آخر الأخبار
 - حين هدم الثوار سور برلين عام 1989 وتوحدت الألمانيتان، كان المستشار الألماني هيلموت كول واعيا بخطورة النزوعات حال غيبة إطار الدولة أو ضعف مؤسساتها

الأربعاء, 09-إبريل-2014 - 12:57:30
مركزالاعلام التقدمي- متابعات -
حين هدم الثوار سور برلين عام 1989 وتوحدت الألمانيتان، كان المستشار الألماني هيلموت كول واعيا بخطورة النزوعات حال غيبة إطار الدولة أو ضعف مؤسساتها، فكان يجيب سائله عن الدستور قائلا: يجب أن نسير بسرعة! ولم يقف طويلا عند استهداف الماضي قدر ما سعى لتجاوزه، أما ثوراتنا العربية العام 2011 التي وصفت أول ما عرفت بالربيع العربي، تلك الكلمة التي كانت الأكثر انتشارا في اللغات العالمية هذا العام، ثم تراجعت حتى تلاشت من قاموسنا وقواميسهم! فيبدو أنها اهتمت بكل الأماني والأحلام وأهملت الإطار الذي ينظم هذه المعارضات بعد نجاحها، أو ينظم الدولة وعلاقاتها بالداخل والخارج.. تركته فراغا تمددت فيه تنظيمات لم تشارك وشاركت في هذه الثورات! وأزاحته بسهولة منه! نسي الكثيرون أن أهداف الثورات تظل عالقة ما لم يتم التصالح بين الثورة والدولة، وأن ثورة مستمرة لا تعنث شيئا ان استمرت الدولة مؤجلة..أو ضعيفة..لأنها القوة والنظام السياسي وحده هو الذي يحتكر القوة فإن لم تكن تملكها حكم آخرون ليسوا هم الدولة.. قد يكونون الإرهاب!

ربما لهذا وغيره صعدت مشكلة الإرهاب للمقدمة من جديد في العالم العربي، لتمثل التهديد الأكبر لدوله ومجتمعاته، سواء مع صعود تنظيمات ومرجعيات العنف ومنتوجاتها الجديدة في دول الثورات العربية غير المستقرة، أو في مجالها الجغرافي والإقليمي. 

تتمدد في المنطقة التنظيمات القديمة كالقاعدة والجديدة كتنظيمات أنصار الشريعة وبيت المقدس وداعش، والجهاديات الطائفية المعادية لها والمتصارعة معها، خاصة بعد أن استفادت منها أنظمة أرادت اللعب بورقتها في تثبيت سلطتها واستخدامها كفزاعة ضد معارضيها وللغرب، كما هو الحال في سوريا، أو حاولت شراء ولائها واستخدامها في تحقيق مصالح ضيقة ضد خصومها السياسيين، كما يتواتر عن تورط تنظيمات جهادية ليبية في عمليات اغتيال على الأرض التونسية للقيادي المعارض شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهو ما ساعد بعض هذه الأنظمة على التمكين لنفسها في ملاذات آمنة كفاعل إقليمي ضد الدول والشعوب العربية، وليس ضد الغرب كما كانت تتمسك بقتال العدو البعيد قبل هذا الربيع! وزاد من زخمها وحضورها وجود وصعود جهاديات طائفية كحزب الله وجيش المهدي المؤيدين لبشار الأسد، أو تأكيد النزوع الانفصالي للحوثيين بعيدا عن خارطة الطريق اليمنية.

وهي حركات كذلك تتعالى على تصور ومفهوم الدولة التوافقي، وتنازعها استخدام القوة، وتنفرد بقراراتها دونها! مما يؤكد أن الدولة العربية يلفها الخطر انكماشا وتمددا لهذه التنظميات جميعا!

اتسم الإرهاب الجديد بتحوله من المحلية لتنظيمات عابرة لها، سواء على مستوى العناصر والقيادات متعددة الجنسيات، سواء أكانت تنظيما كتنظيم بيت المقدس والتنظيمات الجهادية في سيناء التي تضم العشرات من غير المصريين، أو كتائب عبد الله عزام، أو تنظيمات أخرى كداعش التي تتمدد  من الأنبار العراقية إلى الرقة السورية، أو ترتد عمليات حزب الله في سوريا على الضاحية في الجنوب اللبناني بعد تمدد في بيرون والقلمون، كما تسمع أصداء الاشتباكات الطائفية على وقعها بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس بين فينة وأخرى، حتى إقرار الخطة الأمنية الأخيرة واستلام الجيش اللبناني الإدارة الأمنية فيها في 5 أبريل سنة 2014!

