آخر الأخبار
 - عادة ما يبادر الفكر السياسي في بداية أية أزمة أو حرب أو خطر  إلى الدعوة للوحدة الوطنية، والعيش المشترك على أرض واحدة، والعمل سوية لتحقيق دولة الأمة. لكن ما يحصل أن المستبدين يستمرون في الالتفاف على الشعوب

الثلاثاء, 01-سبتمبر-2015 - 10:44:29
الإعلام التقدمي- شفان ابراهيم -


عادة ما يبادر الفكر السياسي في بداية أية أزمة أو حرب أو خطر  إلى الدعوة للوحدة الوطنية، والعيش المشترك على أرض واحدة، والعمل سوية لتحقيق دولة الأمة. لكن ما يحصل أن المستبدين يستمرون في الالتفاف على الشعوب، ويُرجعون ديمومة الحال  إلى صعوبة الظروف الراهنة، ويستمرون في الوعود المستوحاة من الوعود في الإصلاح السياسي حال انتهاء الأزمة، التي يصر هو وحده على تسميتها بالأزمة مُجِرداً الثورة من محتواها عبر تسميتها بنعوت وشعارات ضبابية وكاذبة.


وحسب جون لوك فإن المواطنين يرضون في سبيل الهدف الأسمى استبداد رجل واحد، يستطيع لملمة شتات القوم في كيان موحد، لكن ما أن تتحقق هذه الوحدة حتى ينتفي أية ضرورة للاستبداد وتنتهي ضرورة وجوده، وينتهي دوره، وحينها يبدأ الفكر السياسي بإزاحة الطغاة عن كاهل الشعوب. ففي بدايات القرن السابع عشر بدأت عملية تدريجية لتحرير الفلسفة السياسية من الارتباط باللاهوت، وحدث هذا الأمر نتيجة تراجع المد الديني وطغيان الطابع الزمني على أية مشكلة يتوجب على الفكر السياسي حله.

إن الحرية السياسية تكمن في الفعل الذي لا يتنافى مع ابسط الحقوق المعيشية المشتركة مع باقي الفئات الشعبية، وبما تجود به القوانين، وتتجلى الحرية السياسية أيضاً في منع عملية الإلزام المفروضة على البعض للقيام بأفعال لا تتناسب ومقدراتهم أو قناعاتهم، ذلك حفاظاً على حريتهم من الاختراق والمصادرة. للكل القدر نفسه من التمتع بالحرية، وقد أرسى توماس هوبز مبادئ المذهب الفردي وأعتبر أن الهدف الأساسي للجماعة ما هو إلا حماية الحقوق الفردية والحفاظ عليها، وأبعاد التوحش عنه من جانب أخيه الفرد الأخر، ولهذا دعت الجماعة السياسية  إلى أن يتنازل كل فرد منهم عن جزء من حقوقهم في عقد اجتماعي لصالح الحاكم أو الراعي كي يتمكن هذا الراعي أو الحاكم من حماية الحريات والحقوق، فإي فرد منا ينزع نحو العيش في جماعة رغبة منه في أن يتعايش مع غيره وهو بحاجة  إلى غيره ويجد في ذلك مصلحته وحاجته وبذلك تكون الدولة – والتي هي اجتماع سكاني- تكون نابعة من الغربة الإنسانية التي تستند  إلى مصلحة الفرد الخاصة.

