آخر الأخبار
 - عاد اليمن ليحتل مساحة كبيرة من اهتمام المراقبين نتيجة التطورات الطارئة على المشهد العام في البلاد، تطورات من شأنها إعادة تموضع القوى السياسية

الخميس, 25-ديسمبر-2014 - 07:25:02
الإعلام التقدمي - صنعاء -
عاد اليمن ليحتل مساحة كبيرة من اهتمام المراقبين نتيجة التطورات الطارئة على المشهد العام في البلاد، تطورات من شأنها إعادة تموضع القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية وموقف الجماعات المسلحة من الدولة وموقف الدولة منها، بخاصة مع استمرار الضعف الذي يعتري الدولة تجاه جماعة الحوثي، التي تهيمن على صناعة القرار في الأوقات الحالية . بعد ثلاثة أشهر من استيلاء جماعة الحوثي المسلحة على العاصمة صنعاء، يشعر اليمنيون أن الجماعة فرضت أمراً واقعاً في العاصمة وخارجها، وأثبتت أنها تحولت إلى لاعب مؤثر في المشهد القائم اليوم . لا يلوم اليمنيون الحوثيين، بقدر ما يلقون باللائمة على رئيس أثبت ضعفه وعدم قدرته على ممارسة مهامه الرئاسية كما يجب، فقد تخلى عن دوره الدستوري في حماية البلاد من هيمنة جماعة مسلحة على البلاد وجرأتها على موقع الشرعية الدستورية، بفرض تغييرات لا يحق لأحد القيام بها إلا رئيس الدولة نفسه، من بينها الاعتراض على قرارات جمهورية وتغيير محافظين من دون الرجوع إلى الرئيس أو رئيس الوزراء . نجح الحوثيون في تكريس انطباع لدى المواطن اليمني أن الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي رئيس ضعيف، وأنه ليس قادراً على اتخاذ قرارات حاسمة لمصلحة بقائه رئيساً قوياً، وبالتالي حماية الدولة، بل إنه غير قادر على معارضة ما يتخذه الحوثيون من قرارات ومن منعهم من إدارة شؤون البلاد بطريقة سلسلة . في الآونة الأخيرة زاد الحوثيون من جرعتهم في إذلال هادي، فقد أقدموا على تغيير محافظين اثنين، الأول في عمران، والثاني في الحديدة، ولم يصدر عن هادي أية رد فعل حيال هذين القرارين، أكثر من ذلك بدأ الحوثيون في الاستيلاء على مؤسسات الدولة باقتحامهم لمؤسسة الثورة للصحافة وإصدار الصحيفة الرسمية الأولى في البلاد من دون إشراف وزارة الإعلام التي تبرأت من الأعداد الصادرة منذ ما بعد سيطرة الحوثيين على المؤسسة والصحيفة الأسبوع الماضي . لم يتمكن "الرئيس الضعيف" من إجبار الحوثيين على رفع حصارهم على مبنى وزارة الدفاع، المستمر منذ نحو خمسة أيام، بل إنه أمر وزير الدفاع الجديد اللواء الركن محمود الصبيحي بعدم مواجهة مسلحي الحوثي حتى لا تكون هناك معارك جديدة في العاصمة . وفي المشهد اليوم صار وجود الحوثيين في شوارع العاصمة وفي حراسة الوزارة أمراً مألوفاً، وتحولوا إلى قوة على الأرض، بالقدر الذي تحولوا فيه إلى خصوم مع الجميع، بمن فيهم الدبلوماسيون، الذين أعلن الكثير منهم استنكارهم لما يلاقونه من عدم احترام من قبل الحوثيين، بخاصة في مطار صنعاء الدولي، حيث يجري تفتيشهم وحقائبهم عند مغادرة المطار والوصول إليه، ما دفع بالسفارتين الألمانية والصينية إلى توجيه مذكرتين رسميتين إلى وزارة الخارجية تشكوان الوضع وتطالبان باتخاذ إجراءات رادعة ضد هذه التصرفات . ولا يخفى على عين المراقب رغبة الحوثيين في التخلص من الرئيس هادي ومؤسسات الحكم القائمة في البلاد، وقد عبر عن ذلك زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بوضوح وصراحة عندما هاجم هادي في خطاب تلفزيوني الأسبوع الماضي اعتبر الأول من نوعه لجهة "المصطلحات الانقلابية" التي امتلأ بها الخطاب، عندما وصف هادي بأنه بات مظلة للفاسدين، واتهمه بالعمالة للخارج، وبالوقوف إلى جانب القوى المناوئة لما أسماها الحوثي "الثورة الشعبية" التي أطلقها أنصاره عسكرياً باحتلال المحافظات والعاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول الماضي. قال الحوثي إن هناك معوقات كثيرة في البلاد، وإن ذلك يعود إلى ما أسماه "الدور السلبي للرئاسة"، بل إنه تجرأ وحمّل هادي مسؤولية الفساد قبل الثورة الأخيرة التي أطاحت حكم نظام صالح عام 2011 وما بعدها عندما أكد أن هادي "كان خلال الثورة الشعبية والتصعيد الشعبي