آخر الأخبار
 - في ذاكرة الأمم والشعوب رموز ومحطات وأحداث بها تعتزّ وتفاخر غيرها من الأمم والشعوب فيما تتبرأ من بعضها وتحس بالعار تجاهها...

الاثنين, 14-مارس-2016 - 06:17:43
الإعلام التقدمي-بقلم أ. معن بشوّر -

 
في ذاكرة الأمم والشعوب رموز ومحطات وأحداث بها تعتزّ وتفاخر غيرها من الأمم والشعوب فيما تتبرأ من بعضها وتحس بالعار تجاهها...

من الرموز الذين نعتزّ بهم كعرب، ويعتزّ بها الشعب الفلسطيني، القائد الشهيد أبو العباس أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية، ومن المحطات التي نفاخر فيها غيرنا من الأمم والشعوب محطات نضاله الطويل من أجل فلسطين والأمّة، ومن الأحداث التي نتوقف عندها بإمعان هو ذلك التقاطع الذي استشهد في قلبه أبو العباس وهو التقاطع بين فلسطين والعراق.

وإذا كانت حياة أبو العباس، حافلة بالمحطات والأحداث والعمليات الفدائية النوعية ضد العدو الصهيوني، وأبرزها عملية جمال عبد الناصر وقائدها البطل عميد الأسرى العرب الشهيد سمير القنطار الذي بدوره استشهد في قلب تقاطع مماثل هو تقاطع فلسطين وسوريا، فإن في سيرة المناضلين، وكل شهداء المقاومة وقادتها، من الدروس والمعاني ما يحتاج إلى أكثر من وقفة:

أول هذه الدروس هو الترابط الوثيق بين المقاومة لتحرير فلسطين والنضال من أجل تحرير الإرادة العربية من الارتهان والتبعية للإملاءات الصهيو – استعمارية، فكل خطوة على طريق فلسطين هي خطوة على طريق وحدة الأمّة واستقلالها وتنميتها وحريتها والعدالة الاجتماعية فيها، وكل خطوة على طريق هذه الأهداف هو خطوة على طريق فلسطين، وما من مرّة حاولنا الفصل بين الخطوتين والطريقين إلا هُزمنا، وما من مرّة أحسنا الربط  بينهما، أي بين فلسطين والمشروع النهضوي العربي إلاّ وانتصرنا.
ثاني هذه الدروس إن إحياء ذكرى استشهاد أبي العباس في سجون الاحتلال الأمريكي كل عام هي تذكير للأمّة كلها، بل للعالم كله، أن كل الشرور والفتن والحروب التي تشهدها أمّتنا منذ أكثر من عقدين من الزمن إنما نشأت مع الاحتلال الأمريكي للعراق الذي كان قرارا صهيونيا بأدوات أمريكية ، بل مع آثار هذا الاحتلال وتداعياته وآليات المحاصصة والتحريض الطائفي والمذهبي والعرقي التي جاء بها، فما نراه في سوريا واليمن وليبيا ومصر وصولاً إلى تونس والبحرين ولبنان إنما زرعت بذوره القاتلة في تلك الأيام الدموية القاتمة من ربيع 2003 في تربة العراق الطاهرة الأبية.


ثالث هذه الدروس هي إن العراق ما كان ليستهدف على مدى ربع قرن من الزمن، وأن سوريا وغيرها من أقطار ما كانت لتستهدف اليوم، لولا الارتباط الدقيق بين هذه الأقطار وفلسطين، فالعنوان المشترك لكل هذه الحروب التي تشن اليوم على أقطار أمّتنا هو السعي إلى فك ارتباطها بفلسطين، وإخراجها من الصراع التاريخي مع المشروع الصهيوني الذي لا يريد أن يرى قطراً عربياً موحداً، ولا مواطناً عربياً حراً كريماً، فإذا كان هدف هذا المشروع يوم قيام الكيان الصهيوني هو تجزئة هذه الأمّة إلى أقطار، فإن هدف هذا المشروع اليوم هو تفتيت الأقطار نفسها قطراً قطراً بدءاً من العراق وصولاً إلى سوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس وغيرها من اقطار الامة.


رابع هذه الدروس إن احتلال العراق في بدايات هذا القرن، كما احتلال فلسطين في أواسط القرن الفائت، ما كان ممكناً له أن يتم لولا أن البعض من حكوماتنا وأنظمتنا قد شارك في خطيئة التحريض والتشجيع والتسهيل والتواطؤ، أو خطأ الرهان القصير النظر على إمكانية أن يحصد المراهنون بعض الثمار من خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، أو يشبعوا بعض الأحقاد والنزوات التي نراها تفتك اليوم بالعراق وبغيره، إما عبر جماعات الغلو الظلامي والتوحش الدموي، أو جماعات التعصب الطائفي والمذهبي والعرقي والذي بلغ ذروته مؤخراً في مجازر المقدادية والحلة وفي  تفجيرات بغداد وفي قصف التحالف الأمريكي الدموي بالأمس لعشيرة أبو جابر في الرمادي.


