- بيان صادر عن قيادة حركة فتح في لبنان 
في الذكرى 44 لرحيل مخيم تل الزعتر

الأربعاء, 12-أغسطس-2020 - 20:13:47
الاعلام التقدمي -

في الثاني عشر من شهر آب العام 1976 سقط مخيم تل الزعتر عسكرياً، بعد حصارٍ متواصل دام اثنين وخمسين يوماً، وأهله في الملاجئ والمخابئ لا يعرفون الليل من النهار، أما القصف المدفعي والصاروخي فلم يهدأ، وأخبار الشهداء والجرحى تتوالى لتعمِّقَ المأساة، وتُقفل باب الأمل. ولكنَّ المقاتلين الصامدين في أحلك الظروف فإنهم رغم ظروفهم الصعبة كانوا يتعمَّدون زيارة الملاجئ، وطمأنة الأهل جميعاً بأنَّ الفرج قريب، وليس أمامنا إلاَّ الرجاء، والدعاء، والفداء.
كان مخيم تل الزعتر مُحاصراً ومُغلقاً من كل الجهات. والجهود السياسية التي بذلتها القيادة لفك الحصار، والحفاظ على سلامة الأطفال والنساء نجحت بشكل محدودٍ جداً في نقلهم إلى منطقة المتحف في سيارات الاسعاف التابعة للصليب الأحمر، حيث كان يتم التفتيش، والتدقيق، ثم إمَّا الافراج، وإما حجز واعتقال من هم من غير النساء والأطفال، ثم إخفاؤهم بعد ذلك وإلى الأبد.
حاول المئات من المقاتلين الدخول سراً إلى مخيم تل الزعتر لإنقاذ أهلهم، ولكنَّ القلة القليلة هي التي وصلت، أما الآخرون منهم فهم إما أُصيبوا أو اعتقلوا.
الخيارات أمام القيادات هناك كانت محدودةً جداً، ومعقدة جداً، ولذلك المقاتلون رغم افتقاد الماء والطعام، قاوموا بشدة حتى الرمق الأخير، وتمكَّن قسمٌ منهم من الانسحاب عن طريق المناطق الجبلية المحيطة بمخيم تل الزعتر، وبعضهم جرحى، ولم تنجح الوساطات العربية وغير العربية في تأمين الحماية، أو الانسحاب الآمن. وحصلت المجازر، والمذابح، وأعمال العنف والانتقام، واستُشهد تلُّ الزعتر بعد أن قدَّم من أبنائه حوالي خمسة آلاف شهيد، ومن نجا منهم ووصل في شاحنات أو سيارات إسعاف إلتقى هناك خلف منطقة المتحف بأهله، كان يوماً عصيباً، وكان الأهل يبكون دماً وليس دمعاً، ولكنهم شكروا الله على رؤية من تبقى منهم على قيد الحياة. ويومها كان الرئيس الرمز ياسر عرفات يقف حزيناً بين المستقبلين والدموع تتدفقُ من محاجر عينيه وهو يُقبِّلُ الأطفال والنساء والمسنين، ويومها قال قولته المشهورة: " إنَّ شعبنا أعظم من قيادته".
ونحن نُحْيي هذه المناسبة الأليمة لا يسعنا إلاَّ أن نُكْبر ونثمِّن هذا الصمود الأسطوري وغير المتكافئ، وفي أحلك الظروف، وتحت وابلِ القذائف والصواريخ، إضافة إلى فقدان الطعام والشراب والأمان، فنحن نجلُّ ونحترمُ، ونكبرُ هذا الصمود، وهذا العنفوان الوطني الذي قدَّم الشهادة على الحياة، والذي لم يسجِّل على نفسه يوماً، وفي كل المعارك أنه رفع رايةً بيضاء، وانما كان يخوضُ معارك البطولة والمواجهة، والنهاية هي إمَّا أن يَكون شهيداً، أو جريحاً، أو أسيراً.
