آخر الأخبار
 - باني الشخصية الرئيسة تعمل كاتبة روائية تتمتع برصيد من الخيال يعينها على أن تنجح في مشوارها الادبي الذي توّجته بثلاث روايات قبل

الأربعاء, 04-فبراير-2015 - 01:24:47
الاعلام التقدمي -




fadila_cover
تَشابُك أزمِنة السَّرد مَابين المُتَخيَّل والواقع

باني الشخصية الرئيسة تعمل كاتبة روائية تتمتع برصيد من الخيال يعينها على أن تنجح في مشوارها الادبي الذي توّجته بثلاث روايات قبل أن تصبح امرأة بلا ذاكرة على اثر انهيار دارهم مع عديد من الدور في مدينة قسنطينة الجزائرية نتيجة الفيضانات.ممايستدعي بقائها في مستشفى للأمراض العقلية مدة عام كامل لغرض العلاج،بعد إن فقدت ذاكرتها تماما وحلت محلها ذاكرة اخرى صنعتها مخيلتها، لاصلة لها بذاكرتها الشخصية: ” ذاكرة وهمية عبثت بمشاعري،وزيّفت وقائع الحب كلها بوقائع أخرى أكثر هشاشة وكذبا ” .


تماهي الواقع والمتخيَّل


قبل أن تفقد ـ باني ـ ذاكرتها تزوجت من مهدي عجّاني،الذي يحمل شهادة جامعية في الهندسة،ولأن لامستقبل للمهندسين في الجزائر،يضطرالى أن يتطوع في قوات الشرطة السرية،فالمرتَّب جيد اضافة الى الامتيازات،لكن حياتهما الزوجية كانت على وشك ان تنتهي بالطلاق قبل أن يقتل مهدي برصاصتين في القلب من قبل قوى الارهاب اثناء مشاركته بإحدى الواجبات.


بعد أن تقلّمت ذاكرتها تخسر كل ماكانت تختزنه فيها من صور ومعارف ومشاعر، وماعادت تعرف:من هي،ماذا تكون،ماذا تعمل،ماذا تريد،أين كانت،مع من كانت، مع زوجها مهدي عجّاني،أم مع عشيقها المفترض إيس الذي تخيلته في روايتها،أم مع توفيق صديق الطفولة وصديق زوجها مهدي الذي يكتشف متأخراً رسالة كتبها توفيق يكشف فيها حقيقة مشاعره تجاه باني قبل أن يموت بأسبوعين عام 2000 على يد قوى الارهاب في رأس القنطرة وكانت باني معه لكن الرصاص لم يصبها .


fadilaاسئلة كثيرة باتت تفرض نفسها عليها وليس من إجابة واضحة تؤكد لها:أين هي مِن هذه العلاقات،ماهو الحقيقي منها،ماهو المتخيل فيها،من هي الشخصيات الواقعية،ماعلاقتها بالشخصيات المتخيلة في الرواية التي كتبتها،هل من صلة لهذه الشخصيات المتخيلة بواقع عرفته أو عاشته،هل القُبلة التي تستدعيها ذاكرتها والتي تلقتها في باريس ــ التي لم تزرها ــ مِن إيس احدى شخصيات الرواية التي كتبتها،هل هي حقيقة أم خيال،مع أن طعمها مازال باق على شفتيها ؟


اختلاطات الواقع بالمتخيل لدى باني نتيجة فقدانها الذاكرة،والذي يترافق مع مسار بحثها عن الحقيقة بات يفرض عليها لعبة مؤلمة جعلت الحقيقة تتأرجح فيها مابين الظهور والاختفاء،هذا المسار السردي في بنية الحكاية يضع باني مع القارىء في نفس الوقت،في حالة من الضياع،وهما يبحثان سوية بين الظلمة والضوء بين الماضي والحاضر بين المكتوب المتخيل والواقع المعاش عن لملمة خيوط الحقيقة، فالقارىء يسير مع باني بنفس الخطوات عندما تعيش في واقع متخيل،أي عندما تكون في حالة انفصام تام عن شخصيتها وعن الواقع.


باني لمْ يكن مِن سبيل أمامها وهي تعيش هذا التمزق الذهني والنفسي إلاّ أن تبدأ خلال فترة بقائها في المستشفى،بكتابة رواية تعتمد فيها على مخيلة جديدة منحتها ذاكرتها الجديدة،رواية تدور جميع احداثها في باريس،مع أنها لم تزر باريس ابداً،والمفارقة التي تتفاجأ بها باني،بعد أنْ تستعيد شيئا من ذاكرتها،حينما تجد أنّ معظم الشخصيات التي خلقتهم مخيلتها الروائية،هُم شخصيات حقيقية،لها حضورها في الواقع،وأن مصير معظم تلك الشخصيات قد انتهى بنهايات مأساوية.


