آخر الأخبار
 - أطلق وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي "رصاصة تحذيرية" بشأن الوضع الراهن في مصر عبر تصريحات "نادرة" لقائد...

الخميس, 07-فبراير-2013 - 11:48:48
مركز الإعلام التقدمي- معهد العربية للدراسات -

أطلق وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي "رصاصة تحذيرية" بشأن الوضع الراهن في مصر عبر تصريحات "نادرة" لقائد المؤسسة العسكرية، بقوله إن الأزمة السياسية الراهنة قد "تؤثر على استقرار الوطن" وقد تؤدي إلى "انهيار الدولة".
ومثلت تصريحات السيسي رسالة "مزدوجة" إلى كل من طرفي المعادلة وهما مؤسسة الرئاسة ومعها حزب "الحرية والعدالة" الحاكم وفي نفس الوقت إلى قوى المعارضة التي تجمعت قبل أكثر من شهر تحت مظلة "جبهة الإنقاذ".
ودللت التصريحات على أن المؤسسة العسكرية قد تخرج عن حياديتها ووقوفها خارج "اللعبة السياسية" في ظل بوادر سيناريو "الفوضى" في الشارع والمؤسسات المصرية.
وفي هذا السياق، يمكن فهم مبادرات الحوار المتعددة التي ظهرت خلال الفترة من 27 إلى 31 يناير في الساحة السياسية المصرية، وهي المبادرات التي ركزت على هدفين رئيسيين الأول هو استعادة الاستقرار ونبذ العنف والثاني إعادة هيكلة مؤسسة الحكم عبر تعطيل عجلة ما يسمى بـ"الأخونة" وتغيير الحكومة الحالية.
في خلفية تصريحات السيسي وحديث المبادرات كان الحدث الرئيسي وهو خروج تجمعات شبابية ضخمة عن نطاق السيطرة. وبروز قوة "الألتراس" الأهلاوي وظهور مجموعات ما عرف بـ"بلاك بلوك" الشبابية وغيرها من التجمعات التي نجحت في الحشد والتعبئة على قضايا أو توجهات بعيداً عن أطر الأحزاب والتنظيمات السياسية التقليدية. وهو ما يعرف في علم الاجتماع السياسي بـ"المجموعات خارج السيطرة".
فقد قادت مجموعات "الألتراس" التظاهرات قبل الحكم القضائي في مذبحة بورسعيد يوم 26 يناير والتي تخللتها أعمال عنف من قطع لخطوط مترو الأنفاق في القاهرة الكبرى وقطع للطرق ورفع شعار "القصاص أو الفوضى" في تهديد صريح بسيناريو الفوضى للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة المصرية في يناير 2011. وتلا الحكم بإعدام 21 متهماً في مذبحة بورسعيد أعمال فوضى ومظاهرات أودت بحياة أكثر من 37 شخصاً وهي الأحداث التي سبقها سقوط 9 قتلى على الأقل في اشتباكات بمدينة السويس المجاورة.
هذه الأحداث التي هددت بانتشار الفوضى في مدن خط القناة المصرية لم تنجح السلطة الحاكمة في التعاطي معها سياسياً، مما دفع مؤسسة الرئاسة إلى طلب تدخل الجيش ونزول "الجيش الثاني" إلى بورسعيد والسويس وانتهاء بإعلان الرئيس المصري فرض حالة الطوارئ على مدن القناة الثلاث (بورسعيد والسويس والإسماعيلية) لمدة 20 يوماً وفرض حظر للتجول لنحو 10 ساعات يومياً. وهي القرارات التي لم تنجح في إنهاء المظاهرات بل دفعت سكان المدن الثلاث للتظاهر وإقامة الاحتفاليات في تحدي صريح لقرار الرئاسة مما أسقط "هيبة" القرارات الرئاسية المصرية.
وبالتوازي مع هذه الأحداث، برز في تظاهرات الذكرى الثانية للثورة بالقاهرة والمدن الكبرى تشكيلات شبابية ترتدي الأقنعة والملابس السوداء أطلقت على نفسها "بلاك بلوك". وظهور هذه المجموعات واسعة الانتشار أذهل العديد من المراقبين، حيث إن "بلاك بلوك" هي حركة انبثقت عن الحركات الفوضوية الشبابية في أوروبا خلال الثمانينيات من القرن الماضي. وكان أعضاؤها يشتهرون بارتداء الأقنعة والملابس السوداء وظهروا بشكل خجول في المظاهرات المعارضة للانتشار النووي وفرض القيود على الإجهاض والحريات الشخصية. والتفت العالم للحركة خلال التظاهرات الشهيرة بمدينة سياتل احتجاجاً على اجتماعات منظمة التجارة العالمية في بداية القرن الحالي.
وتمثل هذه الحركات الشبابية العالمية تعبيراً عن رفض مجموعات شبابية للأحزاب أو الأطر السياسية القائمة وتسعى لأخذ الثأر او التعبير عن مواقفها باستخدام "العنف " في مواجهة عنف الدولة. وهي الحركات التي يصفها بعض المحللين بأنه انعكاس لـ"الرومانسية الثورية الشبابية" في مواجهة المؤسسات الحاكمة والأحزاب المنخرطة في لعبة الحكم.
وفي مصر، وبحسب تصريحات منسوبة لعدد من المنخرطين في "بلاك بلوك"، فإن الحركة الجديدة انبثقت على خلفية أحداث الاتحادية خلال ديسمبر الماضي، عندما قام عدد من عناصر "الإخوان المسلمين" والتيار الإسلامي بالهجوم بالأسلحة على شباب المعتصمين السلميين أمام قصر الرئاسة المصري. وبرز في تكتيكات "بلاك بلوك" خلال الأيام الأخيرة أنها تتبنى استراتيجية "العنف الدفعي"، حيث إنها نادراً ما تبادر بالهجوم.
هكذا فإن الشارع المصري المحبط من عدم قدرة الرئيس المدني المنتخب في تحقيق اي تقدم على الأرض اقتصادياً أو اجتماعياً وفي ظل اختناق إمكانية التوافق بين القوى السياسية، وجد نفسه أمام مجموعات شبابية "رومانسية" تعيد خلط الأوراق في الاحتجاجات السلمية. وكما كتب المحلل الأمريكي اريك تراغر فإن اتساع نطاق التظاهرات العنيفة " يشير إلى فشل عام في الإدارة يهدد بعدم الاستقرار غير المحدود". ولعل اتساع نطاق الاحتجاجات العنيفة والصدامات المتكررة بين المتظاهرين والأمن كان يدلل على مدى الإحباط لدى مجموعات كبيرة من المصريين لما آلت إليه الأوضاع بعد عامين من الثورة وفي قلبهم هذه المجموعات الشبابية.
وفي ظل مجتمع به 54% من السكان يبلغوا بعد 24 عاماً، كما أن 24 مليوناً يقعون في الفئة العمرية من سن 15 إلى 29 عاماً، وهو ما يطلق عليه "عمر القتال" فإن احتمالات تحول المظاهرات الاحتجاجية والمواجهات الواسعة إلى "فوضى" تبقى مرتفعة نسبياً مقارنة بمجتمعات أخرى تركيبتها السكانية أقل شبابية.
حديث المبادرات: حكومة الإنقاذ ونبذ العنف
في ظل هذه الوضعية المرتبكة وعدم قدرة النظام الحاكم على أخذ زمام المبادرة والفشل المستمر في تحقيق أي انجازات سياسية أو اقتصادية، سعت المعارضة المدنية إلى ملء الفراغ عبر تقديم خطة واضحة من خلال مبادرة دعت فيها إلى تشكيل حكومة انقاذ وطني تضم كافة القوى السياسية وإلغاء حالة الطوارئ التي تم فرضها على مدن القناة واختيار لجنة لتعديل المواد المختلف عليها في الدستور. وإلغاء الآثار المترتبة على الإعلان الدستوري الذي اصدره مرسي في 22 نوفمبر وإقالة النائب العام الذي قام بتعيينه وضمان استقلال القضاء. وهي النقاط التي اضافت عليها مبادرة "النور" و"جبهة الإنقاذ" نبذ العنف من كافة الأطراف. وجاءت اضافة محمد البرادعي على المبادرتين بحضور الرئيس مرسي ووزيرا الدفاع والداخلية جلسات الحوار، لتكمل الصورة.
فالمعارضة المصرية تخشى أن تنفلت التظاهرات المعارضة للنظام الحالي وتصبح خارج سيطرتها وفي نفس الوقت تسعى لتحقيق مكاسب سياسية واضحة تمكنها من استعادة ثقة جمهورها الواسع الذي ظل يتظاهر لأكثر من شهرين متتاليين منذ الإعلان الدستوري. وهي المحاولة التي سعى حزب "النور" السلفي لاستغلالها للخروج من عباءة المؤيد المستديم للإخوان والرئيس في ظل إدراك الحركة السلفية لاتساع حركة الغضب والمعارضة في الشارع للرئيس الإخواني.
من جانبها، تخوفت جماعة "الإخوان المسلمين" من تداعيات الاستجابة للمبادرات القادمة من المعارضة على جمهورها واعتبارها الفريق الخاسر في الصراع السياسي الدائر حالياً، مما دفع الرئيس المصري للتشديد على أن تشكيل حكومة جديدة بيد البرلمان المنتخب بعد شهرين ، فيما تراجع مرسي سريعاً عن قرار حظر التجول في مدن القناة، مع تجنب الحديث عن الإعلان الدستوري والانفتاح نسبياً أمام إمكانية تعديل الدستور.
وهنا بحث الأطراف عن وسيط يقوم هو بطرح مبادرة أو قواعد عامة للحوار السياسي، ووجدت المعارضة والإخوان ضالتهما في مؤسسة الأزهر التي نجحت في ان تجمع رموز المعارضة من البرادعي وحمدين صباحي مع قيادات الإخوان الفعلية ممثلة في محمود عزت نائب المرشد والكتاتني لتطرح مبادرة تقوم على نبذ العنف (التي يطالب بها الإخوان) والدعوة لحوار وطني بين السلطة والمعارضة لحل الخلافات مع وقف الإهانات بين الطرفين والتأكيد على ضرورة احترام التعددية في إشارة لضرورة تعديل الدستور.
ودللت ادانة كافة القوى السياسية للعنف الذي شهدته مظاهرات مساء الجمعة (1 فبراير) أمام قصر الرئاسة على أن قوى المعارضة تدرك بالفعل خطورة العنف الواسع وتأثيره السلبي على شعبيتها في الشارع المصري والتي تراهن عليها لتحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية المقبلة. في المقابل، ظهر بوضوح أن مؤسسة الرئاسة أصبحت تميل لتقديم التنازلات تحت ضغط "الإخوان المسلمين" الذين بدأوا يدركوا أن استمرار سياسة "التعنت" ستفتح الباب أمام انفراط عقد التحالف مع التيارات الإسلامية الأخرى وتراجع تأييد الشارع الذي راهن على الجماعة لجلب الاستقرار وهو الهدف الذي فشلت في الوصول إليه أو حتى الاقتراب منه خلال 8 أشهر في السلطة.
ولعل بيان الرئاسة المصرية في ليلة الصدامات بالاتحادية (1 فبراير) والذي دعا المعارضة لرفع الغطاء عن العنف وهدد باستخدام "عصا" الدولة في مواجهة المتظاهرين كان تعبيرياً في جزء منه عن عدم قدرة الإخوان على التعاطي سياسياً مع الاحتجاجات وفي نفس الوقت محاولة منهم للصق اتهامات العنف بالمعارضة وكسب تعاطف جزء كبير من الشارع. ولكن المعارضة المدنية بادرت سريعاً بإعلان خروجها من التظاهرات وعدم معرفتها بمثيري الشغب لتقذف الكرة سريعا في ملعب السلطة. وهي "اللعبة" التي لن تنتهي سريعاً بين الطرفين إلا عبر وجود معامل جديد ربما يرغب البعض أن يأتي من المؤسسة العسكرية عبر فرض الحوار والتوافق.
* إعداد: أكرم ألفي

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)