آخر الأخبار
 - المثل القائل "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، ينطبق اليوم على المؤتمر الشعبي العام، في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها اليمن

الخميس, 11-سبتمبر-2014 - 09:18:28
مركزالاعلام التقدمي-د.ابوبكر القربي -
المثل القائل "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، ينطبق اليوم على المؤتمر الشعبي العام، في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها اليمن، خاصة بعد تجارب الشعب اليمني مع الأحزاب التي شاركت في حكمه سواء قبل الوحدة أو بعدها. لقد جرب اليمن حكم حكومات ائتلاف عدة كان أولاها بين المؤتمر والاشتراكي بعد الوحدة عام 1990، وبعدها حكومة شارك فيها المؤتمر والإصلاح والاشتراكي بعد انتخابات 1993، وتلاها بعد حرب الوحدة حكومة ائتلاف من المؤتمر والإصلاح، وأخيرا حكومة الوفاق الوطني بعد أزمة 2011، والتي تشكلت من العديد من الأحزاب، بالإضافة إلى شيوخ الساحات وشبابها. وكانت في مجملها تجارب أظهرت بوضوح مجموعة من الحقائق، يمكن إيجازها بالتالي:

1. أن المؤتمر أثناء حكمه لليمن سواء كان منفردا في الحكم أو ضمن ائتلاف، مثل عنصر أمان وإنجاز، كما كان دائما المبادر في العفو والسعي للوصول الى التوافق.

2. تميز وزراء المؤتمر بإدارة وزاراتهم ومؤسساتهم كرجال دولة ملتزمين بالنظم واللوائح، وبالعمل لمصلحة اليمن أرضا وإنسانا، دون تمييز بين أبناء اليمن الواحد.

3. أن وزراء المؤتمر كانوا دائما يعملون بروح الفريق الواحد مع بقية أعضاء الحكومة في حكومات الائتلاف التي شاركوا فيها، وكانوا عنصرا رئيسا في نجاحها، بحكم خبرتهم وقدراتهم الإدارية والسياسية.

4. لا ينكر أحدٌ أن تهما بالفساد وجهت الى بعض وزراء المؤتمر الشعبي، إلا أن نفس التهم وبصورة أشد وجهت أيضا الى وزراء الأحزاب الأخرى الذين شاركوا معهم في حكومات الائتلاف المختلفة. كما أن معالجة الفساد لا تتحقق بكيل الاتهامات، وإنما بمحاسبة كل من ارتكب عمل فساد أو إفساد مهما كانت مكانته، وتطبيق مبدأ الشفافية والعقاب.

5. أن وزراء المؤتمر الشعبي العام لم يمارسوا سياسات الإقصاء أو الاستحواذ، وسجلات الخدمة المدنية تشهد على ذلك، وأنه إذا حدثت أي تجاوزات فإنها لم تكن بالشكل الممنهج الذي نراه الآن، ومن منطلق ومخطط حزبي لإقصاء الآخرين بمختلف انتماءاتهم.

6. لا ينكر أحدٌ أن حكمة المؤتمر الشعبي العام وقياداته هي التي أنقذت اليمن عام 2011 من حرب أهلية كانت وشيكة، من خلال ما قدمه من تنازلات وإيثار لمصالح اليمن على مصالحه، بينما كان يمتلك القدرة لمواجهة خصومه والعنف الذي مارسوه لإثارة الرأي العام، واستعطافا للقوى الخارجية بهدف إسقاط النظام، وبدون تقدير لما سيؤول إليه الوضع بعد إسقاطه من فراغ وفوضى نعيشها اليوم.

7. أن تعامل المؤتمر الشعبي العام مع المبادرة الخليجية كان أبعد ما يكون عن العرقلة، فلولا إصراره على إعداد آلية تنفيذية لها، لما سارت الأمور بسلاسة كما سارت. كما كان تمسك المؤتمر بنقل السلطة عبر انتخابات مبكرة، وبطريقة ديمقراطية، وعبر صناديق الاقتراع، حفظ الشرعية الدستورية، الأمر الذي منح الرئيس عبد ربه منصور هادي شرعية لم يستطع أحد الطعن فيها أو الالتفاف عليها، وهو ما حمى اليمن من تداعيات الأزمة الحالية.

8. يعترف المنصفون من أبناء اليمن اليوم أنه لولا التنازلات التي قدمها المؤتمر الشعبي العام أثناء تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وقبوله بالإجحاف الذي تعرض له في تمثيله في اللجنة وفي رئاسة فرق العمل وفي هيئة رئاسة المؤتمر، إلا أن ممثليه حرصوا أثناء مشاركتهم في أعمال المؤتمر، وفي فرق العمل، على الإسهام الفاعل في أعمالها، والعمل على التوفيق بين وجهات النظر فيها، وتقديم خبراتهم لإنجاح عمل فرق العمل. كما كان المؤتمر الشعبي التنظيم المتصدي لكل مخططات الانفصال والإقصاء، والمتمسك بمبدأ المصالحة الوطنية كأساس لبناء اليمن الجديد، ولم تكن مواقفه بهدف الإعاقة كما روجت بعض القوى، وإنما إدراكا منه للمخططات التي يريد البعض من خلالها جر اليمن إلى أزمات في المستقبل.

