آخر الأخبار
 - والتي قدمت على خشبة مسرح الرشيد بداية التسعينات ، كان نص الجابري يجسد احداث الانتفاضة التي حدثت بالعراق عام 1991 وقد استحضر فيها الموت بكل تجلياته والحياة بكل قسوتها التي ألقت بثقلها على الانسان العراقي في الزمن الصعب ، لقد كانت ومازالت نصوص عبود الجابري الشعرية لها بريقها الخاص في الشعرية العراقية والعربية على حد سواء وكانت كفيلة لتجمع كل المآسي الانسانية التي لحقت في العراق ارضا وشعبا ..

الأربعاء, 04-فبراير-2015 - 01:18:38
الاعلام التقدمي- وكالات -

فخا قاتلا لمن لا يدرك أدواته وأدواتها تلك هي قصيدة النثر


حاول ترميم الاجساد والأرواح التي خربتها الأوطان


 المقدمة :


 دائما ما يكون الشعر وكتابته منقذاً للشاعر من آلام وضغوطات الحياة التي تجابهه ، ولعل الحروب وويلاتها وسياسات الانظمة الشمولية التي حكمت العراق منذ عام 1963 وحتى عام 2003 وما تلاها من متاهات وصراع سياسي على السلطة وحروب داخلية واشياء كثيرة عصفت في بلاد الرافدين ، كل تلك العوامل جعلت من الشاعر العراقي ان يعيش حياة البؤس والحرمان وليس سبيلا له للاحتجاج غير كتابته للقصيدة . القصيدة التي تجعله يعيش احلاما وردية ولو لدقائق معدودات ، القصيدة تذيب كل ما حملته الايام من خيبات وآهات ويكون الشاعر سيدا على العالم برمته . الشاعر عبود الجابري هو احد ابناء الجيل الثمانيني العراقي ، جيل الحرب كما يحلو للنقاد تقسيم الاجيال كل عشرة اعوام بمغالطة نقدية واضحة ! فالشعر لا يمكن اختصاره بزمن محدد وإلا لما خلدت نصوص شعراء منذ اكثر من الف عام . عاش الشاعر الجابري الحروب في ثمانينات القرن الماضي وعاش الحصار الظالم الذي سحق الانسان العراقي ابان دخول النظام العراقي الى الكويت عام 1991 وعاش المنفى لعقدين من الزمان ، لكنه ومنذ ان كان داخل وطنه العراق يرفدنا بالجديد من الشعر وهو يؤشر لتلك المأساة التي مّر ويمّر بها العراق وشعبه عبر نصوص تكاد تكون توجه لكمات قاسية للمتلقي عند قراءتها إذا جاز لنا اطلاق تلك التسمية ! عبود الجابري شاعر محب للانسان وللحياة التي ملؤها المحبة والسلام ، شاعر امتهن مهنة الطب ليقوم بتخفيف آلام  المرضى ومعالجتهم في جبهات القتال وفي المستشفيات من جهة وبتخفيف آلام الانسان الذي يعيش العوز والفقر والحرب والموت المجاني على مدى عقود من الزمن عبر قصائده والتي مازال صداها وحضورها الملفت داخل العاصمة بغداد عبر قصيدته الطويلة ( مفاتيح تهجي الرماد ) والتي قدمت على خشبة مسرح الرشيد بداية التسعينات ، كان نص الجابري يجسد احداث الانتفاضة التي حدثت بالعراق عام 1991 وقد استحضر فيها الموت بكل تجلياته والحياة بكل قسوتها التي ألقت بثقلها على الانسان العراقي في الزمن الصعب ، لقد كانت ومازالت نصوص عبود الجابري الشعرية لها بريقها الخاص في الشعرية العراقية والعربية على حد سواء وكانت كفيلة لتجمع كل المآسي الانسانية التي لحقت في العراق ارضا وشعبا ..


