آخر الأخبار
 - يلاحظ المتابع لمسيرة العلاقات الأفريقية العربية من نحو خمسين عاماً خلت أنها تطرح دائماً اشكالية الفرص الضائعة، ربما بسبب غلبة السياسي على الاقتصادي في الحوار الاستراتيجي بين العالمين العربي أو الأفريقي

السبت, 16-نوفمبر-2013 - 08:27:41
مركزالاعلام التقدمي- وكالات -
يلاحظ المتابع لمسيرة العلاقات الأفريقية العربية من نحو خمسين عاماً خلت أنها تطرح دائماً اشكالية الفرص الضائعة، ربما بسبب غلبة السياسي على الاقتصادي في الحوار الاستراتيجي بين العالمين العربي أو الأفريقي أو بسبب التكالب الدولي المستمر على اكتساب الثروة والنفوذ في الفضاء الأفروعربي. وإذا نحينا جانباً عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين العرب والأفارقة، والتي كانت محوراً لدراسات وبحوث تاريخية معتبرة حتى ذهب المفكر الكيني الأبرز علي مزروعي إلى القول بارتباط شبه الجزيرة العربية عضوياً بأفريقيا قبل تشكل البحر الأحمر، فإن العديد من المتغيرات والتحديات المعاصرة تدفع إلى ضرورة الشراكة الاستراتيجية بين العرب والأفارقة.
لقد مثلت قضايا الاستعمار وتحديات بناء الدولة الوطنية واستلهام روح عدم الانحياز وباندونج بالاضافة إلى اقتصاديات مياه النيل واشكاليات الصراع والتنمية المستدامة في ظل سياسات العولمة وإعادة انتاج سياسات الهيمنة الاستراتيجية على الصعيد الدولي أبرز محاور الحوار الاستراتيجي بين العرب والأفارقة. وعليه فقد كانت أخطاء أعوام السبعينيات حجر عثرة أمام تنفيذ آليات العمل العربي الأفريقي المشترك التي أقرتها القمة الأفروعربية الأولى في القاهرة عام 1977. ومن جهة أخرى فإن شحصية العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ورغبته في القيادة والسيطرة قد دفعت بقمة سرت الأفروعربية الثانية عام 2010 لتصبح مجرد منبر إعلامي لا يتجاوز دلالاته الرمزية والسياسية.

فهل يمكن القول بأن القمة الأفروعربية الثالثة التي تعقد في الكويت يومي 19و20 نوفمبر 2013 تشكل تحولاً فارقاً في الوعي العربي الأفريقي المشترك؟ وهل يمكن لها في ظل التحديات الهائلة التي يواجهها النظامين الاقليميين العربي والأفريقي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أن تعزز من قدرات الطرفين في تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية والأفريقية؟

وفي سعينا للاجابة على هذين السؤالين نحاول طرح ثلاثة قضايا أساسية تناقش أولها طبيعة البيئة الداخلية والاقليمية والدولية السائدة والتي تضفي أهمية خاصة على قمة الكويت الأفروعربية، أما القضية الثانية فإنها تناقش دروس الماضي بهدف تصويب مسيرة التعاون العربي الأفريقي، والقضية الثالثة تستشرف آفاق المستقبل.

قمة الكويت وجدلية التحدي والاستجابة:

لعل من المفارقات التي تثير التعجب والاستغراب في آن واحد هو تأخر هذه القمة بنحو 33 عاماً حيث كان من المقرر أن تعقد القمة الأفروعربية الثانية في الكويت عام 1980، أي بعد أعوام ثلاثة من قمة القاهرة الأولى. ومن جانب آخر فإن مصر التي احتضنت حركة الوحدة الأفريقية وأسهمت بدور محوري في تبني منظومة التعاون العربي الأفريقي، من خلال استضافتها للقمة الأفروعربية الأولى في القاهرة تجد نفسها اليوم وهي تحضر قمة الكويت باعتبارها أحد أعضاء الجامعة العربية وفقط، نظراً لتجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي في أعقاب الاطاحة بنظام الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013.