9. يدرك الجميع أن المؤتمر الشعبي العام، ومنذ تأسيسه، كان حزب الحوار والتوافق، وأن ميثاقه الوطني كان محل إجماع كل القوى السياسية عند الاستفتاء عليه، بما عكس من وسطية المعتقد والفكر. كما كان المؤتمر الشعبي دائما المبادر في تقديم الرؤى والحلول للأزمات والخلافات، واضعا مصلحة اليمن فوق كل اعتبار، وأكبر دليل على ذلك تنازله عن السلطة بإرادته، وتحمله بصبر وشجاعة التهم التي وجهت إليه، والاعتداء على قياداته في جامع الرئاسة، حرصا منه على أن يكون جزءاً من الحل، ولا يكون جزءا من المشكلة. كما قدم خلال هذه الأزمة مبادرته لحلها، ودعوته إلى المصالحة الوطنية بين كل الأطراف، حرصا منه على استقرار اليمن، ولوقف نزيف الدم، وللحفاظ على السلام الاجتماعي، ولتحقيق بناء اليمن الجديد.

لكل هذه الأسباب، خرج المؤتمر الشعبي العام منتصرا من كل الأزمات التي واجهها بحكمته وإرادته وإدارته للأزمات، وتحول تعنت الآخرين معه هزيمة لهم، وهم اليوم يعلنون بصراحة أن المؤتمر يمتلك الحلول لهذه الأزمة. لذلك دعا المؤتمر الشعبي العام إلى مصالحة وطنية شاملة مع كل الأطراف، تطوي صفحة صراعات الماضي، وصولا إلى اصطفاف وطني حقيقي من أجل اليمن، بعيدا عن الأجندات الحزبية أو استهداف أي طرف، لأنه بدون ذلك لا يمكن للاصطفاف الوطني أن ينجح في رأب الصدع، وربما تحول الى تحالفات تؤدي الى المزيد من الصراعات، وتكرر نتائج تحالفات عام 2011 التي كان هدفها الوحيد إسقاط النظام، رغبة في الانتقام، دون رؤية أو برنامج سياسي أو نية حقيقية لبناء يمن جديد، فتحول التحالف إلى انقسام، والوفاق بينهم الى اختلاف.

إن مشاركة المؤتمر الشعبي العام في أية حكومة، تأتي عن رغبة صادقة لخدمة الوطن، بعيدا عن أية مصالح حزبية ضيقة، أو رغبة في الانتقام من خصومه، ولكن باعتبارها مسؤولية وطنية يتحملها أمام الله والشعب اليمني. لذلك فإن مشاركته في هذه المرحلة تكتسب أهمية خاصة وهو يرى طموحات الشعب وآماله في بناء اليمن الجديد مهددة بالضياع. إضافة إلى قناعة الشعب اليمني بأن المؤتمر الشعبي هو المؤهل لقيادة هذه المرحلة، لما عرف عنه من وسطية العقيدة، وتسامح الخلق، ورفض للإقصاء أو تهميش الآخرين، وأن هدف المؤتمر الوحيد كان دائما ينحصر في بناء يمن لكل اليمنيين، بعيدا عن الولاء الطائفي أو المناطقي أو الحزبي أو الشخصي.

إن المؤتمر الشعبي وقياداته يدركون الأخطاء التي ارتكبت أثناء فترة حكمه، إلا أن الكل يعترف أن الأخطاء التي حدثت خلال المرحلة الحالية، تفوقها بكثير. كما أن المؤتمر الشعبي تعلم من أخطائه، ولن يقبل بتكرارها، أو العودة إلى أساليب الإدارة السابقة. كما يدرك المؤتمر الشعبي العام أن بناء اليمن الجديد لا يمكن أن يتحقق من خلال نزعات الثأر والانتقام، ولكن من خلال مصالحة واصطفاف وطني حقيقي يشمل كل القوى التي تريد أن تسهم في بناء دولة مدنية حديثة، القوى التي تنبذ العنف وحمل السلاح، وترفض تشكيل المليشيات لتحقيق أهداف سياسية، مع التزامها بالاحتكام لصندوق الاقتراع وسيلة للتداول السلمي للسلطة، والتمسك بفرض سلطة الدولة على كافة أرجاء اليمن.

في ظل ظروف اليمن المعقدة، وبناءً على تاريخ المؤتمر الشعبي السياسي الناصع، ومسؤوليته نحو الشعب اليمني، عليه اليوم الاجتهاد في تقديم المبادرات لحل الأزمات، كما عمل في الماضي، إنقاذا لليمن من مخاطر الفشل ودوامة الشلل، ولإخراجه من النفق المظلم الذي يعيشه.

لذلك كله، على المؤتمر الشعبي العام أن يقود اليوم عملية المصالحة الوطنية، وبدء الحوار مع جميع القوى السياسية، بما فيها القوى التي وقفت في الجانب المعادي له عام 2011، وأن يسهم معهم في إخراجهم من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه بتحالفاتهم القديمة، وتنقيتهم من مغبة رغبات الانتقام التي أوصلتنا الى أجواء الصراعات والعنف. من أجل مصالحة وطنية شاملة، على المؤتمر الشعبي العام أن يقود هذا التحرك للمصالحة، بغض النظر عن أي اتهامات قد توجه إليه بالانحياز لطرف من الأطراف، أو بالعرقلة للعملية السياسية، طالما وهو يقف على مسافة واحدة من جميع القوى، ويتحرك في وضح النهار، ويهدف إلى تحقيق المصالح الوطنية العليا بإخلاص وصدق، ولما فيه خير اليمن وشعبه، والحفاظ على نظامه الجمهوري ووحدته، والتمسك بالتنفيذ الكامل ودون انتقاء لمخرجات الحوار الوطني، وبمنتهى الأمانة، ولتنعكس هذه الجهود على أرض الواقع، بدلا من بقائها مجرد نصوص على الورق، أو شعارات جوفاء تزيد من الإحباط والمعاناة.

*وزير الخارجية السابق

نشر المقال في صحيفة الأولى بتاريخ الثلاثاء 9 سبتمبر 2014م
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)