آخر الأخبار
 - تعبر ثورة 25 يناير 2011 المصرية ذكراها الثانية نهاية هذا الشهر، وهناك العديد من المتغيرات والمسارات الاستقطابية والصراعية المستمرة...

الأحد, 13-يناير-2013 - 13:51:55
مركز الإعلام التقدمي- معهد العربية للدراسات -

تعبر ثورة 25 يناير 2011 المصرية ذكراها الثانية نهاية هذا الشهر، وهناك العديد من المتغيرات والمسارات الاستقطابية والصراعية المستمرة على الساحة السياسية المصرية، بين الرئيس وجماعته وحلفائهما من جهة وبين الجماعة القضائية والصحافية والجماعات السياسية المدنية والعمالية من جهة أخرى، تفجرت مع قراراته يوم 22 نوفمبر الماضي، التي ضرب بها الاستقلال القضائي وحصن بها التأسيسية الثانية للدستور ومجلس الشورى الذي أعطاه حق التشريع، كما حصن كل ما صدر عنه من قرارات، واجتمعت هذه التأسيسية ليلا طويلا تصوت على أول دستور مصري بعد الثورة انتهت منه صباح اليوم التالي.
ورفض الرئيس تأجيل الاستفتاء على هذا الدستور المطعون في لجنة صياغته ولم تكن متوازنة كما أقر الرئيس محمد مرسي نفسه، كما لم يعط الشعب فرصة كافية للتعرف عليه، معتمدا على آلة أيدولوجية دينية ودعوية تخلط الدين بالدنيا والدستورية بالإيمانية، كان آخرها الاستفتاء على الدستور الجديد يوم 15 ديسمبر الماضي، وتمريره رغم ما سبقه من أحداث من أحداث واحتجاجات وصدامات كان بعضها وأهمها في محيط قصر الاتحادية راح ضحيتها عشرة قتلى..
في سياقات كهذه أتت مفاجأة الانتهاء من الدستور ثم الاستفتاء على التصويت عليه والتعريف به في مناخات مشدودة متوترة، ليكون أشبه ب نص لا تنقضي مفاجآته وعجائبه، ولا تخفي عواره الموافقة عليه مع ما شملته عملية الاستفتاء من انتهاكات ومشكلات، بل تؤكد هذا العوار ضمنيا وواقعيا دعوة الرئاسة للمعترضين عليه بإرسال ملاحظاتهم لتعديله إليها!! كما أقرت إحدى جلسات الحوار الوطني الذي لم تشارك فيه القوى السياسية المعارضة، غير تلك التي شاركت في التصويت الليلي عليه وبعض الوسطاء الذين وصفوا أنفسهم بعربات الإطفاء للنار كما جاء على لسان الدكتور أحمد كمال أبو المجد.
في هذا السياق قدمت الكنائس المصرية الثلاثة "الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية" لرئاسة الجمهورية، يوم الثلاثاء الموافق 25 ديسمبر سنة 2012، مذكرة تشمل ملاحظاتها على الدستور الجديد، وتطالب فيها بتعديل مواد بالدستور، وذلك رغم التكتم الشديد الذي تم فرضه عليها، ومحاولات عدم تسريبها، وهو ما يعكس عددا من الدلائل المهمة يمكنها أن نوجزها فيما يلي:
1- التوافق بين الكنائس الثلاث والقوى المدنية في مواجهة الخطاب الاسلامى غير المسئول، الذي يستهدفهم جميعا، وكانت ابرز حالاته الافتاء بعدم جواز تهنئة الاقباط باعيادهم وهى الفتوى التى اصدرتها الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح في مصر والتي تضم ممثلين من التيارات السلفية والإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، أبرزهم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين قبل اسبوعين فتوى نشرتها على موقعها الالكتروني بعدم جواز تهنئة المسيحيين باعيادهم الدينية او ما يمكن وصفه بالفجاجات التي يصدرها بعض الدعاة المنسوبين أو المحسوبين على التيار الديني في مناسبات مختلفة على مخالفيهم دينيا أو سياسيا أو فكريا والتي لم يسلم منها الأزهر فضلا عن الكنيسة.