يتصدر قوى الفساد في الإساءة إلى الشعب اليمني وإلى التصعيد الثوري، وكان يتصدر القوى التي تتصدى للتصعيد الثوري وكان يجعل من نفسه هو متراساً ومظلة لقوى الفساد والفاسدين، وكنا نتمنى له أن يرشد، وأن يقف إلى جانب شعبه (ولكم)، فذلك هو خير له" . وبنبرة تحد ورغبة في إزاحة هادي، يؤكد الحوثي أن الشعب لن يبقى متغاضياً عن هذه السلبيات إلى ما لانهاية، وخاطب هادي بالقول: "أقول له: شعبنا اليمني صحيح شعب عظيم، ومتسامح وكريم، ولكنه لن يبقى متغاضياً إلى ما لا نهاية، في نهاية المطاف من يريد أن يجعل من نفسه متراساً وعائقاً أمام الاستحقاقات الثورية، أمام مطالب شعبنا المشروعة، من يصرّ على أن يحمي الفساد، على أن يقف بوجه الشراكة، على أن يكون جزءاً من مشكلات هذا البلد، يحرك مشكلة هنا ومشكلة هناك، يجعل جزءا من الميزانية العامة لمصلحة تصرفات ابنه، التصرفات الحمقى التي تثير المشاغبات هنا وهناك، وتحرك جزءاً كبيراً من الإعلام بغير حق في اتجاه سلبي، في نهاية المطاف شعبنا اليمني لن يبقى متغاضيا إلى ما لا نهاية" . لقد قال الحوثي بوضوح إن "الثورة حتى اللحظة، لم تكتمل ولم ينتهِ المشوار بعد الحادي والعشرين، لا يزال أمامنا مشوار، ولا تزال هناك استحقاقات وجبهات كبيرة" . كل هذه الظواهر تدفع الكثير من المراقبين إلى توقع أن تكون هناك خطوات أكثر جدية من قبل جماعة الحوثي للسيطرة على موقع القرار، ويرى كثير منهم أن الحوثيين ينتظرون قراراً من طهران للبدء بتنفيذ هذا السيناريو، الذي تبدو ملامحه ومؤشراته بارزة للعيان منذ مدة ليست بالقصيرة . موقف طهران الذي ينتظره الحوثيون يمكن أن يترجمه السفير الإيراني الجديد سيد حسن، الذي استقبله الرئيس هادي قبل أيام قليلة بمناسبة تعيينه سفيراً جديداً لبلاده، وقد جاء التعيين على خلفية ضغوط حوثية لتعيين سفير جديد لإيران بعد مغادرة السفير السابق اليمن على إثر توتر العلاقة بين صنعاء وطهران بعد أحداث عام 2011م. يكشف قادة سياسيون يمنيون كبار عن طبيعة العلاقة بين الحوثيين وطهران، ويقول الدكتور عبدالكريم الإرياني، المستشار السياسي للرئيس هادي إن هذه العلاقة لمست في المفاوضات الأخيرة التي سبقت اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي . يشير الإرياني إلى أن السياسيين الذين كانوا يتفاوضون مع الدولة باسم الحوثيين، كانوا يتركون قاعة الاجتماعات بين وقت وآخر لإجراء اتصالات هاتفية مع مرجعياتهم، وفي الحقيقة فإن هذه الاتصالات لم تكن تتم إلا مع المنسقين مع إيران . يؤكد الإرياني، الخبير بشؤون اليمن، حيث سبق له أن تولى منصبي رئاسة الوزراء ووزير الخارجية أكثر من مرة، طبيعة العلاقة بين إيران والحوثيين بقوله: "عندما دخل أنصار الله (الحوثيون) إلى العاصمة صنعاء وسيطروا عليها لم ترحب بذلك الحدث أي عاصمة في العالم لا عربية ولا إسلامية ولا غير ذلك، لكن كل التصريحات التي وردت من مسؤولين إيرانيين ترحب بسيطرة الإخوة أنصار الله على العاصمة صنعاء، هذا الكلام يثير التساؤلات" . مع ذلك فإن ضعف أداء الرئيس هادي في الفترة التي سبقت اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء وما بعدها يفتح شهية الأطراف السياسية والجماعات المسلحة للانقضاض على الدولة، يتساوى في ذلك الحوثيون وتنظيم القاعدة، الذي وجد في ممارسات الحوثيين وسيطرتهم على الأوضاع في المناطق الشمالية من البلاد فرصة لتعزيز سيطرتهم على المناطق الجنوبية، وهو ما يزيد الدولة ضعفاً في ظل احتراب الأطراف السياسية والمليشيات المسلحة واتساع رقعة المواجهات بينها . هل هناك مخرج من هذه الأزمة الحالية؟، هذا سؤال يردده المواطنون كثيراً في بلد تمزقه الصراعات والحروب والأزمات الناتجة عن الصراعات الدموية التي تدور في البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح عام ،2011 ولا يستطيع أي مسؤول أن يرد على مثل هذا التساؤل الذي يكبر كل يوم مع استمرار قتامة المشهد وضبابية مواقف الأطراف السياسية من التحديات التي تواجه البلاد وتهدد بفنائها .


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)