آخر الأخبار
 - باستثناء التيار السلفي في عمومه، ومن يدور في فلكه، قوبل الإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور محمد مرسي في الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري باستهجان واستياء شديدين، من كل القوى السياسية المصرية....

الأربعاء, 28-نوفمبر-2012 - 08:35:22
مركز الإعلام التقدمي -

باستثناء التيار السلفي في عمومه، ومن يدور في فلكه، قوبل الإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور محمد مرسي في الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري باستهجان واستياء شديدين، من كل القوى السياسية المصرية، عبرت الكثير من التصريحات والفاعليات السياسية التي شهدتها مصر منذ إصدار ذلك الإعلان. إذ اجتمعت القوى السياسية في مقر حزب الوفد لتعلن رفضها القاطع للإعلان الدستوري، والتأم القضاة بعد ساعات من صدور الإعلان ثم انعقدت جمعيتهم العمومية في اجتماع طارئ يوم 24 نوفمبر لتعلن عن رفض الإعلان الدستوري ومحاولات إقصاء القضاء، وأعلن نادي القضاة تعليق العمل في المحاكم والنيابات بدء من 25 نوفمبر، كما شهدت نقابة الصحفيين في 25 نوفمبر اجتماعا للجمعية العمومية أعلن الصحفيون خلاله رفضهم الإعلان الدستوري ومحاولات المساس بالحريات العامة، وكذلك رفضه تيار استقلال القضاء رغم مشاركة بعض رموزه في حكومة قنديل، مصرين على الانتصار للمهنة والقانون على الأشخاص! وكذلك صرح مستشارون كبار ك طارق البشري برفضه لهذا الاعلان، واعتبره غير دستوري، رغم حسبانه على التيار الإسلامي، وهو ما اتحدت فيه نخبة اساتذة القانون والاكاديميين المستقلين كذلك، باستثناء بعض المحسوبين على الانتخابات.


معارضة تتسع
وكما اجمعت الجماعة القضائية على رفض هذا الاعلان الدستوري الاخير، اجتمعت الجماعة الصحافية على رفضه، وكانت الاستثناءات قليلة، ومن ايده من غير الإخوان.
أدانت القوى السياسية والنقابية على اختلافها الإعلان الدستوري الاخير الذي اصدره مرسي قبل يومين، معتبرين أنه اغتيال للديمقراطية وسيادة القانون، وأنه محاولة لصنع ديكتاتور جديد. إذ أعلن الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور، أن الإعلان الدستوري انتهاك واضح للدولة الديمقراطية المنشودة، و يمثل نسفا لمفهوم الدولة والشرعية، كونه يمنح الرئيس محمد مرسى، سلطات تجعله فرعون، مؤكدا أنه على ضرورة التراجع عن هذا الإعلان الدستوري "الديكتاتوري". أما السيد عمرو موسى رئيس حزب المؤتمر فاعتبر أن يوم إصدار الإعلان الدستور هو يوم أسود في تاريخ مصر، واصفا الإعلان بأنه مذبحة جديدة للقضاء وتحد لإرادة الشعب. كما وصف حمدين صباحى رئيس التيار الشعبي الإعلان بأنه انقلاب علي الديمقراطية واحتكار كامل للسلطة، مؤكدا أن الثورة لن تقبل ديكتاتوراً جديدا. أما الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر قوية فقد أعلن رفضه للإعلان رغم اتفاقه على بعض ما جاء به من محاولة لتحقيق بعض المطالب الثورية، ولكنها جاءت وسط حزمة من القرارات الاستبدادية انتكاسة للثورة. كما رأى الدكتور أيمن نور رئيس حزب "غد الثورة" أن الإعلان يعيد مصر الى زمن ما قبل المؤسسات.
وفيما يتعلق بالقضاة والمحامين، وصف المستشار أحمد الزند رئيس نادى قضاة مصر الإعلان الدستوري بأنه تجريف لدولة القانون ويمثل انتقاصا لاستقلال القضاء وتدخلا في شئونه إلى جانب مساسه بحرية الرأي والتعبير، وأن القرارات التي تضمنها الإعلان ثأرية وليست ثورية. كما رأى سامح عاشور نقيب المحامين أن الإعلان مقدمة لاستيلاء الإخوان المسلمين علي الدولة. كما انتقدت المستشارة تهاني الجبالي، نائبة رئيس المحكمة الدستورية الإعلان مؤكدة أن الرئيس بتلك القرارات يخرج الرئيس عن الشرعية الدستورية، التي أتت به رئيسا للجمهورية. كما قرر قضاة المحكمة الدستورية العليا، جمعية عمومية طارئة اليوم الاثنين لبحث اتخاذ موقف من ذلك الإعلان. كما اتخذت الجمعية العمومية للصحفيين في اجتماعهم في 25 نوفمبر قرارا برفض الإعلان ودعت إلى مسيرة تنطلق من نقابة الصحفيين إلى ميدان التحرير للتضامن مع المعتصمين في الميدان حتى التراجع عن الإعلان الدستوري، وكذلك فعلت نقابة المحامين.
لم تتوقف إدانة الإعلان الدستوري على القوى المدنية فقط، بل إن بعض القيادات السلفية التي عبرت عن اتفاقها مع مقاصد الرئيس من الإعلان، إلا أنهم عبروا عن رفضهم تحصين قرارات الرئيس على اعتبار أن العصمة لله وحده. إذ رأى عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي للدعوة السلفية أنه لا عصمة لبشر بعد الأنبياء ولا يجوز لأحد أن تكون قراراته كلها غير قابلة للطعن بأي طريق وأمام أي جهة، كما طالب اسامة القوصي الداعية السلفي الرئيس عن الإعلان وعن التعدي على السلطة القضائية. وانتقد ياسر برهامي الصلاحيات الواسعة للرئيس. كما اعترض الاستاذ محمد عبد القدوس رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين وعضو الإخوان المسلمين على الإعلان، مؤكدا أنه باعتباره ابن ثورة الحرية يرفض السلطات المطلقة للرئيس مهما كانت الأسباب.


