آخر الأخبار
 - اوباما

السبت, 10-نوفمبر-2012 - 15:07:42
مركز الإعلام التقدمي - متابعات -

الطريف في خطاب النصر لأوباما هذا الصباح هو انه اختصر المشاكل الداخلية والخطوط العامة للسياسة الدولية في جمل مفاتيح، نتعرض للبعض منها في هذه الاطلالة القصيرة.
الرئيس اوباما قال في هذا الخطاب ان امريكا قوة عسكرية " وأن جامعتنا وثقافتنا مصدر قوتنا" وختم بقوله أن المواطنين الذين اعطوه اصواتهم هم اللاعبون الرئيسيون، وبذلك ربط اوباما اسباب القوة بالعلم والثقافة، وجعل تفاعل المواطن مع قضايا بلده هو مفتاح النجاح.
 الجامعات والثقافة هي مفتاح نجاح أمريكا منذ عقود، فحتى في عز الازمة الاقتصادية لم يقع التخفيض في نفقات البحث العلمي بل وقع التقليص نسبيا في النفقات العسكرية.
الجامعات والثقافة هي أحد العناصر الأساسية في قوة أمريكا، هذا ما اشار اليه اوباما، وهذا ما ينقص شعوبنا العربية.
حكامنا يكدسون الأسلحة، والقليلُ النادر يستثمر في العلم والثقافة. وتحضرني هنا نصيحة العالم المصري أحمد زويل، صاحب جائزة نوبل عندما زار تونس بعد الثورة ، فقد أكد أن نجاح الثورة السياسية في بلدان الربيع العربي لن يكتب لها النجاح اذا لم تقترن بتفوق في مستوى البحث العلمي وتطوير مناهج التعليم. وقد قيل هذا الكلام أيضا منذ أكثر من قرن، فقادة الإصلاح في القرن 19 في تونس ومصر كانوا يلحون على ضرورة الاخذ بأسباب العلم كمدخل للتقدم والإصلاح الشامل (الطهطاوي وعبده وخير الدين التونسي وغيرهم ).
ثوراتنا العربية وهي تقترب من نهاية عامها الثاني كانت ثورات سياسية، خالية من مضمون ثقافي. كما ان جامعاتنا العربية ما تزال مصنفة في اسفل سلم الجامعات العالمية. لذلك اعتبر تأكيد اوباما في خطابه على أهمية الجامعات والثقافة ليس امرا عفويا، بل هو في مقدمة اولويات أمريكا وكان من المفروض ان يكون في مقدمة اولويات الحكام الجدد في بلدان الربيع العربي.
إن ما نشهده من تضخم في الحديث عن الهوية، ومن معارك فقهية وكلامية وهمية، ومن صولات وجولات سلفية يجعلنا نأسف على مستقبل دول الربيع العربي. لكن الامل الوحيد هو أن الشباب الذي فجّر هذه الثورات قادر على افتكاك المبادرة من جديد. إن امام الشعوب العربية فرصة تاريخية في ولاية اوباما الثانية للاستفادة من تجربة الرجل في الإصلاح مثلما فعلت ألمانيا واليابان المنهزمتين في الحرب العالمية الثانية وحققتا بعد ذلك أرفع نسب النمو الاقتصادي بفضل تفوقهما العلمي والثقافي .
فالرجل صادق في دعم الديمقراطية وفي مقاومة الارهاب والتطرف. واعتقد أن تفاعل نخبنا الفكرية مع ما جاء في خطاب اوباما من تشجيع على تطوير التعليم والثقافة هو السبيل الوحيد الى بر الامان لأن الاستثمار في البحث العلمي والثقافة سواء عن طريق الدولة او الخواص او الاستثمار الاجنبي سيكون البوابة الرئيسية للتقدّم.
إنه لا يوجد بحث ولا ثقافة دون حداثة، ولا حداثة دون انفتاح على الاخر ودون تفاعل جدلي مع مختلف الثقافات الانسانية. هذا ما يجب ان يفهمه حكامنا العرب. إن إمكانياتنا المالية الجبارة قادرة على إحداث هذه النقلة النوعية في المستوى العلمي والثقافي، تبقى فقط، الإرادة السياسية التي يجب ان تكون حاضرة وباستمرار وليس بشكل موسمي.
الدرس الثاني الذي نأخذه من هذا الخطاب هو ان أوباما ربط قوة أمريكا العسكرية والعلمية والثقافية بتفاعل المواطن معها، هذا المواطن هو الذي تَحرّك وصوّت للبرنامج، واعتَبر سر بقاء قوة امريكا في تكريس هذا البرنامج على أرض الواقع. فالقوة العلمية والثقافية رغم أهميتها لا تصنع الكثير إذا لم يتحمس لها الموطن ويساهم في تطويرها وإثرائها. اذن المواطنة في خطاب أوباما مفهوم متعدد الأبعاد، فهو إلى جانب كونه حق كل الأعراق والألوان والأديان في التمتع بكل الحقوق، فهو أيضا تفاعل ايجابي ومشاركة مباشرة لإثرائها. المواطن الامريكي اليوم رغم تداعيات الفيلم المسيء للاسلام، وتداعيات إعصار ساندي، وتداعيات الازمة الاقتصادية التي بدأ بها الرئيس الأمريكي ولايته الأولى لم يفقد ثقته في اوباما بل أصر على منحه فرصة ثانية ليكمل ما لم يقدر على استكماله في الولاية الاولى وهو متحرر من إكراهات الانتخابات القادمة.
أعتقد ان الشرق الاوسط مقدم على خارطة جديدة وتحالفات جديدة. واعتقد ان تيار الإسلام السياسي الإخواني بالعالم العربي سيعيد قراءته بشكل عميق لنتائج الانتخابات الامريكية. وستضطر هذه التيارات الى تغيير العديد من مقارباتها في اتجاه التخلص من رواسب الفكر الشمولي. أما التيارات الدينية المتشددة فلا أتصور أن مستقبلها سيكون هاما ومؤثرا في ظل ولاية اوباما الثانية. كما ان الازمة السورية ربما تشهد توجها نحو السيناريو اليمني في قادم الايام.
إجمالا يمكن القول أن خطاب أوباما اليوم استكمال لخطاب القاهرة مع اضافات اساسية ابرزها ان الديمقراطية لن تنجح بدون مضمون ثقافي، وان الاستبداد بكل اشكاله لن يكون له مكان في عالم معولم.
سيكتب التاريخ أن أمريكا ستبقى قوية بكل الوانها وأعراقها وأديانها وأن أوباما الذي منحه المواطنون الأمريكيون ثقتهم للمرة الثانية دليل على أن الشعب الامريكي يقدر خصال الساسة، ولا شك ان كاريزما الرئيس اوباما والذي مازالت تبدو عليه معالم الشباب، لعبت دورا كبيرا في حمله لسدة الرئاسة مرة ثانية.
 فكيف سيتفاعل العرب مع هذا الخطاب البرنامج والرسالة؟ وهل سيتجهون الى تغيير جذري في سياساتهم وأولوياتهم؟ وهل ستفهم تيارات الاسلام السياسي والتيارات السلفية عموما ان البحث العلمي والثقافة لن ينتعشا في ظل الترهل الذي نراه الآن يضرب كل قطاعاتنا الحيوية.
 
أعد الدراسة: الدكتور أعلية علاني – أكاديمي تونسي.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)