كما نشير إلى أنَّ شعبنا الفلسطيني ومنذ إنطلاقة الثورة يؤمن إيماناً صادقاً بأن عدوَّه اللدود هو الكيان الصهيوني، لأنه هو الذي احتلَّ أرضه، وهجَّر شعبه، وقتل الأطفال والنساء، ولذلك فإنه حريصٌ دائماً على أن لا يُضيع البوصلة، وأن لا يدخل في صراع مع أية جهة عربية أو غير عربية، فهؤلاء أهل وأصدقاء، وأيُّ خلاف يجب أن يبقى محدوداً، وتتم معالجته. وخاصة مع أهلنا في لبنان، ونحن نعرف حجم المؤامرات على لبنان وعلى فلسطين، ولذلك كنا نسارع باستمرار إلى معالجة الموقف، وتضميد الجراح، ودفن الاحقاد والخلافات، وبناء الجسور من جديد، لأننا نؤمن بأن تحرير فلسطين، وهزيمة العدو الإسرائيلي لا تتم إلاَّ بتوحيد جهود الأمة العربية مع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني.
ولا شك بأنَّ التجارب علَّمتنا وعبر مسيرتنا النضالية الطويلة المبادئ التالية:
- إنَّ بوصلة كفاحنا وقتالنا كانت وستبقى دائماً متجهة إلى قلب العدو الصهيوني.
- إن كافة التناقضات الجانبية يجب تذليلها، وإعادة صياغتها لتصبَّ في مجرى الثورة الأساس.
- إن الوحدة الوطنية هي القلب النابض للثورة وهي الضمانة للخروج من المآزق.
- إنَّ الحصار والمجازر والمذابح عبر تاريخ صراعنا وكفاحنا لم تطفئ شعلة الكفاح الفلسطيني الوطني، وانما كان يزداد اشتعالاً، والاجيال كانت وما تزال تتسابق على درب مقاومة الاحتلال وخيارها الوحيد هو النصر او الشهادة.
التحية والتقدير إلى رابطة أهالي مخيم تل الزعتر التي نجحت في تَحمُّل مسؤولياتها تجاه أهالي تل الزعتر، ومتابعة قضاياهم الجوهرية بعد أن تشردوا مناضلين ومكافحين في مختلف مخيمات ومناطق لبنان، وسوريا، وأيضاً وصلوا إلى مختلف دول العالم وخاصة أوروبا، ليفرضوا حضورهم، ويبنوا مستقبلهم من جديد، ويعيدوا وَصْلَ ما انقطع من صلات وعلاقات بعد مجزرة تل الزعتر.
استطاع مخيم تل الزعتر برموزه وقياداته السياسية والتنظيمية والعسكرية التي أنجبها ورعاها أن يحفظ ويحمي كينونة مخيم تل الزعتر.
سلامٌ على مخيم تل الزعتر الشهيد الحي، والخالد في الذاكرة، والسلامُ لأهله أينما كانوا، وأينما حلّوا، ونقول لهم لقد سكنتم بنضالكم في قلوبنا، ومأساتكم لن تغادر عقولنا، لكم دَيْنٌ علينا كبير، نسأل الله تعالى الرحمة لشهدائكم، والنصرَ لنا ولكم، والعودةَ المظفرَّة إلى الأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج، أرض الأقصى وخليل الرحمن، وكنيسة القيامة، ومهد المسيح.
وفي هذه المناسبة الأليمة فإننا نتوجه بالتحية إلى سيادة الرئيس أبو مازن على مواقفه الوطنية، وقراراته الجريئة، وتمسكه بالثوابت الوطنية، ونجاحه في قيادة معركة التحدي ضد الهجوم الترامبي الصهيوني على الأراضي والمقدسات الفلسطينية، وإفشال سياسة الضم الصهيونية من خلال الموقف السياسي الدولي الذي قادهُ الرئيس رغم كل التحديات. وندعو كافة الأطراف الفلسطينية إلى ترسيخ الوحدة الوطنية وأن نكون صفاً واحداً متماسكاً، وعلى قلب رجل واحد احتراماً وتقديراً ووفاءً لشهداء تل الزعتر، وصبرا وشاتيلا، وجنين البطولة، وشهداء مجازر الاحتلال في قطاع غزة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
والحرية لأسرانا البواسل.
والشفاء لجرحانا الأبطال.
وانها لثورة حتى النصر
قيادة حركة فتح في لبنان
إعلام الساحة اللبنانية
12/8/2020
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-إبريل-2024 الساعة: 06:03 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alealamy.net/news-81101.htm