آخر الأخبار
الأربعاء, 13-مايو-2015 - 12:55:44
 - هل يعيد الحوثيون حساباتهم؟ الإعلام التقدمي - خيرالله خيرالله -
صمدت الهدنة الإنسانية أم لم تصمد، ثمّة واقع يمني لا يمكن تجاهله. يتمثّل هذا الواقع في أن اليمن يتسّع لجميع ابنائه ولجميع القوى السياسية فيه. لكنّ اليمن لا يتسع لطرف يعتقد أنّ في استطاعته السيطرة على البلد كلّه واحتكار السلطة لنفسه، لمجرّد أنّه يسمي نفسه "انصار الله" وأنّه يعتبر نفسه مكلّفا مهمّة إلهية. تتجاوز هذه المهمّة قدرة البشر العاديين على استيعاب ماهيتها!
 
في عزّ سطوته خلال حكمه الذي استمرّ ثلاثة وثلاثين عاما، اضطر علي عبدالله صالح إلى مشاركة آخرين في السلطة. حتّى الانتصار الذي تحقّق صيف العام 1994 والذي توّج بدخول القوات الحكومية إلى عدن، لم يكن انتصارا لعلي عبدالله صالح وحده. شارك آخرون في الإنتصار وتقاسموا معه السلطة وغير السلطة بعدما صار الحزب الإشتراكي شريك الرئيس السابق في صنع الوحدة على هامش الأحداث.
 
كان هناك دائما تقاسم للسلطة والثروة في اليمن. لم يستطع طرف وحده حكم اليمن كلّه. لم تمض فترة طويلة على وصول علي عبدالله صالح إلى الرئاسة في العام 1978، حتى وجد نفسه مضطرا إلى إيجاد صيغة للحكم تقوم على الارتكاز، إلى حدّ ما طبعا، على الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشائخ حاشد، الذي توفّى في اواخر العام 2007.
 
يقول الشيخ عبدالله في مذكراته أن علي عبدالله صالح طلب منه، عشية الوحدة اليمنية في السنة 1990 من القرن الماضي، تشكيل حزب، وذلك كي يقيم توازنا مع الحزب الإشتراكي الذي كان يحكم الجنوب والذي كان يملك جيشا خاصا به.
 
وبالفعل، شكّل زعيم حاشد حزبا اسلاميا هو التجمع اليمني للإصلاح، كان في الواقع تحالفا بين مجموعة من الشيوخ القبليين والإخوان المسلمين والسلفيين..مع امتداد داخل القوات المسلّحة في شخص اللواء علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح وابن قريته المسماة بيت الأحمر في مديرية سنحان.
 
هناك قوى سياسية متعددة في اليمن. أظهرت التجارب التي مرّ بها البلد أن ليس في استطاعة أيّ قوة أن تحكم وحدها. يمكن أن يكون هناك تجاذب، يصل إلى صدامات، بين هذه القوى. لكنّ لا أحد يلغي احداً في اليمن. لم يكن ممكنا إلغاء الحزب الإشتراكي بعد الإنتصار عليه عسكريا وبعد تفكيك الجيش الجنوبي والأجهزة التابعة له في 1994، كذلك لم يستطع علي عبدالله صالح القضاء على التجمع اليمني للإصلاح، حتّى بعد موت الشيخ عبدالله وتقاسم أبنائه المسؤوليات وصعود قيادات إخوانية شابة لديها عطش إلى السلطة يتماشى وعطش الشيخ حميد الأحمر الذي انشأ امبراطورية مالية كبيرة.
 
أخطأ الذين ورثوا التركيبة التي كان على رأسها الشيخ عبدالله الأحمر عندما اعتقدوا أن في استطاعتهم الحلول مكان علي عبدالله صالح المتّهم بأنّه كان يهيء نجله العميد أحمد لخلافته.
 
انهارت الصيغة التي كانت تحكم اليمن بعدما صار الصراع على السلطة داخل اسوار صنعاء. كانت هذه الصيغة وراء حصر الحوثيين، أي "انصار الله" في محافظة صعده سنوات طويلة، على الرغم من كلّ المساعدات التي كانوا يتلقوها من ايران ومن اطراف محسوبة على ايران ومن قواعد في جزر تابعة لإريتريا.
 