تبدو أزمة الدولة العربية في بلاد الثورات العربية أكبر الأزمات التي تواجه النظام العربي الحالي، التي تستهدفها قوى أيدولوجية وأصولية كما تصارعها في مناطق أخرى تنظيمات جهوية وقبلية وطائفية انفصالية.

أزاحت أزمة الدولة العربية المعاصرة، وخاصة في بلدان الثورات العربية، عن الصدارة مشكلات إقليمية الأخرى كالصراع العربي الإسرائيلي أو الملف النووي الإيراني، وغدت الأولوية لدى العديد من الفاعلين في الإقليم، وخاصة محور الاعتدال المستعاد( مصر والسعودية والإمارات والبحرين) كحصن أخير ضد فوضى إقليمية محتملة يزيد من احتمالها استمرار الأزمة السورية وإصرار بشار الأسد على البقاء، كما يزيد من احتمالها جيل إرهابي جديد صارت القاعدة نفسها تشكو من غلوائه، وطموح طائفي  تزكيه أطراف إقليمية، كإيران، لخلخلة الاستقرار في المنطقة والانفراد بها أو امتلاك النفوذ عليها!. 

من هنا كان الموقف من الإرهاب والأصوليات العنيف مائزا بين الأطراف العربية والإقليمية، وفاصلا في علاقة بعضها بالبعض الآخر، وفي هذا السياق وحده يمكن تفسير سحب سفراء كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين من الشقيقة الخليجية قطر، لموقفها الداعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي يعلن دعاتها الجهاد في مصر، ويصر عدد من المرتبطين بها والمقيمين فيها على استنزافها حتى السقوط! وكذلك يمكن تفسير القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في مارس الماضي بتصنيف جماعة الإخوان وحزب الله وداعش والنصرة كجماعات إرهابية، والتجريم الشديد لأي نشاط مؤيد لها!  وهو الموقف الذي يبدو أنه أثر في مواقف عدد من الدول الغربية بدرجة ما!

صار الطلب على الدولة مطلبا شعبيا لدى كثير من شعوب العالم العربي، وليس فقط في مشهد الرئاسة المصرية الحالي، حيث ترتفع أسهم وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي، ولكن حماية من الإرهاب المتصاعدة موجاته، والفوضى التي تهدد حياة المواطنين ومعيشتهم، صارت الدولة الحل الضرروري كذلك للشعب الليبي واليمني والتونسي بل ولبلاد لم تشهد ثورات كالعراق التي تحيز حاكمها طائفيا، فنشط الإرهاب به كما نشط سوريا بعد أن استجلبه النظام وعنفه، فكان المطلوب حكما بديلا وانتقاليا، لا يتكسب من وجود الإرهاب، ولا يلعب بورقة الطائفة، فيكون تنظيما إرهابيا ينشط في ملاذه وبؤر توحشه الإرهاب الداعشي كذلك، الذي يكون المجتمع والدولة أولى ضحاياه، وتفقد كلمة النظام معناها. 

يمكننا أن ندلل على هذا الصعود للعمليات الإرهابية في المنطقة، بأنه في العام 2013 نفذ بمنطقتنا ما لا يقل عن 148 عملية انتحارية، تشكل نحو 50 في المئة من اجمالي العمليات في العالم التي بلغت 291 عملية،  وبينما كانت العمليات الانتحارية والإرهابية في السابق تتجه للعدو البعيد- حسب مصطلحات القاعدة- والآخر المحتل نجدها خلال العامين الأخيرين وخاصة دول الثورات العربية داخلية بامتياز، ضد القائمين على السلطة أو المنافسين عليها، أو فق سياسات تمييز طائفي وفكري ديني، وصعود ما يمكن تسميته جهادية سلطة وجهادية طائفية فضلا عن العنف العشوائي الذي يروح ضحاياه المواطنون العاديون، في مناخات من الانفلات الأمني وضعف أجهزة الدولة في بعض دول الثورات العربية.  

