آخر الأخبار
 - تدفقت الأسئلة- أثناء لقاء مع دبلوماسي أوربي- حول الرجل القادم في مصر على محدثيه المصريين: "من يحكم مصر الآن

السبت, 02-نوفمبر-2013 - 09:10:30
مركزالاعلام التقدمي- وكالات -
تدفقت الأسئلة- أثناء لقاء مع دبلوماسي أوربي- حول الرجل القادم في مصر على محدثيه المصريين: "من يحكم مصر الآن؟" و"إلى أين هي ذاهبة؟" و" من هو رجلها القادم؟، وبجملة مقتضبة أقرب إلى الجزم السياسي أجاب بنفسه على أسئلته: "اعتقد أنه هو"، لم يكن الدبلوماسي الأوروبي، وبلاده مطلعة على الملف المصري وكواليسه، وهو يسأل ويجيب، مقتنعا أن أحدا غيره يملك مفاتيح السلطة في مصر، أو يدير ملفاتها الحساسة، وبدا متأكدا أن رجلها القوي هو رئيسها القادم.
الإشارة الدبلوماسية الأوروبية في توقيتها وسياقها انطوت على تهيؤ ما لانتقال الفريق أول"عبدالفتاح السيسي" من "كوبري القبة" حيث وزارة الدفاع إلى "الاتحادية" حيث رئاسة الجمهورية، حيث يبدو "السيسي"  رجل اللحظة المصرية القلقة على مستقبلها، ورغم أنه لا يتحمل مسئولية تنفيذية في بنية الدولة تتجاوز مهامه كوزير دفاع، أو أدواره في حفظ الأمن الداخلي والإشراف على ملفاته، إلا أن السلطة التنفيذية بمعناها الواسع، التي تشمل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والبيروقراطية، تدين له بالولاء وتنظر إليه باعتباره الرجل القوي في البلاد والقادم إلى رئاستها.

مع ذلك فإن التوقعات لا تمضي بصورة سلسة في سيناريو تتلاحق حلقاته واحدة إثر أخرى إلى نهاياتها الافتراضية، فترشحه تزكيه شعبيته لدى قطاعات واسعة في الرأي العام المصري وعدم ترشحه تقتضيه اعتبارات أخرى.
في الترشح مشكلة وفي عدم الترشح مشكلة أخرى أكبر وأفدح.
(1)

دعته الأحداث بتعقيداتها إلى صدارة المشهد وآلت إليه بإزاحة الرئيس السابق "محمد مرسي" مقادير السلطة، غير أن صعوده الرئاسي تحوطه تحديات أقرب إلى ألغام، وجد نفسه أمام خيارات صعبة قبل حسم سؤال السلطة في(٣) يوليو.

فتدخل الجيش قد يضفي على تحركاته الصفة "الانقلابية"، وهذه مشكلة كبرى يدرك الفريق السيسي أكثر من غيره تعقيداتها وأخطارها، فله اطلاعه المزدوج علي الوضعين "الداخلي" وأسراره من موقعه السابق كمدير للمخابرات الحربية و"الدولي" واعتباراته من موقعه كوزير للدفاع تحاوره قيادات "البنتاجون" والوفود الأمريكية والأوروبية التي كانت تزور القاهرة بصورة منتظمة، والوضع الداخلي يغلي بتفاعلاته ويكاد ينزلق إلى احتراب أهلي مؤكد والوضع الدولي يتحالف مع الجماعة ويراهن على أدوارها في المنطقة، أو بتعبير آخر الداخلي يستدعي جيشه للتدخل والدولي يؤكد على عدم التدخل.
لم يكن هناك مفر من إطاحة "مرسي" هو وجماعته، فالبديل: الدخول إلى احتراب أهلي طويل ومهلك، والتأخر في الانحياز إلى الإرادة الشعبية التي تجلت في (٣٠) يونيو بعشرات ملايينها يفضي إلي أن تكون المؤسسة العسكرية نفسها جزءا من الفوضى وطرفا فيها لا مدخلا إلي مستقبل يحفظ البلد ويصونها.

حاول أن يقنع الرئيس السابق "محمد مرسي" مرة بعد أخري أن يجري استفتاء عاما يتقرر بعده ما إذا كانت هناك انتخابات رئاسية مبكرة أم لا، والرئيس السابق وافق ثم خالف ما اتفق عليه بضغط مضاد من مكتب الإرشاد ورجله القوي "خيرت الشاطر".

حسم سؤال السلطة اضطرارياحتي لا تفلت التفاعلات إلى احتراب أهلي هددت به الجماعة في خطابها المعلن قبل (٣٠) يونيو

ووصل التهديد إلى ذروته على لسان الرئيس السابق في اخر خطاباته قبل إطاحته، "الشاطر" نفسه لوح أمامه بالاحتراب الأهلي، الذي لا يمكن السيطرة عليه، في اجتماع ضمهما قبل خطاب "مرسي" الأخير بحضور رئيس مجلس الشعب السابق "سعد الكتاتني".
(2)

سؤال السلطة طرح نفسه من جديد بصيغ مختلفة بعد عزل "مرسي" والاصطدام بجماعته، لم تكن خريطة الطريق التي أعلنها في (٣) يوليو بحضور شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المصرية ورموز شبابية وسياسية من بينها حزب "النور" السلفي الحليف الاستراتيجي السابق لجماعة الإخوان المسلمين كافية بذاتها لحسم السؤال، وأفضت التصادمات وأزماتها التي توالت في الشوارع إلى طرح سؤال الرئاسة مبكرا قبل مواقيتها المنصوص عليها في نهاية خريطة الطريق بعد استحقاقي الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات النيابية، للقلق أسبابه في طلب الأمن والاستقرار واستدعاء ترشيح "عبدالفتاح السيسي" لرئاسة الدولة.

في البداية أعلن السيسي رفضه الفكرة كلها واستولت عليه فكرة أن يحفظ التاريخ صورته كـ "منقذ لا رئيس"، أو الرجل الذي أنقذ بلاده من احتراب أهلي ودولته من انهيار أمنها القومي، وأعاد تصحيح مسارها من جديد على خطى الدولة الديمقراطية الحديثة ولم يطلب رئاسة يمسك بمقاليدها عبر صناديق اقتراع نزيهة، ثم مانع في الضغوط التي تزايدت عليه وأعلن رفضه الترشح للرئاسة مرة بعد أخرى بأقوال معلنة من بينها أن "شرف تنفيذ إرادة الشعب أكبر من شرف حكم مصر".
بإلحاح السؤال وصلت إجاباته إلى شيء من الضجر: "لن اترشح حتى لو خرجت الملايين إلى الشوارع وسدتها لأسبوع". العبارة منسوبة إليه ومصادرها مطلعة، والمتحدث العسكري أكد المعنى مرارا وتكرارا، غير أن الأجواء بعدها اختلفت والأبواب المغلقة نزعت من عليها أقفالها وبدت مواربة لأول مرة أمام فكرة ترشحه الرئاسي بجملة أطلقها في حوار مع صحيفة "المصري اليوم": "الله غالب على أمره".

لنوازع البشر اعتباراتها وللحقائق كلمتها، والتعقيدات تثير أسئلتها بأكثر مما تجيب.

إذا ما ترشح للمنصب الرئاسي فهو الرئيس بلا منازع، والتوقعات تشير إلى حسمه الانتخابات الرئاسية من جولتها الأولى بنسب تتراوح ما بين (٧٠) و(٧٥) ٪، بينما يستحيل على غيره حسمها من الجولة نفسها إذا امتنع عن الترشح.

في هذه اللحظة يبدو الفريق أول عبد الفتاح السيسي هو الأكثر شعبية وحضورا في المشهد السياسي والمرشحون المحتملون الآخرون بخلفيات عسكرية أو من قوى مدنية أعلنوا واحدا تلو الآخر أنهم لن يترشحوا أمامه، وحزب "النور" السلفي تومئ تصريحاته باحتمالات دعمه لاعتبارات براجماتية في الرهان على الجواد الرابح، أملا في وراثة دور الإخوان المسلمين بقيادة التيار الإسلامي، والمرشحون الإسلاميون المحتملون أقرب إلى من يقطعون تذاكر سفر في قطار يعرفون مقدما أنه لن يصل بهم إلى محطته الأخيرة.
في خريطة التفاعلات تضاريس مختلفة، فالقطاعات الشعبية تثق فيه وتراهن عليه باعتباره ضمانة أمن واستقرار في دولة منهكة، والقوى السياسية تنتظر قراره الأخير لتحسم مواقفها.

هناك من هو مستعد أن يمنح تأييده بلا تحفظ ومن هو متأهب لطرح تساؤلات حول برامجه والتزاماته، وهناك من يعتبر منع ترشحه مسألة  "حياة أو موت" على ما تتصرف جماعة الإخوان المسلمين ومن يبدى قلقا من صعود شخصية عسكرية إلى السلطة متسائلا عن مستقبل الحريات العامة ومخاوف "عسكرة المجتمع". المخاوف بعضها يعود لرؤى أيديولوجية تنظر بتحفظ إلى دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، وبعضها الآخر يقدر الدور الوطني للمؤسسة العسكرية، ويقدر للرجل دوره غير أنه يفضل أن يظل وزيرا للدفاع وأن يتولى مدنيا رئاسة الدولة.

(3)

سؤال "السيسي" ومستقبله يكشف- بنصه وسياقه- طبيعة التحديات وما قد تذهب إليه من سيناريوهات.

في حالة صعوده إلى رئاسة الدولة المصرية فإن ثلاثة تحديات تعترضه منذ لحظاته الأولى:

أولها ـ التحدي الأمني: وسؤاله: كيف يستعيد الأمن دون أن تفقد الدولة طبيعتها المدنية؟

السؤال نفسه سوف يلاحق أي رئيس محتمل آخر، لكن في حالته هو بالذات فإن هناك من تراوده شكوكه أن رئيسا بخلفية عسكرية يتولى الملف الأمني حاليا سوف يلتزم بالقضية الأكثر جوهرية في ثورتي "يناير" و"يونيو" وهي التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

 للشكوك حثياتها، فالأمن له منطقة في استدعاء ما هو استثنائي لمواجهة أخطار العنف والإرهاب على سلامة المجتمع والسياسة لها متطلباتها لضمان تماسك الكتلة الرئيسية التي أطاحت الجماعة بالزخم والقوة التي كانت عليها. عند تصادم اعتبارات الأمن مع مقتضيات السياسة فإن اللعبة كلها قد تتغير معادلاتها وتوازناتها.

في اعتبارات الأمن فإن الحرب على الإرهاب مرشحة للتمدد لوقت إضافي في سيناء، والحرب بطبيعتها منهكة وتستنزف طاقات حيوية، لكن خوضها محتم ومن ضرورات حسمها الحفاظ على درجة عالية من التماسك المجتمعي في جبهتها الداخلية، وهناك خشية أن تتحول الاضطرابات السياسية مع الإخفاق الحكومي البادي إلى نقطة استقطاب للمهمشين اجتماعيا والمحبطين سياسيا.

صعود "السيسي" بحسابات أمنية مباشرة ضمانة استقرار لكن قد يفقد مبرراته وشعبيته معها لو لم ينجح في المزج ما بين الأمني والسياسي، وهذه مسألة برامج وتصورات لم يتسن له طرحها حتى الآن بطبيعة موقعه العسكري الحالي.

ثانيها ـ التحدي الاجتماعي: وسؤاله: مدى التزامه بقضية العدالة الاجتماعية التي تعد أحد المحركات الرئيسية لإزاحة رئيسين على التوالي.

بحسب معلومات موثوقة فإنه حسم زيادة الحد الأدنى للأجور إلى (١٢٠٠) جنيه في اجتماع لمجلس الوزراء بعدما كانت المجموعة الاقتصادية قررت قبله بأيام أن تقتصر زيادته إلى (٨٠٠) جنيها فقط، حسمه للقرار الحكومي بدا مزيجا بين ما هو أمني وما هو اجتماعي، لكن إلى أي حد سوف يمضي في خياراته الاجتماعية، فبعض الخيارات تناقض مصالح جماعات رجال أعمال تقف في صفه وتؤيد ترشيحه.

يدرك من موقعه حجم المشكلات الاقتصادية وأثر الانفلاتات الأمنية على سلامة الاقتصاد، وأن هناك إجراءات جراحية لا بد منها لإصلاح الاقتصاد واستعادة عافيته، لكن من سوف يدفع فواتيرها، هل ذات القوى الاجتماعية التي دفعت فواتير إصلاحات أخرى على عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك"، أم أن المعايير سوف تختلف هذه المرة وتطرح فكرة العدالة الاجتماعية بمتطلباتها على جدول الأعمال الرئاسي؟

ثالثها ـ التحدي السياسي: وسؤاله: كيف يمكن بناء كتلة سياسية تتوافر لها الشعبية كقاعدة سلطة جديدة دون أن تكون امتدادا بطرق ملتوية لما كان قبلها، أو أن تتناقض في أهدافها ووسائلها مع ثورتي يناير ويونيو. السؤال نفسه يعترض أي رئيس محتمل آخر بصياغات أخرى.

الإلحاح الشعبي على ترشيح "السيسي" للرئاسة تعبير صريح عن فراغ سياسي تتبدى حقائقه في المشهد المصري، فقد تصدع على نحو متزامن التياران الإسلامي والمدني، الجماعة على مشانق أخطائها التي أفضت إلى فجوات كراهية مع مجتمعها والإنقاذ على حافة عجزها أن توفر تصورات وتقود توافقات.
في مثل هذه الأجواء تذهب الرهانات للرجال لا البرامج، للصفات الشخصية قبل التصورات السياسية، لرمزية الجيش بديلا عن صراعات السياسيين.

المعضلة هنا أن الرجال لا يملأون الفضاء السياسي بمفردهم وغياب البرامج مشروع حساب مؤجل لبعض الوقت وليس للأبد.

(4)

سؤال الجيش في قلب تحديات وسيناريوهات الرجل القادم في مصر.

في اعتقاد وزير الدفاع الحالي "عبد الفتاح السيسي" أن أفضل ما ينسب للمشير "حسين طنطاوي"، رغم سوء إدارة المرحلة الانتقالية الأولى، أنه تمكن من الحفاظ على الجيش وتماسكه وإبعاد أشباح الخطر عن ثكناته في ظروف عاصفة.

 وبحسب معلومات موثوقة فإنه فكر أن يدرج في نص خطابه الذي ألقاه يوم (٣) يوليو إشارة تحية إلى المشير والمجلس العسكري الذي كان عضوا فيه لكنه استبعدها خشية خلط الصور وإرباك التصورات.

حافظ على العهد العسكري ذاته عندما أصبح وزيرا للدفاع على عهد "مرسي"، حاول بقدر ما يستطيع إعادة الجيش إلى مهامه الأصلية وتأكيد تماسكه وإبعاده عن المجال السياسي، لكنه وجد نفسه في وضع اضطراري عائدا من جديد للميادين المفتوحة في (٣) يوليو.

ما بعده في المؤسسة العسكرية يقلقه، فهي تحتاج إلى الحزم الضروري لإعادة الانضباط والقدرة علي تطييب الجراح في الوقت نفسه، لكن وجوده على رأسها بعد انتخاب رئيس جديد يثير حساسيات تتجاوز النوايا والرجال ما بين مؤسستي الرئاسة والجيش قد تفضي إلى إقالته من منصب وزير الدفاع في أحد السيناريوهات، إذا ما نص الدستور على ضرورة موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عند تعيين وزير دفاع جديد فهذا النص لا يحصن الوزير الحالي بقدر ما يضفي على المجلس الأعلى سلطة النقض في شأن من يليه على منصبه.

بالشعبية التي حازها وصورة "المنقذ" التي اكتسبها عند قطاعات غالبة في الرأي العام فمن غير المستبعد إطاحة الرئيس نفسه عن طريق البرلمان مدعوما من الشارع والجيش معا، وهو سيناريو لم يعد يحتمله بلد يعاني انهيارات في بنية الدولة والاقتصاد والأمن، ويتلمس طريقه بصعوبة لتأسيس قواعد لعبة سياسية جديدة.

هناك من يطلب عدم ترشحه حتى يكون وجوده على رأس الجيش رادعا لأى رئيس قادم من أن يستهتر بشعبه الفكرة بدلالاتها تنطوي على حقيبة متفجرات لمشروع تأسيس دولة مؤسسات حديثة، ويكمن في ظلالها مشروع صدام مع أي رئيس محتمل آخر، كما أن عدم ترشحه يفضى إلى ازدواج ولاءات في بنية النظام الجديد بين رئاسة الدولة ورئاسة الجيش أو دولة برأسين، وهذا مشروع صدام إضافي.

إن المسودة الحالية للدستور تنزع عن الرئيس أغلب صلاحياته، باستثناء الخارجية والأمنية، وتنظر إليه كمتهم افتراضي بعد رئاستين مأساويتين، لكن المسودة لم تستقر على صياغتها الأخيرة، وإذا ما عادت الصلاحيات الرئاسية إلى سابق عهدها فقد تكون تلك إشارة إلى أن "السيسي" حسم سؤال ترشحه، فالجو السياسي العام في لجنة الخمسين المخولة بالتعديلات الدستورية يميل إلى ترشيحه، وأن يتولى الرجل القوي في مصر رئاستها، ربما تؤشر الصياغة الأخيرة لمواد الجيش في الدستور إلى سيناريوهات الترشح، فإن لم يحصن منصب وزير الدفاع فهو الرئيس القادم باليقين.

على كل الأحوال فإن ترشحه من عدمه سوف يحسم فور الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فهناك إجراءات ضرورية تسبق ترشحه من بينها استقالته من وزارة الدفاع وتسجيل اسمه في قاعدة بيانات الناخبين.
بحسابات معقدة فإن الأسلم نسبيا أن يصعد الرجل القوي إلى قمة السلطة حتى تتسق الحقائق وأن يضمن من موقعه الرئاسي إبعاد الجيش عن السياسة والتدخل في شئونها، لكن ما هو نسبي لم تستقر حساباته على قرار أخير.
(5)

تجربته مع ثلاثة تحولات كبرى في عامين ونصف العام تدعوه لقراءة المشهد من زواياه المختلفة. هناك ما يدفع للترشح وما يمنع في الوقت نفسه وتجاربه ماثلة في ذاكرته.

هو الذي اقترح علي المشير "حسين طنطاوي" إعداد خطط احترازية تواجه احتمالات متوقعة لغضب شعبي جامح عند الشروع في انتقال السلطة من الرئيس الأسبق "حسني مبارك" إلى نجله الأصغر "جمال".

كانت هناك تكهنات قوية بأن "مبارك" قد يعلن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة وأن يفسح المجال لنجله في مايو (٢٠١١) للإعلان عن خوضه هذه الانتخابات، ووراثة أبيه على مقعده الجمهوري، لكن الحوادث سبقت خططه وجرت ثورة شعبية في يناير، وبعض ملامح خطته نفذت بتعديلات عليها لتتسق مع الأوضاع المستجدة. ثم وجد نفسه مرة ثانية في دوامات إطاحة المشير وخلافته على مقعده وبدا رجلا ممزقا بين اعتبارات تجديد دم المؤسسة العسكرية وولائه للمشير الذي تولى تصعيده إلى أعلى المراتب ووضع ثقته فيه كابن له.

في اليوم التالي لصعوده إلي منصب وزير الدفاع روى لي قصة لقائه مع نحو (١٢٠٠) ضابط في مسرح نادي الجلاء، رأى الدموع في عيونهم واستشعر ظنونا وشكوكا في حقيقة توجهاته، وكانت تلك لحظة حاسمة في تاريخه دعته تاليا إلى شيء من الانتقام لكبريائه العسكري، من أية مزاعم بأنه رجل الجماعة في الجيش ومن خلاياها النائمة.
هكذا وصل إلي التحول الثالث، لكنه هذه المرة كان الرجل الأول في اللعبة كلها، هو رجل استراتيجي بدراسته وتفكيره، وما يبدو عليه من عاطفية في خطاباته المقتضبة لا تعكس شخصيته وطرائق تفكيره، فالتحولات لا تتوقف والأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية يصعب الخروج من معضلاتها في أي وقت منظور، وإن لم يتمكن من الارتفاع إلى مستوى شعبيته فإنه قد يجد نفسه مأزوما وأزماته تسحب من رصيده الكبير.
(6)

في حالة عدم ترشح السيسي

إن لم يترشح فإن ثلاثة قيادات عسكرية سابقة تطمح في التقدم للمنصب الرئاسي: الفريق "أحمد شفيق" قائد سلاح الطيران الأسبق، والفريق "سامي عنان" رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق واللواء "مراد موافي" رئيس المخابرات العامة الأسبق.

الأول أحمد شفيق: مرشح رئاسي سابق نازع "مرسي" في جولة الحسم الثانية على المقعد الرئاسي، لكنه تحت الملاحقة القضائية ولم تحسم الاتهامات الموجهة إليه، وفي ترشحه مشروع اضطراب داخلي يعيد توزيع القوى السياسية مرة أخرى بصورة تدعو إلى تغيير تال في بنية السلطة على نحو متسارع، وهذا آخر ما تحتاجه مصر المنهكة.

الثاني سامي عنان: مشروع اضطراب من نوع آخر يفتح ملفات المجلس العسكري ومسئوليته في تسليم البلد للإخوان المسلمين، والأخطاء الفادحة التي ارتكبها في إدارة المرحلة الانتقالية والملفات الملغمة بالطريقة التي قد تفتح بها تفضي إلى إساءات للجيش، وهذا آخر ما يطلبه في ذروة شعبيته.

الثالث مراد موافي: مشروع طموح شخصي، من حقه بطبائع الأمور، لكنه لا يستند إلى تاريخ يزكيه عند الرأي العام.

في مخيلة الجنرالات الثلاثة، مع الإقرار الواجب بحقهم في الترشح الرئاسي، أن مصر تحتاج رئيسا بخلفية عسكرية، وإن لم يكن "السيسي" فإن عسكريا سابقا آخر لابد أن يشغل الموقع الرفيع، وهو افتراض لا يستند على حقائق، فالناس تطلب رجلا بعينه لمواصفات يعتقدونها فيه، لا تنسحب إلي غيره بمنطق البدلات العسكرية، و"السيسي" نفسه لن يدعم مرشحا عسكريا للرئاسة وتعقيدات علاقاته بالجنرالات الثلاثة لا تشجع، فضلا عن أن صعود جنرال جديد للرئاسة يدفعه لتدخل مباشر في شئون القوات المسلحة والصدام في هذه الحالة مستعجل ومبكر.
في الأغلب لن يكون هناك رئيسا بخلفية عسكرية ما لم يكن "السيسي" هو الرئيس، وقد ينصرف التفكير إلى استدعاء شخصية يفي دورها بالغرض الرئاسي وتخول الحكومة بالمهام الرئيسية من نمط الرئيس المؤقت الحالي المستشار "عدلي منصور"، واسمه نفسه مطروح في خلفية المشهد، رغم أن التقاليد الدستورية تقضي بامتناع الرؤساء المؤقتين من الترشح.

 قد ينصرف التفكير إلى استدعاء شخصية من خارج المشهد السياسي لها مقومات قبول عام ولا تنازع "السيسي" على مكانته وشعبيته، طرحت أسماء لمعت ثم انطفأت، وبشكل ما تأكد أنه من الصعب ظهور شخصيات مفاجئة من خارج السياق قادرة على حسم السباق الانتخابي، فأي اسم من خارج السياق يصعب عليه أن يصمد أمام مرشحين رئاسيين يتمتعون بحضور سياسي كبير مثل المرشح الرئاسي السابق "حمدين صباحي" الذي من المتوقع أن يحصد تأييدا شبابيا واسعا لحملته الانتخابية وتأييدا مماثلا من جبهة الإنقاذ وأحزابها، لكنه لا يريد أن يخوض انتخابات رئاسية جديدة دون أن يكون متأكدا أنه سوف يحصد نتائجها، ومعضلة "صباحي" أن دوره في يونيو والتمهيد لثورته أكبر بما لا يقاس من دوره في يناير وثورته، ومع ذلك فإنه كان الجواد الأسود فيما بعد يناير وحظوظه تراجعت فيما بعد يونيو.

الأجواء اختلفت وطلب الأمن غلب أسبابه في الصعود، يرفض الترشح في مواجهة "السيسي" دون أن يبت في موقفه الأخير بانتظار التحولات، عنده مشروع شراكة مع "السيسي"، مقدرا للرجل دوره ومعلنا أنه سوف يدعمه إذا ما خاض الانتخابات، لكن على أساس رؤى معلنة وبرامج معروفة. "شراكة رؤى لا شراكة مناصب" ـ على ما يصوغ موقفه.

المساران الكبيران في الانتخابات الرئاسية أن تجري وقائعها و"السيسي" مرشحا أو أن تجرى بمرشحين أقوياء آخرين. في المسار الأول فإن المعركة الانتخابية تتراجع فيها مقوماتها السياسية لصالح صورة الرجل القوي، وفي المسار الثاني فإنها تنفتح على منافسات حامية تدخل فيها تصورات وبرامج.

في المسارين التحديات تظل بذات صياغتها العامة والتداعيات مفتوحة على مستقبل يتلمس خطاه بصعوبة في بلد خرج مواطنوه مرتين لإزاحة رئيسين في عامين ونصف العام.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)