ولد الشاعر عبود الجابري في مدينة النجف الاشرف عام 1963 وغادر وطنه العراق عام 1992 متوجها الى الاردن ، ومنذ ذلك التاريخ يقّيم داخل العاصمة الاردنية عمّان ولم يغادرها ولم يتمكن من العودة الى وطنه العراق حتى بعد سقوط النظام العراقي الذي كان حدثا كبيرا في تاريخ العراق المعاصر . وقد تريث كثيرا باصدار مجاميعه الشعرية لاسباب عدة  ،لكنه بدأ نشر كتبه منذ عام 2007 فقد اصدر ( فهرس الاخطاء ) شعر عن دار ازمنة ، ثم اصدر عام 2009 ( يتوكأ على عصاه ) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وكذلك اصدر عام 2012 مجموعة شعرية بعنوان ( متحف النوم ) عن دار فضاءات داخل الاردن .. وله العديد من الكتب في الشعر والترجمة معدة للطبع . هنا في هذا الحوار سوف نسلط الاضواء على تجربة الشاعر والمترجم عبود الجابري خلال مسيرته الشعرية الطويلة  وكذلك عن المنفى والوطن وحروبه التي مازالت مشتعلة ولم تتوقف !  


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


 


abood_cover2* بإلقاء نظرة شاملة على المشهد الشعري العراق منذ الرواد وحتى اليوم ، كيف تقيّم حركة الشعر داخل العراق في ظل التقلبات السياسية والاجتماعية على مدى اكثر من ستة عقود من الزمن ، هل هي في تقدم ام في تراجع ؟


 


- هذا سؤال شرس ياصديقي ، ويلزمه تفرغ إبداعي للألمام بأطرافه ،فحركة الشعر في العراق جزء من حركة الشعر العربي ، لكن العراق يحمل خصوصية التقلبات السياسية التي قادت بشكل حتمي إلى تقلبات اجتماعية مرادفة لها ، ومنذ حركة التجديد في شكل القصيدة الذي قاده السياب ومازال البعض يختلف على تسمية روادها ، فأن الحركة الشعرية في بلادنا تنجب الغث والسمين على حد سواء ، فكان هناك شعراء أخلصوا لقصيدتهم فخلدتهم قصائدهم في ضمائر الناس ، وشعراء أخلصوا لمسببات أخرى في حياتهم ، كشعراء السلاطين ، فكتب التاريخ أسماءهم بشكل مخادع إبان حياة سلاطينهم ومالبثت اوراقه أن لفظتهم خارج بياضها هم وماكتبوا لأسباب تتعلق بقدسية الذائقة الشعرية التي لاتحتمل وجود المزيفين فيها ، الشعر في  بلادنا بخير رغم وجود الكثير من الأنطلاقات والبيانات الشعرية ومحاولات التجريب الناجحة منها والفاشلة ، لكن العراق مهد لغة وتجارب حياتية تغني القصيدة العراقية وتمنحها خصوصيتها اللاذعة في المشهد الشعري العربي .


 


* بالرغم من كتابتك للشعر منذ عقود من الزمن ، وانت كشاعر لك حضورك الفعلي في الصحافة الثقافية داخل وخارج العراق ، إلا انك مقل في نشر مجاميعك الشعرية كيف تفسر لنا ذلك ؟


 


- لم أبدأ التفكير بالنشر الا بعد استقراري في الأردن ، ومرد ذلك عائد إلى الخلاص من اشتراطات النشر في صحافة العراق إبان النظام السابق ، فثمة شللية قائمة بشكل راسخ ، وقد كان لشعراء النظام المساحة الأوفى في النشر ، ناهيك عن التفكير في العواقب التي يمكن أن يقود اليها مايرى فيه المخبرون النبلاء في النصوص مادة دسمة لولائهم ، وأظن أن الصديق ( خالد مطلك ) مايزال يردد مقطع من قصيدة لي عنوانها ( بهلول المتاهة ) قرأتها في بغداد ومايزال يقول لي كلما التقينا ( رجوّا المواعظ قبل أن تستعملوها ) ، كناية عن نجاتي من جرأة ارتكبتها في قراءة ذلك النص ، وحتى حين وصلت الى الأردن ، كان لأنشغالي بتفاصيل الحياة والعمل أثر كبير في تأجيل نشر مجموعتي الأولى تحت ذرائع منها كسلي ، ومحاولتي تخطي المراحل الشعرية الى مرحلة أرى فيها ما  اكتبه لائقا حين يقرأه الآخرون من بعدي فكانت مجموعتي الأولى ( فهرس الأخطاء ) عام 2007  بعد مجموعة لم تجزها دائرة رقابة المطبوعات في الأردن عام 2005 ثم تلتها مجموعتان وثمة ماهو قيد النشر حاليا …


