آخر الأخبار
 - في معرض قراءة “آصف بيات” للتغيير السياسي فإنه يطرح فكرة أن التغيير الاجتماعي والسياسي ومساراته وآلياته تختلف باختلاف طبيعة المجتمع وذهنية أفراده. فوفقا لآصف، التغيير في منطقة الشرق الأوسط

السبت, 21-فبراير-2015 - 19:29:11
الاعلام التقدمي -
في معرض قراءة “آصف بيات” للتغيير السياسي فإنه يطرح فكرة أن التغيير الاجتماعي والسياسي ومساراته وآلياته تختلف باختلاف طبيعة المجتمع وذهنية أفراده. فوفقا لآصف، التغيير في منطقة الشرق الأوسط إمكانية حدوثه أقرب من خلال الحركات اللا اجتماعية والتي تشير إلى “النشاطات الجماعية لناشطين غير مجتمعين: يمثلون مشاركة أعداد كبيرة من الناس العاديين، وأنشطتهم مجزأة لكنها متشابهة، وتؤدي إلى تغير اجتماعي بدرجة كبيرة على الرغم من أن تلك الممارسات نادرًا ما يتم توجيهها من قبل أيديولوجيا أو قيادات ومنظمات معروفة.”

هذا الحراك يطلق عليه آصف مسمى “الزحف الهادئ” باعتباره شكلاً من أشكال التغيير السياسي والاجتماعي الصامت يقوم به أناس عاديون خلال كفاحهم اليومي الهادئ عبر خلق وتخيل حياة جديدة لأنفسهم بوقائع مختلفة، “وليس من خلال قنوات المؤسسات الرسمية - والمستبعدين منها إلى حد كبير - ولكن من خلال النشاط المباشر في مناطق الاستبعاد نفسها.” أي أن ممارسة الحياة اليومية من قبل أناس عاديين يؤدي - وعبر الزمن - لتقديمهم واقعًا جديدًا يتم شرعنته بقيم تتناسب والإيقاع اليومي الجديد، وتبتعد قليلا عن القيم والمعايير السائدة، وهذا هو جوهر التغيير الاجتماعي والسياسي. وهنا نطرح السؤال: هل الزحف الهادئ شكل من أشكال النضال؟ وأين نجد هذا النمط من المناضلين بيننا؟

لنأخذ مثالاً شريحة المدرسات لدينا. هن نساء يخترقن تمثيلا كافة طبقات المجتمع، فبشكل عام ينتمين لكافة طبقاته، ويعملن بوظيفة تقترب من المفهوم التقليدي لطبيعة المرأة كما يراها المجتمع التقليدي، وهو العمل مع الصغار. بالإضافة إلى هذا، تعمل المُدرسة في مجال لا اختلاط فيه، وتلتزم بلباس محتشم سواء داخل بناء المدرسة، أو عند الخروج من أسوار المدرسة، وبدوام عمل يسمح لها بالعودة مبكرًا للبيت “لتجهيز الطعام لرب المنزل” قبل عودته من العمل. كل هذه المعطيات والتصورات عن طبيعة عمل المُدرسة جعل للمهنة قبولا اجتماعيا عاليا، فالمُدرسة يُنظر لها بأنها تتماهى مع ثقافة المجتمع أكثر من موظفة البنك أو الطبيبة مثلاً. ولعل في هذا بعض التفسير لحقيقة أنه حين يقمن عدد من المدرسات برفع مطالب - وأحيانا بطرق لم يعتدها المجتمع - كالتظاهر والتجمعات، نجد قبولا وتسامحا معهن يصل حد تحقيق مطالبهن، لدرجة أن أحدهم - ومن باب السخرية - صرّح بأنه أصبح لدينا “لوبي المدرسات”. ولكن هنا يُطرح تساؤل يتعلق بمفهوم النضال ذاته: هل المدرسات مناضلات؟ وما هو التغيير الذي تدفع به المدرسات أو يقدمنه للمجتمع خارج مطالب تحسين وضعهن المهني؟ هل في العمل كمُدرسة نضال ما؟ وبالتالي هل للمدرسات قدرة على إحداث تغيير في المجتمع؟