وعلى أية حال فإن خصوصية  وأهمية قمة الكويت الأفروعربية الثالثة تنبع من عدة اعتبارات أساسية لعل من أبرزها:

أولاً: التغيرات العارمة التي شهدها النظام الاقليمي العربي في عام 2011 بعد ثورات الربيع العربي التي انطلقت في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول العربية. ولعل الدلالة الكبرى هنا تشير إلى مدى تلاحم الدول العربية والأفريقية في التطلع نحو التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأحسب أن الربيع الأفريقي الذي بدأ في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي يسبق ربيع العرب، وهو ما يعني إمكانية استلهام بعض تجارب وقصص النجاح الأفريقية الكبرى مثل غانا وبوتسوانا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا.

ثانياً: الصراعات الكبرى التي تمثل تحدياً للنظام الأمني العربي الأفريقي مثل الصومال ودارفور وشمال مالي تطرح أهمية التنسيق والبحث عن حلول عربية أفريقية لها دون تدخل أطراف خارجية. واحسب أن هذه التحديات الأمنية الكبرى تقضي بضرورة البحث عن نظام أمني عربي أفريقي مشترك للتدخل في مناطق التوتر والصراع بغية حفظ وصنع السلام.

ثالثاً: تغير طبيعة توازن القوى في مناطق التماس العربي الأفريقي ومثال ذلك منطقتي القرن الأفريقي وحوض النيل، وهو ما يعني ضرورة تأسيس الحوار العربي الأفريقي على قواعد ومعايير جديدة. وعلى سبيل المثال بينما شهدت الصياغة الجيواستراتيجية الجديدة للفضاء العربي  الأفريقي تراجعاً للدورين المصري (بعد سقوط نظام مبارك) والسوداني (بعد انفصال الجنوب) وتفتيت الصومال بعد فرض الارادة الدولية عليه عام 2012 فإن أثيوبيا ودول شرق أفريقيا شهدت نهوضاً ملحوظاً ودعماً دولياً واضحاً، وهو ما يعني ضرورة اعادة التفاوض بشأن توزيع مياه النيل.

رابعاً: محاولة اسرائيل اختراق منظومة الأمن الجماعي الأفريقي من خلال محاولاتها الدعوية الالتحاق كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، وعلى الرغم من أن المحاولات الاسرائيلية قد باءت بالفشل إلا أنها تحاول جاهدة من خلال وسطاء أفارقة أبرزهم نيجيريا وأثيوبيا وكينيا الفوز بعضوية الاتحاد الأفريقي في دورته القادمة. ومن الواضح كما أبرزت حادثة الهجوم الذي وقع في سبتمبر/أيلول الماضي على مركز وست جيت التجاري في نيروبي أن اسرائيل تمتلك نفوذاً قوياً في دول حوض النيل.

خامساً: التكالب الدولي الجديد على الموارد الأفريقية وظهور سياسات جديدة لاعادة انتاج الهيمنة الدولية على أفريقيا وفقاً لآليات وأدوات جديدة، فإنشاء القيادة الأفريقية (أفريكوم) عام 2008 ووجود معسكرات أمريكية في جيبوتي والنيجر بالاضافة إلى التدخل العسكري الفرنسي والغربي المباشر في الصراعات الأفريقية يمثل تهديداً مباشراً للأمن الجماعي العربي والأفريقي .كما أن محاولات الصين وبعض القوى الصاعدة الأخرى في النظام الدولي كسب النفوذ والسيطرة في أفريقيا تمثل هي الأخرى تحديات لمنظومة العلاقات العربية الأفريقية.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تواجهها الشعوب العربية والأفريقية لوجدنا أن الاستجابة لروح مشروع النهضة الأفريقية كما أسس له رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي وطموحات المبادرة الجديدة للتنمية في أفريقيا (النيباد) عام 2001  تعني ضرورة الانحياز لخيار التعاون العربي والأفريقي وفقاً لمنظور الشراكة والمصالح المشتركة.

ما الذي حدث خطأ؟

لقد كان المأمول في السبعينيات من القرن المنصرم اضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات العربية الأفريقية من خلال مؤتمر القاهرة عام 1977، وخلال هذه الفترة تحدث البعض عن "استراتيجية سلة الغذاء" حيث تساعد الدول الأفريقية الغنية بمواردها الطبيعية فى تحقيق الأمن الغذائي العربي في حين تساعد الدول العربية النفطية الغنية في توفير الدعم المالي والتنموي اللازم لنهضة أفريقيا.

