آخر الأخبار
الأربعاء, 26-سبتمبر-2012 - 02:25:08
 - عبدا لله خليفة مركز الاعلام التقدمي- عبدا لله خليفة -

فيما يعود الوعي الديني لآلاف السنين فإن الوعي القومي تكوّن من خلال مئات السنين القليلة السابقة.

الوعي الديني يعتمد على البناء الثقافي القديم للبشر، على ما هو مفارق لتجربتهم اليومية، ولعالم من الرموز ذات المنحى الغيبي، القابلة لتفاسير شتى، ويرتبط هذا بالمكونات الاجتماعية السابقة على الحداثة كالقبائل وشيوخ الدين والعامة.

ينهض الوعي القومي بشكلٍ صحي أو مرضي، حسب طبيعة الأمة المتكونة في العلاقات القديمة، وكمية العقد العصبية لها تعودُ لمدى القيود حول تشكلها ووحدتها وتطورها الحديث.

ثمة أممٌ لم تستطع حتى الآن النمو المستقل بسبب سيطرات قوميات أخرى عليها، ولتخلفها فتحرمها من التجلي الحر عبر إقصاء لغتها وتهميش ثقافتها، وأغلب الأمم الإسلامية تعيش مثل هذا الوضع، وحين جاءت الدول الحديثة عجزت عن بناء الدولة الوطنية أو الدولة القومية.

والأمة التي لا تتجلى بشكل حديث وتنهض وتكون سيدة أرضها وذات مكانة رفيعة بين الأمم تُصاب بتلك الأمراض العصبية الاجتماعية السياسية.

لهذا فإن الكثير من الأمم في الشرق تشعر بالدونية، وتجدُ فضاءها الثقافي مستباحا، رغم سنوات الاستقلال الكثيرة، وهي ذاتُ عِدةٍ قليلة في الانتاج وجماهيرها أغلبها أمية، ونتاجُها الثقافي غير متغلغل فيها وغير رافع لعقلها ومستواها، في حين أن ثقافات العالم المتقدمة تدخل كل لحظة عبر الأجهزة الحديثة في حياتها اليومية وتفرض صورها وأسماءها وقضاياها بأشكالها السطحية.

خلفية الأمة الدينية العائدة لعصور قديمة تنهض في هذا المعترك، وتمتزج بالقومية، وتنحيها، وتفرض مستواها البسيط على الأميين الذين يجدون فيها زادهم الثقافي كله وتستخدم القوة والتبسيط العقلي والحدة.

والمكونات الاجتماعية لما قبل الحداثة تفرضُ نفسها على المكونات الحديثة بعد عجز الدول عن التحول لدول حديثة، فيظهر المواطنون بأشكال الرعاع، ويصير القانون والمعاهدات العالمية مستباحةً في لحظة، والخطر أن يتحول ذلك لحروب يكون وقودها هذه العامة نفسها.

عدم صعود الثقافة القومية هو نتاج فشل التنمية ولعدم صعود أحزاب متقدمة وبقاء الهياكل الاقتصادية القديمة و(تسلل) الفساد لها وللترميماتِ الجديدة.

الجمهور الأمي الواسع الضائع من دون تنمية ومن دون هوية قومية صلبة، لا يجد سوى الرموز الدينية تعبيرا عن هويته المفقودة، وعن وحدته الضائعة، التي مثلت له العزة والسند.

فهو مترحلٌ لقاراتٍ أخرى، أو اُقتلع من جذورهِ الريفية وأُلقي في مدن عشوائية، وتتمثل له الدول الغربية والحداثة كقوى شريرة تدمره، فيعطيها طابعَ الشيطنة فيما يعطي رموزه طابع الالوهية والخير، ويتصور حياته الضائعة الفقيرة المهانة هي من فعل هذه القوى الشريرة العالمية.

القومية وطابعها المدني التحديثي لم تضرب بجذورها في عالمه، فهو طائفي، وهو قريب للعنف، لم يدرسْ تراثه، ولم يتفهم معانيه، لأنه لم يحصل على الفرصة لذلك. ويحدثُ ذلك في الأمم الإسلامية بشكل خاص لأنها بقيت في هياكلها الاقتصادية القديمة، الذكورية، الهامشية، التي أَضعفتْ الزراعة ولم تُفلح في الصناعة.

نرى الأممَ المتوحدةَ الناهضة بقوة كالهند والصين لا تحتاجُ الى الصراخ من أجل تراثها، ولا تهتم أصلا بهذا التراث اهتماما مَرضيا لأنها متجذرة في الحقول الاقتصادية الراهنة، والأسرُ كلها في حالاتِ عمل متنوع، وبالتالي فإن تطورَها الكبير يُلغي عقد النقص.

الأمم والشعوب الإسلامية تشعرُ بأنها ذائبة على مسرح التاريخ العالمي، وثوراتها المدهشة، هي جزءٌ من ردود فعلها ضد تخلفها ولظروفها السيئة وعجز الحكومات عن الارتفاع لطموحاتها في العيش.

لكن الثورات والصرخات لن تبدل في الأمر شيئا من دون إعادة تغيير تلك الهياكل الاقتصادية ؟ الاجتماعية التقليدية والمكونات العائدة للعصور الوسطى.

تبدو مظاهرات المهمشين والمقتلعين الموجهة ضد الدول الغربية الكبرى كأنها احتجاجات سياسية اجتماعية لما تعانيه هذه الملايين من تشردٍ وفقرٍ وهي تجدُ في دول رأس المال والحداثة سبب مصائبها وغياب معوناتها لها لما استقر في أذهانها من كون الغرب هو سبب الاستعمار والتخلف في الزمن السابق والتقدم الراهن، كما أن هذه الجماهير خاضعة للنفخ والتآمر من قبل الدول والجماعات الضالعة في صراعات غير عقلانية مع الدول الغربية، وهي غير قادرة على تطوير بلدانها وخلق فرص عمل فتوجه الطاقة الجماهيرية العنيفة نحو خصومها من الدول التي تطالبها بالقيام بتغييرات بحيث تشوه الوعي الجماهيري وتزيف القضايا.

وخلال العقود السابقة لم تضخ الأنظمة ثقافة تنويرية حديثة في عقول هذه الملايين، ولما صعدت على مسرح التاريخ صعدته بمستوياتها البسيطة وبلغة العنف والتسطيح الفكري، فأضرت القضية التي قفزت من أجلها وقدمت شهادات مؤسفة عن الأمة كأن تراثها بهذا الشكل المروع.


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)