موجات إرهاب جديد:

في الخامس من أبريل وعقب تفجيري جامعة القاهرة شن أحد النشطاء الشباب- أحمد المغير المعروف إعلاميا برجل خيرت الشاطر- حملة شديدة على الإخوان المسلمين بعد أن أعلن متحدثهم، في الرابع من أبريل الحالي 2014 بثت شبكة السحاب الذراع الإعلامي للقاعدة تسجيلا صوتيا لزعيم القاعدة أيمن الظواهري يرثي فيه أبا خالد السوري أحد قدامي الجهاديين السوريين، ورفيق درب أبي مصعب السوري الذي قتلته داعش في 23 فبراير الماضي، ووصف قاتلي رفيقه القديم، والذي يصفون أنفسم بأنهم قاعديون، حيث تمثل داعش تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بأنهم أهل فتنة وطالب جميع المسلمين بعدم مساعدتهم أو تقديم الدعم لهم، لأنهم يفخخون مقرات المجاهدين ويحققون هدف الغرب في ضرب الجهاد[1]! أتى حديث الظواهري ضد إرهاب داعش وقد سبقه تعليق مصور ل آدم غادان أحد المسئولين الإعلاميين للقاعدة في 30 مارس الماضي وصف فيها داعش بقتلها أبا خالد السوري بالغلو والطغيان! وكذلك وصفهم أبو قتادة الفلسطيني يوم الخميس 28 فبراير الماضي أثناء محاكمته في العاصمة الأردنية عمان بالجماعة المنحرفة وأن أفكارها " فيها غلو وتشدد " وقال أبو قتادة أيضا ان مسمى (داعش) " غير حقيقي وهي مجموعة أفراد متفرقين بلا قيادة وبلا ضابط شرعي ". مضيفا أن " داعش تستخدم العبارات الشرعية في غير موضعها كما هو حال أهل البدع"[2]..

كذلك ما نجده إخوانيا في مصر حين يغزو تنظيم بيت المقدس الغزوات الغزوات تعطيلا وإرهابا، ضد مسار ودولة وأمن ما بعد 30 يونيو، ويسمي غزواته بالثأر لمسلمي مصر في إشارة للإخوان، وأحيانا من أجل حرائر مصر في إشارة للسجينات من الناشطات الإخوانيات، ويصر على تعطيل الاستحقاق الرئاسي المزمع خلال الشهور القادمة عنفيا كما تلح أيضا اشتباكات وتظاهرات جماعة الإخوان المسلمين، يتبرأ الأول تبرؤا كلاميا من الثاني، كما تبرأ متحدثهم محمود غزلان يوم 4 أبريل سنة 2014 من الناشط الشاب أحمد المغير، وأعلن أنه لا ينتمي لجماعة الإخوان، لمجرد تعبيره الصريح والصادق عن تأييده لتفجيرات جامعتي القاهرة يوم 2 أبريل، ورد الأخير بأنه عضو في الإخوان ولا يملك الأول فصله وفق لائحة الجماعة، ثم يقرر الشاب- شأن كل النشطاء الشباب الإخوان- المفارقة لمساحة أخرى تتهم الإخوان بالخذلان وتتهم قياداتهم بالرفاه بينما شبابهم يضحون! وأن حسن البنا- المرجعية الإخوانية الأولى والوحيدة- بريئة منهم، لأن- القادة- فهم يرددون شعار الجهاد سبيلنا ولم يطبقوه!

كذلك توالت اعتذارات الإخوان وبراءاتهم من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، في التعاطي مع 30 يونيو ومع المسار بعده، واستمرار توجه دول عربية وغربية لحظر أنشطة الجماعة على أراضيها، أو التوجه والتفكير في ذلك شأن ما كان من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الأول من أبريل هذا العام، بفتح تحقيق حول جماعة الإخوان المسلمين، بناء على تقييم قُدم له من الأمن الداخلي والمخابرات البريطانية عن احتمال ضلوع الجماعة في قتل 3 سياح في حادث إرهابي استهدف حافلة في مصر.

وخلال الأيام الأولى من نفس الشهر قرر البرلمان الكندي تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية، بأغلبية مطلقة، وقد سارعت جماعة الإخوان المسلمين ردا على التوجه البريطاني، الذي لا زال في طور التوجه لا الفعل والقرار، بإصدار بيان تؤكد فيه على سلمية مبادئها ومرجعياتها المنشورة والمعلنة، وأنها تستنكر العنف دائما، وتبدي استعدادها للتعاون مع كافة الجهات من أجل تأكيد ذلك، واتهمت ما تصفه بالانقلاب العسكري والحملات الإعلامية التي تسعى لتشويهها لتشويه صورتها التي تراها سلمية..

