آخر الأخبار
 - 
في 13 حزيران/يونيو أعلن مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية أن المملكة العربية السعودية هي “على الموجة نفسها” مع الولايات المتحدة من حيث اتفاقهما على أهمية وضع حد لعمليات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») ...............

السبت, 10-يناير-2015 - 16:18:35
الإعلام التقدمي-لوري بلوتكين بوغارت -


في 13 حزيران/يونيو أعلن مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية أن المملكة العربية السعودية هي “على الموجة نفسها” مع الولايات المتحدة من حيث اتفاقهما على أهمية وضع حد لعمليات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») – الذراع السابق لـ تنظيم «القاعدة» – الذي يشن حالياً الجهاد في العراق وسوريا. ومع ذلك لا تزال تُطرح التساؤلات حول الدعم المالي السعودي لهذه الجماعة. وتستوجب معالجة هذه التساؤلات تكوين فهمٍ أفضل لثلاثة مسائل هي: نطاق الدعم الرسمي – إن وُجد – الذي تقدمه الحكومة السعودية لـ تنظيم «داعش»؛ وسماح الحكومة بتقديم التبرعات الخاصة للتنظيم؛ والأهمية النسبية للهبات السعودية بالمقارنة مع مصادر الدخل الأخرى التي تتوفر للجماعة.

تمويل حكومي؟

لم تظهر في الوقت الراهن أي أدلة موثوقة على تقديم الحكومة السعودية الدعم المالي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». فالرياض تعتبر هذه الجماعة منظمةً إرهابية تشكل تهديداً مباشراً للأمن في المملكة. وفي آذار/مارس صنّف وزير الداخلية بشكل رسمي «داعش» ككيان إرهابي، إلى جانب «جبهة النصرة»، و «الإخوان المسلمين»، والمتمردين الحوثيين في اليمن، و «حزب الله» السعودي. وقد جاء هذا التصنيف ليحظّر على سكان السعودية مدّ الجماعة بالدعم بشتّى أشكاله.

ويقيناً، كثيرةٌ هي الحكومات في المنطقة وخارجها التي تموّل في بعض الأحيان الأحزاب المعادية من أجل الإسهام في بلوغ أهداف معينة في سياساتها. ولا ريب أن الرياض استلذّت بالزحف السني الأخير الذي قادته «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ضد الحكومة الشيعية في العراق، وكذلك بالمكاسب التي حققها الجهاديون في سوريا على حساب الرئيس بشار الأسد. ومع ذلك، فإن اعتبار الرياض بأن خطر «داعش» الإرهابي وشيك قد يحول دون تمويل الجماعة بشكل رسمي (مع أننا لن نفاجأ إذا علمنا بحدوث تعاون لوجستي محدود – وربما اتصال غير مباشر- هدفه تعزيز المواقع السنية في سوريا وما يتعداها، أو بتسريب الأموال والمواد من الثوار المدعومين من السعودية إلى «داعش»).

وجاء تصريحٌ من قبل وزارة الداخلية في أوائل أيار/مايو ليلقي الضوء على وجهة نظر السعودية حيال تهديد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على أرضها. فقد اتهم المسؤولون في هذا التصريح عناصر «داعش» السعوديين المتواجدين في سوريا بتشجيع إخوانهم المواطنين على اغتيال الشخصيات الدينية البارزة والمسؤولين الأمنيين داخل المملكة فضلاً عن تخطيط الاعتداءات ضد المرافق الحكومية والمصالح الأجنبية. وقد زُعم أن لبعض المتورطين في تلك المؤامرات المحلية اتصالات بتنظيمَي «داعش» و «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» – وهذا الأخير مقره في اليمن حيث يشكل التهديد الإرهابي الأشد حدّةً للمملكة العربية السعودية. وعند صدور هذا التصريح، كانت الشرطة قد اعتقلت تسعةً وخمسين مواطناً سعودياً وثلاثة من الرعايا الأجانب وجميعهم متورطين في القضية، علماً بأنها لا تزال تبحث عن أربعة وأربعين آخرين من المشتبه بهم.

التبرعات الخاصة

هناك اعتقاد خاطئ بأن المملكة العربية السعودية لا تعترض سبيل تمويل الجهات السعودية الخاصة للتنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا، بما فيها تنظيم «داعش». لكن أحد أبرز أنشطة مكافحة التمويل الإرهابي الملحوظة التي تمارسها الرياض هو مراقبتها للقطاع المالي الرسمي في البلاد من أجل ردع التبرعات المشبوهة. وبالفعل فإنّ حملات جمع الأموال التي تقام على مواقع التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها عملية إرسال هذه الأموال من السعودية إلى سوريا. ومن أجل الحرص على وصول المساهمات إلى سوريا، تُنصح الأطراف المانحة السعودية بإرسال الأموال إلى الكويت، التي طالما اعتُبرت واحدة من أكثر البيئات تسهيلاً للتمويل الإرهابي في الخليج العربي.

