آخر الأخبار
 - تحب منال أحمد ظاهر (12 عامًا) من سكان تعز جنوب غربي اليمن، المدرسة، وتريد الذهاب إليها دائمًا، لكنها تعبت من الصعوبات التي تواجها والمعاناة التي تجدها بسبب لون بشرتها السمراء وهو ما يجعلها محل تمييز داخل مدرستها.

الأحد, 31-أكتوبر-2021 - 15:46:26
الإعلام التقدمي - موقع خيوط -

تقرير
منار صلاح

آمال محمد


تحب منال أحمد ظاهر (12 عامًا) من سكان تعز جنوب غربي اليمن، المدرسة، وتريد الذهاب إليها دائمًا، لكنها تعبت من الصعوبات التي تواجها والمعاناة التي تجدها بسبب لون بشرتها السمراء وهو ما يجعلها محل تمييز داخل مدرستها.

وبحسب موقع "خيوط" تقول منال، إن الطلاب يرفضون الجلوس معها في الفصل، أو مساعدتها إذا طلبت منهم بعض الدفاتر ومراجعة الدروس ويسخرون منها ومن عدم قدرتها على التفوق، رغم أن معلمتها تؤكد لها أن مستواها التعليمي جيد وقابل للتطور وهو ما جعلها مصممة على مواصلة تعليمها حتى استكمال دراستها الجامعية.

هكذا جعلت الأعراف والتقاليد والتمييز الطبقي والعرقي أفراد فئة اجتماعية خارج أسوار المجتمع محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية في الحياة والعيش الكريم، إذ تسبب ذلك في حرمانهم من التعليم وتركهم يتعايشون مع الأمية في ظروف ومستقبل يحتاج للتعليم.

يقول ماجد علي (8 سنوات)، "أريد أن أكمل دراستي حتى أصبح أستاذًا في المدرسة كي أساعد أبي الذي يعمل خارج المدينة ولا يعود إلى البيت إلا نهاية الشهر. يضيف: "أمي الوحيدة التي تشجعني أنا وأختي التوأم، لكي أدرس خوفًا من أن أصبح مثلها غير قادر على القراءة والكتابة.

تتحدث أخته ماجدة عن معاناتها في المدرسة ورفض زميلاتها مسايرتها والتحدث معها أو ألعب معها عندما تأتي وقت الراحة، وتعرضها للمضايقات، وبعكس منال، لم تجد ماجدة أي إنصاف من معلمتها عند تقديمها شكوى بالمضايقات التي تتعرض لها.


الناشطة الحقوقية مسك المقرمي تشير في هذا الخصوص، إلى أن هناك تنمر كبير يتعرض له الأطفال المهمشين من قبل بعض المدرسين، وهو ما يجعلهم يتسربون من التعليم.

وبحسب بحث قامت به منظمة "كفاية" التي ترأسها المقرمي، فإن هناك ما يقارب 5% من الأطفال المهمشين يدرسون بشكل مختلط في المدارس العامة في تعز، بينما نسبة مماثلة يتلقون تعليمهم في مساكنهم المعروفة باسم "المحاوي"، وهو ما تعتبره المقرمي، تمييز وممارسة عنصرية في عزل الأطفال ذو البشرة السمراء في مدارس خاصة بهم.

جانب مأساوي

على رصيف شارع النصر في صنعاء، تقف عائشة (29 سنة)، مع أبنائها الستة؛ أكبرهم لا يتعدى الثالثة عشرة، وأصغرهم طفلة تستقبل الشهر السادس من عمرها. ولأن عائشة من ذوي البشرة السوداء، وهي الفئة الأكثر تهميشًا في اليمن، فقد وجدت نفسها في الشارع مع أبنائها الصغار يمدون أيديهم طلبًا للمال من المارّة.

تقول عائشة، إن جميع أرباب الأعمال يرفضون منحها فرصة عمل كونها من فئة المهمشين، كما تعتقد بأن عدم إجادتها لأي مهنة أو حرفة سببه عدم قدرتها على القراءة والكتابة.

لم تستطع عائشة الالتحاق بأي مدرسة في صغرها، والحال نفسه ينطبق على الكثيرين من الفئة المهمشة ذاتها والفئة العمرية نفسها. تقول إن سبب عدم التحاقها بالمدرسة يرجع إلى عدم قبول المجتمع لهم أو الاندماج معهم؛ ما جعلهم يفضلون البقاء بعيدًا والعمل في التسول أو في أعمال النظافة في حالات قليلة.