إن مذهب الحقوق الطبيعية الأساسية للفرد، والذي يمكن جمعه في الثالوث المقدس ( الحرية- الحياة- الملكية) وإن كانت قراراتها صادرة عن الأغلبية إلا أن السلطة السياسية حين تتعدى على مذهب الحقوق الطبيعية وخاصة الحرية، والملكية الفردية، فإنه يحق للمحكومين القيام بثورة لاستعادة هذه الحقوق الطبيعية. فالعقد الاجتماعي الذي ييسر أمور دولة ديمقراطية ليس عقد كراهية أو تنازل فرد من الأفراد عن الحكم لصالح الحاكم، بل هو قبل كل شيء أتفاق الجميع في إطار القانون الطبيعي. فأي نظام حكم حتى يضمن الاستقرار والأمان في البلاد، لابد من الجمع ما بين الحقوق الفردية والديمقراطية، وضمان عدم طغيان الأكثرية بل مشاركة الأقليات في الحكم وصياغة الحكم وكتابة الدساتير، ولابد لهذا الدستور أن يقيد السلطة المطلقة للأكثرية، أي أن تكون الديمقراطية الدستورية هي الحامية لحقوق الجميع، أفراداً وجماعات أقليات وأكثرية. ولعله من أهم ما ترتكز عليه الليبرالية هي العلاقة ما بين الحرية والفردية والملكية الخاصة، فالاعتراف بوجود مجال خاص للأفراد يحق لهم العمل بما يرغبون به بعيداً عن تدخل الدولة والعيش بمقتضى الحرية التي لا تتعارض مع القانون الذي يحرم اعتداء على حرية الآخرين،

 فإن ذلك يتطلب وجود ملكية خاصة وعدم تركزها في جهة واحدة بما فيها الدولة ذاتها، فالاحتكار عدو الليبرالية سواء كان ذلك الاحتكار خاص أم عام. فحين نطالب بشيء من الحرية لابد من وجود نوع من الملكية وتنوع الملكيات وما أن يتم تامين هذه الملكية حتى يضمن شرط تحقيق حرية الأفراد، ولقد ركز لوك على مبدأين أساسيين لليبرالية، وهما لا يزالان مستمران حتى الآن وهما فكرة دولة القانون، وفكرة أقتصاد السوق القائم على الملكية الخاصة

العلاقة بين الليبرالية والديمقراطية.

ما أن بدأت الثورتين الأمريكية 1776 والفرنسية1789 واللتان أكدتا على الحرية والثورة الليبرالية حتى ساد اعتقاد بأن الطريق معبد أمام الديمقراطية والليبرالية، لكن المفاجأة الغير متوقعة تمثلت في بدايات القرن التاسع عشر التي زخرت بالدعوات  إلى الشمولية وتدخل الدولة، والاستهزاء من حرية الأفراد، عدا عن معضلة القرن العشرون المتمثلة في الأنظمة القمعية كالفاشية والنازية وبات تسود قناعة بان الليبرالية عاشت أيامها واندثرت مع ذكريات الماضي، ولم يبقى لها في الحاضر سوى عبق الماضي. لكن وبعد أن بدأتها الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر انتظرت الشعوب حوالي قرنين وتحديداً في عام 1989 فقد بدأت الأنظمة الشيوعية بالانهيار وبدا النظام الماركسي في الاتحاد السوفيتي ومعظم دول أوربا الشرقية بالانهيار والتضعضع مع القضاء التام على النازية والفاشية في نهاية الحرب العالمية الثانية، حينها بدأت الشعوب مجدداً بالتفكير أن الليبرالية السياسية والاقتصادية بدأت تعود مجدداً وستكون بمثابة النظام الأخير كما أشار  إلى ذلك فرنسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ. بدون شك لا يمكن لليبرالية أن تتحقق دون الحرية والديمقراطية، فالليبرالية كمصطلح مشتق من معنى
الحرية خاصة مع بدايات القرن السابع عشر حيث استندت الليبرالية  إلى مفهوم خاص للحرية، وهي ليست مجرد دعوة للحرية أنما قبل أي شيء أخر دعوة  إلى الفردية واحترام ضرورة وجود مجال خاص تتمتع الفردية فيه باستقلاليته وحريته، دون أي تدخلات تؤدي  إلى تقييد مجاله الخاص، وهذا ما حصل في نهايات القرن التاسع عشر حينما بدأت بعض البرلمانات وخاصة الانكليزية والألمانية بإصدار تشريعات وقوانين تحمي حقوق العمال الفردية وتحافظ على حرياتهم ومجالهم الخاص، وتحد من سطوة وغطرسة أصحاب العمل في استغلال عمالهم.

