آخر الأخبار
 - تشير المواقف الإسرائيلية من ثورات الربيع العربي إلى تصورها بيئة شرق أوسطية أصعب وأكثر خطورة على إسرائيل، مما كان الوضع قبلها...

الخميس, 24-يناير-2013 - 12:58:45
مركز الإعلام التقدمي- معهد العربية للدراسات -

تشير المواقف الإسرائيلية من ثورات الربيع العربي إلى تصورها بيئة شرق أوسطية أصعب وأكثر خطورة على إسرائيل، مما كان الوضع قبلها، وأن إسرائيل هي الخاسرة الرئيسية منها، وتخسر أملاكاً مركزية وتأثيراً في العالم العربي، لأن الواقع الجديد سيترجم إلى تهديدات أمنية جديدة منها الخوف على مصير اتفاقات السلام مع مصر والأردن، واضطراب الأمور في سيناء الذي جعل هذه الحدود الطويلة مركز احتكاك أمني.
لذلك، ومنذ أن اندلعت الثورات العربية في مثل هذه الأيام قبل عامين، عقدت المحافل السياسية ودوائر صنع القرار الإسرائيلي سلسلة طويلة من الجلسات لمناقشة التقديرات الخاصة بها، وأكدت جميع توصياتها على نتيجة خطيرة مفادها عدم معرفة مصير اتفاقات السلام مع الدول العربية، لاسيما مصر، أكبر دولة عربية، كونه أخرجها من دائرة الصراع، وغيّر قواعد اللعبة، مع حلول الإسلاميين في مواقع صنع القرار، وانشغالها بتحقيق استقرار شعوبها وتطلعاتها، مما قد يؤثر على استقرار إسرائيل في المنطقة.
•التبعات السياسية
طرحت إسرائيل تخوفات من فرضية انسحاب مصر، ولو نسبياً، من محور "الاعتدال العربي"، بفعل نفوذ الإسلاميين المتنامي في المواقع الحكومية والأمنية والعسكرية، مما يُشكّل خطراً أمنياً وجغرافياً وسياسياً كبيراً على إسرائيل، لأنها ستعيش في منطقة غير مستقرة، وستحاول الجهات الإسلامية المعادية استغلال الوضع الناشئ لزيادة نفوذها.
ورغم أن التونسيين بدأوا مسيرة الثورات العربية، وينسب إليهم قصب السبق، لكن الثورة المصرية تبقى عنوان التغيير الإقليمي والدولي بنظر إسرائيل، نظراً لوزنها التاريخي والجغرافي والديمغرافي، وهو ما من شأنه أن يفاقم العزلة والحصار الدولي اللذين تعزّزا ضدها، ويعكس التحول الذي بدأ يظهر في توازن القوى الإقليمية عقب سقوط نظام مبارك، خصوصاً وأنها قد ترسل إشارات فحواها أنها لم تعد ملتزمة بالحلف الإستراتيجي معها كما كان في عهده، وأصبحت مستعدة للتعاون مع دول معادية لها كتركيا وإيران على سبيل المثال.
ولفتت بعض الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية إلى أنه منذ اندلاع الثورة المصرية، ازدادت "برودة السلام البارد أصلاً" مع القاهرة، ويمكن ملاحظة المؤشرات الدالة على ذلك مما دفع بها للتأكيد أنها تعيش فترة من انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط، في ضوء "الزلزال الإسلامي" الذي يضرب العالم العربي حالياً.
وترى المحافل الأمنية الإسرائيلية أن المشهد الإقليمي الجديد بعد الثورات العربية وصعود الإسلاميين، يحمل معه مخاطر لا تعد ولا تحصى، ومنها:
1-مزيد من عدم اليقين حول سلوك قادة الدول المجاورة تجاه "إسرائيل"،
2-زيادة الأنشطة المسلحة المعادية، بفعل غض طرف الحكام الإسلاميين الجدد عنها،
3-انخفاض قوة الردع، والعزلة الإقليمية المتنامية، مع الجمود المتوقع في العلاقات مع دول الجوار،
4-التهديدات المتصاعدة شرق البحر المتوسط، مع رغبة الأنظمة الإسلامية الجديدة بتطوير جيوشها.
•الإخفاقات الأمنية
اعترفت إسرائيل بأن الثورات العربية جاءت بمفاجأة تامة لما يعرف بـ"مجتمع المخابرات"، مما تطلب الحاجة لمراجعة عميقة للأحداث التي قد تؤثر على مفهوم الأمن الإسرائيلي، خاصة أنها لم تتوقع شدة هذه الثورات، وقدرت بأن قوات الأمن في تلك البلدان، ستعرف كيف توقفها، مما شكل مفاجأة غير سارة لها، وسجلت أجهزة الاستخبارات في غير مصلحتها "قصوراً مجلجلاً".
كما عبرت أحداث هذه الثورات عن "أضغاث أحلام" لقادة ومسئولي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مما دفع للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق بشأن فشلها في تقدير الموقف في العواصم العربية، ولفتت إلى ضرورة "محاسبة الذات، وإعادة التقييم والإمعان" بعملها، خاصة فيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية لمدى استقرار الأنظمة العربية، حيث غيبت إسرائيل الجماهير العربية عن دائرة الصراع والمواجهة، واعتبرتها جبهة ضعيفة ومهزومة، وجاءت الثورات لتغير هذه القناعات.
ومنذ انطلاق الثورات العربية، عبرت التصريحات الرسمية الإسرائيلية، عن مخاوف أمنية واستخبارية، في حالة انهيار الأنظمة الموالية لها، ومع تسارع وتيرة الأحداث، وسقوطها، عملت مراكز تفكيرها الإستراتيجية على دراسة هذه المخاوف، وأثارت نقاشاً داخلياً واسعاً، أدى إلى انقسام الأوساط الإعلامية والسياسية والأكاديمية إلى ثلاث اتجاهات:
1-الأول يعتقد بوجود مخاطر حقيقية أمنية للثورات العربية على إسرائيل،
2-يرى الثاني بأنه لا شيء جوهري على الصعيد الأمني سيتغير،
3-فيما يؤكد الاتجاه الثالث وجود هذه المخاطر الأمنية، لكنه يستبعد أن تظهر آثارها على المدى القريب.
ورغم هذا الانقسام، إلا أن الاتجاه الإسرائيلي الغالب، رأى أن الثورات العربية ستكون لها تداعيات أمنية خطيرة، بعضها سيكون آنياً، بينما ستظهر آثار بعضها الآخر على المدى البعيد، ومن أهم هذه المخاوف:
أ‌-الخوف من قوة الجيوش العربية، لاسيما المصري، الذي سيتحول إلى أداة بيد الإسلاميين، بعد أن تم تحييده طيلة فترة حكم مبارك،
ب‌-فقدان الثقة بإمكانية استمرار إدارة الوضع الأمني على الحدود المصرية، بنفس الأسلوب السائد خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث ظل الاعتماد الأكبر على الجيش المصري لضبط الأمن،
ت‌-التخوف من تقليص الضمانات الأمنية التي قدمها النظام السابق لإحكام الحصار على قطاع غزة، ومنع تهريب الأسلحة إليه، في ظل مجيء الإسلاميين إلى قصر الرئاسة بالقاهرة، مما قد يستدعي إعادة الجيش الإسرائيلي لاحتلال الشريط الحدودي المعروف بـ "محور فيلادلفيا" بين قطاع غزة وسبه جزيرة سيناء،
ث‌-القلق من انتقال عدوى الثورات إلى الأردن والسلطة الفلسطينية، وهو ما سيؤدي في حال حدوثه إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإسرائيلي.
وكجزء من استخلاص الدروس والعبر، باشرت الاستخبارات الإسرائيلية بهيكلة منظومتها من جديد، بشكل يتلاءم مع الحراك الجماهيري العربي، وساحات النضال التي يخوضها الشباب العربي ذو التوجهات الإسلامية ضد الأنظمة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، مما دفع بمسئولين أمنيين إسرائيليين للقول أن التكنولوجيا وشبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي أصبحت تسرع بإحداث تغييرات سياسية واجتماعية في بعض الدول، وعليه فإن قواعد اللعبة تغيرت، مما استدعى تخصيص 20% من طواقم جهاز الاستخبارات والقوى العاملة، واستثمارها للعمل في قسم المعلومات والتكنولوجيا التابعة للجيش.
وكانت هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وقبل أسبوع من اندلاع الثورة المصرية أواخر يناير كانون ثاني 2011، قدمت للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، مذكرة خاصة أكدت من خلالها أنه لا يوجد أي خطر يتهدد استقرار نظام مبارك، فيما جاءت الثورة خلافاً للتوقعات والتقييمات، مما دفع أعضاء اللجنة للمطالبة بإقامة لجنة تحقيق لفحص "إخفاق الاستخبارات"، لأن أحداث مصر فاجأتها، ووجدتها غير مستعدة، كما أن ما حصل من أخطاء في التقييمات، أمر مقلق وضاغط، يلزمها بإجراء حساب للذات، وإعادة التفكير.
لكن التخوف الأساس في إسرائيل، نبع من الآثار الخطيرة للثورات العربية على الأمن في حدودها المختلفة، لاسيما مع مصر، مع التشديد على تهريب السلاح في الأنفاق إلى قطاع غزة، وتعزز قوة حركة حماس، وآثارها على الأمن الإقليمي، مع تعزز الميول الإسلامية المعادية لها.
كل ذلك دفع بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية للإعراب عن خشيتها من أن يُؤثر الوضع في مصر على "إسرائيل"، كون انصراف جيشها لتفريق المتظاهرين، والسيطرة على الشارع، سيدفع حركات المقاومة في غزة لاستغلال ذلك لتهريب السلاح والذخيرة عبر سيناء، وإمكانية وصول "خلايا مسلحة" إليها للقيام بعمليات ضدها، وهو ما حصل فعلاً في مراحل لاحقة بقيام بعض المجموعات الإسلامية السلفية باستهدافها.
ومع غياب التقديرات الاستخبارية عن توقع مثل هذه الثورات، يضع خبراء إسرائيليون أيديهم على مكمن الإخفاق الأمني، مستنكرين ما أسموه ظاهرة "محو المعلومات" التي تجمعت طوال السنين عن الميدان العربي، ويعتبرونها "جريمة لا تُغتفر"، مستدلين على نقدهم الشديد بالقول: أعفت الجهات الإسرائيلية نفسها من جمع المعلومات الاستخبارية عن الدول العربية المجاورة، حتى المعلومات الأساسية، مع العلم بأن إخفاقها لا يقاس بالميزانيات الضخمة، والفرق العسكرية، والطائرات الجوية.
وأشار "المنتدى الإسرائيلي للمخابرات" إلى أن الثورة المصرية أثبتت خطأ الاعتقاد السائد لدى الاستخبارات العسكرية لسنوات طويلة، وسار عليها "أفيف كوخافي" الرئيس الجديد للجهاز، كسلفه "عاموس يادلين"، ودار الحديث حينها عن تصور تبسيطي جداً برسم سيناريو يتمثل في أن إدارة مبارك ستنقل السلطة بصورة منظمة إلى مسئولين كبار في جهاز الأمن برئاسة عمر سليمان، فينقلها بسلاسة إلى جمال مبارك.
وقد خالفا بذلك رئيس الشعبة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع "عاموس غلعاد"، وقائد المنطقة الجنوبية السابق "يوآف غالانت"، وتبين لاحقاً أن هذا الإخفاق المعلوماتي والفشل الاستخباري له نتائج "كارثية" على الصعيد العسكري، تتمثل بـ"بناء قدرات ميدانية، وتحديث النظرية القتالية، وتنظيم تعاون بين الأذرع، وإنشاء قيادة سيطرة، واستكمالات قادة، وحشد معلومات".
وبات واضحاً أن "إسرائيل" تخشى من الناحية الأمنية والاستخبارية ما يحصل من تحولات وثورات في الدول العربية، وترى فيها تهديداً وجودياً لكيانها، مع التنامي المتزايد لنفوذ الإسلاميين فيها، بدءً بتونس، ومروراً بليبيا، وانتهاءً بمصر، وربما وصولاً إلى سوريا، ولذلك فهي تكن العداء لها.
ويمكن رصد عاملين جوهريين يتحكمان في التقييم الإسرائيلي لهذه الثورات، هما: الثقافة الاستعمارية، والنظرية الأمنية، اللذان يدفعان بها وبالغرب لمعاداة الحراك الشعبي، وسيرورة الحراك العربي.
1-فإسرائيل القائمة على أسس استعمارية احتلالية، لا تؤمن بمنظومة الديمقراطية وحكم الشعوب، مما يجعلها تسعى لتجنيد الإدارة الأميركية للضغط على القيادات العسكرية في العالم العربي عموماً، لضمان استمرار العلاقات والاتفاقيات والتعاون الأمني، بما يؤدي في نهاية الأمر لإفشال الثورات العربية، والتحريض عليها، والاستخفاف بالشعوب، لأنها على قناعة أن الحراك الشعبي العربي غير المسبوق سيكون له تداعيات وتأثيرات على مستقبلها، وهي التي فقدت أنظمة حليفة، وبالتالي ابتعدت، وقد تغيب كلياً عن العمق العربي.
2-وربما يفسر الاختلال الأمني في خارطة "الجغرافيا السياسية" للمنطقة، أن "إسرائيل" رأت في سقوط مبارك، وفقدانها لحلفائها العرب، نقطة تحول جوهرية أحدثت خللاً في التوازن، مما سيؤدي لفقدان التفوق الإسرائيلي من جهة، وتراجع الهيمنة الغربية على منطقة الشرق الأوسط من جهة ثانية، وصعود متسارع غير متوقع للجهات الإسلامية المعادية لهما.
وطالما أن إسرائيل مسكونة بالمخاوف الأمنية المتواصلة، فإنها ستبقى تعادي كل التحركات الثورية العربية، من خلال استمرارها بالتلويح بما تسميه "فزاعة الإسلاميين"، ومع توالي الأحداث في الشرق الأوسط، وتداعي الأنظمة العربية مثل أحجار "الدومينو"، استيقظت إسرائيل على واقع جديد يتشكل في المنطقة، فاتسمت ردود مسئوليها بالتخبط حيناً، وبإظهار اتزان مفتعل حيناً آخر، وتبادل الاتهامات بين المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية حيناً ثالثاً.
وللخروج من الأزمة، ترى إسرائيل بوجوب زيادة الاستثمارات العسكرية بشكل كبير، والحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، لأنه ليس لديها خيار سوى مواصلة تعزيز شراكتها الإستراتيجية معها، وترى أن المشهد الإقليمي الجديد بعد الثورات العربية وصعود الإسلاميين، يحمل معه مخاطر لا تعد ولا تحصى، ومنها:
5-مزيد من عدم اليقين حول سلوك قادة الدول المجاورة تجاه "إسرائيل"،
6-زيادة الأنشطة المسلحة المعادية، بفعل غض طرف الحكام الإسلاميين الجدد عنها،
7-انخفاض قوة الردع، والعزلة الإقليمية المتنامية، مع الجمود المتوقع في العلاقات مع دول الجوار،
8-التهديدات المتصاعدة شرق البحر المتوسط، مع رغبة الأنظمة الإسلامية الجديدة بتطوير جيوشها.
ووصل الأمر ببعض الأوساط الإسرائيلية إلى اتهام الحكومة بأنها تنتهج "سياسة النعامة" تجاه الثورات العربية، التي يتصدرها الإسلاميون، فتخفي رأسها في الرمال، ولا تبادر بإطلاق مسيرة سياسية، مطالبة إياها بضرورة استغلال فرصة الأحداث في المنطقة العربية المحيطة بها لتوسيع دائرة السلام مع الدول المجاورة، والحفاظ في المقام الأول على ما يسمى "الذخائر الإستراتيجية" كالسلام مع مصر والأردن، والعمل على توسيعها، وإخراج مزيد من الدول المجاورة من دائرة النزاع.
•الترتيبات العسكرية
شعرت إسرائيل منذ اللحظة الأولى للثورات العربية أنها بصدد "هزة أرضية" تضرب منطقة الشرق الأوسط لم تشهد لها مثيل منذ عشرات السنين، مما جعل صناع القرار فيها يحثون الخطى لفهم المعاني الناشئة عن التطورات في المنطقة، مع منح التغيرات الحاصلة في الدول المجاورة حيزاً أكبر من البحث والتحليل، خاصة مع قدوم فاعل جديد فيها بقي مغيباً طوال عقود ماضية، وهم الإسلاميون.
وتعلقت مخاوفها العسكرية من تبعات الثورات، لاسيما المصرية، بفرضيات أساسية رافقتها في الـ32 سنة الأخيرة، تتمثل بأنه في كل سيناريو محتمل، من غير المتوقع مواجهة عسكرية مع مصر، مما سمح لها بالخروج إلى حربين في لبنان 1996، 2006، وتنفيذ عمليتين واسعتين في الأراضي الفلسطينية، ممثلة بالسور الواقي في 2002، ورصاص مصبوب في 2008، انطلاقاً من المعرفة بأنها لن ترد بصورة عسكرية.
وفجأة، وبدون مقدمات، وجد الجيش الإسرائيلي نفسه أمام ثلاث جبهات عسكرية جديدة: لبنان شمالاً؛ مصر الإخوان المسلمين جنوباً؛ وحماس في غزة، ما يعني أن وضعه الاستراتيجي والعسكري في الشرق الأوسط سيتغيّر، بما يحمله ذلك من تقدير بالقضاء على المسيرة السياسية، والإساءة لوضع الأمن الإسرائيلي، ودفع به لأخذ إجراءات عسكرية أكثر.
وفي الوقت الذي اعتبرت إسرائيل السلام مع مصر مكسباً استراتيجياً، سرت مخاوف من تعزز المعسكر الإسلامي المعادي لها، ما يحتم على الجيش أن يكون مستعداً، ويقاتل على جبهات عدة في وقت متزامن، في ظل خشية حقيقة من تحول الجيش المصري إلى مناوئ لها، وألا تتمكن من الاعتماد عليه في أوقات الأزمات، ما يجعلها تبحث عن بدائل له، لتعزيز استقرارها.
كل ذلك باعتبار أن ما شهدته المنطقة من تغيرات كبيرة تحدث حولها، تزيد "سحب الضباب المتلبدة في سمائها"، ما يتطلب منه أن يجعل واجبه الأساس الحفاظ عليها قوية وجاهزة، وهو ما تحقق فعلاً بحملة الإقالات التي قام بها الرئيس المصري بحق جملة القادة العسكريين القدامى، واستبدالهم بقادة جدد، لم يبدوا تلك الحميمية في العلاقات مع نظرائهم الإسرائيليين.
وهو ما يعنيه الجنرالات الإسرائيليون بالإشارة إلى أن "جبهات المواجهة" في الشرق الأوسط اتسعت في الآونة الأخيرة، مما يتطلب من الجيش أن يكون على أهبة الاستعداد للحرب المقبلة الشاملة في بضع جبهات، معترفين بأن الاستخبارات لا تملك القدرات الكافية للتنبؤ بوقوع ثورات كما حدث في مصر وتونس وليبيا.
ويمكن اعتبار الانعكاس الفوري لنجاح الثورات العربية، وصعود الإسلاميين عقبها، أشبه بـ"قطار تحت الأرض لتهريب وسائل قتالية"، لتوسيع قوى المقاومة في غزة، وتحول "الجبهة الجنوبية إلى نقطة ذات خطورة عالية جداً، أكثر من القطاع اللبناني، ويكفي أن المصريين سينقلون الجيش إلى سيناء بشكل دائم، فيما سيعود الإسرائيليون لوطأة أيام الاحتياط كما السنوات السابقة لحرب الأيام الستة عام 1967، وليس معروفاً إلى أي مدى سيكون المجتمع الإسرائيلي قادراً على البقاء في وطأة كهذه".
كما أن مستجدات الواقع المحيط بإسرائيل، وتعزّز قوة المعسكر الإسلامي المعادي لها في المنطقة، تنطوي على مخاطر جمة، مما يتعين عليها أن تكون مستعدة في أكثر من جبهة، لأنه يحمل دلالات مهمة بالنسبة للجيش، وفي الوقت نفسه تجهيز الجبهة الداخلية لتصبح أفضل مما كانت عليه أثناء حربي لبنان الثانية في 2006، وغزة في 2008 و2012، وهو ما يستلزم قيامها باستعدادات سياسية وعسكرية لمنع هذه التغيرات من التحوّل إلى تهديدات إستراتيجية.
•التحديات الإقليمية والدولية
هناك جملة من الضوابط والمحددات انتهجتها إسرائيل إزاء الثورات العربية، ومواجهة المد الآخذ بالتزايد بصورة مقلقة للإسلاميين، ركزت على الجوانب التالية:
1-في حال إتاحة المجال أمام قوى إسلامية معادية لاستغلال عمليات ديمقراطية للسيطرة على السلطة، فإن النتيجة ستكون إلحاق أضرار بعملية السلام مع العرب،
2-ستحاول القوى الإسلامية المعادية تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، بعد أن يحظى "أعداء إسرائيل" بالسلطة، وإذا لم يستعجل هؤلاء بخرق اتفاقية السلام معها، لكنهم سيُساعدون قدر الإمكان حركات المقاومة الفلسطينية على تعزيز وضعها وقدراتها،
3-حاجات إسرائيل الأمنية ستزداد، مما يقتضي زيادة الميزانية الحربية، وإجراء تعديلات على جاهزية الجيش الإسرائيلي.
ولذلك اتهمت إسرائيل الثورات العربية بالتسبب بإحداث "خلل استراتيجي" أصاب المنطقة، بفعل تنامي الحركات الشعبية والتيارات الإسلامية، وانتكاس العلاقات الإسرائيلية العربية، والتململ من "الرعونة" الإسرائيلية في مجال التسوية السياسية، وتمحورت المناقشات حول فترة ما بعد هذا الحراك العربي في عدة أبعاد أساسية على النحو الآتي:
1-تسعى أوساط سياسية إسرائيلية نافذة للتأكيد على أن "الاضطرابات" في العالم العربي تعزز الفكرة القائلة بأن القضية الفلسطينية ليست السبب في حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بل هما الاستبداد السياسي والفقر، مما يستدعي أن تتوجه دبلوماسيتها لتكريس هذه الفكرة، لاسيما أن الموضوع الفلسطيني لم يكن بارزاً في شعارات الثورات العربية.
2-طرحت هذه الثورات بعض الاحتمالات التي "تاه" الفكر الإسرائيلي في ملابساتها، واتضح ذلك بقدر كبير من عدم التوافق حولها مثل:
أ‌-تراكم الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل للتعجيل بالتسوية مع سوريا ولبنان، قبيل اندلاع الثورة السورية، وهو الرأي الذي يتبناه العسكر والاستخبارات، لأن الثورات ستجعل الأنظمة العربية أقل خضوعاً لمطالبها بفعل تنامي وزن الشارع في القرار السياسي، ما قد يخلق حالة من الاضطراب في المنطقة، بشكل يؤثر على الولايات المتحدة وأوروبا في ظل أوضاع اقتصادية دولية خانقة.
ب‌- ما حدث يشير لمرحلة عنف وعدم استقرار ستعم الشرق الأوسط، مما قد يدفع بالولايات المتحدة وأوروبا للضغط على إسرائيل للتجاوب مع الجهود الدولية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، والتسوية مع سوريا ستساعد على إضعاف إيران من خلال فك التحالف بينهما، وبالتالي إضعاف القوى الإسلامية في المنطقة، مع ضرورة التنبه إلى أن إسرائيل فقدت تركيا بعد إيران، وهي الآن قلقة من فقدان الدور المصري ككابح لحركة حماس.
ت‌- تيار يرى أن الثورات العربية سيخطفها الإسلاميون، مما يجعل إسرائيل أكثر حذراً في موضوعات التسوية، لأن المنطقة مقبلة على حالة من عدم الاستقرار، وهو يدفعها للانتظار، لعل موجة "الدمقرطة" العربية تطال سوريا وإيران، مما يفتح مجالاً أوسع لدبلوماسيتها، ويجعل الضغط عليها أقل حدة.
ث‌-تستدعي مخاطر الثورات العربية خطوات استباقية من إسرائيل، كالدعوة لإعادة احتلال غزة، بزعم أن الإخوان المسلمين في ظل المناخ الجديد في مصر، سيمدونه بالعون، بما يهدد أمنها.
3- تُمثل الثورات بنظر قطاع واسع من الإسرائيليين فصلاً آخر في تاريخ المنطقة لم يصل نهايته، وهناك المزيد في "طابور الثورات"، وبالتالي بات "عامل الوقت" العدو الأكبر لمن تبقى من الأنظمة، لكن ما تصفها بـ"الأصولية الإسلامية" ستبقى العقبة والخطر الكبير لإسرائيل وللدول الغربية.
ولهذا تجد تل أبيب صعوبة كبيرة في تجاهل أنها تقف أمام تطورات ثقيلة الوزن في الشرق الأوسط، ليس أقلها القوى الإسلامية الصاعدة، والانطباع الذي يتم تكوينه أنها تُسحب مجدداً نحو الأحداث، لأنها "ترد ولا تبادر"، فيما العربة عالقة في الوحل السياسي، مما دفع بوزير الدفاع "إيهود باراك" للإعلان غير مرة بأن الدولة تقف أمام "تسونامي" سياسي، وهو ما يحتم عليها أن تضع نصب أعينها مصالحها العليا.
وفي ذات الوقت أعربت تل أبيب عن خشيتها نتيجة تزايد نفوذ الإخوان المسلمين في بلدان الربيع العربي، لأنهم قوة منظمة جيداً سياسياً واجتماعياً بشكل أفضل من أي قوة سياسية أخرى, كما أن امتلاء ميادين التحرير بمناصريهم، أعطاهم شرعية لأنشطتهم وفعالياتهم.
ولذلك تبدو دوائر صنع القرار الإسرائيلي على قناعة بأن الحركات الإسلامية ستعمل جاهدة على "إحلال الفراغ" الذي نشأ بعد سقوط عدد من الأنظمة العربية، مما يدفع بضرورة انشغالها بإعداد ما وصفتها بـ"خطة مارشال لوقف المد الإسلامي" في المنطقة العربية، على غرار نموذج الخطة الأمريكية التي جعلت أوروبا تتعافى بعد الحرب العالمية الثانية، ويتم تسويقها الآن لمنع الحركات الإسلامية من "السيطرة" على الشرق الأوسط.
ولهذا فإن أهم ما تخشاه تل أبيب أن تأتي الثورات بالإسلاميين للسلطة، لأنه يشكل تحدياً استراتيجياً كبيراً لها، فضلاً عن التخويف والتهويل من مخاطر إجراء انتخابات حرة، خشية من تكرار نموذج فوز حماس، مما سيكون له تأثيرات سلبية بالغة الأهمية على وضعها الإقليمي، ومن الممكن على المدى البعيد تعرض اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن للخطر، وهذا التحدي الأكبر الإستراتيجي بعد دعم الولايات المتحدة.
في ذات السياق، كان للثورات العربية عواقب غير متوقعة على الصعيد الإسرائيلي، لأن نتائجها لم تكن جيدة ولا "نقية" مطلقاً، في ظل الاضطرابات التي عمت المنطقة.
د. عدنان أبو عامر
عميد كلية الآداب، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة، فلسطين

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)