استقالات من مؤسسة الرئاسة
وعلى صعيد آخر، أدى الإعلان إلى انسحاب عددا من مساعدي ومستشاري الرئيس. إذ انسحب الدكتور سمير مرقس مساعد الرئيس للتحول الديمقراطي، كما انسحب كل من الأستاذ فاروق جويدة والأستاذة سكينة فؤاد، كما تناثرت بعض الأنباء بالأمس (25 نوفمبر) عن استقالة كل من الدكتور سيف الدين عبد الفتاح والدكتور عمرو الليثي ومحمد عصمت سيف الدولة من الهيئة الاستشارية للرئيس. الأمر الذي يعني أن مصر باتت على أعتاب أزمة حقيقية يصفها البعض بالكارثة، خاصة في ظل أولا تمترس كل طرف خلف موقفه وارتفاع سقف المطالب، وثانيا ما تشير إلى العديد من الشواهد من تحول الاختلاف السياسي إلى حالة من العنف المتبادل والتهديد باستخدام العنف حتى أن قيادي الإخوان وهو المهندس مدحت الحداد مدير مكتب جماعة الإخوان بالإسكندرية، وعضو مجلس شورى الجماعة قال مهددا "إحنا مش أقلية لازم الكل يبقى عارف كدة كويس ... إحنا عارفين حجمنا أد إيه، وحنتصرف على هذا الأساس والعنف بالعنف".


سيناريوهات ثلاثة
باختصار، فإن الإعلان الدستوري قد أدخل مصر في أزمة حقيقية وغير مسبوقة في ظل النظام الجديد الذي لم يمر عليه في السلطة سوى ما يقرب من خمسة أشهر. إذ خلق الإعلان حالة قريبة من تلك التي كانت عليها مصر إبان ثورة 25 يناير، حيث أصبح الإخوان أو التيار الإسلامي في جانب بينما الجميع في جانب آخر، وعادت شعارات الثورة مثل "الشعب يريد اسقاط النظام" و "ارحل" إلى الواجهة مرة أخرى. وهنا يثور التساؤل هل من مخرج من تلك الأزمة التي تكاد تعصف بمنجزات الثورة. وفي الواقع فإن الخروج من تلك الأزمة سيأخذ ثلاثة أشكال أو سيناريوهات:
 
