيع هذه المجتمعات السياسية المتعددة الثقافات أن تعمل يجب أن تكون مستنداً إلى قاعدة من القيم المشتركة المبنية على الديمقراطية بين تلك الثقافات والجماعات

ترى شانتال موف أن الولاء للمؤسسات الديمقراطية في المجتمعات الديمقراطية هو إحدى مهام الاندماج مع الممارسات والالتزام بقواعد اللعب وبالمؤسسات التي تكون لها حياتنا. حين ذاك يمكن خلق الأرضية الملائمة للبدء بالتحول الاجتماعي في المجتمعات الفاقدة للديمقراطية

من جهته يدعو جون رولز إلى الاجتماع المتداخل أي أن المجتمعات التعددية تعتمد أساسا على قيمة المجتمع نفسه، وان قيمها المركزية هي الالتزام بالتوفيق بينهما وصيانة المجتمع والعمل على تقدمه. وهذا الاجتماع المتداخل يعتبر كقاعدة وحيدة ذات مصداقية للمجتمعات الديمقراطية الحديثة وبالنسبة إلى رولز فالمجتمع الديمقراطي كنظام تعاون عادل بين مواطنين أحرار ومتساويين، يجب أن يعتمد على مفهوم يضمن لجميع المواطنين الحقوق والحريات الأساسية كحالة لشعورهم بالأمن والاعتراف المسالم والمشترك بهم

الشعب والديمقراطية:

إن الشعب بالنسبة للديمقراطيين هو مجموع الأفراد الأحياء الذين لكل منهم حق في جزء من السيادة: إن الانتخاب العام والشامل هو النتيجة للسيادة الشعبية المفهومة بشكل نزيه، والتي لا تعتبر الانتخابات المُقيدة إلا تشويهاً كالكاريكاتور لها. إن القسم الأكثر عدداً والأكثر فقراً من هذا الشعب، والقسم التعيس والمتألم، ينادي بالجمهورية الديمقراطية. وله الحق بالمطالبة بالرعاية. إن الإصلاحات السياسية المعتمدة على الديمقراطية تجر معها في مقابل الآلام والبؤس إصلاحات اجتماعية.

هذا الشعب هو شعب الثورة في أي مكان، شعب الثورة الكبرى الواحدة، وغير قابلة للتجزئة في روحها. فلا يمكن مثلاً القول بوجود تعارض بين 1789و 1793، فالشعب الحر التواق للديمقراطية والذي يَشنَّ الحرب على الطغاة من أجل حق الحرية والديمقراطية للشعوب الأخرى. لذا ترغب الديمقراطية تطّعيم النزعة الجمهورية بالتطلعات لمجتمع أفضل وبمطالب القوميات، في أن واحد.

اليكس دو توكوفيل يرى إن المشكلة الرئيسية للمجتمعات الحديثة تكمن أنها تبحث عن الشروط التي يمكن لمجتمع ما التوجه نحو مصير الأفراد ليصبح ذا نمط واحد، وآلا يغرق في الاستبداد. وأيضاً كيف نجعل من المساواة والحرية منسجمين مع بعض؟….. إنه يعود لحالة المجتمع من أجل فهم مؤسسات السياسة. ويرى أن الطابع الأساسي للديمقراطية هو المساواة، والاتجاه نحو التسوية المعّممة. ويضيف بأن المجتمع الديمقراطي لا يرتبط فيه الناس بعضهم ببعض بقوة، ونجد فيه رابطة الانفعالات الإنسانية مرتخية، والفرد الديمقراطي بدل أن يعود لما كان يفكر به أجداده، أو على الأقل بدل أن ينحني أمام رأي الناس الأعلى في عصره، يتجه للاستعانة فقط بالجهد الفردي لعقله. لكنه يجد نفسه ساجداً أمام الأغلبية من الجمهور الذي خّصه بشكل غريب بالعصمة وقوة هذا الجمهور الذي لا يُقِنُع بأفكاره وأحكامه أو معتقداته، وإنما يحاول أن يجعلها تدخل في النفوس بنوع من الضغط الهائل لروح الكل على عقل كل فرد.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)