مع كثافة الطلب على العمل كمُدرسة لجاذبية المهنة من جهة، ومن جهة أخرى لقلة الخيارات الأخرى، تم قبول عدد كبير من المدرسات للعمل في قرى ومدن بعيدة، وأصبحت ظاهرة اغتراب المدرسات العازبات للعمل في أماكن بعيدة عن ذويهن مقبولة، حتى أنه لم يحدث اعتراض اجتماعي بحجم هذا التغيير الحادث المتمثل في أن تُقيم امرأة شابة في شقة، وحيدة بمدينة تبعد مئات الكيلومترات عن بيت أهلها، لا لتشكل أسرة جديدة - وهو أمرٌ مقبول في مجتمع ذكوري - ولكن للحصول على وظيفة ودخل اقتصادي مستقل. أليس في هذا تغييرًا في بنية الأسرة التقليدية؟ فلم يعد من المحتم على الفتاة ألا تخرج من بيت أهلها إلا لبيت زوجها، بل أصبحت تخرج من بيت أهلها لوظيفة تجعلها تمكث وحيدة وغريبة في مكان تخف فيه سلطة ورقابة الأهل. أليس في هذا تغييرًا صامتًا وهادئًا يحدث داخل بيوتنا، ويكشف عن تغيير خفي في النظر لطبيعة دور المرأة ومفهوم الأسرة؟ وحتى من لم تنتقل من المدرسات للسكن في مكان ناء، وفضلت استخدام التنقل اليومي لتقطع بعضهن يوميا أربع ساعات ذهابا ومثلها عودة، ألا يشكل هذا التنقل تحديًا يوميا للمرأة تكتشف فيه صلابتها وقوة تحملها، وبالتالي إعادة التفكير في التصور التقليدي عن ضعف
المرأة؟ ألا تمنح هذه التجربة تصورًا جديدًا للدور، وبالتالي لبنية القيم التقليدية؟ إنه تصور جديد يتشكل في الوعي، مما يجعل عملية تشكله تأخذ مدىً زمنيًا طويلاً نسبيا لكنه عميق. وأيضا، وجود هذا العدد الكبير من المدرسات بمدخولهن الشهري، ألا يشكل قوة اقتصادية تفرض تغييرًا داخل الأسرة وتغييرًا في العلاقة مع الرجل، وإن كان تغييرًا صامتا وناعمًا، أو كما يطلق عليه آصف بيات “الزحف الهادئ”؟

لعل مثالاً آخر يوضح الفكرة من زاوية أخرى، وليكن هذا المثال من عالم النت. هل يمكن أن نعد موقع عالم حواء إحدى أدوات التغيير/النضال في المجتمع؟ في موقع عالم حواء نجد نساء يستعرضن ويبدعن طرقا لطبخ جديد وتقديم موائد بشكل مبهج ومختلف، وكذلك نساء تقدم مشورات للاعتناء بالجسد أو الصحة، وكذلك لتطوير العلاقة مع الرجل إما بنصائح تتعلق بأسلوب التعامل، أو بأدوات تثري العلاقة الحميمية ببن الزوجين كالملابس المثيرة والألعاب الجنسية التي تكسر الطريقة المحافظة في العلاقة الجنسية بين الزوجين. ألا يشكل هذا تغييرا في إدارة العلاقة، وكذلك احتفاءً بالجسد وبتفاصيل اليوم من طعام ولباس وديكور؟ في مجتمع يشتكي أفراده من غياب الترفيه، ألا تشكل الأفكار المطروحة في الموقع ابتهاجا وحالة من الفرح اليومي البسيط؟ أليس في الموقع نموذج للاحتفاء بالبسيط وتفاصيل الأشياء؟ لماذا نحتفي حين نقرأ لأحد الروائيين أو الشعراء حديثه عن تفاصيل الأشياء وعيش اللحظة، وفي المقابل نحتقر هذه التفاصيل ونتعالى عليها حين تمارسها ربات البيوت؟ أيضا، أتذكر ومن تجربة شخصية، طلبي عبر الموقع ذاته وصفة لطبخة معينة، ولأنني عضو جديدة، لم أجد أي تجاوب. لذا لجأت للحيلة، فبعد يوم
ين أعدت نفس الطلب ولكن وضعت عنوانا له: “الحقوني بنات... أنا عروسة جديدة وحماتي القشرا* بتتعشى عندي لأول مرة.” هنا حصلت على أكثر من ٢٠ طريقة لإعداد ذات الوصفة التي سألت عنها سابقًا! هذه التجربة تجعلني أتساءل من منظور سيكيولوجي عن قيمة الموقع، كموقع يقدم دعمًا نفسيًا واجتماعيًا غير مباشر تمارسه النساء مع بعضهن البعض لمواجهة ضغوط الزوج والأبناء والعائلة. أي أنه يقدم علاجًا نفسيًا جماعيًا لنساء حُكم عليهن البقاء في منازل مغلقة، يفتقدن رفاهية التحرك في مدينة ترى في خروجهن ارتيابًا ما. أليس في هذا تشكيلا لجماعات دعم “مدنية” وإن كانت خلف أسوار النت؟

يرى “بيات” أن التحدي الحقيقي يكمن في فن الحضور، والذي يتمثل بـ “الشجاعة والإبداع لتأكيد الإرادة الجماعية على الرغم من كل الصعاب للتحايل على القيود، وذلك باستخدام ما هو متاح واكتشاف مساحات جديدة يمكن من خلالها الإنصات ورؤية وشعور وإدراك النفس.” فإن كان التحدي الحقيقي هو فن الحضور، فإن هذا لا يجعلنا فقط نعيد تعريفنا لمفهوم المناضل ليشمل آخرين لم ننتبه لهم سابقا - فقط لأن صوتهم ليس عاليًا - بل يمنحنا تفاؤلا بمستقبل نرى فيه أن للتغيير أشكالاً عديدة، وليس علينا انتظار “البطل” ليصنعه لنا، فنحن المبتسمون في وجه هذه الصعاب قد نكون أبطالاً قادرين.

*القشرا: باللهجة السعودية تعني المرأة المتسلطه.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)