2- رفض فكرة تهميش الاقباط من خلال تمرير الدستور مع عدم وجود ممثل من داخل الكنيسة بعد انسحاب ممثلى الكنائس القبطية الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية، من الجمعية التأسيسية وعددهم خمس.
3- الوعي والرصد بحالات التعدى وانتهاك الكنائس التى ترصد يومياً وكان اخرها الإحصائية التى رصدتها الكنيسة لحالات المختطفين والمهددين بالخطف، والتي بلغت بلغت 34 حالة خطف، منها 11 حالة تمت إعادة المختطفين بها، و7 حالات لم يتم فيها دفع فدية، وحالة واحدة خطف اقترنت بقضية قتل، بسبب رفض دفع الفدية والمبالغ التى تم دفعها كفدية لإعادة المختطفين فى اول عمل اعلامي خارج سيطرة المؤسسة الحاكمة على الرغم من نفي الكنيسة لاى ضغوط.
وتشير هذه المذكرة التي سنعرض لها لاتساع الهم المدني ودفاع الكنيسة عن المواطنة ككل وليس عن أبناء الطائفة أو الشعب المسيحي فقط، وهو تحول جوهري وأساس وطني يؤكد الوحدة الوطنية ضد التمييز على أساس ديني أو أيدولوجي من بعض التيارات الأصولية الحاكمة والمهمينة على الدولة دون الشارع الآن... وهو التحول الذي يتبدى في دفاع الكنيسة عن حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير والدفاع عن الدستورية والقضاء.. كما تشير هذه المذكرة.
وهو تحول واضح خاصة مع قدوم البابا تاوضرووس الثاني كنتاج لعملية اختيار البابا التصالحي، حيث اختارته بعد تصفية اثنى عشر مرشحا، إلى خمسة مرشحين فقط عرفوا بتوجههم نحو المصالحة، في لحظة حرجة ومأزومة من تاريخ مصر الحديث بعد ثورة 25 يناير سنة 2011، حيث استبعدت اللجنة المكلفة من الاختيار، كافة المرشحين الصداميين وأصحاب العلاقات مع الدولة واجهزتها واصحاب المواقف المتشددة تجاه الطوائف المسيحية الاخرى والمسلمين وفي مقدمتهم الانبا بيشوي الذي سبق وفجرت تصريحاته بشأن "الضيوف المسلمين" على مصر القبطية، ردود فعل غاضبة من الغالبية المسلمة بالاضافة إلى تصريحاته المتشددة تجاه الطوائف الاخرى، إلى جانب استبعاد كل من الانباء يوأنس سكرتير البابا السابق والمعروف بعلاقته القوية مع المجلس العسكري السابق، بعد الثورة، وهو ما قاد إلى غضب قبطي بسبب محاولته تسويف قضايا أحداث ماسبيرو، التي قتل فيها 27 ناشطاً قبطيا، كما استبعد الأنبا بيشوي كذلك لما عرف عنه من خطاب صدامي، كان سيعرض الاقباط لمرحلة صدام عنيفة مع الدولة، خاصة مع بروز ملامح جيل قبطي جديد في مصر لا يبالي بالصدام مع أجهزة الأمن كما أشارت دراسة سابقة ل معهد العربية للدراسات ملامح جيل قبطي جديد سيشكل علاقة الكنيسة بالدولة.
