أتحدث عن خطاب الثاني من ديسمبر 2017 .. وصايا الزعيم كما وصفه البعض بعد أن اجتزأوه وانتقوا منه ما يتفق و أهواءهم ..
خطاب الثاني من ديسمبر كان خطاب حرب ضد جماعة الحوثيين لكنه لم يكن وليد اللحظة و لم يكن الخطاب الذي أشعل المواجهة معهم ..

المواجهة التي اشتعلت بين الحوثيين و الزعيم الراحل، و التي إنتهت بقتل الحوثيين للزعيم، مرّت بثلاث مراحل أو لنقل ثلاث جولات ...

الجولة الأولى بدأت يوم التاسع والعشرين من نوفمبر بهجوم الحوثيين المسلح على جامع الصالح واحتلاله تحت ذريعة الإعداد للمولد النبوي و تامينه ..
إنتهت هذه الجولة مساء الثلاثين من نوفمبر بتدخل لجان وساطات بين الرئيس صالح و الحوثيين ..

الجولة الثانية بدأت مع غروب شمس الأول من ديسمبر بعد احتفال الحوثيين بالمولد النبوي و من ثم الهجوم على منزل طارق و بعض اقارب الرئيس صالح و بعض القيادات المؤتمرية ..
إنتهت هذه الجولة صبيحة اليوم التالي ، الثاني من ديسمبر ، بهزيمة الحوثيين و سيطرة أتباع الزعيم الراحل على معظم أجزاء العاصمة عدا المناطق الشمالية ، و من ثم إلقاء الزعيم خطابه الشهير ..

الجولة الثالثة و الأخيرة بدأت مباشرة بعد خطاب الزعيم ..
بدأ اتباع الزعيم بالتراجع والتساقط ثم الإنهيار بعد أن استعاد الحوثيون زمام المبادرة في سرعة قياسية ..
انتهت هذه الجولة بقتل الحوثيين للزعيم فجر الرابع من ديسمبر ..

الخطاب أتى بعد نهاية الجولة الثانية من المواجهة بمعنى أن الخطاب لم يشعل الحرب مع الحوثيين بل أتى كرد فعل غاضب على إشعال الحوثيين للحرب ..
الخطاب كان رد فعل .. صحيح رد فعل غاضب لكنه يظل رد فعل ..

المشكلة اليوم في أتباع الزعيم هي الاستمرار بالعمل بالطريقة القديمة الحمقاء نفسها ..
لازالوا يصورون للعالم أن الزعيم هو الذي أشعل المواجهة ،أو الانتفاضة كما يسمونها، بخطاب الثاني من ديسمبر ، و يمنحون الحوثي بهذا التصوير العذر الكافي لتصفيتهم الزعيم الراحل تحت مبرر الدفاع عن النفس ..

هل كان الخطاب هو سبب قتل الحوثيين للزعيم ؟
الخطاب كان غاضب و متصلب و منح الحوثيين أرضية خصبة للهجوم على الزعيم و تخوينه لكنه لم يكن السبب في قتل الحوثيين للزعيم لأن قرار تصفية الزعيم اتُّخذ قبل الخطاب بكثير ..
قرار تصفية الزعيم اتُّخذ في وقت مبكر ، تقريبا في أغسطس 2017 .. قرار التنفيذ هو الذي تأخر حتى تزامن مع الاحتفال بالمولد النبوي ليقرر الحوثيون احتلال جامع الصالح بذريعة تأمين الإحتفال في ميدان السبعين، مع إنهم قبلها بأسابيع أجروا احتفالية مماثلة في نفس الساحة بمناسبة ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر دون أن يفكروا في الهجوم على جامع الصالح و احتلاله بذريعة تأمين الإحتفال ، لأنهم حينها لم يكونوا قد قرروا ساعة الصفر ..

تصفية الحوثيين للزعيم لم تكن رد فعل على خطابه يوم الثاني من ديسمبر .. العكس هو الصحيح .. الخطاب هو الذي كان رد فعل على تفجير الحوثيين للأوضاع ..

هي نقطة هامة ومفصلية تاهت من الجميع لكن ما يهمني في المسألة هم بعض المؤتمريين خصوصا أصحاب دعوات تنفيذ وصايا الزعيم التي وردت في سياق خطابه ...
هؤلاء يتاجرون بدماء الزعيم و ينتقون من خطابه ما يناسب دعواهم ..

قبل أن أكمل لا بد من توضيح نقطة مهمة ..
لا شك عندي أن الحوثيين (و من ورائهم) قتلوا الرئيس صالح عن سابق تخطيط و ترصد و إصرار و لا شك أنها جريمة كبرى مكتملة الأركان .. لكن (أكره كلمة "لكن" لأنها كلمة تطيح بما قبلها مَهما كان مُهما و حقيقيا ،كما ستفعل الآن ،"لكنها" مع ذلك كلمة يصعب الفرار منها ) لكن هذا لا يعني أن يتوقف الزمن عند هذه الجريمة خصوصا أنها في النهاية جريمة سياسية لا مفر من القول أنها ستكون خاضعة للتنازلات المتبادلة القادمة بين أطراف الصراع من أجل إرساء السلام في البلد ...
لن تنتهي حلقة الصراع المفرغة إلا بتقديم تنازلات قاسية و متبادلة من الجميع ، و لطالما قال الزعيم الراحل أن دمه لن يكون أغلى من دماء اليمنيين التي سُفكت .. رحمة الله عليه ..

مع ذلك ستبقى المشكلة مع الحوثي أكبر و أصعب من قتلهم للرئيس صالح .. لن يتحقق السلام المستدام إلا بتنازل جميع الجماعات الأيديولوجية المتطرفة عن ممارساتها الراديكالية على جميع المستويات و خضوعها لمعايير الدولة المدنية الديمقراطية التي تحتضن و تساوي بين جميع مواطنيها دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى مهما كانت ...

بالعودة الى خطاب الثاني من ديسمبر ...
أهم ما قاله الزعيم في ذلك الخطاب (عدا الدعوة للانتفاضة ضد الحوثيين ) هو رفض الإعتراف بهادي (وميليشياته) شأنها شأن الحوثي و الدعوة للتفاوض المباشر مع السعودية عن طريق مجلس النواب ،المؤسسة الدستورية المتبقية، ثم التجهيز لانتخابات عاجلة تكفل تطبيع الوضع في البلد ،واصفاً نفسه و زملائه ،و كل جيله تقريبا، بأنهم قد أصبحوا ماضي عفا عليه الزمن و أن الوقت قد حان لتجديد الطبقة السياسية في البلد ..
غير أن المزايدين و المأزومين تناسوا كل ذلك و تمسكوا بجزئية محاربة الحوثيين مختزلين ما وصفوه بوصايا الزعيم في تلك الجزئية فقط ..
لا أريدالخوض في أصحاب الصوت العالي والفعل الواطي من سياسيين و ناشطين و إعلاميين لكن مع ذلك يبقى الكثير طيبين و على نياتهم .. فقط ينقصهم بعض النضج السياسي ..
القضية ليست قضية أشخاص .. القضية قضية وطن والوطن أغلى من الجميع ، و الزعيم رحمة الله عليه نهج سياسي وطني واضح و معروف و ليس مجرد خطاب ..
و مع ذلك اذا كانوا مصممين على اختزال الزعيم في خطاب فلا بأس غير أن هذا لن يستقيم و هم يؤمنون ببعض الخطاب و يكفرون ببعض ..

من حائط الكاتب على الفيسبوك

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.