آخر الأخبار
 - إن العِلمانية كمفهوم علمي كان و منذ زمن بعيد ، و سيظل من أهم مواضيع النقاش السياسي و الإجتماعي في العديد من دول العالم ، إيمانا منها في الوصول إلى تحقيق مجتمع مسالم تتعايش فيه مختلف التوجهات السياسية و الأطياف الثقافية و الدينية و العرقية. لكن، فماذا يفهم من العِلمانية، وماهي تجلياتها الإجتماعية وهل تتقاطع مع الدين كما يروج له؟ ...........

الاثنين, 29-ديسمبر-2014 - 10:08:41
الاعلام التقدمي-بقلم /عبد الوهاب عتى -


إن العِلمانية كمفهوم علمي كان و منذ زمن بعيد ، و سيظل من أهم مواضيع النقاش السياسي و الإجتماعي في العديد من دول العالم ، إيمانا منها في الوصول إلى تحقيق مجتمع مسالم تتعايش فيه مختلف التوجهات السياسية و الأطياف الثقافية و الدينية و العرقية. لكن، فماذا يفهم من العِلمانية، وماهي تجلياتها الإجتماعية وهل تتقاطع مع الدين كما يروج له؟

إن العِلمانية (بكسر العين، La laïcité بالفرنسية)، هي مشروع مرتبط بعملية الفصل بين القوى السياسية ( الدولة) من جهة و القوى الدينية من جهة أخرى. عملية القطع هذه، بدأت تأخذ قوتها و بشكل متنامي على مدى التاريخ. الأستاذ فيكتور إدواردو أروزو سولانو في كتابه المعنون " العِلمانية و حرية المعتقد" يؤكد بأن العِلمانية تعني بالضرورة حيادية الدولة الديموقراطية أثناء معاملتها العادلة لمواطنيها في نطاق القانون، دون الأخذ بعين الإعتبار إنتماءه الإجتماعي، الإثني، الديني، أو الجنسي. حيازة و نزاهة الدولة هذه، و إستبعادها للبعد الديني و الثقافي، أثناء معاملتها لمواطنيها، كون هذه الأبعاد ليست بالأرقام الناجعة أثناء تقييم العلاقة بين المواطن و الدولة، تعتبر الجذع الأساسي قصد خلق التعايش السلمي في مجتمع ديموقراطي متسع للجميع.
إن العِلمانية هي أحد أهم الركائز الأساسية التي تسمح للدولة الديموقراطية بإحترام حقوق مواطنيها، بشكل متساو بغض النظر عن إختلاف أرائهم و طريقة تفكيرهم. و ذلك قصد الوصول إلى الهدف الأسمى ، ألا و هو الوصول إلى تحقيق العدالة و المساواة في تطبيق مبدأ حرية التفكير و الإعتقاد و الضمير.

و من جهة أخرى، العَلمانية (بفتح العين،Le laïcisme بالفرنسية)، كوسيلة لتحقيق الهدف الأساسي، و هو عِلمانية الدولة، لا ترتكز في قاعدتها الصلبة على الرفض أو التنكر لدين أو لآخر، و لا تقبل بالدولة التي تعتبر الإلحاد مبدأ لتواجدها، بإعتبار هذا الإلحاد تقزيم لحق التدين، و تنكر لحرية الضمير و التفكير لدى المواطنين، كما أنها لا تقبل بالدولة الأحادية الإديلوجية، سواء كانت هذه شيوعية، أو دينية، إلخ). فالعَلمانية على العكس من ذلك تعتمد و تبني مصداقيتها على المطالبة بإحترام الحريات الفردية و سيادة الفرد و حقه في إمتلاك التفكير. الشئ الذي يتطلب حيادية الدولة في تسيير الشؤون الدينية، و بالتالي الفصل بين الدين و الدولة.
إن إستقلالية الدولة و السلطة السياسية عن أي تأثير من و على السلطة الدينية تفهم من مضمون حرية الإعتقاد الذي تظمنه وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تمت المصادقة عليها من طرف جمعية الأمم المتحدة ليوم 10 دجنبر لسنة 1948، في الفصل 1،2 الذي يؤكد على أن "لكل إنسان كامل الحقوق و الحريات الموقعة عليها في هذا الإعلان، دون أي تمييز ، كالتمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة ، أو العقيدة، أو الإنتماء السياسي،أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو كيفما كان إنتماءه الإجتماعي، أو موقعه الإقتصادي، أو مكان إزدياده، أو أي وضع آخر، دون أية تفضل بين النساء و الرجال". و في نفس السياق فإن الفصل 18، من نفس الوثيقة يؤكد كذلك على أن " لكل فرد الحق في حرية التفكير، و الضمير و العقيدة. و يشمل هذا الحق كذلك حرية تغيير العقيدة أو الدين، و كذا حرية الإعراب عنها بالتعليم و الممارسة، و إقامة الشعائر الدينية سؤاء كان ذلك سرا أو مع الجماعة". غير أن هذه الحرية يجب أن تكون في إطار إحترام حقوق الأخرين و دون المساس بالأمن العام للمجتمع .
إن الدولة العِلمانية الذي تعتبر الهدف الأسمى للحركة العَلمانية و للعِلمانيين تستمد شرعيتها من الشعب، و ذلك عن طريق ممثلين و منتخبين شرعيين، دون اللجوء إلى الأماكن المقدسة التي تستخدم من طرف هذه الأفراد و الجماعات قصد العبادة و التقرب إلى الله. جاعلة من المسألة الدينية شأن شخصي مرتبط بين الفرد و الله. غير أن ذلك يتطلب في المقام الأول تشريع رسمي يقضي بفصل تام للدولة عن الشؤون الدينية. الشئ الذي سيضمن حق المساواة في التعامل بين مختلف الأديان و المكونات الثقافية المتواجدة في المجتمع. هكذا فإن الدولة التي تتبنى العِلمانية في تعاملها تسعى إلى إحترام الحرية الفكرية و إستقلالية الفرد، ليتيح أمام هذا الأخير ممارسة حياته الشخصية دون قيود.
و من جهة آخرى، فإن للعِلمانية مبادئ لا يمكن الفصل بينها بأي شكل من الأشكال و هي:
1_ المساواة في معاملة أفراد المجتمع.
إن مبدأ المساواة في معاملة أفراد المجتمع، و عدم التمييز بينهم بسبب المعتقدات الدينية أو الإديولوجية للفرد أو بسبب آخر ، كيفما كان نوعه، هو مبدأ و ركيزة أساسية للعِلمانية. بذلك على الدولة معاملة أفراد مجتمعها حسب مبدأ المساواة في الحقوق و الواجبات، بغض النظر عن عقيدته أو إديولوجيته في الحياة، و كذا إختلافه الجنسي أو الجسدي. العِلمانية إذن تجعل الدولة تتعامل مع أفرادها دون إمتيازات مبنية على أي أساس كان. بالتالي لا يمكن السماح بوجود مجموعات فردية تتمتع بإمتيازات إقتصادية أو إجتماعية أو ثقافية بمجرد إنتمائها إلى عقيدة محتلفة، حتى و إن كانت "عقيدة أغلبية المجتمع". هذا المبدأ يجبر الدولة على أن تكون محايدة في تعاملها مع المعتقدات الفردية و الجماعية. و هي كذلك تبتغي إحترام حقوق الإنسان و المساواة بين المرأة و الرجل في كل الواجبات و الحقوق.
2_ حرية المعرفة و الضمير.
حرية الوعي و الضمير هي حرية مشتقة من الحرية في إمتلاك الأفكار و التعبير عنها بشكل حر، سوار كانت هذه المعرفة كانت سياسية أو دينية أو علمية، و هي من المبادئ الأساسية للعِلمانية، بإعتبارها الركيزة في تكوين أشخاص متشبعة بمبادئ الديموقراطية و التعايش السلمي. إن الدولة الديموقراطية العِلمانية تعترف بكرامة و قيمة الإنسان كمثل أسمى، الشئ الذي يجعل من الدولة أن تكون في خدمة المواطن الذي عليه واجبات و خاضع للقانون.