أزمنة السرد


المؤلفة فضيلة فاروق جعلت من باني الشخصية الرئيسة في روايتهاالمعنونة “اكتشاف الشهوة ” تعنون هي الأخرى روايتها التي تكتبها بعد فقدانها للذاكرة ” اكتشاف الشهوة “. بذلك يتماهى ويتداخل الواقع بالمتخيل عبر هذا التطابق في عتبة العنوان .


البنية السردية عندما تأتي بهذا الشكل المتداخل مابين النصَّين ــ بما تحمله من مهارة في نسج خيوط الاحداث مابين عالمين لدى فضيلة فاروق ــ تبدو لنا جزءاً من سعي المؤلفة فضيلة فاروق الحثيث لخلق تداخل كثيف يجمع الواقع بالمتخيل،الى الحد الذي يبدو من الصعوبة بمكان التمييز أو الفصل أو فكّ الاشتباك والتشابك بينهما سواء لدى باني أو القارىء،وبنفس الوقت يشكل هذا التداخل جزءاً جوهريا من تركيبة باني ذاتها كما رسمتها المؤلفة .


من خلال الرواية التي تكتبها وهي في حالة فقدان للذاكرة تحاول باني أن تستعيد الحقيقة مستعينة بالتخييل،وذلك من خلال  الركون إلى المخيلة في انتاج شبكة متخيلة من العلاقات تلجأ في سردها إلى تقانة سيرذاتية مستخدمة ضمير المتكلم بصيغة الماضي،في الوقت ذاته الذي تكون فيه باني هي الشخصية الساردة في رواية فضيلة فاروق تعكس من خلالها وجهة نظرها،مستثمرة هي أيضا ضمير المتكلم بصيغة الماضي.من هنا يبدو لنا الشكل الفني الذي انشأته فضيلة فاروق وهي تهيكل بنيتها السردية لجمع وفصل خطوط السرد مابين الرواية والرواية التي في داخل الرواية وهذا الخيار الفني يبدو كما لوأنه مجموعة دوائر تتداخل مع بعضها البعض بالشكل الذي يصعب فك الارتباط بينها .


البنية السردية بهذه الصورةجاءت مبنية على شكل ثلاثة مستويات سردية تتحرك بين ثلاثة ازمنة مختلفة،إختارت فضيلة فاروق أن تضع القارىء في نفس الموقف الذهني المشوَّش والمُرتبك الذي أصبحت عليه باني الشخصية المحورية لروايتها هي وليست شخصية رواية باني التي كتبتها بعد أن  فقدت الذاكرة، ليصبح موقف القارىء مشابها لموقف باني الذي لم تعد فيه قادرة على فك الاشتباك مابين حقيقة العلاقات التي عاشتها قبل الحادث الذي تسبب في فقدانها للذاكرة والعلاقات المتخيلة في رواياتها التي عكفت على كتابتها اثناء فترة علاجها.


إذن نحن هنا أمام تجربة إبداعية لفضيلة فاروق تستعين تقاناتها البنائية من تجارب ماوراء الحداثة عندما وضعتنا في إطار بنية الرواية داخل الرواية،لنقف فيها أمام مؤلفتين ونصّين،يحملان نفس العنوان،ودلالة عتبة عنوان النص الروائي الاول، تكشفها عتبة المتن في النص الروائي الثاني/ الضمني .


فضيلة فاروق في تجربتها هذه تقصي صوتها السارد خلف قناع  ـ باني ـ  الشخصية الرئيسة،بنفس الوقت تختار أنْ تضعها في شخصية المؤلفة الضمنية في الرواية الثانية الداخلية،تتولى ــ باني ــ هذا الدور بعد أن تؤسس المؤلفة فضيلة فاروق ستراتيجية الشخصية الساردة وفق بنية فنية تبدو فيها منشطرة مابين ثلاثة ازمنة :


