آخر الأخبار
 - نال مصطلح العلمانية أشرس هجوم من أتباع الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) فشوّهوا الحقيقة عندما كتبوا أنّ العلمانية تسعى لإقامة دنيا بلادين، فى حين أنّ تجربة تطبيق مبادىء (العالمانية)

الاثنين, 07-سبتمبر-2015 - 10:00:58
الإعلام التقدمي- طلعت رضوان -


نال مصطلح العلمانية أشرس هجوم من أتباع الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) فشوّهوا الحقيقة عندما كتبوا أنّ العلمانية تسعى لإقامة دنيا بلادين، فى حين أنّ تجربة تطبيق مبادىء (العالمانية) فى بعض الدول تؤكد العكس. و(العالمانية) تُكتب بالألف، لأنها تعنى الإهتمام بشئون العالم الدنيوى. وأنّ الربط بين المصطلح ومعنى العالم أدق، لأنّ الترجمة الصحيحة هى (الزمانية) لأنها ((ترتبط فى اللغات الأوروبية بالأمورالزمنية، أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض))


 (د. فؤاد زكريا- مجلة قضايا فكرية- أكتوبر85. وأنظرد. مراد وهبة فى كتابيه (جرثومة التخلف، (ملاك الحقيقة المطلقة) وكتاب الأسس الفلسفية للمفكراللبنانى عادل ضاهروآخرين) أما الإهتمام بالعلوم الطبيعية فيأتى كنتيجة لتطبيق مبادىء العالمانية. ويرى د. صادق جلال العظم أنّ العلمانية مع ((الحياد الايجابى للدولة بأجهزتها إزاء الأديان والمذاهب الموجودة فى المجتمع وبخاصة فى المجتمعات التى تحوى أقليات دينية كبيرة ومؤثرة وفاعلة كما هوالحال بالنسبة لمسلمى الهند ومسيحيى مصر)) (العلمانية والمجتمع المدنى- عام 88 ص 8).


العالمانية والقيم الروحية:

إنّ أعضاء أحزاب الخضر ليس لهم أى دور فعال إلاّ فى ظل المجتمعات المؤمنة بمبادىء العالمانية لأنهم أحرار فى مجتمع يعترف بحرية الإنسان، فتحدوا حكوماتهم فى دفن النفايات النووية سواء على أراضيهم أو على أراضى شعوب أخرى. والمتطوعون الذين يذهبون إلى مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية ويُعرّضون أنفسهم لانتقال الأمراض المعدية إليهم هم أبناء ثقافة العالمانية. والفلاسفة الذين أدانوا الحروب وهاجموا رؤساء أمريكا عالمانيون أمثال برتراند رسل وسارتر.

 بل إنّ أينشتين (موسوى الديانة) رفض عرض بن جوريون بأنْ يكون رئيسًا لإسرائيل. ورفض سيجموند فرويد (موسوى الديانة) الدعاية لقيام دولة إسرائيل وعارض فكرة إقامة الدولة الإسرائيلية لعدم اقتناعه بإنشاء وطن لليهود على أرض شعب آخر. ورفض الكاتب المسرحى آرثرميلر جائزة القدس التى منحتها له الحكومة الإسرائيلية تعبيرًا عن استيائه من سياسة شارون ضد الفلسطينيين.

كما أنّ 37أستاذًا من جامعة بن جوريون فى بئرسبع وقعوا على مذكرة احتجاج على منح شارون شهادة دكتوراه فخرية. فهل هناك مرجعية أخرى غير(الضمير الإنسانى الحى) وغير(البعد الروحى) ؟ وبماذا نصف تصريح وزيرة العدل الألمانية التى قالت ((إنّ سياسة جورج بوش أشبه بأساليب الزعيم النازى هتلر)) ؟

وبماذا نصف تصريح الكاتب المسرحى البريطانى هارولد بنتر عقب شفائه من السرطان الذى قال فيه إنه لن ييأس من السعى لتقديم كلينتون وتونى بلير لمحكمة مجرمى الحرب. وأضاف أنه شاهد بعينيه الفظائع التى ارتكبتها القوات الأمريكية والإنجليزية فى حرب البلقان. وبماذا نصف تبرعات الرأسماليين فى الأنظمة العالمانية للأبحاث العلمية والجمعيات الخيرية والمستشفيات. أليس هوالبعد الروحى ؟

وفى الحضارة المصرية ساوى المصرى القديم بين رذيلة الكذب والبراز. أما بوذا (563- 483ق.م) فذكر أنّ الوصول للسعادة تتمثل فى مجاهدة النفس حتى تبتعد عن ((الكذب والنميمة وتجنب القتل والايذاء والتعفف عن السرقة والغش والنشاط الجنسى غير الأخلاقى واحترام الكائنات الحية جميعًا))

 وعن البعد الروحى فى البوذية كتب العالم جون كولر ((تركت التعاليم الفلسفية الخاصة بالبوذية أثرها فى جانب كبير من الحضارة الآسيوية. فقد تغلغلتْ البوذية على نحو يفوق أى دين آخر فى الثقافات التى ارتبطتْ بها: بورما، سريلانكا، كمبوديا، تايلاند، لاوس، التبت، الصين، كوريا، اليابان، فيتنام، حيث سيطرتْ البوذية. وفى مقدمة خصائص البوذية الكرامة الإنسانية، التسامح، روح الشفقة واللاعنف)) وعن الكونفوشية كتب ((أكــّـدتْ المدرسة الكونفوشية أنّ الأخلاق والخيرفوق القوانين))

العالمانية ومؤسسات الدولة:

تتأسس العالمانية على فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية. أى أنها لا تعنى فصل الدين عن المجتمع. وهى تــُـفرّق بين الشخص الطبيعى الذى له حق اعتناق مايشاء من أديان ومذاهب وفلسفات وبين والشخصية الاعتبارية (الشركات والهيئات والوزارات) فهى ليس لها دين ولاتتعامل بالدين وإنما بقوانين ولوائح. ويؤكد ذلك أنّ الأنظمة العالمانية فى أوروبا وأمريكا والهند واليابان إلخ تسمح ببناء كل دور العبادة، فيتجاور المسجد والكنيسة والمعبد.