الأهم في هذا الأمر، بغض النظر عن أزمة التفكير الإخواني، الذي يجمع بين السلمية والعنف في آن واحد، فيدعو أحدهم للجهاد والقتل في مصر ويشجعون كل يوم الاحتجاجات العنفية التي يقوم بها طلاب الأزهر ضد مشيخة الأزهر وضد أساتذتهم وضد جامعتهم، لمجرد الخلاف السياسي، ويؤكد آخر على الرابط بين اعتصامات رابعة التي كنا نسمع منها المجابهة مع الدولة والمجتمع والمخالف دينا أو رأيا، يتبرأون في الشهور الأخيرة مما أنتج ذلك! أنهم تحولوا من طور المظلومية لطور تعديل الصورة ومواجهة التحديات المتوالدة من دول شرقية وغربية للتضييق على الجماعة التي تراها خطرا عليها! وهو ما كان متوقعا في مسار المجابهة الذي اختارته الجماعة بعد سقوطها في 30 يونيو في مصر شعبيا أولا ورسميا ثانيا.

 هكذا يتوالد العنف من مرجعياته في موجات جديدة أشد وأكثر صراحة وغلوا، فهل فعل المغير غير ما سبق أن دعى له القرضاوي من الجهاد في مصر، وهل فعلت داعش من التفخيخ والعمليات الانتحارية إلا ما سبق أن دافع عنه الظواهري وتميزت به القاعدة عن سواها من التنظيمات الجهادية، لكن قادة هذه الجماعات لا تعترف بأن هذا الغلو إنما هو ثمار غلوهم وزرع يحصدون الآن بعضا من مراراته واتهاما لهم ومنهم مردودا عليهم!  

ولدت داعش من القاعدة، تشبهها وتتجاوزها غلوا، كما توالدت جماعات الجهاد المصري في السابق من رحم الإسلام السياسي والقطبية أكثر غلوا وتشددا، كما ولدت الجماعة الإسلامية المسلحة، بقيادة عنتر زبراوي، من رحم جيش الإنقاذ الجزائري، وضحى زعيمها ب 500 عنصرا جهاديا لمجرد الخلاف معهم في الرأي سنة 1995 كان في مقدمتهم الشيخ الدكتور محمد سعيد زعيم تيار الجزأرة، كما قتلوا خمسة عشر عنصرا من الجهادية الليبية المقاتلة أرسلوا نصرة لهم فاختلفوا معهم في بعض الفروع فما كان إلا قتلهم، وعلى أثرها اعتبرهم الظواهري متطرفين وتبرأ منهم كذلك أبو قتادة الفلسطيني بعد أن كان أبرز المدافعين عنهم! كما انتقدتهم الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية- قبل مراجعاتها وتفككها- على انتقادهم والبراءة منهم بعد أن جربتهم! ومن خطاب تكفير الدولة سياسيا وشرعيا من خطاب رابعة والنهضة، رغم وضوح الانتقاد المبكر بين الميدانين وروادهما وإن اشتركا معا في لغة العنف ضد الخصوم[3].

وقد زاد من حضور داعش في سوريا- التي تركز حربها على الثورة والثوار لا النظام السوري- وكذلك حضور جبهة النصرة في وقت سابق،  استثمار الأسد في فزاعتي الإرهاب والطائفية على السواء، واستعانته السابقة والمستمرة حتى الآن، بجهادية طائفية من الخارج، كحزب الله اللبناني وأخرى عراقية وإيرانية وفعالية الحرس الثوري الإيراني بالخصوص في إدارة معركته مع شعبه، فهذه الجهادية الطائفية فجرت مشهد الثورة السورية ووضعتها بين مطرقة النظام وسندان الإرهاب الداعشي الذي وجد مع فشل هذا النظام وضعف قوى الثورة، التي لا زال يتأخر دعمها، ملاذا آمنا وبؤرة للتوحش يمكن أن ينطلق منها لسواها!

ملامح الخطر:

تنظيمات إرهابية جديدة أكثر غلوا وتشددا من سابقتها.
تمدد خطر بعض هذه التنظيمات عبر الحدود، بين أكثر من دولة، وتأثيرها على الاستقرار في دول الجوار بالخصوص والإقليم بعموم.
تأثيرات على الاجتماع والاستقرار الثقافي المتعدد في عدد من الدول الأخرى، نظرا لصراع الجهاديات الطائفية في سوريا، لصالح النظام وضد الثورة أغلب الأحيان، وقد لا يقف الأمر عند لبنان القريبة بل امتد حتى دولة كالبحرين وبعض المناطق الأخرى.
استقطاب وتزكية لروح الفوضى: خاصة بعد تحول الموقف من سقوط جماعة الإخوان المسلمين بعد الحراك  الشعبي في 30 يونيو، لموقف إقليمي فرزي خاصة بعد ميل عدد من الأنظمة لدعمهم والانتصار لهم، واستهداف النظام والمسار المصري بعدهم، وكذلك استنفار فروع الإخوان في بلدان متعددة للانتصار لأزمة ومأزق الجماعة الأم في مصر، وهو الموقف التي وضعت نفسها فيه، نتيجة ميلها العنفي وإصرارها على رفض خارطة الطريق وتعطيل مسارها واستنزاف استقرارها ومواردها.
على وقع الأزمة والثورة السورية التي  عسكرها النظام مبكرا بقمعيته وانشقاق عدد كبير من عناصر جيشه انضماما للشعب ضده، كان استنجاده الطائفي مبررا لدخول داعش والنصرة كجهادية طائفية مضادة أفادت النظام، رعم استقلالها عن جسد الثورة الفعلي.
 لاتعتذر الحركات الأقدم عن منتوجاتها الأكثر غلوا وتشددا، أو عن دفعها لظهورها سواء نتيجة خطابها العنفي والصدامي، كما هو حال الإخوان المسلمين، أو سلبا كرد فعل على ممارساتها الخطأ خارج إطار دولتها كما هو حال حزب الله في لبنان الذي لم ينأ بنفسه بينما نأت دولته، فأرهق الدولة والسلم اللبنانيين، لصالح بقاء نظام بشار الأسد!
 

سنحاول فيما يلي تناول بعض مظاهر الصعود الإرهابي والعنف الأصولي أوالطائفي أو الجهوي في عدد من بلدان الربيع العربي تدليلا على هذا التحدي الذي نشيره إليه بأزمة الدولة العربية المعاصرة والنظام العربي ككل.

اليمن: صحوة الحوثيين والقاعدة:

عادت القاعدة لنشاطاتها في اليمن بعد أن تراجعت العام الماضي 2013 مع ضربات الدولة المتالية بعد تولي عبد ربه منصور هادي، ولكن بعد أن خرق الحوثيون التوافق الوطني، والاستقواء على الدولة وعلى دماج وحاشد، بدعم إيراني مكشوف، واستهدافه الدولة والثورة معا، عادت كذلك القاعدة لصحوتها ونشاطها المدوي.

 خلال الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام 2014 فقط، نجحت القاعدة في اليمن في تنفيذ ما لا يقل عن 20 عملية، ضد قوات الجيش والأمن، باستثناء جرائم الاغتيالات لعشرات الضباط، كان آخرها في 4 أبريل الحالي من استهداف مقتل 8 عسكريين يمنيين بينهم ضابط برتبة مقدم بهجوم على نقطة في حضرموت، وسبقتها عمليات كبرى بنفس الطريقة في حضرموت أيضا، إحداها في مارس في منطقة المضى راح ضحيتها 20 جنديا، وأخرى راح ضحيتها 18 جنديا بمنطقة شبام في حضرموت كذلك.

  كما إنه ليس أدل على هذه العودة القوية للقاعدة في اليمن، من عملية الهروب الكبرى واقتحام سجن صنعاء، التي نفذتها في فبراير الماضي 2014، وتفوقت بها على عمليات الهروب السابقة من السجون، كهروب مفجري فنادق عدن من سجن المنصور في 17 يوليو عام 1993، والهروب الكبير في 3 فبراير سنة 2003، الذي هرب خلاله قادة القاعدة في اليمن كأبو بصير ناصر الوحيشي، وغيره قادة تفجير المدمرة الأمريكية "كول" عام 2000 والهجوم على الناقلة الفرنسية ليمبورغ عام 2002، وجاء هذا الهروب بعد أسبوع واحد من إعلان الولايات المتحدة أن اليمن لم تعد تشكل تهديدا على أمنها القومي، مما أحرج على عبد الله صالح وقطع بينه وبين الهدنة التي كانت سائدة بينه وبين القاعدة.

في هذه المرة فبراير سنة 2014 نجح  مسلحون من تنظيم «القاعدة»، من اقتحام السجن المركزي بصنعاء، وإطلاق 21 سجينا من أخطر عناصرهم، وقتل  18 جنديا، من حرس السجن، في عملية نوعية بامتياز.