 


abood_cover1* في مسرحية (الذي ظل في هذيانه يقظاً) والتي عرضت عام 1993 في مسرح الرشيد ببغداد ، المسرحية كانت من تأليف الشاعر عدنان الصائغ لكن ضمنت قصائد لك والى مظفر النواب ويوسف الصائغ ، كنت انا احد الحاضرين لمشاهدة العرض المسرحي الذي كان جريئا ومنتقدا لسياسات النظام العراقي آنذاك ! وبعدها بايام سافرت انت الى الاردن ، لو حدثتنا عن هذه التجربة ومضايقات السلطة واعتراضها على نصوصك الشعرية داخل النص المسرحي ؟


 


- مضى على هذا الأمر أكثر من ثلاثة وعشرين عاما ، فقد كنت أدون بعض يوميات الانتفاضة الشعبانية من خلال مشاركتنا فيها انا وبعض اصدقائي ، فكتبت اثني عشر فصلا، ومالبثت أن توقفت لأنني رأيت أن الانتفاضة قد انحرفت عن مسارها وأسميت ماكتبت ( يوميات تهجي الرماد ) وبعنوان فرعي هو ( من يملك لثاما بحجم الوطن ؟) ،،، وكان الصديقان غانم حميد والراحل إحسان التلال يفكران بعمل مسرحي اواخر عام 1992 ، وكانا على اطلاع على ماكتبت ، حتى أن المرحوم إحسان التلال قام بتصوير تلك اليوميات وطلب مني  إذنا بتوظيفها في ذلك العمل ، وفعلا تم عرض العمل وحضرت العرض الافتتاحي يومها عام 1993 ، إلا انني وجدت انهم قد كتبوا ان العمل معد عن نص  شعري طويل للشاعر عدنان الصائغ ووومضات شعرية للشعراء يوسف الصائغ وأدونيس وعبود الجابري ، أقدر كثيرا المسيرة الشعرية للصديق عدنان الصائغ وتجربته الثرية ، تجاوزت الأمر في حينه مأخوذا بصدمة العمل الذي أثار كثيرا من اللغط والمخاوف ، ثم غادرت إلى الأردن بعدها بشهر ، وحين عدت إلى العمل وجدت أن استهلال العمل الذي يبلغ عشرين دقيقة من الوقت مأخوذ من النص الذي كتبته إضافة إلى مشاهد كثيرة وبأمكان أي شخص يقرأ النص أن يلاحظ ذلك ، وقد تعرضت العلاقة بين عدنان الصائغ وإحسان التلال إلى موجات من المد والجزر حاول خلالها إحسان التلال أن يبين الحقيقة وهي أن النص مستل على حد سواء من قصيدة عدنان الصائغ ويوميات عبود الجابري وذلك عبر صفحته على الفيس بوك او من خلال مواقع الكترونية عديدة كان من ضمنها موقع ( إيلاف) الذي كان حكمت الحاج يعمل فيه وكان أول من قام بعرض تسجيل كامل للمسرحية  أول ، وبقي الأمر إلى هذا الوقت عالقا في ضمير الراحل إحسان التلال والمخرج الصديق غانم حميد ، وحيال هذا الصمت سيكون لعدنان الصائغ العذر في صمت آخر ، رغم أني كتبت ماكتبت كنفثة مصدور أراد أن يكتب بعضا من تاريخ البلاد لولا أن مسار ذلك الحلم أنحرف وحاول الكثير من الطفيليين أن يسيطروا عليه ،،،


 


 


* في عام 1993 خرجت من العراق الى الاردن بعد ان وضعت حرب الخليج الثانية اوزارها ، ما هي الضغوطات التي ادت الى تركك الوطن العراق في تلك الفترة وبعدها شهدت الساحة الثقافية العراقية نزوح جماعي من قبل المثقفين الى الاردن ؟


 


