الإعلام التقدمي -


على مدى عامين ظلت الرياض قبلة لموكب طويل من السياسيين اليمنيين، من مختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم. جمعتهم مدينة، وفندق، ومصلحة، وراتب، وتحت مظلة واحدة اسمها “الشرعية”.

فترة ليست بقصيرة هي، وإقامة تحولت أخيراً إلى مساحة للسخرية والجدل والهجوم، خصوصاً وأن من بين رجال “الشرعية” وزراء حكومة ودبلوماسيين وأعضاء أحزاب، إن لم تكن أحزاب بكاملها هناك. والجديد، هو أن الكثيرين بدأوا يتعرضون للطرد بصورة مهينة. وخلال أيام فقط، غادر عبد السلام عاطف، القيادي في “المقاومة الشعبية” في الجنوب الرياض، بعد أن تم إبلاغه بأن عليه مغادرة السعودية دون إبداء أسباب أو تفاصيل. وبعدها بيومين فقط، غادر الشيخ حميد الأحمر الرياض، بعد أن تعرض لكلام قاس ولاذع من قبل أحد مسؤولي اللجنة الخاصة السعودية.

مصادر سياسية في الرياض قالت، لـ”العربي”، إن السعودية دعت عدداً من مشائخ اليمن إلى الرياض لإقامة مؤتمر جامع لم يعلن عن أسبابه ولا الغرض منه، كاشفة أن الشيخ حميد الأحمر قدم إلى الرياض من تركيا بدون دعوة أو طلب من قبل السعوديين أنفسهم، مضيفة أن “الأمر الآخر الذي أثار غضب أحد مسؤولي اللجنة الخاصة هو الدور الذي قام به الشيخ الأحمر في قاعة المؤتمرات، حيث ألقى خطاباً في المشائخ، كما لو أنه هو من يقودهم وفي واجهتهم”.

و نقلت المصادر عن المسؤول السعودي قوله، “بصورة قاسية”، للشيخ الأحمر: “لا يجوز لك لقاء المشائخ إلا بموافقه اللجنة الخاصة”، فما كان من الأحمر إلا أن حمل نفسه وغادر الرياض نحو تركيا على الفور.

سياسي بارز وقريب من حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، وهو متواجد في الرياض ومطلع على ما دار، قال، لـ”العربي”، إن “حميد الأحمر انتهى دوره السياسي في اليمن على الأقل في المدى المنظور، وتعامل اللجنة الخاصة معه بهذه الطريقة يؤكد أنه لم يعد مرغوباً به، ولا مستقبل له ضمن التسويات القادمة”.

و أشار إلى أن “حميد الأحمر يواجه حملة منظمة ضده وضد أفراد أسرته من داخل حزب الإصلاح، ما يعني أن كثيراً من الإصلاحيين بدأوا يشعرون بأن حميد وإخوانه يشكلون خطراً على مستقبل الحزب، وأن تصرفاتهم وممارساتهم تمنع الحزب من أداء دور سياسي متكامل ومقبول بين اليمنيين، ويشعر حزب التجمع اليمني للإصلاح أن فوق كاهله الكثير من الأعباء التي تعوق عمله ونشاطه، وحميد الأحمر هو أحد أهم هذه الأعباء”.

مصادر سياسية أخرى في الرياض، وقريبة مما يدور وما يتعرض له رجال “الشرعية” ومؤيدوها، أكدت، لـ”العربي”، أن “السعودية قد ضاقت وصارت منزعجة كثيراً من بقاء ذلك العدد الكبير والضخم من السياسيين والمشائخ والكبار، إضافة إلى أن هناك حالة من الفرز الآن لكثير من الناس المنخرطين في صف الشرعية، من سياسيين، وقيادات أحزاب، ورجال عسكريين، ورجال قبائل، ومشائخ، خصوصاً الذين ترى السعودية أنهم مهتمون ببناء مستقبل أنفسهم أكثر من اهتمامهم بالحرب على الأرض”.

وتفيد معلومات “العربي” بأن المملكة السعودية، على ما يبدو، بدأت بتقييم علاقاتها بالأطراف الداعمة لـ”الشرعية” في اليمن، وسط مؤشرات لافتة إلى فقدان الثقة بحزب “التجمع اليمني للإصلاح”.

كما تفيد بأن الرياض بدأت تفكر بالعودة إلى مربع الرهان على القبائل اليمنية، ولكن خارج سياق القيادات القبلية المحسوبة عليها، والتي تحاول تقديم نفسها على أنها مؤثرة وفاعلة وقادرة على اللعب.

و تؤكد مصادر مطلعة، لـ”العربي”، أن السعودية تحاول القيام بمراجعة شاملة للملف اليمني، وعلاقاتها به، على ضوء المعطيات التي خلصت إليها بعد عامين من انطلاق “عاصفة الحزم”، والإعلان عن “التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن”.

و توقع سياسيون، في حديثهم إلى “العربي”، أن تستمر حالة الفرز من قبل المملكة السعودية للمقيمين على أراضيها من مكونات سياسية وقبلية وحزبية، معتبرين ذلك دليلاً على استشعار السعودية وقوعها في مأزق كبير إزاء رجال “الشرعية” وحلفائها، خصوصاً أولئك المحسوبين على حزب “التجمع اليمني للإصلاح”.