الاعتقاد بلا جدوى التعليم

عبسي، وهو الابن الأكبر لعائشة، ترك التعليم وهو في الصف الثالث من المرحلة الأساسية، بينما لم يلتحق بقية إخوته بالمدرسة، رغم تجاوز ثلاثة آخرين منهم سن السادسة، وهو سن الالتحاق بالمدرسة. يقول عبسي لـ"خيوط"، إن المدرسة يلزمها المال والملابس ومتطلبات أخرى لا يمتلكها، بينما تعتقد أمه بأن التعليم لا فائدة منه بالنسبة له؛ لأنه لن يُقبل في أي عمل بعد أن ينتهي من تعليمه، وهي ترى أن هذا سببٌ كافٍ لعدم اهتمامها بتعليم أبنائها.

تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن فئة المهمشين السود في اليمن تشكل قرابة 12% من إجمالي عدد السكان، وهي أكبر الفئات المجتمعية التي تعاني التهميش. وخلافًا لبقية الفئات المكوِّنة للمجتمع اليمني، لا يلتحق أطفال فئة المهمشين بالمدارس، نتيجة حالة الفقر المزمنة التي تعيشها عائلاتهم في مختلف مناطق اليمن، لا سيما في صنعاء، حيث تعيش في أماكن محددة ومعزولة عن المجتمع تعرف بـ"المحوى".

وتضم منطقة سعوان- شمال شرق صنعاء، أكبر تجمع لهذه الفئة، إذ تعيش هناك مئات الأسر داخل حي واحد، وتتقاسم فيه أحوالها المعيشية الصعبة، مع حالة مزمنة من العشوائية في نظام الحياة، مصحوبًا بعدم الاهتمام والتهميش من قبل الحكومات المتعاقبة منذ سنوات طويلة.

البحث عن ملاذ في التعليم

على النقيض من حالة عائشة التي لا ترى في التعليم فائدة للمهمشين، استطاع شوعي علي (32 سنة)، تخطي الصعاب ومواصلة تعليمه المدرسي على أمل الالتحاق بالجامعة، إلا أنه لم يتمكن من الالتحاق بالجامعات الحكومية؛ نظرًا لعدم قبوله في كليات مختلفة. في الوقت ذاته، وقف الفقر والأوضاع المعيشية الصعبة، سدًّا منيعًا أمام التحاقه بجامعة خاصة أو بنظام التعليم الموازي في الجامعات الحكومية، حد قوله.

لجأ شوعي، فيما بعد إلى البحث عن بدائل أخرى للعيش الكريم، لكنه لم يستطع العمل في أي مجال سوى بالأجر اليومي الذي تركه، ليستقر به الحال في نهاية المطاف للعمل على متن دراجة نارية.

لطيفة الغيثي: "إقبال الطالبات من الفئة المهمشة على الالتحاق بالمدارس زاد في السنوات القليلة الماضية "بنسبة بسيطة"، بسبب نزوح كثير من الأسر من محافظات ومناطق مختلفة، إلى صنعاء".
يقول شوعي في حديثه لـ"خيوط"، إن مسألة التعليم بالنسبة للمهمشين من أكثر الأمور صعوبة وتعقيدًا في حياتهم، إذ إن الطالب يعاني كثيرًا في المدرسة من نظرات التمييز من قبل بعض الطلاب، بالإضافة إلى الفقر الذي تعيشه كثير من الأسر المهمشة. ويشير إلى أن نسبة التحاق الأطفال المهمشين في المدارس تكون مرتفعة في البداية، لكنها تتراجع كلما تقدم الطالب سنة دراسية جديدة. يعمل شوعي بشكل مجهد من أجل أن يتلقى أبناؤه تعليمًا جيدًا، إلا أنه يقول، بنبرة حزن، أنه لو كان الأمر بيده لبنى لهم مدارس خاصة بهم، مع جعل التعليم إلزاميًّا لكل طفل، علّهم يستطيعون انتشال أسرهم من قعر الفقر في المستقبل القريب.

