آخر الأخبار
 - تقرير:تعز حلبة الصراع الأخيرة

الأربعاء, 27-مايو-2015 - 09:39:55
الاعلام التقدمي- -
حولت الاشتباكات والقصف المتبادل وغارات الطيران السعودي المتواصلة منذ قرابة الشهرين مدينة تعز، جنوب غرب البلاد، إلى مدينة أشباح.

و تقول تقارير صادرة عن جهات إنسانية تهتم بالإغاثة و توزيع المساعدات أن أكثر من 60% من سكان المدينة، نزحوا من أحياء المدينة، إلى المحيط الريفي، و قراهم في المحافظة و المحافظات التي ينتمون إليها.

و جاء النزوح على خلفية إغلاق المحلات التجارية و الخدمية و انعدام المشتقات النفطية و الكهرباء و تضرر المنازل و المرافق العامة و الخاصة، نتيجة قصف الطيران السعودي و حرب الشوارع المحتدمة في المدينة و تبادل القصف المدفعي بين طرفي الصراع.

و سقط تبعا لذلك، مئات القتلى و الجرحى من المدنيين، في مختلف أرجاء المدينة.

و كان يوم الثلاثاء 26 مايو/آيار، أكثر أيام المدينة حالكا بالسواد، جراء غارات الطيران السعودي المكثفة، و التي شملت معظم أرجاء المدينة، و لم يسلم منها حتى جبل صبر، الذي يطوق المدينة من الجهة الجنوبية.

و خلال شهرين من القصف و الاشتباكات، وصل الدمار إلى مختلف أحياء المدينة، التي تشهد كثير منها اشتباكات شبه يومية بين مسلحي أنصار الله "الحوثيين" المسنودين بقوات من الأمن الخاص و الحرس الجمهوري، و مسلحي الإصلاح المسنودين ببعض جنود اللواء 35 مدرع.

الدمار الذي تشهده المدينة اليوم، يفوق ما تعرضت له المدينة، في العام 2011، عقب انتقال الصراع المسلح من العاصمة صنعاء إليها، و الذي تلى اقتحام ساحة الحرية من قبل قوات الرئيس السابق "صالح" في الـ"29" من مايو 2011م.

تتناثر في معظم شوارع المدينة، زجاجات المنازل و المحلات التجارية و مخلفات دمار تركته الاشتباكات و غارات الطيران السعودي.

كما ترتسم على بعض المباني حفر غائرة للرصاص و القذائف و الشظايا، التي ترسم للأجيال القادمة حقبة من الصراع على السلطة في البلاد.

المحلات التجارية في المدينة باتت مغلقة بأبواب مهشمة و بعضها اخترقتها رصاص مختلف الأسلحة، تحكي حجم الدمار و الخراب الذي ينقله تجار الحروب حتى إلى أكثر المدن آمانا.

كان الكثيرون يعولون على تعز أن تكون ملاذا آمنا لجميع أبناء الوطن، عقب احتدام المواجهات في عدن بين أنصار الرئيس هادي المقيم في الرياض، و مسلحي أنصار الله "الحوثيين" و الجيش لموالي لهم، في مارس المنصرم.

نزحت بعض الأسر من لحج و عدن الجنوبيين، صوب تعز، آنذاك، غير أن الصراع انتقل إلى تعز، بمشيئة أمراء الحروب، الذين حولوا هدوء المدينة الحالمة إلى مستنقع للموت و الدمار.

تعز التي انحازت للسلمية و بشرت بثورة 2011 من ساحة الحرية، كأول ساحة تفتتح في البلاد في الـ13 من فبرائر من ذات العام، صارت اليوم أكثر مدن البلاد اشتعالا، و هي المرشحة للاستمرار في مشوار الحرب مدة أطول.

معارك كر و فر و حرب شوارع مستمرة ليل نهار منذ قرابة الشهرين، و بوتيرة متواصلة، ترشح المدينة لأن تظل حلبة الصراع الأخيرة، بين من يتكئون على البندقية لحكم البلاد، و هو الخيار الذي لا يميل إليه أبناء المدينة الجانحة للسلم.

السلاح صار منتشرا في المدينة و المسلحون هم الوحيدون الذي يسرحون و يمرحون في نطاق سيطرتهم، في حين ينزوي من تبقى من السكان، خلف جدران منازلهم، التي باتت علامات جديدة في بنك أهداف الاشتباكات و القصف و الاغارة من الجو.

تعز، التي كان ثوارها يخرجون بمسيرات تدعو لاستمرار الثورة السلمية و ترفض الحرب، مع استمرار القصف و المواجهات المسلحة في العام 2011، باتت اليوم متعطشة لتلك المسيرات، التي تعيش قطيعة مع كل من يدعو للحب و السلام، ما يؤشر إلى انعدام إن لم يكن غياب لروح تعز السلمية، التي ظل ابناؤها حاملين للمشروع الوطني في عموم البلاد.

تعز هي تلك المدينة، التي سار ابناءها مئات الكيلومترات على الأقدام صوب العاصمة صنعاء نهاية العام 2011، مؤكدين على استمرار ثورتهم السلمية، صارت اليوم على قطيعة مع كل ما يدعو لرفض الحرب و يدعو للسلام.

قلعة القاهرة، التي تعد أهم الرموز و المعالم التاريخية التاريخية، في المدينة، و التي حكم منها الرسوليين اليمن الطبيعية، تقصف من الطيران السعودي، لتجد من يبرر لتدميرها بأن لا قيمة للتاريخ أمام الإنسان الذي يموت، غير أن القصف لم يقدم و لم يؤخر في إبعاد من الموت القادم من القلعة و لو لأمتار قليلة.

تعز تدفع و بمشيئة أمراء المال و النفط و الحروب، نحو إحياء النعرات المذهبية و المناطقية، مع أن الجميع تعايش في تعز و من مختلف أرجاء الوطن، دونما إيلاء أي قدر من الأهمية لهذه المصطلحات.

كان الجميع يردد أن تعز حين تتمرس خلف الجغرافيا تتقزم، لكن اليوم هناك من يدفع نحو ذلك.

و الخلاصة: صارت تعز و هي عاصمة الثقافة، أخر حلبات الصراع بين المتحاربين، و على أنقاض تاريخها و عمرانها و من فوق آنات انسانها المسالم، يسعى المتحاربون لإثبات وجودهم و تحسين شروطهم التفاوضية خلف الكواليس و على طاولات عقد الصفقات، التي لا تحل مشاكل البلاد بل تؤجلها لتزيدها اشتعالا، ولعل ما شهدته المدينة، في العام 2011 خير شاهد، لمن لا يزال لديه ذاكرة، فأطراف الصراع لا زالت هي و نيران البندقية هي من لا تزال تزهق ما تبقى من القيمة المدنية لهذه المدينة، التي باتت متشحة بالسواد.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)