خامس هذه الدروس إن أبا العباس ما كان ليرتقي شهيداً في سجون الاحتلال الأمريكي في العراق لولا اتهامه منذ سنوات ومن قبل المخابرات الصهيو- أمريكية بالإرهاب، فالإرهاب تهمة جاهزة لإلصاقها بكل مقاوم شخصاً كان أم تنظيماً حتى خرج علينا اليوم الإرهاب الحقيقي ليفتك بالمنطقة كلها ولتصل شظاياه إلى العالم بأسره.


لم يكن أبو العباس وحده متهماً بالإرهاب، كان أبو عمار كذلك، وأبو جهاد، وجورج حبش، والشيخ أحمد ياسين، وأبو علي مصطفى والدكتور فتحي الشقاقي، وعمر القاسم، وجهاد جبريل، وعبد الوهاب الكيالي والعديد غيرهم من شهداء فلسطين والمقاومة، فكل من يقاتل العدو الصهيوني، وهو أصل الإرهاب، أو يدعم المقاومة بالكلمة أو بالموقف، في هذه المنطقة بات إرهابيا... ولكن الفرق  بين الأمس واليوم إن التهمة بالإرهاب للمقاومين كانت تأتي من الخارج، من العدو، أما الآن فقد باتت تأتي من الداخل، ممن يفترض به أن يكون شقيقاً كما هو الحال مع مجاهدي حزب الله الذين تعتز الأمة  بما حققوه لها من انتصارات وانجازات لا تقلل من شأنها تباينات مع الحزب في هذا الموقف أو ذاك، تماما كما كان الأمر مع المقاومة العراقية الباسلة التي أُتهمت بأنها إرهاب أيضاً وأنها مقاومة سنية، كما تتهم المقاومة اللبنانية بأنها مقاومة شيعية.


سادس هذه الدروس إن اليد الصهيو- أمريكية التي اغتالت أبا العباس في سجنه هي ذاتها اليد التي اغتالت الكثير من قادة فلسطين والأمة ورموزها، هي التي اغتالت عمر المختار في ليبيا، وعبد المنعم رياض وجمال عبد الناصر في مصر، والعربي بن مهدي في الجزائر، واحمد مريود في سوريا، والمهدي بن بركة في المغرب، وكمال جنبلاط وعباس الموسوي ورشيد كرامي في لبنان، وصدام حسين ورفاقه وأبناءه في العراق، بل هي اليد  ذاتها التي تطلق الرصاص الحي اليوم على شباب فلسطين وشاباتها، على أطفالها والشيوخ، في انتفاضتهم الباسلة التي توقعنا انطلاقها قبل أشهر، وتوقعنا استمرارها يوم انطلاقها، ونتوقع اليوم انتصارها بدحر المحتل عن القدس والأرض المحتلة بإذن الله وقد بات العدو يقر، كما يقول على لسان أركانه، باستحالة القضاء على مواجهات من هذا النوع.


إن هذا المسلسل المتواصل من الإجرام المتمادي، ومن الإعدام المتوحش بقدر ما هو شهادة على طبيعة العدو الإرهابية، هو أيضاً شهادة على صلابة شعبنا وامتنا ورموزها وقادتها ومناضليها، وهنا لا بد من دعوة قوية لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة والمستعمرين وأدواتهم على هذه الجرائم المتمادية في فلسطين وعلى امتداد الأمة... وهذا ما ستكون عليه بإذن الله رسالة "المنتدى الدولي الثاني من اجل العدالة لفلسطين" الذي سنعقده في تونس يومي 22 و 23 نيسان/ابريل القادم.


سابع هذه الدروس إن الأمم الحية هي التي تحيا بشهدائها وأسراها ومناضليها، وما هذا التصميم الوطني والقومي والأخلاقي على إحياء ذكرى أبي العباس وكل الشهداء والمجازر، وعلى التضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال، سوى التعبير الأرقى عن الوفاء، تلك الفضيلة النبيلة، التي لا حياة للأمم بدونها، ولا معنى للعلاقات الإنسانية بغيابها.


فباسم هذا الوفاء، وهذه الدماء، ندعو من منبر أبي العباس، من منبر المقاومة المستمرة بإذن الله، إلى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية تخرجنا من متاهات الانقسام وتحتضن انتفاضة التحرير المتوثبة، والى حلول سياسية للازمات المتفجرة في أقطارنا العربية وقد بدأت ملامحها بالظهور سورياً ويميناً وليبياً، والى استنهاض روح المقاومة على مستوى الأمة كلها التي ما أُمتحنت يوماً في وفائها للأرض وللقيم والمبادئ إلا وفاجأت العالم بتجاوبها، وما رأيناه قبل أيام في تونس ومصر وسوريا والجزائر والعراق والمغرب واليمن وأقطار الأمة كلها سوى مشاركة متواصلة  في إحياء ذكرى أبي العباس الذي عاش مقاوماً فأتهم بالإرهاب، وحمل راية العروبة وفلسطين والعراق فارتقى إلى ربه شهيداً.
 
 

[1] - كلمة القيت في مخيم البص – مدينة صور في مهرجان اقامته جبهة التحرير الفلسطينية في ذكرى استشهاد امينها العام محمد عباس (ابو العباس) في سجون الاحتلال الامريكي في العراق قبل 12 عاماً.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)