ما يبدو مخيفا على الصعيد اليمني ككل بعد بدء الهدنة الإنسانية، أن لا يكون الحوثيون استفادوا من التجربة التي مرّ بها التجمع اليمني للإصلاح. خسر الإصلاح الكثير، بل خسر كلّ شيء عندما لم يستوعب ابناء الشيخ عبدالله وعلي محسن صالح أنّ الإنقلاب على علي عبدالله صالح نهاية للجميع، بما في ذلك علي عبدالله صالح نفسه.
 
يمكن للهدنة الإنسانية أن تشكّل فرصة للجميع كي يلتقطوا انفاسهم تمهيدا للتفكير في مخرج.
 
قبل كلّ شيء، لا بدّ من الاقتناع بأن لا رغبة عربية وخليجية وسعودية تحديدا في المضي في عملية عسكرية لا هدف لها سوى تدمير اليمن. على العكس من ذلك، هناك من يريد البحث عن حل سياسي لا يستبعد أحدا، مع اصرار على أنّه لا يمكن قبول استيلاء "انصار الله" على السلطة في اليمن، أي أن يتحوّل اليمن قاعدة ايرانية.
 
هل في استطاعة الحوثيين قبول هذه المعادلة التي تعني أوّل ما تعني تحوّلهم إلى قوة سياسية ذات حجم طبيعي، خصوصا أنّه لا أحد ينكر أنّهم يمثلون قسما من زيود اليمن؟
 
هل أخذ الحوثيون علما بما قاله قبل فترة قصيرة الشيخ محمد بن زايد وليّ العهد في ابوظبي الذي شدّد على أنّ "الخيار الوحيد للتحالف العربي في اليمن هو الإنتصار في منبع العروبة" مضيفا أنّ "التحرك لإنقاذ اليمن لا يقتصر على الجانب العسكري والأمني فقط، بل سيمتد إلى الجوانب التنموية والإقتصادية والإنسانية والإجتماعية لأهمّيتها في دعم الشعب اليمني كي يتمكّن من التغلب على التحديات كافة".
 
تكمن مشكلة الحوثيين بكلّ بساطة في أنّهم يتصرفون وكأنّهم في بلد آخر غير اليمن. لا يعرفون أن اليمن لا يحكم من شمال الشمال وأنّه مهما بلغت درجة تحالفهم مع علي عبدالله صالح، لن يتمكنوا من أن يكونوا حكّام اليمن.
 
لا أمل كبيرا في صمود الهدنة الإنسانية للأسف الشديد. لا يزال هناك تصميم لدى الحوثيين على الحلول مكان الدولة اليمنية، علما أنّهم ليسوا قادرين على ادارة شؤون صعدة. لا يدركون أن اليمن لا يحكم بالشعارات مهما كانت ذات بعد إلهي. ليس كافيا قول أحد قادتهم أنّه "عندما تتخلى الدولة عن مسؤولياتها، من حقّ الشعب البحث عن وسائل أخرى لتنظيم نفسه بنفسه وحماية نفسه، واللجان الشعبية تقوم بهذا الدور مستندة إلى شرعيتها الثورية".
 
حسنا، هل الذهاب إلى عدن يمكن تفسيره بأن الحوثيين يريدون حماية انفسهم، أم أن التفسير الوحيد لهذا التصرّف الرغبة في السلطة ولا شيء آخر غير السلطة.
 
يطلب الحوثيون المستحيل. المستحيل هو أن يحكموا اليمن. لا يمكن لأي طرف خليجي القبول بذلك. قبل الخليجيين، لا يمكن لليمنيين أن يقبلوا ذلك. هل يستطيع عبدالملك الحوثي تخيّل الشعور الحقيقي لمواطن من عدن تجاه ما ارتكبته ميليشياته في المدينة التي تأسس فيها نادي كرة المضرب في السنة 1902؟
 
ليكن الله في عون اليمن في حال أصرّ الحوثيون الذين يسمّون أنفسهم "انصار الله" على عدم إعادة النظر في حساباتهم السياسية والتكيّف مع الواقع اليمني الذي لا يقبل حزباً شمولياً في السلطة، فكيف إذا كان الأمر متعلّقا بفئة زيدية تعتقد أنّها تحتكر كلّ المعرفة بمجرّد أنّها وضعت نفسها في خدمة ايران وسمّت نفسها "انصار الله".
 
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)