- كان ذلك إنعتاقا مهما على المستوى الشخصي ، فقد زار النجف وفد من رابطة الكتاب الأردنيين / فرع إربد ، وقرأت أمامهم واحدا من نصوصي ، فقرروا أن يوجهوا  لي دعوة رسمية وفعلا قاموا  بذلك ، هذه الدعوة سهلت نيتي في الخروج بصمت من العراق وسهلت أمر حصولي على جواز  سفر بمهنة (شاعر) ، فأنت تعرف ضراوة  الفترة التي تلت عاصفة الصحراء والأنتفاضة الشعبانية ، وكيف أن الأنتهازيين تسنموا المواقع الرئيسية في المؤسسات الأدبية والثقافية ، كان كل  شيء من حولي يدعوني إلى المغادرة ، تهوري في الأحاديث بين مؤيدي السلطة وتهديداتهم اللامرئية لي من خلال معرفتهم بأسمائنا أنا وأصدقائي الذين اشتركوا في الشرارة الأولى للأنتفاضة الشعبانية ، وعدم وضوح الرؤية على المستوى الشخصي أو على مستوى العراق ، وعدم وجود مايؤمن لنا سبيل المعيشة بعد سبع سنوات من الخدمة العسكرية جنديا مكلفا ، تلك الحالة من الكبت الفكري والشعور بأنك لابد واقع في حبائل من لايرحمك افضت بي إلى عمّان صبيحة الحادي  والعشرين من نيسان عام 1993 ، ومازلت هنا احاول الأجابة المقنعة على سؤال الهوية الذي يؤرقني ،أنا وأولادي .


 


* ها انت أمضيت عشرين عاما داخل العاصمة الاردنية عمّان بعد كبير عناء في السنوات الاولى ، وقد تزوجت من سيدة اردنية وانجبت منها الاولاد والبنات ، لكنك لم تتمكن من الحصول على وثائق عراقية ولا اردنية لاولادك وليس بإمكانك العودة للعراق في ظل الاحداث العراقية المرعبة منذ اكثر من 11 عاما ، كيف تنظر لمستقبل عائلتك في هذه الظروف الصعبة ؟


 


- كان من اجمل المفارقات التي حدثت لي على الحدود الأردنية صبيحة وصولي إليها هي اللحظة التي قام فيها الضابط بتفتيش حقيبتي التي لم تكن تحتوي سوى مطرقة حديدية معدة بعناية كنت استعملها في العمل مع أخي  نجار البناء ، وكتب طبية واوراق كثيرة تحتوي نصوصا شعرية وخمس علب من نوع ( سومر ) ، فما كان منه الا أن سألني ماهذه كلها ؟ فأخبرته انها عدة المهن والهوايات ، الأمر الذي جعله يضحك طويلا من قلبه ، أقول لقد عملت في مهن كثيرة في الأردن منها عامل في مخبز يبدأ العمل فيه عند الخامسة صباحا وينتهي عند الثامنة مساء ،حينها كتبت رسالة لأخي الأكبر وقلت له أنني  أعمل في مهنة أقترح على الله أن يدخلها في برنامج تعذيب الملحدين ، وبعد ذلك عملت نجار بناء لفترة أخرى ومنها أنتقلت للعمل في مستشفى النديم في مادبا ، ومنه انطلقت الى العمل في مستشفيات عمان ، وقد حال أمر عدم حصولي على وثائقي الدراسية دون الحصول على عقود عمل كثيرة خارج الأردن ، مما جعلني أركن إلى مسألة بقائي في الأردن ، الأقامة هنا تزيد من حاجة من هو مثلي إلى الأجابة إلى السؤال القاسي ، السؤال ذي الأجابة المبهمة ، المغيبة : سؤال الهوية ، من أنا هنا ؟ وأين أذهب بأولادي ؟أولادي الذين لم أتمكن من الحصول على جوازات سفر خاصة بهم بسبب الأجراءات الروتينية للدوائر الحكومية في العراق ؟ وحيث لايمكنني أن أعود بهم إلى هناك ، حيث الأيقاع المختلف للحياة ، فهم جميعا مولودون في عمّان ، وهنا في الأردن كانت هناك مناقشات حكومية أفضت إلى أن منح الجنسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين مسألة سيادية لن تتحقق مطلقا ،وهذا القرار يعزز من السؤال ذاته : سؤال الهوية ، فلا زوجتي ولا اولادي لديهم المران او تخيل للمران على الحياة هناك في ظل تناحرات طائفية يمكن لها أن تخدش أحاسيس أمهم ( زوجتي الأردنية ) ، او صورة العنف التي يرقبونها ويخافون منها هناك ، إضافة إلى السؤال الذي  لايملكون اجابة وافية عليه فيما يتعلق بمذهبهم او طائفتهم ، السؤال الذي لم أمنح أيا منهم فرصة للتوغل في ادراكه بصورة مشوهة تقودهم الى التفكير بغير ذواتهم السليمة ، كنت ومازلت أريد لهم أن ينشأوا نشأة بعيدة عن هذه الفكرة التي تلوث وعيهم ووعينا انا وامهم ، وهذا الأمر اتفقنا عليه قبيل زواجنا وكنا نعيد التأكيد عليه بين فترة وأخرى ، إضافة إلى عدم الأحساس بالأمان الوظيفي ، حيث يتقدم بك العمر وتقل فرصك بالعمل حين يفكر من تعمل لديه الآن بالأستغناء عنك مستقبلا ، وهو أمر  يمكن له أن يحدث في أي وقت .


