آخر الأخبار
الأحد, 22-سبتمبر-2013 - 11:30:47
مركز الإعلام التقدمي -
بقلم : عبد المنعم بن سليمان المشوح

أطلق أيمن الظواهري يوم 12 سبتمبر الماضي خطابا تاريخيا مسجلا بمناسبة الذكرى الثانية عشر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، طرح فيه كثيرا من الرؤى والأفكارالتي تتضمن دفاعا عن تنظيمه المترنح منذ وفاة زعيمه ومؤسسه أسامه بن لادن في مايو سنة 2010، وكذلك توجيهات تتضمن خططا واضحة للتنظيم وعناصره، كما يمكن من تفكيك دلالات هذا الخطاب المسجل دون صورة، وقراءة اتجاهاته، إدراك حال القاعدة الآن ووضعها واستراتيجيتها في المدى القريب، وسنحاول توضيح بعض الأفكار المهمة في هذا السياق:
اولا: أمريكا العدو الأول:
ابتدأ الظواهري خطابه الأخير- كعادته في خطاباته السابقة- بوصف الولايات المتحدة الأمريكية بالفشل في أفغانستان والعراق، ليحضر في المقابل نجاحات القاعدة، وفشلها في تحقيق مبتغاها من القضاء على القاعدة، وأن ما قامت به يعد (حماقة) وأنها متورطة وتُحاول الهروب.
وهي آلية خطابية تعزز لدى أعضاء القاعدة، والمُتعاطفين معها الشعور بالأمان والثقة، واستمرار القاعدة بعد وفاة مؤسسها، كما يعزز الشعور بالنصر وعدم الهزيمة ، ويخدم الرغبة الأمريكية في الإبقاء على وجود تهديد إرهابي مستمر وقائم ودائم، ومن المناسب أن يبدأ بأمريكا فسبب إطلاقه هذا الخطاب/التسجيل الصوتي هو الذكرى الثانية عشر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المرتبطة بأمريكا والمرتبطة بسلسلة من الأحداث التي تبعتها، فكأن الظواهري خشيَ أن تضعف هذه الرمزية في نفوس الأتباع، فأراد تقويتها والتمكين لها واستحضر اقتباسات مختلفة من كتابات غربية تكلمت عن خسائرها وعن أهميتها وتأثيرها.
لم يذكر الظواهري الدول الغربية في هذا الخطاب، فقد انصب تركيزه على أمريكا بشكل واضح وصريح، فأمريكا بحاجة لجسر قوي وواضح لتحقق بعض مصالحها وأفضل جسر هو تنظيم القاعدة وخطابات الظواهري.
وفي سياق شجبه وعدائه للسياسات الأمريكية كرر الظواهري فكرة غريبة وخطيرة، وهي اعتبار الرئيس الأمريكي أوباما (مرتد) والمرتد هو من دخل الإسلام ثم خرج منه، والمرتد له أحكامه الفقهية الخاصّة، فالتعامل لدى أدبيات الجماعات المتطرفة يختلف فيما بين الكافر الأصلي والمرتد الذي يجب قتله بأي حال من الأحوال ! وهذه الإشارة تعتبر استهدافا شخصيا لرئيس أمريكا ستلاحقه حتى بعد تركه للرئاسة، ولاشك أن هذه الفكرة تمثل خطأ واقعيا وشرعيا وغير مقبولة لمن درس الشريعة الإسلامية، لكن تمّ إطلاقها من أمير تنظيم القاعدة لتكون مقبولة لدى أتباعه ومريديه.

ثانيا: استراتيجية للجهاد الفردي:
وجه آيمن الظواهري أمير القاعدة أتباعه للجهاد الفردي والإكثار منه بشكل واضح، من أجل زعزعة الاستقرار في أمريكا وحلفائها،  بعمليات انتحارية يقوم بها مجاهدون أفراد، وهي الاستراتيجية التي طالما دشن لها محمد خليل الحكايمة وأكثرت القاعدة في الخمس سنوات الأخيرة من استخدامها نتيجة أزمتها التنظيمية، فهي دالة على الأزمة التنظيمية وإن زادت الأمنية.
أكد الظواهري على ضرورة العودة للجهاد الفردي داعيا إلى تحرك الأفراد بتنفيذ عمليات أو تكوين مجموعات صغيرة، ويشير إلى عدم وجود خلايا كبيرة تتبع القاعدة في أمريكا وأن القاعدة تسعى للأفراد أكثر، وذكر كذلك من الممكن التحوّل إلى ( حرب العصابات )، فكل الخيارات التي طرحها تدل على عدم وجود خيارات ممكنة لدى الظواهري ويستطيع الاعتماد عليها داخل أمريكا، فالقاعدة لما كانت تمتلك الخيارات الأكيدة لم تكن تبحث عن فوضى عمليات التنفيذ.

ثالثا: الظواهري وعزل مرسي:
انتقل الظواهري للحديث عن ثورة مصر والأحداث الأخيرة من عزل الرئيس مرسي وما حدث في رابعة العدوية،  ويمكن تلخيص فكرته بأنه ثبت سقوط وهم الديمقراطية والحراك السلمي والسياسي الذي اعتمدته جماعة الإخوان المسلمين، وأن السبيل الصحيح هو سبيل القاعدة والاتجاه إلى الجهاد والعنف وأنه الخيار الوحيد المتاح للحركات الإسلامية والجهادية.. فهنا يهاجم الظواهري جماعة الإخوان المسلمين ومنهجها في اللجوء للديمقراطية وغير ذلك، ولكنه اتجه أيضا لنقد تجربة الرئيس المعزول محمد مرسي مؤكدا وبصراحة واضحة:"
 محمد مرسي لم يكن يحكم بالشريعة" وهنا يقطع الطريق تماما لأي فكرة خارج إطار العنف والجهاد بمفهوم القاعدة، فحتى لو أوصل الخيار الديمقراطي إلى السلطة والرئاسة فهو مرفوض وغير مقبول .. فالعنف هو المسار الوحيد.

رؤى واستراتيجيات القاعدة:
وفي الجزء الثاني من خطابه قال الظواهري ( نحن نرضى فيمن تتوفر فيه المؤهلات الشرعية وتختاره الأمة ليحكمها بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ونحن حينئذ أنصاره وأعوانه، إن القاعدة تريد للأمة خليفة تختاره برضاها وإجماعها أو اتفاق جمهورها"  يظهر هنا تناقض الظواهري جليا، فيقول نحن نرضى فيمن تختاره الأمة، وقد رفض أصلا طريقة وآلية الانتخابات وانتقد دخول التيارات الإسلامية في مسألة الانتخابات والاختيار الحر للمواطنين عبر الصناديق، ثم يقول ( القاعدة تريد للأمة خليفة تختاره برضاها وإجماعها ) فكيف يمكن أن تختار أو كيف تجتمع؟ وهو كلام مرتبك غير مُحدد جاء في طيّات ردّه على انتقاد حادّ وُجّه للقاعدة أنها تريد السلطة وتسعى للخلافة وتلغي الآخرين من التيارات الإسلامية فضلا عن التيارات الأخرى، فجاء ردّ الظواهري مرتبكا ومتناقضا في آن واحد.
فهو يقول (القاعدة تريد للأمة خليفة تختاره برضاها وإجماعها )  والغريب في آخر التسجيل يؤكد بيعة القاعدة للملا محمد عمر ! التناقض واضح والارتباك ظاهر في هذا الجزء من التسجيل أقصد ارتباك الفكرة التي جاءت مشوشة، فهو يقول لا طريق إلا الجهاد ثم يقول لو اتفقت الأمة واختارت خليفة سنرضى به . ثم يقول نحن لدينا بيعة لأمير المؤمنين الملا محمد عمر ! فإن كانت القاعدة بايعت الملا عمر ما فائدة مبايعة غيره ؟ وهي أصلا لا تقر بتعدد الولايات وترى خلافة موحدة ؟ أم أن مبايعة الملا عمر مجرد شماعة مؤقتة حتى لا يقال شرعيا أن القاعدة بلا بيعة ؟

1- استطرد الظواهري في الردّ على بعض الانتقادات الموجهة للقاعدة والتي أثرت كثيرا على سمعة القاعدة وعلى انتشارها ومصداقيتها، مثل قتلهم للمسلمين، واستهدافهم للآمنين، وتكفيرهم المسلمين فينفي الظواهري ذلك، وهو في أول الخطاب يدعو المصريين للقتال والجهاد داخل بلدهم المسلم وبين المسلمين وضد المسلمين ويدعو السوريين لقتال وضرب أي تجمّع للصحوات، إن تكوّنت، وهم مسلمون، فأي تناقض أوضح من هذا!

2- يحاول الظواهري في نهاية خطابه تأكيد إمرته على تنظيم القاعدة وأن جميع الحركات المقاتلة والمجاهدة تحت إمرته، فهو يحيي المجاهدين في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وأخذ يُعدد مناطق الصراع دون ذكر الجماعات المقاتلة، فهناك جماعات مقاتلة لا تنتمي للقاعدة ويوجد جماعات خرجت عن قبضة القاعدة، ومع ذلك يعيش الظواهري وهم العالمية والسيطرة الشاملة. إذن لدى الظواهري

والقاعدة محورين :

1- أمريكا

2- دول الثورات

لابد من الإبقاء على ثنائية العداء بين القاعدة وأمريكا وذلك لمصلحة الطرفين، فمن مصلحة القاعدة أن تعادي أمريكا ومن مصلحة أمريكا معاداة القاعدة والتعرض لتهديدها الدائم والشرس .

كذلك لابد من طرح مشروع داخل دول الثورات واستثمار حالة الفوضى وتحويلها إلى اقتتال داخلي وفوضى، وهو ما يحقق كذلك التوجه الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة .

كما نُشير إلى ملحوظات تهم الباحث المتخصص :

•  القاعدة لأول مرة تكشف أوراقها بهذا الشكل، وهنا يكمن الفرق بين أسامة بن لادن والظواهري، فابن لادن يميل إلى السرية والتكتم والتمويه، والظواهري يميل إلى الفقاعات وملء نقص الكاريزما بعبارات الوعود والأمنيات، كما أن قاعدة بن لادن تختلف عن قاعدة الظواهري المشتتة والمتناثرة والتي خرجت في بعض أفرعها عن طوعه وإمرته الضعيفة .

فمتى كان أمير القاعدة يستجدي ويستعطف الأفراد والمجموعات غير المعلومة بتنفيذ عمليات ! ومتى كان أمير القاعدة يقرّ بأنه وجماعته من المستضعفين الملاحقين ! فالشريط المسجّل كشف ما يعيشه الظواهري من بدايات إحباط وعدم قدرة على تفعيل مكامن قوة القاعدة .

لكن ورغم وضوح ضعف الظواهري ووضوح تشتت القاعدة تظل جماعة ذات تنظيم وأدبيات قوية وراسخة في نفوس أتباعها والمتعاطفين معها وتظل تمتلك قاعدة من الأدوات الحسية والمعنوية ما يجعلها تؤثر في أي لحظة ومستعدة للالتئام والالتحام في أي وقت .

• التحدي الكبير الذي يواجه القاعدة هو ( المواجهة الفكرية ) التي ويظهر أن المواجهة الفكرية أثرت كثيرا على تنظيم القاعدة ورموزه وأتباعه ، فالظواهري أطال في ردّ الانتقادات العلمية والشرعية ونفى تهمة التكفير وقتل المسلمين والآمنين وجاء النفي هزيلا متراخيا ، كما نفى ألا يكون للقاعدة ( مرجعية علمية ) وأخذ يذكر أمجاد الماضي العلمية ومؤلفات التأصيل والتقعيد ثم عاد واسترسل في نفي تورط القاعدة في قتل معصومي الدم وأنها قد تكون من قبل جماعات أخرى ولاشك أن هذا الكلام – وإن لم يكن حقيقة – يعتبر إيجابيا وهو شكل من أشكال المراجعات بغض النظر عن حقيقتها ومدى جديّة القاعدة في تطبيقها لكنه نصّ قاعدي نستطيع محاججتهم به ، رغم أن الظواهري في نفس الخطاب ناقض نفسه . لكن نرجع ونقول الآن للقاعدة توقفوا عن القتل والتكفير فهذا ما أعلنه أميركم وأي عملية بعد ذلك تتورط فيها القاعدة ستكشف مدى مصداقية الظواهري وصدقه .

• من الملحوظات التي تهم الباحث المختص تخلل خطاب الظواهري مقتطفات واستشهادات من كتابات وأبحاث مؤلفين غربيين ومن شرق آسيا وهي مكتوبة بالأصل باللغة الإنجليزية وهي دراسات علمية منشورة في دوريات ومؤلفات غربية ، وهي طريقة جديدة على منتجات القاعدة الإعلامية أن يتم استحضار مقاطع من دراسات غربية وترجمتها ترجمة جيدة ثم إدراجها في ثنايا خطاب أمير القاعدة .
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)