آخر الأخبار
 - اطفال لبنان

الجمعة, 09-نوفمبر-2012 - 17:40:23
مركز الإعلام التقدمي- فيرونيك أبو غزاله -
 لاشتباكات والنزاعات المسلحة ليست «لعبة الكبار» فقط في لبنان، فالأطفال لهم النصيب الأكبر أيضاً، ليس من خلال تحويلهم إلى «جنود» صغار يحملون الجعبات والأسلحة الرشاشة، إنما أيضاً عبر تسربهم من المدارس قبل إكمالهم مرحلة التعليم الأساسي. وهذا ما ينطبق تحديداً على المناطق «الساخنة» التي تشهد نزاعات مسلحة متكررة مثل مدينة طرابلس الشمالية وصولاً إلى منطقة عكار ومنطقة البقاع وضواحي العاصمة بيروت حيث نشأت أحزمة البؤس منذ سنوات طويلة، فعند كل أزمة أمنية جديدة، تفقد مدارس في هذه المناطق عدداً من طلابها الذين يتجهون إما نحو الالتحاق بالمجموعات والتنظيمات المسلحة على رغم صغر أعمارهم، أو يلجأون إلى العمل في أمكنة غير ملائمة لسنهم مثل ورش الميكانيك أو الحدادة والنجارة اتقاء للعوز. وعلى رغم أن هذه الظاهرة تزداد شيوعاً عاماً بعد آخر، فأي تدابير جذرية لم تتخذ بعد من قبل السلطات الرسمية على صعيد مواجهة التسرب المدرسي والحد من تأثيرات النزاعات المسلحة والمشاكل الأمنية على متابعة الأطفال لتعليمهم.

 

الفقر والاضطراب الأمني

 ما زالت ظاهرة التسرب المدرسي مجهولة الحجم في لبنان بسبب غياب الأرقام الرسمية الدقيقة. لكن بالعودة إلى إحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء خلال العام 2004 – 2005، يتبين أن نسبة التسرب كانت وقتها 9.21 في المئة في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي و8.61 في المئة في الصف السابع الأساسي وتتراجع الى 6.67 في المئة في الصف الثامن. وشهد لبنان منذ العام 2005 وحتى اليوم العديد من الاضطرابات الأمنية التي تركت أثراً كبيراً على المشهد التربوي، بالإضافة الى اشتداد الأزمة الاقتصادية ما يضطر الكثير من الأهالي الى سحب أولادهم من المدارس ودفعهم إلى سوق العمل لتأمين المال.

 لكن المدارس الموجودة في المناطق اللبنانية «الساخنة»، وتحديداً الرسمية منها، لا تحتاج إلى أرقام لتثبت تزايد حالات التسرب المدرسي لديها منذ الصفوف الابتدائية، فكما يوضح مدير مدرسة ابتدائيه رسمية في منطقة طرابلس، فضل عدم الكشف عن اسمه، هناك حوالى 8 طلاب سنوياً (أي حوالى 4 بالمئة من مجمل مئتي طالب) يتركون المدرسة نهائياً بسبب النزاعات الأمنية المستمرة وصعوبة التنقل. ويلفت إلى أنه في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والاقتصادي، يفضل الأهالي أن يتعلم أولادهم «مصلحة» معينة أي مهنة بدل إكمال تعليمهم، وذلك للمساهمة في تأمين لقمة العيش للأسرة.

 وكذلك الأمر في محافظة البقاع التي تبلغ فيها نسبة الأطفال الأميين 40 في المئة وفق الدراسة التي أجراها قسم علم الاجتماع والأنثربولوجيا في جامعة القديس يوسف بدعم من منظمة العمل الدولية. وتوضح المرشدة الاجتماعية المتمركزة في البقاع سناء الخير، أن هذه المنطقة تعيش وفق مبدأ أن كل مشكلة يمكن أن تتحول الى نزاع دموي، وبالتالي فهناك حالة قلق مسيطرة تمنع الأولاد من التركيز على تعليمهم والأهل من التنبه الى المستوى التعليمي لأطفالهم. كما أن «إهمال الدولة للبقاع من الناحية الاقتصادية يجبر الأهل على استغلال أطفالهم ودفعهم الى العمل في القطاعين الزراعي والصناعي منذ عمر صغير»، وفق الخير. ولا تجد المرشدة الاجتماعية حلاًّ لهذا الواقع إلا في جعل التعليم إلزامياً وبشكل إجباري، أي أن الأهل يُحاسبون في حال سحبوا أطفالهم من المدرسة قبل إنهاء تعليمهم الأساسي أقله. لكن ذلك لا يكون ذا فائدة، كما تقول الخير، إلا إذا قامت الدولة اللبنانية بتطوير مدارسها الرسمية أكثر «لتصبح مكاناً ملائماً للتعلم واكتساب المعرفة بدل أن تكون كما هي اليوم بحالة مهترئة، خصوصاً في المناطق النائية».

 

 

أي مستقبل؟

 شيوع ظاهرة التسرب المدرسي في المناطق التي لا تعرف الاستقرار طويلاً في لبنان، يطرح تساؤلات تتجاوز الواقع الآني الى المستقبل الذي ينتظر الأولاد الذين يمكن تصنيفهم «شبه أميين». فالطفل محمد، الذي يسكن في أحد أحياء طرابلس الشعبية ويعمل في ورشة لإصلاح السيارات، يؤكد أن عودته الى المدرسة ليست واردة أبداً على رغم أن عمره ثلاثة عشر عاماً فقط. ويخبر محمد أنه يعمل منذ أربع سنوات، بعدما كان يحضر بشكل متقطع الدروس بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

 ويشدد محمد على أن العمل ميكانيكياً يساعده على تأمين مئتي دولار شهرياً لأسرته، وهو المبلغ الذي يُعتبر عالياً في منطقة تعاني من الفقر المدقع منذ سنوات طويلة. أما حلم محمد فهو أن يكون له ورشته الخاصة يوماً ما، لكي يتخلص من الأوامر والطلبات الكثيرة التي تُلقى على كاهله ومن عمله لساعات طويلة.

 لكن تزايد أعداد الأولاد الذين يعيشون حالة محمد نفسها ينذر بخطر كبير، خصوصاً أن نسبة اليافعين في مناطق طرابلس وعكار والبقاع عالية مقارنة مع مناطق لبنانية أخرى، وبالتالي فإن كل هؤلاء الأولاد الذين تسربوا من مدارسهم سيجدون أنفسهم خلال السنوات المقبلة في مواجهة أزمة البطالة التي تطاول اليوم 34 في المئة من الشباب اللبناني، وفق البنك الدولي، فهل تكفي وقتها «الصَّنعة» أو الانتماءات إلى التيارات والأحزاب السياسية؟
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)