ولكن مع تطور الأحداث وازدياد عمق الحوادث الطائفية ونوعيتها غير المسبوقة، كما حدث في كنيسة أطفيح في مارس سنة 2011 او في كنيسة مارمينا في نفس العام، يبدو أن الكنيسة اتجهت لتطوير وتغيير في علاقتها مع الدولة المصرية بعد الثورة، وبمسايرة التطورات السريعة على اجندة الأحداث فى مصر، نجد ان الكنيسة المصرية اخذت منوالاً مغايراً للقديم و تضافرت العوامل فى ذلك إلى تحول علاقة المؤسسة الدينية الكنسية تجاه النظام من التأييد إلى المقاومة. فخرج الى السطح منهجاً جديدا لم يكن موجوداً فى الماضي، وهو ان الكنيسة لن تقبل ما هو غير مقبول لدى جمهور الكنيسة العريض وهذا يضع امامنا نتيجة هامة وهى ان الكنيسة خرجت من عباءة المؤسسة الحاكمة عكس ما كان الوضع فى الماضي، الى الوقوف بجانب شبابها فى الاعتراض على ما يرونه تمييزا ضدهم أو انتهاكا لحقهم في مواطنة كاملة شأن غيرهم من المصريين، فانسحبت الكنيسة مع الأزهر من التأسيسية الأولى قبل صدور حكم القضاء الإداري بحلها ثم انسحبت من التأسيسية الثانية التي وضعت الدستور الحالي قبل الانتهاء من حلها دون الأزهر الذي استمر دونها!
أولاً: ملامح التطورات الكنسية الجديدة
أكد البابا تواضروس الثاني أن ترتيب البيت من الداخل، وتجديد المسؤوليات داخل الكنيسة، سوف يحظيان بالأولوية من جانبه، لافتاً إلى وجوب تعديل لائحة 1957 لانتخاب البابا، لأن الكثير منها لم يعد يصلح للوقت الحاضر، وأن تعديل اللائحة سيكون أول ملف سيعمل عليه بعد اتفاق المجمع المقدس على ذلك ومن هنا نجد ان التحركات بدأت فعلاً فى ترتيب البيت الذى اخذت اشكاله وصورة عدداً من التفاعلات على النحو التالي:
1- الاعلان عن الكيان الإنجيلى كأحد اول بذور لم شمل الاسرة القبطية فى مصر و الذى يضم 40 كنيسة بمنطقة شبرا، والتابع للطائفة الإنجيلية، من خلال بيان تم اصدارة باسم الكيان فى 28 فبراير ليعلن عن رفضه للإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر من العام الماضي حيث وصف القس جرجس عوض، رئيس الكيان فى بيان صادر عنه ، قرارات الرئيس بـ«تسونامى سياسى فج ووصمة عار فى جبين ثورة 25 يناير، وهى قرارات غير مدروسة أو محسوبة، وضد الحقوق والحريات والثورة، وغير مقبولة محلياً ودولياً، وذبح غير شرعى لقضاة مصر»، وأشار إلى أن الرئيس بهذه القرارات يجعل من نفسه «إلهاً فرعوناً غير قابل للنقد ومالك زمام الأمور دون قيد أو شرط ".وتوالت بعدها الرؤي والافكار االمشتركة بين الكنيسة وشبابها مما يستدعى القول ا الكنيسة المصرية باركانها الثلاث قد وجدت نفسها اما الاقتراب من روادها واما العيش فى جلباب النظام كما كان الوضع .
2- ظهور فكره إنشاء مجلس الكنائس المصرية التى طرحها البابا شنودة قبيل رحيله على يد الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الكنيسة الانجيلية فى 5/1/2013 الذى يبادر من اجل تفعيل ماتم انجازة بالكنيسة الانجيلية ليتحول الى الكنائس المصرية الثلاث " الارذوكس _ الكائوليك _ الانجيلين " .