كذلك استهدفت القاعدة في اليمن، في مارس (آذار) 2014، مبنى الاستخبارات العسكرية بلحج، بسيارة مفخخة، وأصيب فيها ثلاثة جنود، كما وقع عدد من المدنيين ضحايا.

عراق المالكي.. الطائفية منهجا:

عراقيا عادت صحوة القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنها العام 2013، وزادات عمليات القاعدة عموما بنسة 143% عن العام 2012، كما زادت نسبة العمليات الانتحارية حيث مثل العراق المرتبة الأولى بين دول العالم في العمليات الانتحارية عام 2013، بمجموع 98 عملية انتحارية، بنسبة 280%  مقارنة بالسنة السابقة (35) عملية انتحارية فقط، وهو ما يعيده العديد من المراقبين شرقا وغربا لسياسات المالكي الطائفية والإقصائية والتمييزية ضد السنة، فضلا عن تورطه الأخير- بأوامر إيرانية- في التدخل لصالح بشار الأسد في سوريا.

 بسبب سياسة المالكي منذ العام 2010، والتي قضت على الصحوات واستخدمت الطائفية والتسلطية ذريعة أولى للبقاء في السلطة لولاية ثالثة! وهي السياسة التي يرفضها أقطاب البيت د الشيعي ك مقتدى الصدر وعمار الحكيم، كما يرفضها خصومه عامة.

ليبيا بين القاعدة والميليشيات:

ينتشر في ليبيا السلاح الذي يمثل تهديدا أمنيا على جوارها الشرقي والغربي، مصر وتونس والجزائر، وبينما يتعثر المسار السياسي نتيجة الهيمنة الإخوانية على المؤتمر العام وسياستها الأحادية الراغبة في البقاء في السلطة رغم انتهاء ولايته في 7 فبراير سنة 2014، ودعت حركة تمرد التي تضم مجموعة من منظمات المجتمع المدني في طرابلس وبنغازي للعصيان العام يبدأ يوم 6 أبريل سنة 2014 وسط معارضة من أنصار الجماعة والمؤتمر الوطني العام التي تلاحق عددا من قياداتها ورموزها فضائح أخلاقية ومالية.

على جانب آخر يبدو العنف المسلح الديني والجهوي سيد المشهد في ليبيا، حيث  تنتشر الميليشيات المسلحة، ففي مصراتة وحدها، في عامين بين نوفمبر 2011 ونوفمبر سنة 2013 تم تسجيل 236 كتيبة ثورية في اتحاد ثوار مصراتة، وهو ما يتكون ما يقرب من 40000 عنصر مدرب، وحسب عدد من المراقبين توجد 1700 جماعة مسلّحة تحبس أنفاس ليبيا، لم تنجح الدولة التي تعهدت بعد اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي وثلاثة من مرافقيه بعد هجوم جماعة أنصار الشريعة على القنصلية في 11 سبتمبر سنة 2012، في نزع سلاحها، أنصار الشريعة" المعروفة بتوجهاتها الإسلامية، والتي تعتبر أكثر الكتائب تسليحا وتنظيما وقوّة، وهو ما حصل وفق ما صرّح به، إلا أنّ كتيبة شهداء 17 فبراير، وتعتبر هذه الكتيبة أكبر وأفضل الميليشيات المسلحة في شرق ليبيا، وتحصل الكتيبة على تمويلها من وزارة الدفاع الليبية، وكتيبة شهداء أبو سليم وكتائب الشهيد راف الله السحاتي وقوة درع ليبيا التي تبدو الأوسع انتشارًا في شتى أرجاء ليبيا. وتشبه تحركاتها وتصرفاتها كثيرًا وحدات الجيش النظامي الاعتيادية. وترفع القوة تقاريرها إلى وزارة الدفاع الليبية. وفي غرب ليبيا أيضا تنتشر العديد من الكتائب، المجلس العسكري لثوار الزنتان ولواء سعدون السويحلي والسويق والقعقاع وغيرها الكثير التي تخدم الأهداف الإيديولوجية والقبلية والمناطقية والعرقية[4].

