آخر الأخبار
 - حين تتدثر السياسة بثوب الدين: اليمن والإقليم مثالاً

الاثنين, 27-أغسطس-2018 - 13:21:53
الإعلام التقدمي - صلاح السقلدي -

مخطئ مَــنْ يعتقد أن طبيعة الخلاف بين التيارات الدينية الاسلامية بالمنطقة العربية، كالخلاف بين حركة «الإخوان المسلمين» و«التيار السلفي»، خلافاً دينياً أو حتى مذهبياً محض، بل خلافاً سياسياً بامتياز وصراعاً على النفوذ والاستحواذ السياسي والاقتصادي والزعامات بالمنطقة. فحيث يكون الخلاف السياسي والصراع على النفوذ والمصالح بين الدول والقوى التي تدعم هذه التيارات وتتبناها، كما هو الحال عليه في اليمن والسعودية على سبيل المثال، يتم إلباس هذا الخلاف جلبابه الديني الفكري والطائفي للوصول الى الغاية المرجوة، وذلك لمعرفة هذه الدول والقوى مدى حساسية العقيدة عند عامة الناس وعوامِّهم، وبالتالي تعزف على هذا الوتر المؤثر ليتسنى لها استخدامه كسلاح فتاك في معركتها السياسية لتحشيد الجموع بصفها، وبوجه الطرف الآخر، والغرض من هذا أولاً وأخيراً هو الفوز بالمعركة السياسية، والظفر بالشيء المتصارع عليه وحسم المعركة لصالحها، والتاريخ يزخر بالتجارب.

هجرة التشدد
فعلى سبيل المثال، ظلت حركة «الإخوان المسلمين» لسنوات طويلة على وفاق تام مع السلفية و«الوهابية» بالذات، برغم ما يبدو ظاهرياً من خصومة عميقة، حتى في ذروة التشدد السلفي نهاية عقد سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي... فحين غاب الخلاف السياسي واجتمعت المصالح بينهما -أو بالأحرى بين القوى والدول الجهات المحركة لهما- غاب الخلاف الفكري الديني المزعوم تماماً، والتقى الطرفان ضد خصم سياسي واحد، كما حدث في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حين اصطف الطرفان بوجه الرئيس العربي الراحل جمال عبدالناصر، على إثر دعم هذا الأخير لحركات التحرر العربية، والتي شعرت الرياض فيها استهدافاً لمكانتها ومستقبلها بالمنطقة، وفي اليمن خصوصاً.


هذه التيارات حشدت حينها كل قدراتها الفكرية في معركة سياسية بحتة، الى درجة ان كثير من رموز الحركة الإخوانية من مصر وغير مصر، انتقلت للعيش في السعودية، بل إن أخطر كتب هذه الحركة طُبِعتْ في الرياض عبر وزارة المعارف، ومنها كتب سيد قطب المثيرة للجدل، والمحرضة صراحة على الارهاب، مثل كتاب «معالم في الطريق».

افتراق بعد وفاق
بقيت أصوات سلفية وهابية تنعت الإخوانية بأقذع الأوصاف، قبل ان تدخل معها في ما بعد بحميمية ناعمة بأوامر المؤسسة السياسية الحاكمة، كان هذا قبل نشوب الأزمة الخليجية منذ أكثر من عام بين كل من قطر من جهة والسعودية والامارات من جهة أخرى، لتعود تلك الأصوات وبإيعاز من ذات المؤسسة لتأدية ذات الغرض القديم وذات المهمة، ورجعت الى سابق عهدها من التنابز بأشنع الفتاوى، وأخطر الأوصاف والتُــهم.


هذا الأمر انعكس بصورة واضحة على الأوضاع في اليمن، وبالذات بعد إخراج قطر من «التحالف» الذي تقوده السعودية والامارات، حيث أطلقت تلك المؤسسات صافرة البداية لرموز هذه التيارات السلفية المتشددة، لتنبش في مخزونها المتخم بكل المفردات الدينية العنيفة بوجه قطر، خاصة وأن الأخيرة تحتضن بدورها «التيار الإخواني» والجهادي الآخر، ومن كل أصقاع الأرض، وعلى سبيل الذكر لا الحصر حركة «طالبان» في افغانستان.


السعودية التي احتضنت لعقود رموز هذه الحركة، عادت اليوم لتتهم قطر بإيواء الإرهاب واحتضان «الحركة الضالة الإخوانية»، بحسب التوصيف الوهابي لهذه الحركة، في محاولة من الرياض لإلباس خلافها السياسي وصراعها التنافسي مع الدوحة على الزعامة بالمنطقة ثوب الدين، كما درجت العادة...
إزاء ذلك، استعر الخلاف السياسي، بوجهه الفكري الديني، بين الجماعات السلفية المدعومة من الإمارات وبين حزب «الاصلاح» (إخوان اليمن)؛ ففجأة تذكَّـرَ الفكر السلفي الوهابي أن الحركة الإخوانية حركة ضالة تشجع الخروج على ولي الأمر، وتمارس الحزبية الكافرة... يحصل هذا بالتوازي مع الهجوم الذي تخوضه السلفية مع رموز الإخوانية داخل المملكة، وبالذات منذ اندلاع «ثورات الربيع العربي» عام 2011م. هذا التاريخ وهذا الحدث الثوري «ثورات الربيع العربي» و«الأزمة الخليجية»، يؤكد أن الصراع بقلبه وقالبه ما هو إلا صراعاً سياسياً بحت، ولم يكن الدين إلا مفترىً عليه بهذا الصراع, وأداة مستخدمة بهذا التنافس والصدام الذي يسعى فيه كل طرف أن تكون له اليد الطولى بالمنطقة، ويفوز برضى البيت الأبيض.

سلفيون بتوجيه خارجي
وبالعودة الى الشأن اليمني، وعلى خلفية الصراع الدائر بين القطبين «الإخواني والسلفي» الذي استعر قبل أيام الى درجة الذروة في تعز، فإن هذا الصراع السياسي بثوبه الديني تم نقله بقالبه وقالبه الجامدين الى اليمن، كما هو دائر إقليمياً بين أطرافه، قطر والسعودية والامارات. ويصر السلفيون، الذين يتم توجيههم عن بُـــعد لأغراض سياسية وأطماع إقليمية لا للدين فيها ناقة ولا جمل، أنهم يخضون حرباً دينية، تارة ضد المجوسية كما حدث بالجنوب بداية الحرب ضد قوات «الحوثيين» و«المؤتمرية»، وتارة أخرى ضد «الإخوانية»، كما يحدث اليوم ضد حزب «الاصلاح» في تعز... وحتى حين يُـهزم هؤلاء عسكرياً كما حدث لهم قبل أيام أمام قوات «الاصلاح» بتعز، فقد كان الدين أيضاً حاضراً بقوة، وذلك بقولهم إن انسحابهم جاء «حقناً لدماء المسلمين»، ماماً كما قال حزب «الاصلاح» حين تقهقر أمام «الحوثيين» في صنعاء عام 2014م، حين قال: «لن ننجر الى الفتنة».

قبل أن يعود ثانية بداية حرب 2015م ليشحذ هممه الحزبية، ويشمِّر أهدافه السياسية على أمل للعودة ثانية الى كرسي الحكم المفقود فوق الحصان الخليجي المترنح.


*نقلاً عن موقع العربي
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)