آخر الأخبار
الأحد, 02-سبتمبر-2012 - 18:51:37
 - ميشيل نجيب مركز الاعلام التقدمي- ميشيل نجيب * -
الحرية التى بدأ الشعب المصرى يتمتع بها بعد الثورة على وشك فقدانها، لأن أطياف كثيرة تستخدم وتستثمر الحرية لخدمة مصالحها فى الوقت الذى يعشعش الصمت والركود فى عقول المثقفين والثوريين الذين تحالفوا وسايروا قوى النظام الجديد، لكن المطلوب هو بناء جديد يعتمد على تلك الحرية التى ألهبت مشاعر الملايين وعدم السماح لقيام ديكتاتورية جديدة تستغل سذاجة وجهل المواطن الذى عاش لعشرات السنين تحت نير التسلط والطغيان وأنتهاك الحريات العامة والخاصة، إن الواقع الجديد هو مجرد صورة جديدة للنظام القديم، ويعنى هذا أن مسيرة الثورة والتحرر قد توقفت وأصبحت فى أيدى تجار السياسة الذين يجيدون أستخدامها.

الحرية هى التى تدفع المواطن إلى أستخدام ما يملكه من عقل وتفكير ليفكر بنفسه بدلاً من أن يكون هناك أوصياء على قراراته ورغباته وميوله الدينية والإجتماعية والأقتصادية والسياسية، كل مواطن عليه أن يتحرر ويملك نفسه ولا يملكه الآخرون أدعياء الخرافات والتخلف والرجعية، فالأستبداد السياسى والدينى يجعل المواطن عاجزاً وقاصراً عن الشعور بمسئولياته تجاه نفسه وتجاه عائلته، لذلك يفضل التواكل والإعتماد على الغير لأخذ النصيحة والأرشاد، وهذا يريحه عناء التفكير وإتخاذ القرار الذى قد يكون خاطئاً فيبادر إلى لوم وتعنيف نفسه على عدم سماع كلام ووصايا الآخرين وأنه كان من الأفضل تبعية أصحاب الرأى والمشورة الدينية والأخذ بنصائحهم وعدم تجاهلها فى المرة القادمة.

هذه الشخصية التواكلية هى الشخصية الغالبة على أفراد المجتمع الخارج من تحت سيطرة نظام دكتاتورى مستبد، لذلك يحتاج أن يتعلم أستخدام الحرية بطريقة ديموقراطية تعود بالنفع عليه وعلى مجتمعه، رغم غياب الديموقراطية عن مناهج التعليم وممارسات السياسيين بل والمجتمع بأكمله، لأن التحول من الدكتاتورية إلى الديموقراطية لم يعرف عنه المواطن شيئاً إلا فى صناديق الأنتخابات، والتى هى الأخرى يعرف المواطن جيداً ما أصابها من عوار فاضح وصل الأمر بأحدهم بإطلاق أسم غزوة الصناديق عليها، مما يعنى أنها كانت حرباً وصراعاً وليست أنتخابات ديموقراطية.

لو حاولنا تتبع أسباب طاعة المواطن شبه العمياء إلى رجال السياسة والدين الذين يدعونهم لنصرة الإله أو الدين، سنجد من أسباب ذلك أن المواطن لم يشعر بعد بحريته ومازال جاهلاً بحقوقه وبأن من حقه التمتع وممارسة الحرية التى يحكمها القانون والنظام السياسى الجديد، فالحرية ليست هى البلطجة التى يشاهدها تحرمه من السلام والأمن الإجتماعى، بل نجده يعيش تحت ظلال وتحريض الأوصياء على المجتمع الذين أنتزعوا هذه الوصاية بدكتاتورية جديدة وصمت الغالبية المتعاطفة معهم لأنها دكتاتورية تتلاعب بالمشاعر الدينية، لأن المجتمع لم يتحرر بعد من جهله ولا يعرف واجباته وحقوقه ومكتسباته الجديدة بعد الثورة.
المواطن البسيط يشعر بالقيود وبالضغوط المفروضة عليه من شبكة الأوصياء المستسلم لهم، وجاءته اللحظة المناسبة للأستقلال بذاته عن تبعية أفسدت حياته ومجتمعه، فالحرية هى جزء لا يتجزأ من فطرته الإنسانية لكن الأنظمة السياسية بأنواعها أغتصبت حقوق البشر ومنها حرياته وصنعت منه عبداً خاضع لدكتاتورية الحاكم الذى أرسى ثقافة تقليدية تعمل على تجميد التفكير العقلى وتشجع الثقافة الغيبية التى تنافق عقله وتخدر عواطفه، ليظل قعيد الظلمة.

إن الحرية أصبحت حق إنسانى وعلى الجميع التمسك بها وعدم التفريط فيها، ومعنى ذلك عدم الركون إلى أفكار التخلف والعبودية بل الصعود واللحاق بقطار الحرية للتقدم نحو مستقبل أبوابه مفتوحة على مصراعيها، وتحتاج منا فقط أن نجتازها بالعلم والمعرفة، وأستخدام قدراتنا وطاقاتنا التى تتيحها لنا عقولنا لصنع النهضة والحضارة الإنسانية، فالثقافة الموروثة من عهود السياسات الدكتاتورية خلقت فى المجتمع الفوضى وهى آفة كل ثورة على الدكتاتورية، لكن يتم القضاء عليها بتعاون أفراد المجتمع مع السلطات الأمنية حتى يكتشف الجميع مصدر الفوضى والقضاء عليه.

إن التحرر السياسى يأتى مع تحرر المواطنين من باقى المعوقات التى تعوق حرياتهم الأخرى، والوصول إلى إيمانهم الأكبر بأن الحرية للجميع ولا يجب أن تنحصر الحرية فى الممارسات السياسية فقط، بل التمسك بحرية الفكر والعقيدة الحرية الإجتماعية التى تعمل على تماسك المجتمع وقاعدة إنطلاقه نحو الإبداع وتحمل مسؤليات الأفراد فى تعلم ثقافة قبول الآخر وإعطائه حقوقه فى ممارسة حريته بنفس القدر الذى يمارسها هو الآخر، وأستقرار أى مجتمع يعود إلى وجود الحرية والمساواة بين جميع مواطنيه.

إن الحرية ستحاول قوى كثيرة حجبها عن الشعب الغير واعى بحقوقه، الذى لم يصل به النضج والثقافة إلى معرفة أن قمع الحريات فى بلادنا العربية هو سلوك طبيعى وجزء من الشخصية العربية، حيث سيادة الطغيان هو جزء من النظام الجديد الذى أسميه ديموكتاتورية الذى يعيش فى صراع مع الزمن مستغلاً التحرر الثورى فى تحقيق أهدافه، وترك الشعب فى حالة الفوضى التى نتجت عن أنهيار النظام القديم، لكن المشكلة الكبرى الآن أن شعب مصر تحرر من الدكتاتور الذى حكم ثلاثين عاماً، فكيف سيتحر الشعب المصرى من جماعة دينية تحكمه لا يعرف عددها ولا يعرف ما تفكر فيه نحو الشعب المصرى؟

هل سيتحرر الشعب المصرى من ثقافته الغيبية ويقف بعقل وشجاعة أمام من يعتبرون أنفسهم وكلاء الآلهة على الأرض؟
* مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)