3-تغيير البابا للتقاليد البابوية للتقرب من رواد الكنائس وجاء ذلك من خلال مفاجأة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، المصلين بقداس رأس السنة الميلادية بكنيسة القديسين بزيارته ومشاركته في تطييب الجثامين الخاصة بشهداء الكنيسة في أحداث التفجيرات التي يحتفل بذكراها الثانية
4-فى 7 يناير الجارى عقد الأنبا كيرلس، أسقف مدينة نجع حمادى وضواحيها، مؤتمرا صحفيا بدير الأنبا بضابا بمدينة نجع حمادى، للإعلان عن حالات الأقباط المختطفين والمهددين بالخطف من أقباط مركز نجع حمادى وتأكيدة على ان الكنيسة لن تصمت ازاء الانتهاكات التى تصدر ضدها.
هذا على مستوى الطوائف المسيحية أما على المستوى الوطني والسياسي فيلاحظ اتساع المساحة المدني في فضاء الكنيسة والأقباط عموما، وهو ما يمكن أن ندلل عليه بالأمثلة الثلاث الآتية:
1- انسحاب ممثلي الكنائس القبطية الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكي من الجمعية التأسيسية وعددهم خمسة وعلقوا القرار النهائي على موافقة الكنيسة الأرثوذكسية التي تمثل معظم المسيحيين المصريين .
2- تصعيد الكنائس الثلاث «الارثوذكسيه والانجيلية والكاثوليكية» من غضبها تجاه مؤسسه الرئاسه والجمعية التاسيسيه للدستور ومقاطعتها الحفل الرئاسي الذي نظمته رئاسة ألجمهورية الذي تسلم خلاله الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهوريه مشروع الدستور الذي اعدته الجمعيه، التي سبق وانسحبت منها الكنائس.
3- إصدار ممثلي الكنائس الثلاث بيانا تلاه الأنبا باخوميوس في مؤتمر صحفي يقول "الدستور المزمع صدوره بصورته الحالية لم يحقق التوافق الوطني المنشود ولا يعبر عن هوية مصر التعددية الراسخة عبر الأجيال ".
ثانياً مع الأزهر والمدنية والمواطنة
جاء تأكيد الازهر والكنيسة على وحدة الصف وعدم الانحراف بالطريق السليم من خلال البيان الصادر عن مشيخة الازهر الشريف والكنيسة المصرية يوم السبت الموافق 28 نوفمبر 2012 والذى جاء فية " من تفهُّم بيت العائلة المصرية -الذي يترأسه شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية- بدقَّة هذه المرحلة والأهداف العليا للوطن التي يحرص عليها مرسي، الذي قال:"لا بُدَّ أنْ ننزل جميعًا على إرادة الشعب"، يتوجَّه بيت العائلة إلى كلِّ القوى الوطنية الحريصة على مصلحة الوطن العُليا كخطوة أولى، يُناشد الرئيس مرسى أنْ يجمِّد الإعلان الدستوري لمصلحة الوطن، وأنْ يجمع في أسرع وقت ممكن كلَّ أطياف الحياة السياسية والوطنية الفاعلة، على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.
وندعو كلَّ القوى الثورية والسياسية للتعاون لحل الخلاف بالمشاركة في حوار شفاف وموضوعي، والاستماع إلى كلِّ الآراء وتدارس الوسائل الناجعة لجمع شمل المصريين جميعا في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة، لاستكمال أهداف الثورة المصرية، والوصول بالوطن إلى برِّ الأمان، وحقن الدماء المصرية الغالية، وادِّخارها للدفاع عن سلامة الوطن وصيانة حدوده، وتوجيه كلِّ الطاقات لبناء مصر الجديدة الحرة الديمقراطية " ويخرج لنا من باطن هذا البيان ان المؤسسات الدينية فى مصر " الازهر والكنيسة " يحرص كلاً منهما على العيش داخل الازمة وعدم التوافق مع المؤسسة الحاكمة ووضع نصب اعينها مع الغالبية العريضة من شباب الامه فى النهوض بمصر الثورة وليس تكريساً للنظام الجديد.