 


* انت تجمع بين مهنتين انسانيتين ، الأولى كشاعر حمل في قصائده هموم انسانية عميقة لا ارض محددة لها وكذلك عملك في مجال الطب حين تمنح البسمة على شفاه المرضى الذين يفقدون املهم في الحياة ، كيف وفقت بين عطائين مطلقين للانسان وهذا انبل ما يصل اليه الانسان وبخاصة الشاعر ؟


 


abood_cover- ترجمت قبل أكثر من خمسة اعوام فصلا من كتاب عنوانه ( المعالجة بالشعر ) وفيه تتحدث المؤلفة وهي  طبيبة وشاعرة كيف أن الشعر يمكن أن يكون علاجا لبعض  الحالات المرضية حين يحسن استخدامه لهذا الغرض، من هنا اجد أن عملي في مهنة طبية ، يشبه في جوهره ورطتي في كتابة الشعر ،الشعر باعث للأمل ، وباحث حقيقي عن مكامن الجمال ومازال الناس  يتعاطونه كعلاج يحمل قدرا كبيرا من الرفعة ، مثلما هو العلاج الشافي للمريض الذي يرقب بروح موجوعة من يمسح على رأسه ويهديه سبيل الشفاء ،، لم أكن احب مهنة التمريض حين دخلت جامعة بغداد ، لكني دخلتها طمعا في  سفرتين خارج العراق كانتا ضمن مميزات الدراسة فيها ، إضافة الى راتب شهري وسكن مجاني ، لكني احببتها بعد  انخراطي في الخدمة العسكرية جنديا مكلفا في الخدمات الطبية العسكرية ولمدة سبع سنوات ، لأنها منحتني فرصة أن لا اقتل ، أن لا احمل سلاحا ، واحاول بمهنتي ترميم الأجساد والأرواح التي  خربتها الأوطان ، واحاول ذلك عبر الشعر الذي  أكتبه ، وأسعى أن يبقى في ذاكرة الناس ، وان يبقى صالحا للقراءة لوقت طويل .


 


* في مجموعتك الشعرية الاولى (فهرس الاخطاء ) الصادرة عن دار ازمنة عام 2007 جمعت ما بين الحرب والموت الذي عشته داخل وطنك العراق وما بين المنفى ، فالقصائد يغلب عليها طابع الحزن العميق وانت تفهرس كل تلك الاخطاء شعرياً ، كيف رأيت ردود افعال النقاد عن تلك المجموعة التي تأخرت كثيرا باصدارها ؟


 