ويمكن فهم الاتجاه الحماسي لدعم التعاون العربي الأفريقي خلال هذه المرحلة التأسيسية استنادا إلى عدة اعتبارات لعل من أبرزها: التوكيد المشترك على أهمية الاعتماد الجماعي على الذات لمواجهة تحديات التنمية في العالمين العربي والأفريقي، وقيام اسرائيل عام 1967 باحتلال أراضي أفريقية وهو ما جعل كثير من الدول الأفريقية تقطع علاقاتها معهاً في أعقاب حرب 1973. يقول الرئيس احمد سيكوتوري:" إن دعمنا للقضايا العربية ينبع من مسألة التضامن العربي الأفريقي التي كانت  تشكل دائما ركيزة أساسية لسياسة غينيا . ولا يعتمد هذا الدعم على أي مكافآت مالية تدفع لنا من قبل العرب .

لقد وقفنا من قبل  مع العرب لأننا اعتقدنا أنهم كانوا على حق ، وليس لأننا توقعنا منهم أي مكاسب مالية . ولا أدل على ذلك من قيام غينيا بقطع علاقاتها مع إسرائيل عام 1967 عندما بدأت الدولة الصهيونية عدوانها ضد العرب . فعلنا هذا على الفور ، دون التفكير في العواقب  المترتبة على هذا الاجراء ،مثل توقع الحصول على مساعدة مالية من الدول العربية الغنية بالنفط .  لقد قررنا قطع العلاقات مع إسرائيل حتى لو طلبت منا  الدول العربية ذاتها عدم القيام بذلك. أود أن أقول لأولئك الذين يحاججون بأننا نتعاون مع العرب من أجل المال: إننا شعب متدين، يؤمن بالله ، ولدينا شعور عميق بالكرامة والمسؤولية . نحن لسنا انتهازيين ولا متسولين بغض النظر عن كوننا فقراء"

 ومع ذلك فإن المتغير الأهم  في العلاقة مع أفريقيا  خلال حقبة السبعينيات من القرن الماضي هو الدعم المالي العربي والذي يتضح من تأسيس بعض المؤسسات التمويلية والتنموية مثل البنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا عام 1974، والصناديق العربية للمساعدات المالية والفنية المقدمة للدول الأفريقية.

لقد أصدرت القمة الأفروعربية الأولى  بالقاهرة أربعة وثائق مهمة هي:

1.    الاعلان السياسي والذي أكد على أهمية استناد التعاون على ميثاق كل من الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، وهو ما يعني مساندة كفاح الشعب الفلسطيني ومواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

2.    برنامج عمل التعاون العربي الأفريقي ولا سيما في المستويات القطاعية المختلفة.

3.    تنظيم وطريقة تحقيق التعاون العربي الأفريقي حيث تم الاتفاق على انشاء المجلس الوزاري المشترك والذي يعقد جلساته بشكل دوري كل 18 شهراً في حين يعقد مجلس رؤساء الدول اجتماعاته كل ثلاثة سنوات. بالاضافة إلى ذلك فقد تم تشكيل اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي، وهي مؤلفة من 24 عضوا نصفهم من أفريقيا والنصف الآخر من العالم العربي. وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها كل ستة أشهر لمتابعة تنفيذ قرارات التعاون العربي الأفريقي.

4.    قرار التعاون المالي والاقتصادي والذي ظل من الناحية الواقعية مجرد اعلان للنوايا من الجانب العربي بدعم الدول الأفريقية مالياً واقتصادياً.

ومع ذلك فقد باءت هذه الجهود بالفشل وضاعت على كل من العرب والأفارقة فرصة تاريخية لشراكة استراتيجية حقيقية. وربما يعزى ذلك لتغليب الاعتبارات السياسية وسيادة مفاهيم الابتزاز وعدم المساواة في الحوار التفاوضي بين طرفي العلاقة. وعلى سبيل المثال فقد كانت المساعدات العربية لأفريقيا مشروطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بمواقف الدول الأفريقية الداعمة للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

أضف إلى ذلك فإن قيام مصر بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 وتجميد عضويتها في الجامعة العربية قد أدى إلى غياب دورها المحوري الداعم لمسيرة العلاقات العربية  الأفريقية. ومن جهة ثالثة مثلت قضية الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر ومغامرات ليبيا العسكرية في تشاد حجر عثرة أخرى أمام دعم وتنفيذ خطة عمل التعاون العربي الأفريقي التي أقرتها القمة الأفروعربية الأولى.
ومن الواضح أن بداية الألفية الجديدة والتحولات الكبرى التي شهدتها منظمة الوحدة الأفريقية وتحولها إلى الاتحاد الأفريقي عام 2002  قد دفعت جميعها إلى اعادة الاعتبار مرة أخرى للتعاون العربي الأفريقي.