ثالثاً: الكنيسة واتساع مدني ومصري
لم يكن الشباب المسيحي المصري يتظاهر بالشكل المعروف للتظاهر خارج أسوار الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بشكل خاص، أو خارج سور الكنيسة بشكل عام على مدار العديد من الأزمات الطائفية بداية من أزمة الراهب المشلوح وكليباته الجنسية سنة 2001، وإلى أزمة وفاء قسطنطين سنة 2005 وكاميليا شحاته سنة 2009.
وكانت هناك فرضية تاريخية أساسية ( ثبت خطأها فيما بعد) في التعامل مع الشباب المسيحي المصري باعتباره سلبياً وانعزاليا، ويتقوقع داخل أسوار الكنيسة، وهو الأمر الذي بدأ منذ ثورة يوليو 52 وإلى نهاية عام 2010 ولعل شبكات التواصل الاجتماعي.. كانت العامل الرئيسي في استقطاب العديد من الشباب المسيحي المصري إلى الحركات الاحتجاجية الوطنية وسقط منهم العديد من الشهداء في بداية الثورة وطوال موجاتها المتتالية حتى عهد مرسي وموقعة الاتحادية الأخيرة في 4 ديسمبر..
ظهر ذلك في دعوتهم للمسيرات والتظاهرات المتتالية وكانت مشكلات المواطنين المسيحيين المصريين وهمومهم كانت الأولوية الأولى للحركات الاحتجاجية المسيحية قبل 25 يناير 2011 سواء على المستوى السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، وهو ما اتسع بعد 25 يناير 2011 ليصبح هذا الأمر أولوية ضمن قائمة أولويات أخرى تندرج تحت بند الإصلاح السياسي بالدرجة الأولى، ولم تعد مطالبهم ذات طابع طائفي فقط ولكن اتسعت لتتماهى مع التيارات المدنية في التأكيد على حق المواطنة للمصريين جميعا وأن مصر للمصريين حقيقة وليست شعارا.
خرج الشباب المسيحي المصري خارج أسوار الكنيسة، وقام ب دوراً رئيس في الثورة وموجاتها المتتالية، وجذب الكنيسة بعيدا عن الدولة خاصة بعد استحواذ الإسلاميين على مساراتها وهياكلها وصعود رفض دعوى أو حقيقة أخونة الدولة المصرية، والحملات الإعلامية الهائجة ضدهم وضد المدنيين عموما من قبل بعض المحسوبين على النظام الجديد أو من يرتبطون بهم وظهروا في عهده أو تم العفو عنهم، ويمكننا أن نشير في هذا السياق إلى عدد من الحركات القبطية الموجودة على الساحة السياسية الان والتي تضم مسحيين ومسلمين في الآن نفسه رغم لافتتها المسيحية أو الإسلامية:
1- حركة مينا دانيال
2- اتحاد شباب ماسبيرو .
3- أقباط بلا قيود.
4- أقباط من أجل مصر.
5- حركة الحقوق المدنية للمسيحيين.
6- حركة مصر المدنية.
7- التحالف المدني المصري.
8- حركة الإخوان المسيحيين.
رابعاً: إصرار على المواطنة الكاملة
هناك متغيرات واضحة في مواقف الكنيسة، تدلل عليها مثالا تصريحات البابا تواضرووس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس فى حديثه مع وكالة رويترز بتاريخ 18 نوفمبر 2012 حيث أكد معارضة الكنيسة لاى مادة قد تعوق توحد النسيج الوطني المصرى فقال: " أن الدستور الذي يصيغه ساسة مصريون لابد أن يراعي كل المصريين، وأن الكنيسة ستعارض أي نص يراعي مصلحة الأغلبية المسلمة وحدها، معبراً عن رفضه الكلي لإقامة دولة دينية في مصر "..