من جانب آخر تنشط القاعدة وأنصار الشريعة، في شرق ليبيا، وخاصة منطقة درنة، ويمتد نشاطها داخليا وخارجيا حسب العديد من التقارير، وقد تظاهر منتمون للقاعدة علنا، في درنة، رافعين أعلامها في 5 أبريل سنة 2014 ويسيطرون على أجزاء كبيرة منها، كما تنشط مشكلة إقليم برقة الراغب في الانفصال، الذي اصطلحت معه الحكومة المؤقتة، في 5 أبريل سنة 2014 لتنظيم بيع النفط.
هذه الفوضى المسلحة دفعت مليون ليبي للخوف من العودة لبلادهم بعد ثورة 17 فبراير سنة 2011، ويرحل عنها بعض رموز ثورتها في 17 فبراير سنة 2011  ضد نظام معمر القذافي، حيث تنتشر الاغتيالات المنظمة لرموز سياسية وأمنية، ففي العام 2013 بلغ عدد الاغتيالات 120 اغتيالا وفي شهر فبراير سنة 2014 وحده طالت الاغتيالات 52 شخصية أغلبهم من القيادات الأمنية[5].
مصر.. استهداف الدولة:

بعد الحراك الشعبي في 30 يونيو الذي انتهى رسميا لانتهاء حكم الإخوان المسلمين، وعزل رئيسها السابق محمد مرسي بعد عام من ولايته، ومحاكمته مع عدد من قيادات الجماعة، سعت الجماعة وأنصارها، لمحاولة إسقاط المسار والدولة معه، بطريقة أكثر عنفا ودموية من احتجاجات 25 يناير و30 يونيو،  وهو ما عبر عنه عاصم عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية المصرية والمقيم الآن في قطر في 9 أكتوبر سنة 2013 بقوله:" «سنلاعب الانقلابيين ونرهقهم حتى يفلت الزمام من أيديهم وتنهار مؤسسات الدولة جميعًا، وفي تلك اللحظة لن يجد الانقلابيون من يدعمهم ولن يجدوا إلا أفواها جائعة لتأكلهم."[6] وبين اشتباكات مع قوات الأمن والشرطة بلغت حتى 4 أبريل 194 اشتباكا على الأقل، في مناطق متفرقة، ونشط فيها طلاب الجامعات وبخاصة جامعة الأزهر، الذي توجه لهم بيان ما يعرف بتحالف دعم الشرعية بالتحية في 5 أبريل سنة 2014 من التععدي على المنشآت الجامعية، والاعتداء على بعض الرموز المعارضة لهم، ولو كان شيخا أزهريا كما حدث في أبريل 2014 ضد الشيخ أحمد كريمة أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، أو ضد الشيخ الدكتور على جمعة أثناء مناقشته لأطروحة جامعية في جامعة القاهرة في سبتمبر سنة 2013.  سنة 2013، كما تكررت محاولات اعتدائهم على مشيخة الأزهر بعد 30 يونيو أكثر من مرة.

بلغ العنف ضد الدولة والمجتمع أوجه في الشهور الأولى بعد 30 يونيو، وخاصة شهر أغسطس سنة 2013 والذي كانت حصيلة قتلاه الأعلى منذ 30 يونيو، وسقط فيها من الضحايا 131 من قوات الشرطة والجيش.

تركز عنف الإخوان وأنصارهم ضد قوات الشرطة وقوات الجيش ويوضح الشكل التالي عدد القتلى والضحايا منهم بعد 30 يونيو وحتى 3 أبريل سنة 2014..

 توالد العنف تنظيمات تكفيرية أكثر تشددا في مصر، مثل تنظيم بيت المقدس الذي كان أول ظهوره في يوليو سنة 2013 كما ظهر تنظيم أجناد مصر الذي أعلن مسئوليته عن تفجيري جامعة القاهرة في 2 أبريل سنة 2014، وقد قام تنظيم بيت المقدس ب 24 كبرى منذ خلع الرئيس المعزول في 3 يوليو أعلن مسئوليته المباشرة عن 16 علية منها، يمكن أن نوجز أبرزها فيما يلي:

 استهداف مديرية أمن سيناء في 9 أكتوبر سنة 2013، والتي سماها التنظيم غزوة الثأر لمسلمي مصر عبر استهداف جهاز الشرطة الذي وصفته بالمجرمة، ثأرا للقتلى في رابعة والنهضة.
 استهداف مديرية أمن الدقهلية في 25 ديسمبر سنة 2013 عبر عملية انتحارية نفذها أحد عناصر التنظيم، وراح ضحيتها وط 14 شهيد وحوالي 130 مصاب، وقد وصف التنظيم في - بيانه- هذه المنشأة الأمنية بأحد أوكار الردة وكرر نصيحته لعناصر الشرطة المصرية بترك الخدمة، ,
وقوع تفجير بالقرب من مبتي المخابرات الحربية في مدينه الاسماعيلية في 19 اكتوبر 2013، مما ادي الي اصابة 6 افراد واحداث خسائر في المباني واحتراق العديد من السيارات.
 تفجير سيارة ملغمة بالقرب من مبني المخابرات الحربية بمنطقة انشاص الرمل في محافظة الشرقية في 29 ديسمبر 2013، مما نتج عنه دمار في المنطقة المجاورة.
-  عملية اغتيال المقدم محمد مبروك في 19 نوفمبر سنة 2013 وهو من قطاع الامن الوطني واحد المسئولين عن اعداد تقرير التحريات الامنية في قضية الهروب من سجن وادي النطرون وان الرئيس السابق مرسي احد المتهمين فيها، وقد وصفه بيان التنظيم حينئذ بأحد الطغاة، وأنها جاءات كجزء من عمليات تحرير الأسيرات حسب بيان التنظيم.
 استهداف مديرية أمن القاهرة في 24 يناير سنة 2014: والتي راح ضحيتها 4 قتلى وعشرات الضحايا، كما أصيب خلالها المتحف الإٍسلامي، ونفذها سبعة عناصر من التنظيم حسب بيان الجماعة.
 اغتيال اللواء محمد سعيد مدير المكتب الفني لوزير الداخلية المصري في 28 يناير سنة 2014 في حادث إرهابي بمنطقة الهرم.
 ظهر يوم الأربعاء 2 أبريل الماضي شهدت جامعة القاهرة تفجيرين، راح ضحيتها العميد طارق المرجاوي، مباحث قطاع غرب الجيزة، الذي لقي مصرعه، الأربعاء، في انفجار عبوتين ناسفتين بمحيط جامعة القاهرة.
بلغت تظاهرات الإخوان والاشتباكات بينهم وبين قوات الأمن أوجها بعد 30 يونيو حتى الخامس من أبريل سنة 2014  حسب البيانات المتاحة، من البيانات  الحكومية وغير الحكومية 194 اشتباكا، بلغ عدد ضحاياها في يونيو ويوليو 2013 34 قتيلا، ثم بلغت قمتها في أغسطس حيث ارتفع عدد القتلى من قوات الأمن( شرطة وجيش) 131 قتيلا، وكانت أقوى هذه الاشتباكات في منطقتي كرداسة بمحافظة الجيزة و دلجا بمحافظة المنيا في شهر في أغسطس سنة 2013، حيث تم اقتحام أقسام الشرطة مما أسقط ضحايا، وهو ما تكرر في عدد من المناطق الأخرى كذلك.

ولكن يلاحظ في الشهور الأخيرة تراجع عدد الاشتباكات والعمليات وعدد الضحايا من قوات الأمن، نظرا للضربات الاستباقية التي وجهها الأمن المصري لتنظيم الإخوان وقياداته الهرمية والقاعدية، وكذلك لتنظيم بيت المقدس، وعودة هيبة الدولة بعد إقرار دستور 2013 بنسبة عالية، واستمرار محطات خارطة الطريق التي تدخل محطة الانتخابات الرئاسية بعد فتح باب الترشح وإعلان القائمة المبدئية للمرشحين في 21 أبريل القادم، والتي تبدأ جولتها الأولى في 26 مايو القادم، ويصوت المقيمون في الخارج في منتصفه..

ولكن يبدو أن الجماعة وأنصارها من بيت المقدس وأجناد مصر وأنصار الشريعة وغيرها، تتجه لتصعيد عنفها مع اقتراب هذا المسار الحاسم، فقد نشطت عمليات تنظيم بيت المقدس بشكل جزئي في مارس سنة2014 رغم تعرضها لعدد من العمليات الاستباقية من الجيش المصري في سيناء، واتباع سياسة تصالحية واستيعابية مع قبائل سيناء من قبل قوات الجيش، وتضييق الخناق على شبكات التمويل والدعم في الداخل والخارج.

ختاما وفق منطق الموجات الإرهابية الجديدة والمتوالدة، وتحول الإرهاب من قضية وطنية إلى قضية إقليمية، ينداح من أزمة دولة ما بعد الثورات العربية، والنظام العربي ككل، واستعصاء الأزمة السورية على الحل السياسي، مع إصرار بشار الأسد على البقاء، ووجود ملاذات  آمنة للقواعد الجديدة في سوريا وليبيا، ولعب بعض الأنظمة بورقتها، يمثل تحديا وطنيا وإقليميا كبيرا وخطيرا يهدد الحاضر كما يهدد بشكل أكبر المستقبل في هذه المنطقة من العالم.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)