في العام 1744م وجد أمير الدرعية- تقع شمال غرب الرياض على بعد 15 كيلو متر- محمد بن سعود، ضالته المنشودة في ذلك الشيخ القادم من العيينة فرارا من وجه حاكم الحسا الذي طلب رأسه؛ وذلك لاجترائه على قتل امرأة اتهمت بالزنى، وكانت دعوة هذا الرجل المدعو محمد بن عبد الوهاب قد لاقت رواجا بين أهل نجد، إذ صادف منهجه المتشدد هوى في النفوس التي صبغتها البداوة بطابع القسوة والخشونة.

تم الاتفاق بين الأمير والشيخ على أن يتبنى الأمير دعوة الشيخ ويناصرها بحد السيف، على أن يقر له الشيخ بالسيادة بين العرب، وقد اتخذ الشيخ من الدرعية مركزا له، فتوافد عليها أنصاره، كما أخذ يرسل الرسل، إلى القبائل والبلدان يدعوهم إلى التوحيد! ويتوعد من لا يجبه بالويل والثبور وبسيف محمد بن سعود الذي خاض حروبا عديدة على مدى نحو عقدين ضد تلك القبائل، حتى عمت الدعوة الوهابية أرجاء نجد، قبل أن توافيه المنية في1765م.

بتولي عبد العزيز بن محمد بن سعود، الذي كان أكثر تشددا وأكثر دموية من والده، اتجهت الدولة السعودية الأولى للتوسع بشكل أكبر، فسيطرت على كامل نجد تقريبا، كما امتد نفوذها إلى بعض مناطق بلاد الحجاز، مما دفع بالشريف غالب بن مساعد شريف مكة أن يحاول وقف زحفهم، فتقدم بقواته صوب نجد وحاربهم، لكنه انهزم واضطر للتراجع نحو الحجاز مجددا.

صورة تجمع محمد بن سعود وابن عبد الوهاب

عاش الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى نحو عام1792م، ومات وقد ناهز التسعين، وكانت دعوته قد قويت وبلغت كل مبلغ في عهد عبد العزيز، الذي واصل توسعاته حتى وصل إلى أطراف العراق، وامتد نفوذه إلى البصرة، ثم دفعه غروره للإقدام على جريمة شنعاء جديدة تضاف إلى سجل جرائمه الحافل، إذ زحف بقواته على كربلاء واستولى عليها عام1801م وأعمل في أهلها القتل والتنكيل، واستمرت أعمال النهب والسلب في المدينة لفترة، أمر خلالها عبد العزيز بهدم مسجد الحسين، ونهب ما في قبته من الجواهر الثمينة والذخائر النادرة.

بالقطع فإن تلك الجريمة قد أثارت موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي بأسره، سيما بين صفوف الشيعة؛ فلم ينقض العامان حتى وصل إلى مسجد الدرعية أحد الثائرين على إجرام عبد العزيز، وكان قد دخل المدينة خفية، وذات صلاة عصر قام هذا الثائر بقتل عبد العزيز قصاصا عادلا عما أجرمه في حق كربلاء وأهلها.

خلف سعود والده عبد العزيز وكانت الدولة في عهده في منعة وقوة، مما ضاعف اهتمام الترك بالعمل على كسر شوكتها، فأمرت الدولة العلية سليمان باشا والي العراق بتسيير حملة عسكرية لقتالهم عند الحسا، ولكن هذه الحملة انهزمت وعادت تجر أذيال الخيبة.

استمر سعود على نهج والده في الغزو والتوسع؛ حتى وصل حدود مسقط وشاطئ الخليج العربي ثم اتجه نحو الحجاز واحتل الطائف، ثم استطاع دخول مكة بعد أن جلا عنها الشريف غالب بقواته إلى جدة وكان ذلك عام1803م، وبعد ذلك بنحو العامين استطاع السعوديون دخول المدينة وقاموا بنهب المسجد النبوي وكان فيه من الجواهر والنفائس ما لا يقدر بثمن.

واستمر بعد ذلك زحفهم غير المقدس حتى وصلوا عسيرا، واليمن جنوبي الجزيرة، أما تحركاتهم نحو الشمال فقد وصلت حدود فلسطين، وبالطبع فإن دعوتهم لم تلق استجابة من أهل الشام، خصوصا وأن أخبار جرائمهم، وشائن أفعالهم كانت قد عمت الآفاق.