واكد ايضاً فى حواره هذا على أن المسيحيين يجب أن يكونوا أكثر إيجابية في السعي لتشكيل الوضع السياسي في مصر بعد انتفاضة العام الماضي، مضيفاً أن "جمال المجتمع المصري المسلم جنب المسيحي والتنوع قوة و جمال"، مؤكداً أن الدستور الجديد يجب أن يظهر التنوع في المجتمع المصري " وهو ما لم يحدث بعد تمرير الدستور والتصويت عليه بعد هذا الحوار.
وعندما سئل عما سيفعله إذا امتلأ الدستور بمواد تتحدث عن المرجعية الإسلامية أجاب قائلاً "سنعترض"، لكنه لم يحدد أي النصوص التي سيعتبرها مغرقة في الجانب الإسلامي. وقال إنه لن يدعو المسيحيين للنزول إلى الشارع، مضيفاً "نحن نؤمن بالتعبير السلمي والتعبير من خلال القنوات الشرعية ومن خلال المطالبة بالحقوق والإصرار على هذه المطالبة أي أن الإنسان لا يترك حقه أبدا لكن بطرق مشروعة وطرق تحفظ سلام المكان وسلامة البلد " وقد اعترضت الكنيسة الأرثوذكسية وغيرها من الكنيسة وقدمت مذكرتها التي جاءت وطنية بامتياز ومدنية بامتياز مدافعة عن المواطنة المصرية وعن الجماعات القضائية والصحافية والمدنية المصرية في وجه الاستحواذ والشعبوية الدينية الصاعدة بمحاذاتها جميعا.
ملاحظات الكنائس والدستور الجديد
مذكرة الكنائس الثلاث " الارذوكسية والكاثوليكية والانجيلية " كانت الأولى والأسبق في طرح ملاحظاتها على الدستور الجديد وقد نشرتها بوابة الأهرام المصرية مشكورة يوم 28 ديسمبر سنة 2012، رغم محاولات التكتم عليها، حسب تعبيرها، حيث تم تقديمها للرئاسة يوم 25 ديسمبر، قبل النشر بثلاثة أيام.
وحددت الكنيسة عدة مطالب لا يمكن تجاهل اي منها وهذه المطالب تشمل المدني والوطني أكثر مما تشمل الطائفي أو الشعب الكنسي نفسه، وهو ما جعله تحظى بقبول كبير لدى جمهور القوى المدنية|، جاءت هذه المطالب كما يلي:
1ـ تكريس لدولة دينية
2ـ أحادية الثقافة وسطوتها
3ـ تهديد مبدأ المساواة أمام القانون والتزام الدولة بتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التفرقة بين المواطنين
4_ مخالفة مبادئ الشرعية الجنائية والعقوبات لأول مرة بنص دستوري
5ـ التحصين من رقابة القضاء والعصف بحصانة القضاة وباستقلال القضاء
6ـ تقييد حرية الصحافة واستمرار الحبس في جرائم الرأي المعروفة بجرائم النشر
7ـ إهدار حقوق أطفالنا
8ـ التراجع عن موقف مصر من حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية الثابت في دستور العام 1923 ودستور العام 1971 وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
9ـ حذف النص على حظر قيام أحزاب على أساس ديني أو جغرافي وحظر قيام أحزاب أو جمعيات سرية أو ذات طابع عسكري.
وطالبت المذكرة في المحور الأول بحذف التفسير الأيدولوجي للشريعة الإٍسلامية، الذي يرادف بين ما يعرف بمبادئ الشريعة وأحكامها في الصيغة السلفية، مطالبة بكل شجاعة بحذف المادة 219 التي أضيفت بعد انسحاب القوى المدنية من تأسيسية الدستور التي صوتت عليه، ولم يوافق عليها ممثلو القوى المدنية أو ممثلو الكنائس الخمس، والتي تنص علي "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب السنة والجماعة".