ربما ساعدت شخصية العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وتطلعه إلى ممارسة دور قيادي في أفريقيا إلى اتعقاد القمة الأفروعربية الثانية في سرت عام 2010. وقد أصدرت هذه القمة وثيقتين هامتين: الأولى بعنوان استراتيجية الشراكة العربية الأفريقية وهي تتألف من أربعة مجالات هي السلم والأمن، حوافز الاستثمار والتبادل التجاري، والأمن الغذائي والزراعي، والتعاون الثقافي والاجتماعي. وقد تم توضيح أبعاد هذه الاستراتيجية في الوثيقة الثانية التي أصدرها المؤتمر بعنوان " خطة العمل العربي الأفريقي المشترك 2011-2016" وهي تتضمن ثلاثين صفحة حول اجراءات محددة لتعزيز التعاون العربي الأفريقي.

الأفروعربية والعبور للمستقبل:

ان القراءة الواعية لتحديات العلاقات العربية الأفريقية تظهر أهمية التوقف عند اعتبارات ثلاثة أساسية يترتب عليها امكانية تأسيس شراكة عربية أفريقية حقيقية، والعبور إلى المستقبل بحيث يصبح القرن الحادي والعشرين قرناً عربياً أفريقيا بامتياز.

العامل الأول: ويتمثل في المقايضة السياسية حيث بنيت العلاقة في معظم فتراتها بين العرب والافارقة على اساس أن مقابل الدعم المالي العربي هو توقع مساندة الأفارقة للقضايا العربية  في المحافل الدولية. ولا شك أن هذا الثمن السياسي لا يعبر عن ارادة حقيقية من الطرفين لاقامة شراكة استراتيجية تقوم على أساس التكافؤ والمساواة.

العامل الثاني: فإنه يتمثل في غياب التوازن أو ان شئت الدقة فقل المساواة في منظومة العلاقات العربية الأفريقية، وربما دفع ذلك إلى قيام الدول العربية بتبني المنظور الثنائي في علاقتها مع أفريقيا لضمان تحقيق مصالحها الوطنية بما يعني الابتعاد عن الاطار المؤسسي للتعاون والذي انتجته القمة الأفروعربية الأولى عام 1977.

العامل الثالث: يتمثل في تدخل الأطراف الدولية لتعطيل مسيرة التعاون العربي الأفريقي، فبالاضافة إلى القوى الاستعمارية التقليدية مثل بريطاميا وفرنسا، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحادي من سبتمبر لتحمل شعار محاربة الارهاب في أفريقيا، وهو ما يعني في جوهره تفجير مناطق وبؤر التوتر القلقة في العالمين العربي والأفريقي.

كما أن القوى الصاعدة مثل الصين والقوى الاقليمية التقليدية مثل تركيا واسرائيل وإيران تحاول من خلال سياساتها الأفريقية وأدوات قوتها الناعمة خلق مناطق نفوذ لها في المحيط الاستراتيجي العربي في أفريقيا، وهو ما يمثل تحدياً مهماً أمام تنفيذ خطة التعاون العربي الأفريقي، ويمكن في هذا السياق أن نشير الى خطورة  الدور الصيني وتوفيره للدعم والتمويل اللازم في منطقة حوض النيل بما يتعارض والمصالح المائية المصرية.

كما أن وجود دولة مثل ايران قد يعني تمزيق الكتلة الاسلامية في أفريقيا من خلال اثارة النزعات الدينية الطائفية. والملاحظ أن البعد الاسلامي مثل دائماً أحد محفزات التعاون العربي الأفريقي.
يقول على مزروعي:" إن  تاريخ العرب في أفريقيا ينطوي على عدد من التناقضات. فقد كان العرب فاتحين ومحررين على حد سواء ، كما شاركوا في تجارة الرقيق وبشروا بأفكار جديدة. كما حمل العرب معهم الاسلام والتجارة. وفي واقع الأمر فقد ارتبط الاسلام بحركة التجارة في معظم فترات التاريخ الحديث لأفريقيا شمال نهر الزامبيزي. ولايخفى أن قوافل التجار المسلمين في شمال وغرب أفريقيا ترجع الى مئات السنين. وفي  شرق أفريقيا جاء التجار عبر قرون عديدة أيضا من خليج عمان وجنوب شبه الجزيرة العربية حيث قاموا بدور بارز في نشر الثقافة والمعرفة. وعليه لم يكن انتشار الاسلام في أفريقيا نتيجة عمل تبشيري منظم بقدر ما كان نتاج حركة التجارة والفتح". ومع ذلك فقد أضحى العامل الاسلامي اليوم دافعا للانقسام والتناحر كما تعبر عن ذلك خبرة بوكوحرام في نيجيريا والشباب المجاهدين في الصومال والسلفية الجهادية في شمال مالي.