- فهرس الأخطاء كانت مجموعتي الأولى بعد أكثر من عقدين من الكتابة الشعرية التي اعرضت فيها عن النشر منتظرا أن ارى فيما انشر ماهو لائق بذائقتي ، وقد صدرت بعد مجموعة لم تتم اجازتها من دائرة رقابة المطبوعات الأردنية قبل الغائها ، وقد كان للصديق الروائي الياس فركوح صاحب دار أزمنة فضل كبير في صدورها ، فلولاه لم تكن لتصدر منطلقا من ايمانه بما اكتب ، المجموعة لاقت احتفاء جيدا من النقاد الذين وصلتهم ، واقر أني  كسول جدا في ارسال الكتب عبر البريد وكسلي هذا يوازيه كسل بعض الناشرين في الترويج للكتاب وتوصيله للقاريء او الأحتفاء  به ، في ( فهرس الأخطاء ) كانت اللغة مشحونة باللوعة ،وكان كل مافيها يطل من شرفة قريبة على العراق واوجاعه ، بنفس الدرجة التي تطل فيها على اوجاعي الذاتية عند مفارقتي العراق ، ويبقى موضوع اهتمام النقاد بالكتابة عن الأصدارات الجديدة مثار تساؤل يملأه الغبار الذي لايمكننا أن نبصر الجانب الا من خلال القول بأصوات عالية أن النقد العربي عموما ينام في واد سحيق ، ينام بعين واحدة وينظر بخجل بالعين الثانية الى المنجز الأبداعي العربي .


 


* بعد مجموعتك ( فهرس الاخطاء ) اصدرت مجموعتان جديدتان وهما(يتوكأ على عماه) عن المؤوسسة العربية للدراسات والنشر و( متحف النوم ) والتي صدرت عن دار فضاءات في عمّان ، وفي الغالب ثيمة قصائد تلك المجاميع جسدت الخسارات والفقدان والحروب والمنفى والتي تضغط عليك كشاعر عراقي وجده نفسه خارج بلاده ، كيف تحدثنا عن معالجاتك لتلك الخسارات داخل قصيدتك ؟


 


- بعد فراغي ذهنيا من تأثيرات ( فهرس الأخطاء ) ،، كان لي  ان أفكر بلغة اقول انها لي ،كنت اريد تأنيب الألم عبر مديح السعادة الغائبة ، كنت اريد أن أرسم صورة العراق عبر النظر الى ملامحه القديمة التي تشع جمالا وغبطة ، فلم يكن يثيرني أن أنعى صورته حتى لا ابدو صاخبا ، وكان عليّ من اجل ذلك أن أتريث كثيرا أمام المفردة وأن اتبع عيني إلى زوايا لايلحظها أحد لكي  التقط صغائر الأشياء الجميلة وأبني عليها ما أريد من أحجار .


 


* هذا يعني انك تحاول ان تجعل من كل مجموعة شعرية تصدرها تختلف اجواءها ولغتها عن سابقتها ، وإلا ستقع في التكرار والذي غالبا ما يقع فيه الكثير من الشعراء وحتى الكبار منهم . كيف تنظر الى عملية التكرار في الشعر أوليست تجعل من الشاعر ان يراوح مكانه ؟


 


- حين يقال أن مياها جديدة تجري من حولك دائما ، فانه من الغباء أن تدخل النهر مرتين ، ذلك مايلقي على الشاعر مسؤولية تجديد ذاته قبل شعره ، عبر القراءة والأطلاع ومتابعة المشهد الأبداع في العالم العربي والعالم وتكريس مايمكنه من الوقت للأهتمام بالأجناس الابداعية المختلفة ،الشاعر يجب أن يكون قاريء نصوصه وناقدها بتجرد عن انتمائه لها او انتمائها له حين يروم البقاء في ساحة الذاكرة او في ساحة المشهد الثقافي ، التكرار بات مشكلة الشعراء الكبار الذين ظنوا أنهم وصلوا الى خط النهاية ، وان الرقم القياسي المسجل باسمائهم لن يستطيع أحد أن يكسره ، وذلك هو سبب النبوغ الذي نشهده لدى كثير من الشعراء الشباب الذين يمارسون النزق الأبداعي الذي يقود الشاعر الى التفكير بالأبتكار والتجديد .


 


* لننتقل من الشعر الى الترجمة ، لديك العديد من الترجمات في السابق هل مازلت تمارس عملية الترجمة وما هو آخر ما ترجمته ؟


 


- لست أزعم اني  مترجم محترف ، لكنني اقرأ باللغة الأنجليزية مالم يصلنا بالعربية ، أقرأ لشعراء وكتاب عرفوا الشهرة في بلدانهم ولم يصلوا الينا ، وأترجم من النصوص والدراسات ما اجده قريبا الى نفسي من أجل أن أقدمه بصورة ارضاها لأصدقائي على شكل هدايا معرفية ، آخر ما  انجزته قبل أيام هو مختارات شعرية للشاعر الأمريكي ( تشارلز بوكوفسكي ) وسيصدر بعد  فترة قريبة .