الزمن الأول:ماضي يأتي ويذهب دون أن تتمكن من الإمساك به..الثاني: يتشكل من حاضر لاتعرف عنه شيئا..الثالث:مُتَخيَّل يشكل بديلا عن الماضي المشطوب، والحاضر المقطوع بكل صلاته الانسانية ليصبح بالنتيجة ذاكرتها الجديدة،أوحقيقتها التي تبحث عنها وتسعى للوصول اليها..هنا يكون القارىء أمام تركيبة فنية مشدودة الى أكثر من مستوى ليس من السهل الفصل بين عناصرها،حتى ليبدو هو نفسه جزءا من لعبة خفية أتقنت المؤلفة فضيلة فاروق في نسجها بمهارة من غير أن يشعر القارىء بانزلاقه اليها،وكما يبدو أرادت أن تبقيه متأرجحا في إطار لعبتها السردية مابين الازمنة الثلاثة دون أن تمنحه فرصة أنْ يستيقظ ليخرج منها كما هي الشخصية الرئيسة .


بذلك ليس من السهل على القارىء فرز خيوط اللعبة الفنية المحاكة :” في الليل لا أنام،أفرد أوراقي وأكتب مأسميه رواية،وبطبيعة الحال،لم أكن اعرف أي نوع من الرواية أكتب،هل أكتب نفسي،أم أكتب الآخرين،ثم أروي قصة لنفسي لأتسلى ” .


تبقى فضيلة فاروق ممسكة بتشابكات الازمنة في روايتها التي تقع في 142 صفحة من غير أن يدرك القارىء حقيقة هذا التشابك الى مابعد الصفحة 102 عندها تضع القارىء والشخصية الرئيسة ـ معاً ــ أمام لحظة سردية تتكشف فيها الخطوط الفاصلة مابين الماضي والحاضر،الحقيقة والخيال.وهي بذلك نجحت في أن تمسك بوحدات البناء الاسلوبية حتى السطور الاخيرة  من الرواية من غير أن تنفرط منها. تستيقظ باني لتجد نفسها ممددة على سرير في مستشفى: “حين فتحتُ عيني،وجدتُّ بياضا يحيط بي من كل جانب،وجدرانا تختلف عن جدران بيتنا في شوفالييه.ورائحة أعرفها تماما،حاولت أن أقوم فلم استطع،قدماي ترفضان الحركة تماما،ورأسي ثقيل … ثقيل … ثقيل جدا.الرجل الذي أمامي لاأعرفه،رجل طويل نوعا ما،بعينين خضراويين،تبدوان أقل خضرة وراء نظارتين بزجاج يكاد يكون ملونا ً،سمرته خفيفة،ابتسامته بدون شك أراها لأول مرة ..لكنه يرتدي مئزرا أبيض !


-         انك في حالة جيدة


كان يتحدث عن شيء لم أفهمه :


-         هل حدث شيء البارحة ؟


-         لا ليس البارحة .


-         انني اراقب حالتك منذ أكثر من سنة … ” .


في هذه الرواية تتصدر المرأة ــ المثقفة ــ واجهة الشخصيات باعتبارها ذاتاً انسانية ضائعة تحاول أن تجد صورتها الحقيقية ــ مستعينة بمخيلتها ــ ضد واقع يتسم بالقسوة والاحتقار في نظرته وتعامله مع المرأة،ولافرق لديه سواء كانت المرأة متعلمة كما هي شخصية باني،أو غير متعلمة كما هي شاهي شقيقتها.


باني:” لم يحاول أن يوجِّهني . لم يحاول أن يفهم شيئاً من لغة جسدي،أنهى العملية في دقائق،ورمى بدم عذريتي مع ورق الكلينكس في الزبالة . عجزت عن الحركة بعد تلك الغارة . ماأخترقني لم يكن عضوه،كان اغتيالا لكبريائي،وفيما أشعل سيجارة انتصاره ليتمم بها متعته،قمت منكسرة نحو الحمام . غسلت جرحي وبكيت،لم أحلم تلك الليلة . فاتني قطار الأحلام،وتركني واقفة على محطة مقفرة تنعق فيها غربان الخيبة “.


هنا يبدو المجتمع بقواه التقليدية المهيمنة ــ ممثلة بشخصية الياس شقيق باني وزوجها مود في الرواية التي تكتبها ــ مصراً على أن يتعامل مع المرأة باعتبارها كائن تافه. باني:”جريمة والدي،إنه يحتسب والدتي كائن تافه،ولقد اقتنَعتْ هي بذلك، حتى اصبَحتْ أحياناً تَستَتْفِهُ نفسها أمَامنا كردة فعل طبيعية لئلا يَستَتْفِهُهَا أحدْ “.









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)