المواد المفسرة للدستور وملاحظات الكنيسة
وجاءت ملاحظات الكنيسة على هذه المادة وفق مبدأ دستوري لا ديني وهو أن "التوافق العام والعرف الدستوري يقضيان بعدم إدراج مواد مفسرة للدستور فيه، وبينما تمثل مبادئ الشريعة الثابت والمتفق عليه من حيث المصدر، والمدلول فإن أحكام الشريعة هي المتغير بحسب الظروف والزمان والمكان، والمختلف عليه بين الفقهاء بحكم طبيعة الأمور، ولذلك فإن تعديل المادة (2) لتكون أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والقابلة للتأويل والتبديل هي المصدر الرئيسي للتشريع في إطار وجوب أخذ رأي الأزهر فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية (المادة 4)، يضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه ويهدد الاستقرار القانوني والاجتماعي وهو مايتعارض مع مقتضيات دولة الديمقراطية والقانون.
كذلك اقترحت تعديلا علي المادة (4) والتي تنص علي "الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام علي كافة شئونه، ويتولي نشر الدعوة الإسلامية، وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق الأزهر الشريف أغراضه وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.
واقترحت المذكرة أن يتم تعديلها إلى : "الأزهر الشريف مؤسسة إسلامية جامعة، يختص دون غيره بالقيام علي كافة شئونه، ويتولي نشر وتطوير العلوم والمعارف الإسلامية والدفاع عن وسطية الإسلام وسماحته في مختلف بلاد العالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشأن الإسلامي، كما يعمل علي ترسيخ الوحدة الوطنية اعترافا بدوره التاريخي، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، ويحدد القانون طريقة اختياره من بين هيئة كبار العلماء".
وطالبت مذكرة الكنائس الثلاث بحذف الفقرة الثانية من المادة (81) والتي تنص علي "المبادئ والحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لاتقبل تعطيلا أو انتقاصا ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة هذه الحقوق أو الحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها وتمارس هذه الحقوق والحريات بما لايتعارض مع الأحكام والمبادئ الواردة في باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور".
أسباب التعديل
وساقت المذكرة الأسباب التالية لطلبها تعديل تلك المادة:
"الدستور هو المرجع النهائي للحقوق والحريات التي يمارسها المواطن وتحميها الدولة، باعتباره عقدا اجتماعيًا بين جميع المواطنين يحدد الحقوق والالتزامات المتبادلة بين المواطنين من ناحية ومؤسسات الدولة من ناحية أخري، والمشروطية المضافة تفتح الباب لإلغاء مرجعية الدستور والتراجع عن الحقوق والحريات وتقييد ممارستها علي نحو يمس جوهرها ويتعارض مع الهدف من النص عليها في الدستور ومع نص الفقرة الأولي من ذات المادة (81) نفسها وتزداد خطورة هذا النص في إطار المادة (219) المقترحة والتي تجعل أحكام الشريعة وآراء الفقهاء المختلف عليها والتي تمثل اجتهادا بشريا غير ملزم، المصدر الرئيسي للتشريع مما يسمح باستخدام رأي الفقيه الديني لتقييد حقوق وحريات المواطن الأساسية، وكل ذلك يجعل الدستور وثيقة لاتضمن حقوق المواطن المصري، وقد تستخدم لفرض هوية ثقافية مخالفة للهوية المصرية الوسطية المتفتحة علي العالم ولفرض ولاية الفقيه بدلا من دولة القانون.
وفي المحور الخامس (التحصين من رقابة القضاء والعصف بحصانة القضاة وباستقلال القضاء)، طالبت الكنائس بحذف المواد (227، 230 ، 233) وكانت ملاحظاتهم عليها أنه يجب أن تكون نصوص الدستور عامة مجردة، وألا تفصل لعقاب أو محاباة أي شخص مهما كان، وإلا كان ذلك إهدارا لقواعد المشروعية الدستورية وأن نص المادة 230 يكرس أن الإعلان الدستوري هو الذي يحصن مجلس الشوري والتأسيسية من الحل، بالإضافة لعدم جواز استباق حكم المحكمة الدستورية العليا في شأن عدم دستورية القانون الذي تم علي أساسه انتخاب مجلس الشوري لأن في ذلك اعتداء علي سيادة القانون، فإن بطلان التشكيل لمخالفة القانون لقاعدة تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون يهدر شرعية مجلس الشوري في جميع الأحوال، ولو كان الهدف من النص حقيقة ملء الفراغ لغياب مجلس الشعب لجاء النص محافظا علي مجلس الشوري حتي انعقاد مجلس النواب المنتخب.