الأول: تراجع الرئيس وسحب الإعلان الدستوري كما تطالب القوى المدنية.
وهو سيناريو على الرغم من صعوبة تصور إمكانية تحققه، على اعتبار أن الموقف الذي أوجده الإعلان الدستوري هو موقف صفري بالدرجة الأولى، بحيث أن كل مكسب يحققه طرف ما يعني خصما أو خسارة بالضرورة للطرف الآخر، فإن سوابق الرئيس في التعامل مع الأزمات التي أجدتها قراراته يشير إلى أنه سيناريو غير مستبعد، بل إن تلك السوابق هي التي تدفع المعارضين للإعلان للتمسك بضرورة التراجع عنه. فالرئيس تراجع سابقا على الاقل في أزمتين؛ الأولى في 8 يوليو الماضي على خلفية قراره بإعادة مجلس الشعب المنحل، والثانية في 11 أكتوبر على خلفية قراره استبعاد النائب العام. ومن ثم فإن الرسالة الأساسية التي خرج بها الجميع من هذين الموقفين هو أن قرارات الرئيس غير مدروسة بالقدر الكافي وأنه يلقي بقراراته لاختبار صلابة المعارضين أو المستهدفين بقراراته، فإذا ما كان رد فعلهم عنيفا فإن الرئيس يتراجع.


الثاني: الإصرار على الإعلان الدستوري بصرف النظر عن رد فعل الشارع.
وهو سيناريو يبدو مستبعدا في ظل رد الفعل المتصاعد من القوى المعارضة للإعلان وفي ظل ما يحدثه الإصرار على الإعلان من انسحابات من الفريق الرئاسي ومن استياء سواء بين بعض عناصر الإخوان أو بين قيادات التيار الإسلامي والسلفي تحديدا. كما أن الإخوان يدركون جيدا أن التداعيات المتوقعة للإصرار على الإعلان لن تكون في صالحهم بأي حال من الأحوال. فالأوضاع الاقتصادية والأمنية في مصر لا تحتمل مثل تلك التوترات التي تحدث في الشارع منذ إصدار الإعلان الدستوري.


الثالث: التراجع الجزئي.
أي أن يتراجع الرئيس عن بعض المواد التي تضمنها الإعلان، مثل تلك المحصنة لقراراته والتي تنال من السلطة القضائية مع الإبقاء على بقية المواد المتعلقة بإقالة النائب العام وإعادة المحاكمات. ويبدو أن هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق، إذ تشير الاجتماعات التي عقدها الرئيس مع فريقه الرئاسي والبيان الذي أصدرته الرئاسة لتوضيح الإعلان الدستوري واللقاء الذي سيجمع الرئيس بالمجلس الاعلى للقضاء اليوم (26 نوفمبر)، والذي سيركز بالأساس على البحث في كيفية الخروج من المأزق ومبادرة المجلس الأعلى للقضاء بقصر تحصين قرارات الرئيس على القرارات السيادية، تشير إلى أن ثمة نية فعلية للتراجع الجزئي وأن البحث الجاري في كيفية إخراج هذا التراجع بالشكل الذي لا يضر كثيرا بموقف الرئيس.
وأخيرا، فإن تحقق أي من السيناريوهات السابقة، وبصرف النظر عن القرار الذي سيتخذه الرئيس، سيظل رهنا بموقف القوى السياسية وحالة الاحتقان المتواجدة في الشارع حاليا. وفي كل الأحوال فإن تأخر الرئيس في التعامل مع الغضب المتصاعد في الشارع سيزيد الأمور تعقيدا. فالتأخر سيخلق حالة شبيهة بتلك التي كان عليها نظام الرئيس السابق مبارك إبان ثورة 25 يناير، حيث كانت قراراته أو بالأحرى تنازلاته تأتي متأخرة في وقت يكون سقف المطالب قد ارتفع ولا يجد الثوار أو المعارضون للرئيس سوى التصعيد ورفع سقف المطالب. كما أنه من المؤكد أن ما يحدث في الشارع وفي ميدان التحرير حاليا سيزيد من احتمالات وقوع أحداث عنف خاصة مع الأجهزة الأمنية بما قد ينتج عنه مزيدا من الإصابات والشهداء بما من ِشأنه أن يضعف من فرص التوصل إلى اتفاقات. ومما لا شك فيه فإن محاولات الوصول إلى حل للخروج من المأزق قبل ما حدث بالأمس (25 نوفمبر) من الإعلان عن وفاة جابر صلاح عضو حركة 6 أبريل، وإسلام فتحي مسعود عضو الإخوان المسلمين في اشتباكات دمنهور كانت أسهل بكثير مما هي عليه اليوم.
 
* الدراسة أعدها صبحي عسيلة


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)