الإعلام التقدمي- ﻓﺎﺧﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ -
ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ، ﻭﻣﻤﺰﻭﺟﺎ ﺑﺎلسلطة، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﺠﻴﺒﺎ، ﺑﻞ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ بالنسبة لأنصار الدين في الوقت الراهن ﺃﻥ ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺑﻔﺼﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ في نظرهم ﻳﺘﻨﺎﻓﻰ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹسلامية.
اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮﺓ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﺭ ﻭﺗﻐﻴّﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ اختلاﻃﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎسة أمر طبيعي. لكن الأمور ﺗﻐﻴﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﺑﺮﺯ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﻭﺗﻐﻴّﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻞ المسائل.
ﻭﻫﻨﺎ ﻧﺜﻴﺮ التساؤلات ﺍﻟﺘﺎلية: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺑﺮﺯﺕ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ في العصر الحديث؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﻭﺍﺳﻊ ﻣﻦ قبل الإنسان الحديث ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ يعد ﻳﻌﺎﺭﺿﻬﺎ ﺃﻭ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻭﺭﺗﻬﺎ ﻭﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ؟ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ يكن هذا الفصل ﺣﺎﻟﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎضي، ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺰﺝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ الطبيعية “ﺍﻟﺒﺪيهية”؟ ﺇﻥ ﺍﻧﺠﺎﺯﺍ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ .
ﻻﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﺈن “بديهيات” ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ قد تصبح “غير بديهية” ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺳﺘﺘﺤﻮﻝ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻭﺃﺳﺲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ. ﻭﻣﻊ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ من “البديهيات” ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻇﻬﺮت “بديهيات” ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ .
ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻣﺴﺎﺋﻞ معينة أصبحت “بديهيات” ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ، ﻫﻮ ﺃﻧﻬﺎ باتت تعتبر ضمن المسائل ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎلمسائل ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، ﺃﻱ ﻣﺎ ﻋﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻨﺎﻓﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻟﺔ ﺗﺜﺒﺖ طبيعيّتها. ﻭمن “البديهيات” ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ﻭﻟﻢ تكن “بديهية” ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻋﺪﻡ ﻗﺒﻮﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔ للاستغلال ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﺴﺎﺳﺔ، ﻭﻋﺪﻡ ﺟﻌﻠﻪ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻟﻠﺜﺮﺍﺀ .
ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﺐ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ الإنسان ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ (قديمة) ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ (جديدة)، ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺤﺪﺍثة. ﻓﺎﻟﺼﺮﺍﻉ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎئل. فاﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﺍﺣﺘﻮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺗﻮﺟﻬﺎتهم: ﺇﻣﺎ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ النص المقدس، ﻭﺇﻣﺎ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪة. ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﻣﻊ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﻭﺙ ﺯﻟﺰﺍﻝ ﻋﻨﻴﻒ ﻓﻲ الإﻳﻤﺎن بـ”حقيقة” ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ المنهدم ﻭﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ إصلاح “الحقائق” ﺍﻟﻤﻨﻜﺴﺮة.
ﻓﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺗﻬﺪﻣﺖ ﺧﻼلها “ﺑﺪﻳﻬﻴﺎت” ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻭﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻭﺗﻢ ﺗﺄﺳﻴﺲ “بديهيات” ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺗﺒﺪّﻝ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﺟﺪﻳﺪ، ﻭﺗﻢّ ﺑﻨﺎﺀ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ “الحقائق” ﺗﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﻢ ﺗﺠﺎﻭﺯ “ﺍﻟﺤﻘﺎئق” ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻜﻞ ﺯﻣﺎن. ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﺻﺮﺍﻋﺎ بين “حقيقتين” ﺃﺫﻛﺘﻪ ﺑﺎﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮﺱ ﻭﻏﺎﻟﻴﻠﻴﻮ ﺣﻮﻝ ﻛﺮﻭﻳﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻧﻈﺮﻳﺔ داروين عن ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ، ﻭﻗﺪ ﺻﺒّﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻭﻋﺎﺀ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﻠﻢ وإصلاح ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪيني. فاﻟﻐﺮﺏ ﺃﺻﺒﺢ ﻳﻌﻴﺶ ﺭﺍﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺩﻳﻦ ﻻ ﻳﺤﺘﻜﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻋﻠﻢ ﻻ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﻳﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻐﺎﺋﻪ .
ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺮﺯﻫﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺃﻥّ الإنسان ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺤﻮﺭﺍ ﺭﺋﻴﺴﻴﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، فمع ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان ﻣﻴﺰﺍﻧﺎ ﺟﺪﻳﺪﺍ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻘﻴﺎﺱ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ، ﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وأخلاقية ﻭﻓﻜﺮﻳﺔ ﻭﺩينية. ﻓﺠﻤﻴﻊ الأشياء ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺱ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان ﻻ ﻓﻲ ﺇﻃﺎر “الحقيقة”. ﻭحتى “الحقيقة” ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺨﺪﻡ الإنسان ﻻ ﺃﻥ ﺗﻀﺮّﻩ ﻭﺗﻘﻒ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻄﻮﺭﻩ ﻭﺗﻘﺪمه. ﻓﻔﻲ ﻋﺼﺮ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻛﺎﻥ الإنسان مستسلما “للحقيقة”، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻻبد “للحقيقة” في ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﺃن تستسلم للإنسان.
ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺾ الأمور ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎه. ﻓﺎﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﻏﻴﺮ الإنسانية ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻫﻲ المهيمنة. ﻭﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺾ للإنسان ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺭﺅﻳﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻟﺪﻯ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ والإنسان ﺍﻟﺠﺪيد. ﻓﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻻﻳﺰﺍﻝ ﻏﻴﺮ حداثي ﻭﻣﻨﺎﻫﻀﺎ ﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭﺣﻘﻮﻕ الإنسان، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻻﻳﺰﺍﻝ ﻳﺘﺒﻨﻰ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة والقائمة على عدم محورية حقوق الإنسان.
ﺇﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺗﻔﺴﻴﺮه استمرّا ﻏﻴﺮ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﻴﻦ، ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻭالفقيه. ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻌﻘﻴﺪﺓ الإنسان ﻭﺁﺭﺍﺋﻪ ﻭﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺗﻪ ﻭﺣﻘﻮﻗﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ والاجتماعية ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺤﻞ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﻑ، ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺗﺠﺎﻩ الإنسان ﻛﺈﻧﺴﺎﻥ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ “ﺍﻟﺪﻭﻧﻴﺔ” ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﺓ ﺣﻘﻮﻗﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮﻳﺔ الإنسان ﻭﻛﺮﺍﻣﺘﻪ ﻫﻲ ﺍﻷصل. فمثلا ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺗﺪ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻧﻈﺮﺓ ﻗﺪﻳﻤﺔ، ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ إﻟﻐﺎﺋﻴﺔ، ﻻ ﻧﻈﺮﺓ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺭﺍﻫﻨﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻭﺍﻟﺘﻌﺪﺩ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮها. ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻭﺍﻟﻤﻠﺤﺪ ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ، ﺑﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺴﻨﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ الإسلامية ﻛﺎﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ والإسماعيلية والزيدية. ﻓﻬﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻳﺤﻖ ﻟﻠﻔﻘﻴﻪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ الادّعاء ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺤﺘﺮﻡ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان؟
ﺇﻥ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺇﻟﻰ الإنسان ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺘﺒﺪﻝ، ﻭﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺇﻟﻰ الوﺍﻗﻊ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻛﻤﺎ ﺳﻴﺴﻬﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻭﺃﺣﻜﺎﻣﻪ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺼﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻟﺤﻘﻮﻕ الإنسان. ﻭﺑﻐﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻧﺰﻋﻢ ﺑﺄﻥ الدين ﺍﻟﺬﻱ يشرحه ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻔﺴﺮون ﻏﻴﺮ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ.