آخر الأخبار
 - " القوى الاقتصادية هي في الحقيقة قوى سياسية" إدوارد كار..
يستحيل نظريا وعمليا تقديم صورة أو وضع سيناريوهات مستقبلية للاقتصاد المصري

الخميس, 26-سبتمبر-2013 - 10:49:51
مركزالاعلام التقدمي- وكالات -
 " القوى الاقتصادية هي في الحقيقة قوى سياسية" إدوارد كار..
يستحيل نظريا وعمليا تقديم صورة أو وضع سيناريوهات مستقبلية للاقتصاد المصري في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة؟ وذلك لأن هناك  علاقة جدلية واضحة يعترف بها الجميع بين الحقلين السياسي من ناحية والاقتصادي/ الاجتماعي من ناحية أخري، ويبقى أنه لا بد مع كل لحظة في الممارسة العملية من تحديد القول الفصل حول اتجاه هذه العلاقة.[1]

وفي كل الأحوال فإنه كما يقول المؤرخ البريطاني "إدوارد كار" فإن "القوى الاقتصادية تعد في الحقيقة قوى سياسية، فعلم الاقتصاد "يمكن التعامل معه إما على أنه عبارة عن ملحق دراسي ثانوي لعلم التاريخ، أو على أنه علم مستقل يمكن على ضوئه تأويل أي تاريخ". وقد ثبت في الحقيقة خطأ "نظرية الدولة الليبرالية في القرن التاسع عشر التي افترضت ضمنيا تواجد نظامين منفصلين جنبا إلى جنب" ، أي تحديدا المجال "السياسي" للحكومة والمجال "الاقتصادي" للمشروعات الخاصة".

حيث إن "وهم الفصل بين علم السياسة وعلم الاقتصاد... قد كف عن التطابق مع أي وجه من أوجه الواقع الحالي".[2]
ولأننا كما يقول كار أيضا "نرى الماضي، ونحقق فهمنا للماضي، فقط من خلال عيون الحاضر[3].

يمكننا القول إن التطورات التي شهدتها مصر منذ اندلاع الثورة قبل عامين تبين على نحو دقيق كيف كان للواقع السياسي وتطوراته أثر كبير على مسيرة الاقتصاد المصري المتعثرة خلال أكثر من عامين ونصف مضيا. كما يمكن النظر أيضا للحاضر كتاريخ سيتم النظر له في المستقبل في ضوء ما يطرأ  من وقائع وتطورات.
فالواقع أنه منذ اندلاع الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير أشار العديد من الاقتصاديين إلى أن القضية الأساسية الحاكمة في مصر ليست القضية الاقتصادية على أهمية المشكلات الاقتصادية وتنوعها وتعقيدها، وإنما القضية الحاكمة تكمن في عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وهو ما يحول دون الإقدام على المعالجة الجدية للمشكلات الاقتصادية. ففي ظل عدم  الاستقرار السياسي والانفلات الأمني يصعب تحقيق تحسن اقتصادي ملموس، وخاصة مع الاعتماد التقليدي المكثف للاقتصاد المصري على العالم الخارجي، سواء في التجارة أو الاستثمار أو السياحة.

لكننا نرى أن أي تفكير في وجود مخرج اقتصادي فني سهل ومريح يمكن بناء عليه رسم صورة للمستقبل هو أمر يمكن وصفه -مع افتراض توافر حسن النية- بأنه يدخل في باب خداع الذات الذي يمارسه بعض الهواة الذين يكتبون في الشأن الاقتصادي المصري، والغريب أن هذا يحدث في وقت يقود فيه الحكومة رجل يصرح بكل وضوح أنه "لا وجود لسياسة اقتصادية إذا كان الوضع الأمني مختلا"[4].
العودة للبديهيات.. الندرة والسياسة الاقتصادية:

من الناحية الاقتصادية، وليس السياسية، يبدو أنه بات من الضروري إعادة التأكيد على عدد من البديهيات الأولية الاقتصادية حتى يمكن وضع القضية على أرضية واضحة للحل في ظل أي حكم يسعى لتحقيق الاستقرار في مصر.

البديهية الأولى: وأهم هذه البديهيات هي أن مشكلة علم الاقتصاد هي مشكلة الندرة، أي أن المشكلة تتلخص كما يقول أي كتاب مدرسي في علم الاقتصاد في تعدد الحاجات ومحدودية الموارد.

ولذلك تعد قضية تخصيص الموارد القضية المحورية بالنسبة لأي فرد ولكل مجتمع على السواء، ويرتبط بتخصيص الموارد ليس فقط بحث كم من الموارد المتاحة يتم توجيهه لمشروع أو لقطاع بعينه بالنسبة للمجتمع، بل يبحث في ذات اللحظة التضحية التي تمت بضياع فرصة تخصيص نفس تلك الموارد لمشروع أو قطاع آخر، كما أن قضية وجود حلول اقتصادية سهلة ويسيره وتحقق مطالب الجميع في نفس الوقت دون أن تلقي أية أعباء، يعد من قبيل حكايات "الجني الطيب".

البديهية الثانية: فليست هناك حلول مجانية، وهو ما يشكل جوهر البديهة الثانية التي تقول أن أية سياسة اقتصادية تتضمن بالضرورة انحيازات اجتماعية بشكل أو آخر، إذ هناك دائما عدم تناظر بين تلك الفئات المستفيدة وتلك التي يصيبها ولو بعض الضرر من تطبيق أي سياسة اقتصادية.

البديهية الثالثة: كل ما سبق لا يعني أن يمتنع عن كل تفكير في المستقبل، إذ يعد ذلك أيضا أمرا خاطئا، حيث ينبغي أن يظل مطروحا على ساحة تفكير كافة القوى السياسية والاجتماعية طبيعة البدائل المتاحة للخروج من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها المصريين. فقط ينبغي أن يتم هذا التفكير مع الحذر الشديد، وفي ضوء دراسة لتكوين التحالف الاجتماعي/ السياسي الممكن والذي من المحتمل أن تؤول إليه مقاعد الحكم مع تحقق الاستقرار النسبي في الأوضاع السياسية وتوافر درجة معقولة من الشعور بالأمن.

مشكلات مصر وإستراتيجية للتجاوز:

تتصف المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها مصر، وخاصة بعد الثورة في يناير 2013، بالتعدد والتنوع والتعقيد.

إذ انخفضت معدلات النمو الاقتصادي لتكون في حدود 2% منذ يناير 2013 وحتى وقتنا الراهن، وهو معدل يقل عن معدل نمو السكان، بما يعني تدهور في متوسط مستويات المعيشة، وهو بالطبع تدهور أسرع وأعمق لدى الفقراء ومحدودي الدخل.
 كما تضاعفت نتيجة لهذا الضعف في النمو مشكلات أخرى مثل الارتفاع الكبير في معدلات البطالة، هذا إضافة إلى تحقق عجز كبير ومستمر في الموازنة العامة للدولة،  وتسجيل عجز كبير في ميزان المدفوعات، وما ترتب على ذلك من استنزاف لاحتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي والتدهور في قيمة الجنيه المصري.

 إلى جانب ذلك فقد تم نزوح الاستثمارات الأجنبية للخارج، خاصة الاستثمارات غير المباشرة المستثمرة في حافظة الأوراق المالية، والتراجع الكبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتدهور الشديد في الإيرادات التي يحققها قطاع السياحة مع تخوف السائحين الأجانب من القدوم إلى مصر.
هذا إلى جانب بعض أزمات "الإمداد والتموين" كعدم التوفر الكافي للوقود، والتدهور في بعض الخدمات الأساسية مثل الانقطاع المتكرر للكهرباء وعدم انتظام خدمات قطاع النقل خاصة النقل بالسكك الحديدية، وهو ما انعكس سلبا أيضا على مستوى الإنتاج ومستوى إنتاجية العاملين.[5] 

وربما كانت مشكلتا البطالة والفقر من أخطر المشكلات الاقتصادية/ الاجتماعية التي تعد في أمس الحاجة إلى معالجة واضحة وفعالة لأن لهما انعكاساتهما الواضحة بشكل مباشر على مدى قدرة أي نظام أو تحالف سياسي/ اجتماعي على تحقيق استقرار سريع نسبيا في الأوضاع السياسية وتوفير الأمن.
البطالة في مصر: المظاهر والأسباب

وفقا للنتائج المعلنة لمسح للقوى العاملة بالعينة (وهو مسح دوري يتم كل ثلاثة أشهر) الذي قام به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغ معدل البطالة في مصر في نهاية مارس 2013 نحو 13.2% من حجم القوى العاملة، حيث بلغ عدد العاطلين نحو 3.6 مليون عاطل من قوة عمل بلغ تعددها نحو 27.2 مليون فرد، هذا بينما كان معدل البطالة في نهاية مارس 2010 يبلغ 9.1%، حيث كان عدد العاطلين يبلغ نحو 2.4 مليون عاطل.

أي أن عدد العاطلين قد زاد بنسبة 50% وبمقدار 1.2 مليون شخص خلال ثلاثة أعوام فقط مما رفع نسبة البطالة بنحو 4.1% خلال نفس الفترة.
وعموما تتميز البطالة المصرية بعدة سمات رئيسية هي:

•أنها بطالة تتركز بين الشباب، حيث تبلغ نسبة المتعطلين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15-29 سنة) حوالي 82% من إجمالي العاطلين، ويزيد تركيزها أكثر في الفئة العمرية (20-24 سنة) حيث تبلغ نسبة البطالة بينهم 42.3% وهو ما يرتبط بالسمة الثانية من سمات البطالة المصرية.

•أنها بطالة متعلمين بشكل رئيسي حيث بلغت نسبة المتعطلين من حملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها حوالي 70.7% من إجمالي عدد المتعطلين.

•أنها بطالة تزيد بين الإناث بمعدلات كبيرة مقارنة بالذكور حيث بلغت نسبة البطالة بين الإناث 25%، بينما بلغت بطالة الذكور 9.7%.

 والواقع أن مشكلة البطالة مزمنة وتزايدت بشكل مستمر على مر الزمن، حيث تعد معدلات النمو الديموجرافي مسئولة إلى حد ما عن الزيادة في عرض العمل عن الطلب عليه. فخلال العقد الممتد بين 1988-1998 على سبيل المثال ارتفع عدد القوة العاملة بنحو 523 ألف فرد في المتوسط سنويا، بينما وفقا للإحصاءات الرسمية لم تزد فرص العمل المتاحة عن 435 ألف فرصة في المتوسط سنويا، وهو ما ترك عجزا يبلغ نحو 88 ألف شخص عاطلين عن العمل في المتوسط سنويا.

أما خلال السنوات الأخيرة فنجد أن هناك انخفاضا غير مبرر حدث في الإضافة السنوية لقوة العمل، وهو ما يبدو من زيادة قوة العمل بمقدار 356 ألف فرد فقط في العام الممتد من مارس 2012 إلى مارس 2013 أو بنسبة 1.3% بينما كانت النسبة الطبيعية المقدرة بناء على معدلات النمو الديموجرافي تشير إلى زيادة سنوية في قوة العمل تبلغ 2.6% أي ضعف ما هو مذكور في مسح القوة العاملة بالعينة. ويعني معدل 2.6% أن عدد الداخلين لسوق العمل سنويا من المنطقي أن يزيد على 700 ألف شخص سنويا.

وحتى وفقا للبيان الذي يقدمه مسح القوة العاملة بالعينة نجد أن الاقتصاد لم يستطع سوى توفير نحو 157 ألف فرصة عمل خلال العام الأخير (الربع الأول 2012-الربع الأول 2013)، بينما أضيف لمخزون البطالة القائم نحو 200 ألف عاطل خلال هذه الفترة، وذلك وفقا لمسح القوة العاملة[6].
وارتفاع معدلات البطالة بهذه النسب يعود، كما سبق التنويه، إلى انخفاض معدلات النمو مع تدهور النمو في مستوى النشاط الاقتصادي إثر ميل معدل الاستثمار للانخفاض خاصة بعد اندلاع الثورة المصرية في عام 2011، فقد أشار تقرير البنك المركزي[7] إلى تراجع معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى 1.8% فقط خلال العام المالي 2010/2011 مقابل معدل نمو حقيقي بلغ 5.1% في العام المالي 2009/2010.

ويعود هذا التدهور الشديد في معدل النمو الاقتصادي إلى الأحداث والتطورات التي رافقت ثورة 25 يناير 2011، مما أدى إلى تحقيق معدل نمو سالب بلغ 4.2% خلال الربع الثالث من العام المالي (يناير/مارس 2011)، وتبعا لذلك فقد ارتفع معدل البطالة وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ليبلغ 11.8% في نهاية يونيو 2011.
وبينما شهدت الأوضاع الاقتصادية تحسنا طفيفا خلال العام المالي التالي 2011/2012 حيث ارتفع معدل النمو قليلا، فقد بلغ معدل النمو الحقيقي نحو 2.2%[8]، لكن  يظل هذا المعدل أقل بكثير مما هو مطلوب لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل ناهيك عن تخفيض رصيد البطالة القائم، ولذا ارتفع معدل البطالة من 11.8% في يونيو 2011 ليبلغ 12.6% في يونيو 2012.
ومع استمرار معدل النمو الاقتصادي الحقيقي منخفضا خلال العام المالي الأخير 2012/2013 حيث يقدر أن يبلغ  2.2% فقد استمر معدل البطالة في الارتفاع ليبلغ 13% في نهاية عام 2012 ثم 13.2% في نهاية مارس 2013، وربما يكون المعدل قد بلغ قرابة 13.5% عند نهاية العام المالي في يونيو 2013 عند نهاية حكم محمد مرسي والإخوان المسلمين.

ولكي يتم توظيف جميع القادمين الجدد لسوق العمل الذين يزيد عددهم على 700 ألف فرد سنويا فلا بد من تحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي يدور حول 7% سنويا، وهو ما يقتضي بدوره استثمارات تتراوح ما بين 25%-28% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

أي أنه بناء على مستوى من الناتج بلغ نحو 244 مليار دولار في عام 2011/2012 كان يجب أن تتراوح قيمة الاستثمارات ما بين 61 و68 مليار دولار، وتزيد سنويا بنسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك فقط كي يتم استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل ودون الوضع في الاعتبار معالجة الرصيد القائم الآن من العاطلين، والذي بلغ نحو 3.6 مليون فرد في نهاية شهر مارس 2013 كما أسلفنا الذكر.

 بينما نجد من الناحية الواقعية أن معدل الاستثمار خلال العام المالي 2011/ 2012 بلغ 49.7 مليار دولار (نحو 20.4% فقط من الناتج)، وتم تحقيق معدل نمو حقيقي بلغ 2.2%، حيث طرحت 262 ألف فرصة عمل فقط، في الوقت الذي بلغت فيه الزيادة في قوة العمل خلال هذا العام 549 ألف فرد، وهو ما يعني أنه تم إضافة 287 ألف متعطل لرصيد البطالة القائم عند نهاية يونيو 2012.

ب- معالم الفقر في مصر

طبقا لمسح الدخل والإنفاق والاستهلاك الذي قام به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهو المسح الذي تم خلال عام 2010/2011 (أي أنه لم يأخذ في الاعتبار كامل الآثار الاقتصادية السلبية فيما بعد الثورة)، تمثلت أهم معالم الفقر في مصر في الآتي:

•نحو 25.2% من السكان يعيشون تحت خط الفقر القومي، وتبلغ نسبة من يعيشون في فقر مدقع نحو 4.8% من السكان وذلك في عام 2010/2011، ويحدد خط الفقر القومي على أنه من يقل مستوى إنفاقه عن 256 جنيه للفرد في الشهر أي أقل بقليل من دولار ونصف الدولار في اليوم بأسعار صرف عام 2010/2011 وهو في الحقيقة هنا أقرب لخط الفقر المدقع الذي يتبناه البنك الدولي، والذي يحدد الفقير المدقع باعتباره الشخص الذي يقل مستوى إنفاقه عن 1.25 دولار للفرد في اليوم، بينما نجد أن خط الفقر المدقع في مصر محدد بمن يقل إنفاقه عن 172 جنيه في الشهر أي ما يقل عن الدولار في اليوم بأسعار عام 2010/2011، وهو هنا أقل من الخط المحدد عالميا.

•تحدد قيمة خط الفقر الأعلى عن مستوى إنفاق للفرد يبلغ 334 في الشهر وهو ما يبلغ 1.8 دولار في اليوم بينما يحدد هذا الخط على المستوى العالمي عند من يقل مستوى إنفاقه عن 2.5 دولار يوميا. ويقدر أنه إذا ما أخذ المستوى الأخير كمعيار لخط الفقر الأعلى بحيث يضم الفقراء فقرا مدقعا والفقراء عند خط الفقر القومي وكذلك القريبين من الفقر الذي يقعون ما بين خط الفقر القومي وخط الفقر الأعلى ستصل نسبتهم في تعداد السكان إلى نحو 42%.

•أن الفقر يتركز جغرافيا حيث تكون معدلات الفقر أوسع بين سكان محافظات الوجه القبلي. حيث تصل نسبة الفقر (محددا عند خط الفقر القومي) إلى أعلى مستوياتها في محافظة أسيوط حيث بلغت 69%. تليها محافظة سوهاج حيث تبلغ نسبة الفقراء بها نحو 59%، ثم أسوان 54%، فمحافظة قنا 51%، والفيوم 41% ثم الأقصر 39%وبني سويف 38% وأخيرا المنيا 32%.

ومن الواضح أن هذه المعالم الرئيسية للفقر، بما في ذلك تركزه الجغرافي، تعود بشكل رئيسي إلى عدم كفاية جهود التنمية وضآلة فرص العمل المتاحة خاصة في محافظات الوجه القبلي، وكما سبق الذكر فنحن بحاجة إلى استثمارات سنوية تقدر بنحو 25% في المتوسط على الأقل من قيمة الناتج المحلي الإجمالي حتى يمكن فقط استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل وعدم إضافة المزيد من العاطلين إلى رصيد البطالة أو زيادة أعداد الفقراء.

لا جدال أن البطالة تعد واحدة من العوامل الرئيسية وراء ارتفاع معدلات الفقر في مصر، حيث تقل الدخول نتيجة لعدم توفر العمل أي ما يطلق عليه الاقتصاديون الدورة الأولى لتوزيع الدخل، حيث يتم دراسة توزيع الدخل ما بين عوائد العمل وعوائد الملكية.
وبالطبع كلما ارتفع نصيب عوائد العمل كان ذلك مؤشرا على معدل أعلى للعدالة والمساواة في توزيع الدخل ومعدلات فقر أقل، كما يتم استهداف الفقر بشكل مباشر في مرحلة تالية من خلال الدورة الثانية لتوزيع الدخل أو عبر إعادة توزيع الدخل، حيث تتدخل الدولة بسياساتها وخاصة السياسة المالية بفرض الضرائب على الأغنياء وذلك لتمويل الإنفاق العام، وتحسين أحوال الفقراء. فمن بين أهم بنود الإنفاق العام الدعم المقدم لبعض السلع خاصة السلع التموينية التي تحسن من الاستهلاك الغذائي للفقراء، ثم الانفاق على الخدمات العامة خاصة تلك المتعلقة بتكوين رأس المال البشري كقطاعات التعليم والصحة أو بعض الخدمات الأخرى كالنقل والإسكان.

يمثل المركب السابق الإشارة إليه من السمات العمرية والجغرافية للبطالة والفقر قنبلة موقوته في وجه أي تحالف حاكم في مصر لا يحاول قصارى جهده لنزع فتيل هذه القنبلة على نحو تدريجي ولكن سريع نسبيا.
فمن الملحوظ تفشي حالة من الإحباط منذ قيام الثورة في 25 يناير سنة 2011 من عدم كفاية أو ملاءمة ما يتم وضعه من خطط للوفاء بهدفي محاربة البطالة وتحسين أحوال الفقراء.

نذكر أن البرنامج الرئاسي على سبيل المثال لمرشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي كان يحدد هدف "خفض معدلات البطالة إلى أقل من 7% بحلول عام 2016" أي عند نهاية الفترة الرئاسية"، بينما نجد أن وزير التخطيط أشرف العربي في حكومة هشام قنديل (وهو وزير التخطيط الحالي أيضا) صرح في 27 سبتمبر الماضي (أي بعد نحو نحو ثلاثة أشهر فقط من حلف محمد مرسي لليمين وتوليه حكم البلاد) بأن "الحكومة تهدف إلى تقليل معدل البطالة إلى 9.5% بحلول عام 2017 والهدف النهائي هو الوصول بهذا المعدل إلى 6 % عام 2022. هذا طبعا ناهيك عن أن معدل البطالة ارتفع ليبلغ ما يقرب من 13.5% عند نهاية السنة الأولى من حكم الرئيس مرسي والذي ترافق تقريبا مع موعد عزله عن الحكم، بدلا من أن يتجه هذا المعدل نحو الانخفاض حسبما وعد البرنامج.
وهنا تأتي أهمية ما ذكرناه حول طبيعة التحالف السياسي/ الاجتماعي الذي سيقود البلاد في الفترة القادمة خاصة بعد إجراء الانتخابات النيابية في أوائل العام القادم. فسوف يكون مطلوبا في كافة الأحوال التوصل إلى عدد من التوازنات الأساسية فيما بين عدد من الأهداف المتعارضة، فهناك معضلة التعارض بين السياسات التقشفية اللازمة لتخفيض عجز الموازنة من ناحية وبين السياسات التوسعية اللازمة لحل مشكلة البطالة وخلق فرص العمل من ناحية أخرى[9].

كما أن "علاج العجز لا يكون بترشيد الإنفاق فقط، وإنما بزيادة الإيرادات العامة وفي مقدمتها الضرائب، ولاسيما الضرائب المباشرة، ونظرا لضعف الانفاق الاستثماري في الموازنة فإن الحل كما يرى البعض هو تشجيع القطاع الخاص على مزيد من الاستثمار، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها، وهنا تبرز معضلة أخرى، إذ أن الأخذ بنظام الضرائب التصاعدية الذي يحقق قدرا من العدالة في توزيع الدخول، لا يقدم حافزا للمستثمرين المحليين والأجانب للاستثمار على نطاق واسع إلا في إطار رؤية استراتيجية واضحة".[10]

وعموما فإن الوصول إلى تحديد ما يسميه الاقتصاديون بدالة التفضيل الاجتماعي (أو العقد الاجتماعي إذا شئت) ليس أمرا فنيا، بل هو جزء لا يتجزأ من طبيعة التحالف الذي سيمسك بالسلطة. وبالتالي فسوف يكون معبرا عن هذه الدالة في البرنامج الذي يسعى هذا التحالف لتنفيذه حيث ينبغي أن يلبي مطالب الأغلبية التي صعدت به إلى مواقع الحكم، ومع عدم الإخلال في الوقت ذاته بالتوازن في المصالح بين مكونات هذا التحالف. أي تجسيد "الوعد الثوري بتحقيق مستقبل أفضل للجميع" حسب تعبير د. محمد العريان[11].

الاقتصاد وحكومة الببلاوي:

ويمكن الإشارة إلى ما قدمه د. حازم الببلاوي قبل توليه المسئولية[12] من خطوط عريضة لإستراتيجية يمكن أن تمثل الأساس لرسم سياسة اقتصادية مستقبلية لتحالف مدني ليبرالي/يساري. حيث تتضمن ما يلي:

•سياسة سكانية فليس بمقدور الاقتصاد المصري تحمل تضاعف عدد السكان كل ثلاثين سنة.

•استراتيجية للتصنيع، حيث تكمن مشكلة الاقتصاد المصري في ضعف الإنتاجية، ولا علاج لذلك سوى بالتوسع في استخدام التكنولوجيا المعاصرة، ومجالها الأساسي في الصناعات التحويلية.

• ثورة في التعليم والتدريب، حيث لا يمكن دخول العصر مع استمرار تدهور نظام التعليم والبحوث والتدريب.

•حرية وعدالة اجتماعية، إذ لن يتحقق التقدم بمجرد تحقيق معدلات عالية للنمو، وإنما لا بد وأن يصاحب ذلك شعور المواطن بالعدالة والمساواة والإنصاف.

•ثم أخيرا الانفتاح على العالم... وبذل كل الجهود لقيام اقتصاد عربي متكامل.

 
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)