فتيات بدون تعليم

زارت "خيوط" بعض المدارس القريبة من مساكن المهمشين في منطقة سعوان، وإلى حدٍّ ما، يبدو أن أعداد الطلاب المهمشين في مختلف المدارس أكثر من الطالبات، لكن من بين هؤلاء الطلاب عدد قليل جدًّا من يتخرج من الثانوية العامة، فالكثير منهم يتركون المدارس قبل الانتهاء منها، لا سيما الطالبات.

تركت الطالبة منى سالم (18 عامًا)، المدرسة بعد وصولها إلى الصف السابع من المرحلة الأساسية. لم يكن حال منى كبقية الطالبات، إذ إن حال أسرتها كان أفضل من بقية الأسر على المستوى المعيشي، لكن زواجها كان هو العائق.

تقول منى في حديثها، إنها تزوجت في سن الـ14 من عمرها، ولم تستطع بعد الزواج الذهاب إلى المدرسة، وذلك لانشغالها في أمور المنزل.

بالإضافة إلى ظروف الحياة القاسية التي تعانيها كثير من الأسر المهمشة، والتي تدفع كثير من الطالبات إلى سوق العمل وترك التعليم، فإن مشكلة الزواج المبكر هي العائق الآخر. وفي هذا الصدد، تقول لطيفة الغيثي، مديرة مدرسة سنان حطروم للبنات في سعوان، إن عدد الطالبات يتراجع بشكل كبير فور وصولهن إلى الصف السابع أو إلى ما قبل السنة الأخيرة من الثانوية. وتضيف في حديثها لـ"خيوط"، إن سبب تسربهن غالبًا ما يكون الزواج المبكر، أو البحث عن فرص عمل بدلًا من التعليم، مشيرة إلى أن إقبال الطالبات من الفئة المهمشة على الالتحاق بالمدارس زاد في السنوات القليلة الماضية "بنسبة بسيطة"، وذلك في تقديرها يرجع إلى نزوح كثير من الأسر المهمشة من محافظات ومناطق مختلفة، إلى صنعاء العاصمة.

ورغم هذا، فإن عدد الطالبات في المدرسة من هذه الفئة، يصل إلى 200 طالبة في جميع المراحل التعليمية، حسب حديث لطيفة الغيثي.

وتعتبر مدرسة سنان حطروم، من أكبر المدارس الحكومية القريبة من مساكن المهمشين، وهذا يعني أن نسبة الإقبال قليلة مقارنة بعدد الأسر الساكنة هناك.

تشجيع واهتمام

في نفس السياق، يقول عبد الواسع شداد مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، إن الفئة المهمشة تحظى باهتمام ورعاية أكثر من غيرها في المدارس الحكومية بمحافظة تعز، وهناك حرص شديد على عدم التفرقة في التعامل معهم في العملية التعليمية.

ويوضح أن المدارس الواقعة بجوار مخيمات ومساكن المهمشين تحصل على اهتمام أكبر من خلال العمل على توفير احتياجاتها من الزي المدرسي والحقائب المدرسية من أجل تشجيع ودعم الطلاب المهمشين.

من جانبه، يؤكد وليد عبد الوهاب مدير مدرسة حكومية في تعز ، أن عدد المهمشين لديهم في المدرسة يتجاوز 105 طلاب وطالبات، لافتًا إلى صعوبة التواصل مع أهالي الطلاب المهمشين لمتابعة تحصيلهم العلمي، والذي يعود باعتقاده إلى أمية أولياء الأمور في القراءة والكتابة.

ويرى أن الحرب تسببت في الجهود المبذولة لإدماج هذه الفئة الأشد فقرًا في التعليم، نتيجة لتدهور أوضاعهم المعيشية أسوأ مما كانت عليه من التدهور، لذا هناك تسرب كبير من التعليم من قبل الأطفال والطلاب المهمشين، وقلة منهم من يستمر إلى المرحلة الثانوية.

وتتحدث المعلمة دلال الشرعبي ، أن الفقر هو العامل الأساسي لتسرب كثير من الطلاب والطالبات، وعدم قدرة أسرهم على توفير مستلزماتهم الدراسية، وإجبارهم على ترك الدراسة والالتحاق بسن مبكر في سوق العمل.

وتضيف الشرعبي: "نبذل جهودًا حثيثة لتشجيع الأطفال وترغيبهم بالتعليم وتوعيتهم بأهميته وارتباطه بمستقبلهم ودمجهم في المجتمع".

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)