كما ركزت الفلسفة النفعية متمثلة بجون ستورات ميل على تحديث وتفعيل الليبرالية بشكل اكبر حيث ركزت على حرية الفرد كإنسان ذو حقوق متعددة الجوانب، وجاهد في سبيل نفس المبدأ القائل أن الحرية هي فقط في التخلص من حاكم جائر مستبد، أنما ركز على أن الحرية الفردية للإنسان تكمن في جوانب متعددة إضافة  إلى التخلص من المستبد فإنه بحاجة  إلى حقوق أخرى منها حماية حقه كعامل وكانسان فرد، وحمايته من ضغوط المجتمع على الفرد…………… والتي تؤدي بالضرر والخطر على حرية الفرد من عدم إشباع حاجاته الشخصية وعدم تلبية متطلباته المحقة في العمل أو غيرها، لذا فإن المجتمع مجبر عبر سلطته السياسية بالتدخل بغية فك الأسر المفروض على الفرد. هذا التدخل من قبل الدولة يعد كرغبة في تحقيق أكبر قدر من الحرية للفرد بدلاً من عده شراً أو تقييداً من كرامة وحرية الإنسان، وهذه الحرية هي في الوقت عينه تعتبر قيمة للمجتمع ككل قبل أن تكون حرية فردية، مع العلم أن ترقي المجتمعات ومدة قيمها إنما تقاس من خلال درجة الحرية التي يتمتع بها الفرد، لذلك فإنه من واجب الدولة حماية هذه الحرية والتدخل لتامين الرفاهية مع عدم المساس بمقدسات الفرد ( حريته) أي يحق للدولة التدخل فقط حين تمس حرية الفرد مقدسات أو حريات الآخرين،

وتضع ضوابط للمنع من التأثير في الآخرين، لكن لا يحق لها التدخل في الشأن الفردي الشخصي.

وبالتالي فإن معنى الحرية قد أختلف ولم يعد مقتصراً على الحد من تدخل الدولة، كما أصبحت مفاهيم الخير والرفاهية الاجتماعية أساس من أسس المذهب الليبرالي، والحال كهذه فإن مفهوم الدولة لم يعد مقتصراً على حماية الحقوق الطبيعية للفرد. لذا فإن أي فرد إن أراد أن يحقق ذاته فلا بد أن يكون له دور في المجتمع، فأي تنظيم سياسي يتمحور هدفه في إتاحة الفرصة إمام الأفراد كي يجدوا لهم الدور المناسب الملائم في الحياة الاجتماعية، وهذا التنظيم السياسي الذي يمكن وصفه بالدولة أنما يتوجب عليها التدخل ايجابيا والقدرة على التمتع بالقيام بأعمال تهدف نحو تحقيق هدف يهم الإنسان وحريته وحينها فإن الليبرالية تجد طريقها للتطبيق ويكون المجتمع الليبرالي هو ذلك المجتمع الذي يستطيع أعضاءه تحقيق اكبر قدر ممكن من أحلامهم ورغباتهم وطموحاتهم وأهدافهم المشروعة. وعلى هذا المجتمع أن يهيئ الظروف المناسبة لذلك وحينها يحق للدولة التدخل فقط لصالح الفرد وحريته السياسية والاقتصادية دون أن يحد هذا التدخل من حقوق الفرد وحريته وملكيته واستحقاقاته أي أنها تساهم في تحقيق الحرية الايجابية للأفراد وحينها ستزهر دولة الرفاهية، ولا يمكن تغافل مبدأ المساواة العرقية التي تعد من الركائز الأساسية في الليبرالية،

 لذا فإن زبينيغة بريجنسكي يصر على أن المهمة المتعذرة والصعبة والميؤس منها؛ هي خلق مجتمع متعدد الأجناس تسوده المساواة؛ لأن الاتجاهات الحالية تشير إلى أزمة تزداد سوءاً أن لم يتم بذل جهد اجتماعي كبير لاستيعابها

 منبر الحرية
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)