 


* كيف تنظر اليوم الى الحداثة واعني حداثة الشعر ، واستسهال كتابة قصيدة النثر من قبل الكثيرين وخاصة الاجيال الجديدة ونادرا ما نجد شاعرا جديدا يعرف اعماق تلك القصيدة ؟


 


- قصيدة النثر يلزمها أن يدرك الشاعر متى يعترف بنفسه كاتبا لها ، يلزمها إيمان الشاعر بالقصيدة جنسا أدبيا سيكون له صولجان رفيع الشأن بين الفنون ، لذلك فهي تبدو فخا قاتلا لمن لايدرك أدواته وأدواتها ، ودعني اعترف أن مواقع التواصل الأجتماعي والفهم السطحي للتسمية ( قصيدة النثر ) قد سولت للكثير من عديمي الموهبة واللغة التجرؤ على تسمية مايكتبون شعرا يقودهم الى ذلك رهط من القراء الذين يماثلونهم في الوعي .


 


* رواد قصيدة النثر في العراق حسين مردان وسركون بولص وجماعة كركوك وآخرين ، بينما في لبنان ينسبون الريادة لهم عبر انسي الحاج وفي سوريا ينسبونها الى محمد الماغوط ، من كتب اولى لبنات تلك القصيدة التي مازالت عصية على المتلقي بالرغم من انتشارها عربيا وعالميا ؟


 


- ليس الأمر بالريادة ، فماوصلنا يشير الى ريادة أنسي الحاج في هذا المجال عبر جرأته في اصدار مجموعة شعرية كاملة هي  ( لن ) ، وسبب النزاع على هذه الريادة هو التلاقح الفكري الذي تزامن لدى هؤلاء في وقت واحد ، فكان الأمر يشبه متسابقين يصلون خط النهاية في وقت واحد ، على أن قصيدة النثر رغم كل هذه المنازعات تبقى منقادة الزمام لمنابعها الغربية ولانملك إزاء كل الأسماء التي  ذكرتها الا أن نعترف لهم بروحهم الفدائية التي جابهت اليقين المتزمت الذي يتبنى القصيدة بشكلها الكلاسيكي وإن شئت قصيدة التفعيلة بعد ذلك .


 


* ما هو جديد الشاعر عبود الجابري على المستوى الكتابة الشعرية بعد مجاميعك الثلاث التي اصدرتها قبل سنوات قليلة ؟


- على صعيد الشعر ستصدر لي بعد شهرين مجموعتي الشعرية الجديدة ( فكرة اليد الواحدة ) عن دار فضاءات ، تليها مختارات شعرية لبوكوفسكي عن الدار ذاتها ..


 


سيرة :


عبود الجابري


العراق / النجف 1963


شاعر ومترجم


صدر له في الشعر :


فهرس الأخطاء /  دار أزمنة للنشر / الأردن 2007


يتوكـأ على عماه / المؤسسة العربية للدراسات والنشر / الأردن 2009


متحف النوم  /  دار فضاءات للنشر / الأردن  2012


يصدر له قريبا جدا :


فكرة اليد الواحدة  ( شعر ) /  دار فضاءات / الأردن


له  في الترجمة قيد النشر :


تشارلز بوكوفسكي ( مختارات شعرية )


ترجم العديد من الدرسات والنصوص الأبداعية عن اللغة الأنكليزية


ترجمت مجموعة من قصائده الى الأنكليزية من قبل مركز ترجمة الشعر البريطاني عام 2010


ستصدر قريبا ترجمتان لديوانه ( متحف النوم ) ، الأولى الى الأسبانية بترجمة  الأستاذة إشراق عبد العال ، والثانية الى الفارسية بترجمة الأستاذ كاظم القريشي .


متزوج وله ثلاث بنات وولدان


مقيم في الأردن منذ  عام 1993


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)