ما العمل إذاً؟

أحسب أن قمة الكويت الأفروعربية الثالثة يمكن أن تمثل نقطة تحول فارقة من أجل تحقيق الهدف الذي يجسده عنوانها: شركاء في التنمية والاستثمار. فالشراكة العربية الأفريقية يمكن لها أن تقوم على أسس ومحاور جديدة تعكس المصالح المشتركة للشعوب العربية والأفريقية وذلك في المجالات الستة الآتية: السلام والأمن، والأمن الغذائي، والتجارة والاستثمار،وتنمية القطاع الخاص،و تنمية البنية الأساسية، وتعزيز دور المرأة في التنمية. على أن تحقيق هذه الانطلاقة يرتبط بتبني ثلاثة مداخل أساسية:

 أولها المدخل الثقافي والاعلامي بهدف تجاوز الحساسيات التاريخية والتي تجسدها الصور الذهنية والأنماط الجامدة السلبية السائدة بين العرب والأفارقة. لابد من تجاوز اشكالية الهوية التي وقفت حائلاً أمام الشراكة المتساوية بين الطرفين، فمناطق مثل دارفور وشمال مالي، وموريتانيا تعكس انقساماً في الهوية بين العرب والأفارقة والذي كرسته المواريث الاستعمارية والسياسات الوطنية الخاطئة. اننا بحاجة إلى تبني منظور جديد يركز على أهمية الاستفادة من الخبرات المشتركة للشعوب العربية والأفريقية على قدم المساواة. فالأفروعربية الثقافية التي جسدتها الهجرات العربية الأفريقية وعلاقات الدم والزواج والمصاهرة تمثل مدخلاً مهماً لمحو آثار الماضي والانطلاق نحو المستقبل.

 أما المدخل الثاني فإنه اقتصادي تنموي يركز على منظور المنافع المشتركة، وهو ما يشير إلى اقامة شراكة حقيقية في اطار تنمية دول الجنوب والاعتماد الجماعي على الذات. ولعل مشروع ربط اليمن بجيبوتي عن طريق اقامة جسر يربط بين جانبي مضيق باب المندب يمثل خطوة مهمة في اعادة اللحمة العضوية بين شبه الجزيرة العربية والساحل الشرقي لأفريقيا. ومن المفيد الاشارة إلى أهمية هذا المنظور التنموي في تجاوز كثير من الأزمات التي تعترض العلاقات العربية الأفريقية مثل الصومال والسودان ومسالة مياه النيل.

ويشير المدخل الثالث إلى الجانب الأمني .فثمة تهديدات مشتركة نابعة من الصراعات المسلحة وعمليات التهريب عبر الحدود وقضايا التطرف الديني  وهو ما يفرض ضرورة التعاون الأمني بين العرب والأفارقة لمواجهة هذه التحديات الخطيرة. ولعل نجاح أفريقيا في صياغة منظور أمني جديد منذ عام 2002 يمثل خطوة مهمة للاستفادة منها في اصلاح منظومة الأمن الجماعي القائمة في النظام الاقليمي العربي.

وأيا كان الأمر فإن نجاح قمة الكويت في تأسيس شراكة استراتيجية جديدة بين العرب والأفارقة رهن بمدى نجاحها في عدم تسييس العلاقة بين الطرفين وتدشين حوار استراتيجي جديد يناقش كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك على قدم المساواة. ولعل ذلك كله يفرض علينا ضرورة تبني شعار " التوجه جنوباً" نحو أفريقيا للانطلاق معاً نحو آفاق جديدة للنهضة والرقي. فهل نتعلم من أخطاء الماضي ونواجه تحديات الحاضر لتحقيق حلم الأفروعربية مرة أخرى؟
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)