باحتلال السعوديين لمكة والمدينة فقدت الدولة العثمانية سيطرتها على الأماكن المقدسة، مما عطل مراسم الحج، إذ قصر السعوديون الحج على أتباع مذهب الوهابية ومن وافقهم، وأصبحت الدولة العثمانية في حرج بالغ بعد أن بلغ نفوذ السعوديين أشده، ولم تكن الدولة العثمانية في حال من القوة يسمح لها بشن حرب شاملة عليهم، فاتجه العثمانيون إلى محمد على والي مصر يطلبون منه تجريد حملة للقضاء على تمرد السعوديين في الجزيرة العربية.

كانت العلاقة بين محمد على والعثمانيين شديدة التوتر، فهو لا ينسى أنهم حاولوا مرارا إزاحته عن حكم مصر، ولم يترك العثمانيون هذا الأمر إلا بعد أن أدركوا أن محمد على قد وصل إلى درجة من القوة يصعب معها اقتلاعه من الحكم، وربما كانت الدعوة المتكررة له بالحرب في الجزيرة العربية، على مدى قرابة السنوات الأربع- بدأت في ديسمبر1807وانتهت باستجابته وخروج الحملة في نهاية سبتمبر1811م- قد هدفت إلى إضعافه وإشغاله في حرب طويلة تستنزف قوته الناشئة؛ فيتقلص طموحه التوسعي الذي لم تخطئه عيون الأستانة، لكن دخول محمد على تلك الحرب رغم علمه بخطورتها وكلفتها العالية، يعد مثار تساؤل هام!
 

والحقيقة أن محمد على كان بين نارين بل عدة نيران، فهو من ناحية لا يستطيع رفض الطلب العثماني بشكل مباشر؛ لأنه في هذه الحالة قد يتعرض لفرمان بالعزل، وحتى في حالة عدم تنفيذه للفرمان فإن سلطته ستفقد شرعيتها، في وقت تتربص به عيون أعداء الداخل والخارج، كما أن شخصيته المتطلعة للتوسع وفرض السيطرة وتكوين إمبراطورية تحتل الصدارة في الشرق، وتكون وريثا للدولة العثمانية التي كانت أمارات قرب سقوطها واضحة- رأت أن نجاحه فيما فشل فيه غيره سيتيح له وضعا جديدا لا يسمح بعزله أو حتى نقله لولاية أخرى، بل سيفرض واقعا جديدا في التعامل معه كند وربما أكثر من ذلك، وبالقطع فإن تحريره للأماكن المقدسة من قبضة السعوديين سيرفع نجمه ليس في سماء تركيا فحسب بل في جميع أرجاء العالم الإسلامي، كما أن هذه الحرب المقدسة ستتيح له فرض ضرائب وإتاوات جديدة على المصريين لا يستطيعون لها ردا، إذ أن تلك الجبايات ستنفق في تجهيز القوات التي ستجاهد لتحرير الأماكن المقدسة.

ويذكر أن السلطان العثماني كان قد وعد محمد على بضم عكا ودمشق إلى حكمه، ومد سيطرته على الحبشة جنوبا، وقد كان هذا الوعد محل تشكك كبير من جانب محمد علي، ويذكر المؤرخ الفرنسي (جي فارچيت) أن السلطان العثماني قد أرسل إلى محمد على في مطلع عام1811م خطابا يعده فيه بإصدار مرسوم يمنحه بموجبه ملك مصر هو وأسرته من بعده، إن هو نجح في القضاء على دولة السعوديين وإعادة الهيبة والمكانة للدولة العثمانية في العالم الإسلامي، وربما كان هذا الوعد القاطع هو ما دفع محمد على إلى الإسراع بتجهيز الحملة التي بدأت التحرك صوب ميناء( ينبع) أواخر سبتمبر من العام ذاته وعلى رأسها طوسون باشا ابن محمد على الذي كان مازال فتى في السابعة عشرة من عمره.

حول الموقع

مركز الإعلام التقدمي مؤسسةٌ إعلاميَّةٌ تابعة لـ(ملتقى الرقي والتقدم) تُعنى بخلق ثقافة وطنية مدنية علمانية.