وصرّح مفتى جمهورية البوسنة والهرسك د. مصطفى سيريتش أنّ ((السويد تُساهم فى ترميم مساجد ومعالم إسلامية تاريخية فى مناطق مختلفة فى البوسنة بغرض إحياء هذا التراث الحضارى الفريد فى أوروبا لاعتبارات ثقافية وإنسانية)) فى حين أنّ دولة عربية لا توجد بها كنيسة واحدة. بل إنّ مصر(رغم أنها ليست ثيوقراطية بنسبة 100%) فإنها تـُـفرّق بين بناء المسجد وبناء الكنيسة.  علمانية

الفصل بين المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية هو السبيل الوحيد لدرء توظيف الدين (الثابت والمقدس) لصالح السياسة (المتغيرة وغير المقدسة) إنّ هذا الخلط بين مؤسسات شئون التقديس وشئون السياسة جعل رأس المواطن أشبه بكرة القدم، فالإصلاح الزراعى حلال لأنّ السلطة السياسية (عهد عبدالناصر) أرادتْ ذلك.


 ثم هو حرام عندما تغير موقف الحكم. حتى الحروب (غزو العراق للكويت ثم غزو أمريكا للعراق نموذجًا) والمعاهدات الدولية والاكتشافات العلمية بما فيها الطب، تخضع لمرجعية مؤسسات شئون التقديس وليس للعلماء، فينحط البحث العلمى ويتحمل البشر الخاضعين للشيوخ ضريبة التخلف. ولعلنا نتذكر ضحايا شركات توظيف الأموال (= نهب الأموال) الذين ردّدوا وراء موظفى الدين: هل نأخذ العوائد الحلال المرتفعة وندخل الجنة، أم نودع فى بنوك الدولة وندخل النار؟

اللغة الدينية وهدم الولاء الوطنى:

مع غياب العالمانية يعلو صوت اللغة الدينية. فلا تجد فى التعليم والإعلام تحليلا نقديًا لخطاب الأصوليين بل تجد تمجيدًا لهم أمثال جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى الذى روّج لمقولة (الرابطة الدينية) حيث ((لا جنسية للمسلمين إلاّفى دينهم)) (العروة الوثقى 26/7/1884) أو حسن البنا الذى قال ((نحن نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية)) أوأ. مهدى عاكف الذى لم ير بأسًا أنْ يحكم مصر خليفة من ماليزيا لمجرد أنه مسلم، بينما العقل الحر مثل أحمد لطفى السيد، يرى غير ذلك فكتب ((الإسلام ليس لمسلم بوطن، فوحدة الاعتقاد الدينى ليست كافية لإقامة وحدة التضامن الوطنى)) (الجريدة 10/3/1907) وكتب عميد الثقافة المصرية (طه حسين) ((من المحقق أنّ تطور الحياة الإنسانية قضى منذ عهد بعيد بأنّ وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان للوحدة السياسية ولا قوامًا لتكوين الدولة)) (السياسة31/12/1923)

العالمانية وقانون التغير:

يتجاهل الأصوليون وقائع التاريخ الإسلامى الذى أثبت فى أكثر من واقعة أنّ قانون التغير جعل خليفة فى قامة عمربن الخطاب يرفض أنْ يكون النص الدينى مرجعًا له مثل موقفه من (المؤتلفة قلوبهم) وعدم قطع يد السارق فى عام المجاعة إلخ. ويتجاهلون ماحدث مع النبى عندما تعرّض لجماعة خالفته فى الرأى فحاول اقناعهم بآيات من القرآن، فتدخل على بن أبى طالب وقال قولته الشهيرة ((لا تحاجهم بالقرآن فإنّ القرآن حمّال أوجه)) وأكثر من ذلك فإنّ النبى من مُـنطلق نظرته الواقعية نصح (بُريده) أحد قادته فى إحدى الغزوات قائلا ((إذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أنْ تنزل على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله.


 ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا)) (المستشارمحمد سعيد العشماوى- الإسلام السياسى- سينا للنشرعام 87ص 117، 160) وهل تستطيع أية دولة (دينية) أنْ تُصدرقانونًا يُنظم أحكام الرق أو ما ملكت أيمانكم المنصوص عليها فى القرآن ؟ إنّ العالمانية هى الأساس لضمان حياد منظومة الحكم، حياد يعتمد على (أفعال) المواطن وليس على (معتقداته) وبالتالى فهى تُعلى من القيم الروحية النبيلة طالما أسّستْ قواعد العدل والمساواة بين المواطنين بغض النظرعن معتقداتهم الدينية والمذهبية.

 كما أنّ قانون التغيرهو الذى نقل البشرية من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورًا. وصدق العلامة الفارسى الشهرستانى الذى ذكر أنّ الحوادث والوقائع والتصرفات يصعب حصرها وأضاف ((ونعلم قطعًا أنه لم يرد فى كل حادثة نص. ولايُتصور ذلك أيضًا.

 والنصوص إذا كانت متناهية فالوقائع غير متناهية. ومالا يتناهى لايضبطه مايتناهى)) وهذا الوعى بقانون التغير، أدركته العلمانية، ولذلك فهى مع القيم الروحية، وهذا ما وعته أنظمة الحكم الأوروبية، فحقــّـقتْ السعادة لمواطنيها.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)