3_ حيادية الدولة.
المبدأ الثالث للعلمانية، هو حيادية الدولة في علاقتها مع الأمور الدينية و العقائدية، و جعلها دولة بدون إديولوجية دينية. هذه الحيادية تجعل كل المعتقدات و الأديان تحضى بنفس المعاملة، و ذلك في إطار تطبيق و إحترام القوانين المدنية المعمول بها.

فمع تنامي نسبة المهاجرين في المجتمعات المستقبلة، يبدو للمتتبع و بشكل متنامي إغتصاب حقوق الأفراد المهاجرة كلما تعلق الأمر بحرية المعتقد عندما يكون مختلفا عن دين أغلبية المجتمع المستقبل. مما يؤدي إلى نشوب صدام ثقافي_ ديني بين الأشخاص، الشئ الذي ينتج حالة الاإستقرار الإجتماعي بين المواطنين.
إن سياسات الإندماج التي تنهجها الدول المستقبلة للمهاجرين يجب أن تراعي في إرسائها المعتقدات و الهويات الدينية للأشخاص المراد إندماجهم في المجتمع، مما يحتم عليها إعادة تعريف مفهوم المجتمع و الإعتراف بعِلمانية الدولة. هذا الإعتراف سيسمح بالمشاركة التامة و الكاملة للمواطنين الجدد في الحياة السياسية دون إقصاء يذكر. الشئ الذي سيتيح للمواطنين ذوي المعتقدات المسيحية في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة و كذا الإقليات المسلمة في الممجتمعات ذات الأغلبية الغير مسلمة بالعيش بسلام ، مستمدين حقوقهم من المواثيق الدولية التي تضمن للفرد ليس فقط حرية المعتقد، بل تضمن له كذلك حقه في إظهاره للعموم.

إن العنصر الأهم و الأجدر، قصد تكوين أشخاص يؤمنون بمبدأ العِلمانية كحل للكثير من المشاكل التي تعاني منها الشعوب ذات الإرتباط التقليدي مع الدين هي التربية و التعليم. فالتعليم في المدرسة العِلمانية المحايدة دينيا سينتج مواطنا منتصرا لقيم التسامح ومتصالحا مع نفسه ويعرف كيف يدبر اختلافه مع الأخرين دون اقصائهم، محاولا بالتالي صياغة جديدة لمفهوم المواطنة في مجتمع تعددي، ديموقراطي.
إن العلاقة بين العِلمانية و المواطنة، هي علاقة جد مهمة و لا يمكن التغاضي عنها. و بالتالي لا يمكن تحقيق مواطنة جقيقية تساوي بين الأفراد بالرغم من إختلاف و أفكاهم و إديولوجيتهم دون تحقيق عِلمانية الدولة في المقام الأول. بمعنى آخر، الحركة العِلمانية ، عند مطالبتها بإنشاء الدولة العِلمانية و إخراج السلطة الدينية من السلطة السياسية ، فإنها تعتبر المواطنة الحقيقية مبنية على المبادئ الأساسية التالية:
_حرية التفكير و الضمير.
_إستقلالية المبادئ الأخلاقية للفرد.
_التسامح و الحوار بين الثقافات من أجل خلق مجتمعات متعددة الثقافات.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)