آخر الأخبار
 - تتحَركُ الباخرة بِبطءٍ، ومعَها يَتمَايل رَأسي، فأشعُر بِدوْخة قادِمَة مِن بَعيد. لمْ تحضُر بعْد، لكنَّها، وقبلَ أنْ تصِل، ترُج رَأسِي رَجًّا. الضجيج وصوت انتحاب الأطفال يصلني باردا، كحد مُدية جارحة. ولدُ وبنت يضرِبَان بِإصبعَيهمَا مَشد عُبوة صودا

الأربعاء, 10-يونيو-2015 - 11:57:36
الاعلام التقدمي-بقلم: سناء بلحور -

 
 

تتحَركُ الباخرة بِبطءٍ، ومعَها يَتمَايل رَأسي، فأشعُر بِدوْخة قادِمَة مِن بَعيد. لمْ تحضُر بعْد، لكنَّها، وقبلَ أنْ تصِل، ترُج رَأسِي رَجًّا. الضجيج وصوت انتحاب الأطفال يصلني باردا، كحد مُدية جارحة. ولدُ وبنت يضرِبَان بِإصبعَيهمَا مَشد عُبوة صودا، يريد كل منهما كسرَهَا ليَكون الرابِحَ. صوتا رجُلٍ وامْرَأة يَتجاذلان بقُوة، كأنها يَتعَمَّدان فِعلَ ذلك، حتى يَصِلَ صوتَاهُمَا إلى أسْمَاعِ المُسَافِرين... إنَّهُمَا يَتجاذلان حَولَ الطَّريقِ. ومن بَعيد، تعلُو ضحكة سَاخِرة من كل ما قيل.

الباخِرةُ مليئة بِالأطفَال، لكنهم شَبيهُون بِعَجائز مَرضى، شيء غريبٌ يحُومُ حَول وُجوههم. من النافذة يبدو البحر قريبا جدا منًا، لكنَّ عالماً بَائساً يُلوِّحُ لنا من بعيد.

الأطفال يَتَسارعُون نحو الواجهات الزُّجاجية ليُبْصِرُوا ذلك الشيء الغريب. لا أحد يكترث بما قد يَحدُث، الكبار يحتسون القهوة بِنهم، ويحلُمون بالعَودة.

أمٌّ سَمينة تَتبَعُ طفلها السَّارح في الباخرة يبدو أنه قد أكمل عَامَه الأول، وقد آن وقت الشغب. هو الآن يتَمرَّنُ على المشي، يضرب أرضية الباخرة بقوة، فتبدو أمه سعيدة به، وهو يخبط بقدميه الأرض.

 آه لن أستطيع النَّومَ مع كل هذه الضجة. كُلَّما سقط الطفل على الأرض، ردَّدت خلفه “هيا يا صغيري، هُجوم”. يُعجبه الاستلقاء على الأرض، فيضع خدَّهُ على السَّجادَة المُتَّسِخة، تستَحثُّهُ أن يَنهضَ لكنه يَتمادى في الاسترخاء مبديا ابتِسَامَة سَاخِرَة.

في الجهة الأخرى من الباخرة، أبٌّ يأخذ صورة تِذكَارية لابنتيه الصَغيرَتين، إحداهُما تَنتَعِلُ حذاء لامِعاً، والثانية صَندَلة بلاستيكية وردية اللون.

 أطفالٌ يَصرُخون وتَعلُو أصواتُهم كَأن كَارثة حلَّت، أنتظر أن يوقِفَ أحداً هَذا الضجيج المجنون، لكن، ليس هناك من رد فعلٍ يُذكَر. أتساءلُ مستغربة كيف يَحْتَمِلُ النَّاسُ كلَّ هذا بِبُرودة لا تُوصَف.
 
أطفالٌ يُمَرِّغُون وُجُوهَهم على الواجهات الزجاجية وهم يَتأمَّلُون البَحرَ، يَترُكُون آثَارَ أصَابعِهم عليها.

 امرَأة غادرت الحمام، وعادت إلى مَكانها، تَبتسم في وَجه ابنها الذي أراد أن يأخذ مَكَانَها، مَلابِسُها مُجعَّدة، ووَجهُهَا كذلك. وفي وسط الباخرة، كان هُناكَ شَباب كُثر يُشبِهُون الفُقمات، يتهافتون على المَقصَف، يتناولون السندويتشات الجاهزة، والبطاطا المقلية، يشربون الكولا بِنَهم، ثم يَمسَحون أيَاديهم في مُؤخِّرات سراويلهم، وبعدها يَمضون بعيون زائغة بَاحثة عن شيء ضائع.
 
تَتَمايل الباخرة كأنها سكرى، البعض أعجبهم هذا الحال، فأخَذوا يَتَمايَلون معَها ويضحكون بصوت عال.

 ومن بعيد أمواج عاتِيَة تُنذِرُ بحلول عَاصفة قَوية.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)