وفي محور حرية الصحافة، طالبت الكنائس بتعديل المادتين 48 و49 وإضافت مادتين أخريين هما (49 مكرر و49 مكرر1) والتي نصت علي أنه: "لايجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الإدعاء المباشر، ولاتوقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم"، و"تكفل الدولة استقلال الصحف التي تملكها عن السلطة التنفيذية وعن الأحزاب السياسية باعتبارها هيئات بث ونشر عامة مملوكة للشعب".
وكانت الملاحظة جرائم النشر ليست جرائم صحفيين وإنما لكل مواطن ارتكب جريمة بإحدي وسائل العلانية (مادة 171 من قانون العقوبات) مثل الكتّاب وخطباء ميدان التحرير وشباب المظاهرات ومن يتحدثون في الفضائيات أو أي مواطن ينشر رأيه في الصحف أو علي الإنترنت، وغرض المادة هو إلغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر ونتيجتها تعديل قانون العقوبات للنص علي عقوبة مدنية كبيرة بدلاً من عقوبة الحبس وعن المادة "49 مكرر 1" قالت إن هذا النص يمثل مبدأ أساسيًا وضرورة لاستقلال الصحافة القومية والاذاعة والتليفزيون المصري باعتبارهم ملكًا للشعب، ولايتعارض هذا النص مع النصوص الواردة في باب الأجهزة الرقابية المستقلة.
وكذلك طالبت الكنائس بإضافة فقرة علي المادة 51 والخاصة بإنشاء الجمعيات والاحزاب "ويحظر إنشاء أحزاب سياسية علي أساس ديني أو جغرافي، كما يحظر إنشاء أحزاب سياسية أو جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نشاطها سريا أو ذا طابع عسكري أو استنادا لأي مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور" وبرروا ذلك بأن "هذه المحظورات ضرورية للحفاظ علي وحدة النسيج الوطني وعلي الأمن القومي وكذلك علي المقومات والحقوق والحريات الدستورية ولايوجد مبرر لحذفها. وقد وردت هذه المحظورات في المادتين (5) و(55) من دستور 1971 وفي قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 كما أن النص الوارد في المادة 194 بحظر إنشاء أي تشكيلات أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية إلا بمعرفة القوات المسلحة غيركاف.
يبدو أنها دخلت مضمار الثورة ضد النظام الجديد الذي يهدد مدنية الدولة ويمارس استحواذه على معارضاتها وقضائها وحرياتها، ويعد – حسب رئيس وزراء حكومته هشام قنديل- سبعين مشروع قانون للعرض على مجلس الشورى الذي تحول بحكم الدستور الجديد لمجلس تشريع وأعاد البرلمان المنحل رغم أنه بني على نفس الأساس القانوني الذي أدى لحل الأول..
قدمت الكنائس المصرية ملاحظاتها واضحة صريحة، كما قدمت بعض القوى السياسية والجماعات المهنية كذلك ملاحظاتها ولكن يبقى الرأي الأخير لمؤسسات لا يطعن عليها مثل الشورى الذي تغير دوره وهويته لمجلس تشريعي أو الرئيس الذي لا يطعن على قرار له بموجب قرارات 22 نوفمبر الماضي فاتحة الأزمة المستمرة والمتتالية موجاتها حتى الآن.
* إعداد: أحمد الشريف


 

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)