آخر الأخبار
 - 
المنظور السائد يحاكم على ما يظهر في الواقع. لهذا، يقف ضد ما يجري، لأنه يرى أن مظهره مناقض لما يريد. فالطبقات المفقرة تمرّدت، لأنها لم تعد تستطيع العيش، وهي تريد تغيير وضعها

الأربعاء, 11-فبراير-2015 - 11:29:53
الإعلام التقدمي-سلامة كيلة -

المنظور السائد يحاكم على ما يظهر في الواقع. لهذا، يقف ضد ما يجري، لأنه يرى أن مظهره مناقض لما يريد. فالطبقات المفقرة تمرّدت، لأنها لم تعد تستطيع العيش، وهي تريد تغيير وضعها، بحيث تحقق ما تعتقد أنه يجعلها تتجاوز وضعها. وهي، هنا، تعرف بالضبط ما تحتاجه، وكان واضحاً أنها تريد العمل والأجر الذي يسمح لها بعيش كريم، وضمان التعليم والصحة، لكنها لا تعرف كيف تحقق ذلك، على الرغم من أنها هي التي تصنع الثورة، حين تصل إلى لحظةٍ تشعر أنها باتت لا تستطيع العيش.

لا شك في أن وضعها لم يسمح لها بأن تمتلك الوعي الذي يجعلها قادرةً على معرفة كيف تحقق مطالبها، حيث حرمها الوضع من فهم السياسة، ومعرفة كيف يمكن أن تنتظم، لكي تحقق هذه المطالب، لأن النظم الاستبدادية تدمر السياسة، وحتى الثقافة. وحيث أن الطبقات الشعبية تميل، بشكل عام، إلى البعد عن السياسة، لأن قسوة النظم أسست تاريخياً لهذا الفصل بين السلطة والشعب. وبالتالي، إلى ميل الشعب إلى الحذر من كل ما هو سياسي. وبهذا، لا تستطيع أن تبلور بديلاً يحقق المطالب التي تناضل من أجل تحقيقها، وتثور من أجلها. هي تطرح مطالب، وتثور من أجل هذه المطالب.

لكن، كيف يمكن أن تتحقق هذه المطالب؟ هذا ما لا تستطيعه، بالضبط لأنه يقع في مستوى يحتاج إلى فكر، إلى التحليل والتجريد، وهذا ما لا تمتلكه، لأنها تفتقد إلى الوعي السياسي والثقافة السياسية. فالتعليم لا يتضمن ذلك. على العكس، تسعى النظم إلى ألا تتسرّب السياسة إلى المجتمع، وتقاوم حتى الثقافة، وكل ما يمكن أن يغيّر من وعي المجتمع. فهذه النظم تريد مجتمعاتٍ مخلّفة، بعيدة عن الفهم والمعرفة والتحليل.

لهذا، ما يطرح هو أن تلعب فئات مثقفة دور الناقل للوعي والفكر إلى هذه الطبقات، وأن تنشأ الأحزاب التي تحمل مطالبها، وتحدد الرؤية والاستراتيجية والسياسات التي تقود إلى تحقيق هذه الطالب. "الوعي يأتي من الخارج"، وبلورة البديل في مشروع يتحقق "في الخارج" (أي خارج الطبقات المفقرة). هذا ما يفرضه واقع التخلف والتهميش. لهذا، حين تثور الشعوب، لا بد من أن تجد بديلاً قد تبلور، وتنظيماً يستطيع وضع استراتيجية التغيير. أما حين يغيب ذلك، سنجد أن العفوية هي التي تحكم الثورة، وأن الطبقات المفقرة تتوه في خضم تياراتٍ متعددةٍ، لا تحقق مطالبها. المشكلة، هنا، هي ليست في الشعوب بل في القوى التي كان عليها أن تمتلك وعياً يسمح لها بأن تبلور البديل والرؤى والسياسات التي تسمح بتحقيق المطالب، وكذلك في المقدرة على تنظيم الطبقات المفقرة، وتطوير آلياتها.

وحين تثور الطبقات المفقرة لتغيير وضعها وتحقيق مطالبها، ولا تجد من يحمل هذه المطالب ضمن رؤيته وبرنامجه وسياساته، سوف تحاول التعبير وفق "وعيها"، والآليات التي تحكمها، وبالطريقة التي تستطيعها. وهي لا تمتلك "الوعي الثوري"، ولا المقدرة على صوغ البرامج التي تؤسس البديل، بل تعبّر وفق وعيها البسيط، الذي يمكن أن يكون تقليدياً، ويمكن أن يتخذ شكلاً دينياً.

هي تحاول بوعيها الذي تتوارثه، وأن تحقق مطالبها، لكنه لا يساعدها على الانتصار، وهي لا تمتلك غيره، ليساعدها على التعبير عن ذاتها ومطالبها في الثورة.

لهذا، بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه التعبير عن مطالبها، هي تسعى إلى تحقيق التغيير. والإشكالية، هنا، تكمن في الأحزاب التي يجب أن تبلور، عبر تطوير الوعي النظري، البديل المعبّر عن مصالح الطبقات المفقرة، والإستراتيجية التي تقود إلى تحقيقه. النقص، هنا، هو في فاعلية "النخب"، وليس في ثورية الطبقات المفقرة.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)