وفي السياق نفسه، إن تخوّف الرياض من الارتداد – أي اعتقادها بأن السماح لمواطنيها بدعم التنظيمات الإرهابية المعادية للعائلة المالكة آل سعود سيؤدي في نهاية المطاف إلى نشوب الاعتداءات على الأراضي السعودية – يسهم في تحفيز نهج المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب. ففي منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، عانت البلاد من سلسلة هجماتٍ مأساوية شنّها تنظيم «القاعدة» بالارتباط مع السعوديين الذين عادوا إلى وطنهم من الجهاد في أفغانستان، وقد كان لتلك التجربة أهمية كبيرة في تكوين الذهنية الراهنة. وكما ذُكر آنفاً، حظّرت الرياض رسمياً تقديم الهبات الخاصة إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وغيرها من التنظيمات حين صنّفتها كمنظمات إرهابية في آذار/مارس. وقد تكون هذه الخطوة مرتبطة بتخوف الحكومة المتزايد من انتساب السعوديين إلى الجماعات الإرهابية الأجنبية، ولربما تصادفت أيضاً مع التحقيقات في الخلية المحلية المرتبطة بـ تنظيم «داعش» التي أُعلن عنها في أيار/مايو الماضي.

واليوم لا يزال المواطنون السعوديون يشكلون مصدر تمويل ملحوظ للحركات السنية العاملة في سوريا. وفي الواقع أن الأطراف المانحة في الخليج العربي ككل – ويُعتقد أن السعوديين أكثرها إحساناً – أرسلت مئات الملايين من الدولارات إلى سوريا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وجماعات أخرى. وهناك دعم سعودي لـ «داعش» في المملكة العربية السعودية، وهذه الجماعة تستهدف السعوديين مباشرةً في حملاتها لجمع الأموال، لذلك تستطيع الرياض أن تقوم بما هو أكثر من مجرد الحد من التمويل الخاص. وقد ألمح المسؤولون الأمريكيون إلى أن تضافر السياسات واللوجستيات والإمكانيات المحدودة أدى إلى إعاقة الجهود السعودية الأكثر فعالية لمكافحة تمويل الإرهاب. إن إحدى المشاكل ذات الصعوبة الخاصة تتمثل بكيفية رصد الحوالات النقدية، وهي طريقة شائعة في صفوف المانحين السعوديين.

الأهمية النسبية للتمويل السعودي

على الرغم من أنه قد ساد الاعتقاد [سابقاً] بأن المانحين السعوديين ومتبرعين خاصين آخرين هم مصدر التمويل الأكثر أهمية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، إلا أنه قد تم تهميش أهمية تلك التبرعات بفعل مصادر الدخل المستقلة التي تملكها الجماعة. وهذا الدخل، الذي يقدر الآن بأنه يتجاوز التبرعات الخاصة على نحو قاهر، يصدر عن أنشطة متعددة مثل التهريب (النفط والأسلحة والآثار)، والابتزاز (على سبيل المثال، يفرض التنظيم نحو ثمانية ملايين دولار شهرياً كـ “ضرائب” على المؤسسات المحلية) فضلاً عن جرائم أخرى (على سبيل المثال، عمليات السطو والتزوير). أضف إلى أن سطو الجماعة على البنك المركزي في الموصل في 11 حزيران/يونيو منحه لوحده عشرات ملايين الدولارات (مع أن المسؤولين الأمريكيين يشيرون إلى أن مبلغ الـ 400 مليون دولار الذي غالباً ما يُنسب لعملية السطو هذه ليس دقيقاً).


التداعيات على السياسة الأمريكية

إنّ المكاسب الأخيرة التي حققها تنظيم «داعش» في العراق تمثل فرصة أمام واشنطن لتوطيد تعاونها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى في إطار مكافحة تمويل الإرهاب، فمخاوف هذه الدول من التهديدات الإرهابية  لـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على أرضها تزداد عمقاً. وقد كانت الزيارة التي قام بها وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو خلال الأسبوع الماضي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – أقرب شركاء الولايات المتحدة حول هذه المسألة في الخليج – خطوةً إيجابية في هذا السياق. ولعل الخطوة البناءة التالية تتمثل بقياس إمكانية تغيير الديناميات المثيرة للخلاف التي تنتهجها واشنطن مع الكويت وقطر فيما يتعلق بتمويل الإرهاب. فثمة بوادر على أن “نجاحات” تنظيم «داعش» قد تؤجج الدعم الخاص من السعودية وغيرها من دول الخليج لمختلف الحركات السنية المتطرفة العاملة في العراق وسوريا إلى مستويات أعلى، وهذا أمرٌ قد يكون من المهم مواجهته.

وفي الوقت نفسه، فإن الواقع الراهن – أي استحواذ «داعش» على مصادر دخل كبيرة ومستقلة – يستلزم مقاربة لمكافحة التمويل الإرهابي تحوّل تركيزها عن التبرعات الخاصة التي يقدمها سكان السعودية ودول الخليج الأخرى. فإضعاف القاعدة المالية لـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بشكلٍ ملحوظ قد يتطلب الآن دحر قدرة التنظيم على النفاذ إلى مصادر الدخل المحلية في سوريا والعراق.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)