آخر الأخبار
 - الاردن

السبت, 27-أكتوبر-2012 - 12:11:39
مركز الإعلام التقدمي -

 



يعتزم الأردن إجراء انتخابات برلمانية في 23 يناير/كانون الثاني المقبل، وهي الانتخابات التي تعتزم قوى المعارضة الرئيسية من جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي للإخوان المسلمين) والجبهة الوطنية للإصلاح، مقاطعتها وهو ما يهدد بانتخاب مجلس نواب جديد منزوع المعارضة ولا يمثل القوى السياسية الرئيسية في المملكة، احتجاجاً على قانون الانتخابات. بالتوازي، سعت المؤسسة الملكية إلى تخفيف حدة التوتر السياسي بتعيين عبد الله النسور رئيساً للوزراء خلال أكتوبر/تشرين الأول الحالي وهو السياسي المعروف بنزعته الإصلاحية. ودعوة الملك عبد الله الثاني، في خطاب 23 أكتوبر، إلى إنهاء مقاطعة الانتخابات، مشدداً على أنها ستؤذن بحقبة جديدة من الإصلاحات السياسية والتأكيد على أن المعارضة يمكن أن يكون لها دور في إدارة شؤون البلاد.

وأشار الباحث أكرم الألفي، الذي أعد هذه الدراسة لمعهد العربية للدراسات والتدريب، إلى أن هذه الوضعية السياسية في الأردن تثير سؤالاً رئيساً بشأن إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية تسمح للنظام الملكي بالحفاظ على حيوية البرلمان بإعادة المعارضة للعملية الانتخابية دون إحداث خلل لتوازناته مع العشائر والمؤسسات الرئيسية وخاصة المخابرات العامة. ويسعى هذا التحليل الذي يقدمه الباحث أكرم ألفي لطرح إجابات عن هذا السؤال عبر استخدام نموذج "حل التناقضات البنيوية" كنموذج يسير عليه النظام الأردني للبقاء في ظل عواصف التوترات والأزمات الهيكلية في منطقة الشرق الأوسط المضطربة طوال تاريخه.



الأردن و"حل التناقضات البنيوية"




يناقض طرح "حل التناقضات البنيوية" قدرة الأنظمة التي تتعايش مع أزمات هيكلية دائمة على تجاوزها من خلال فرز أدوات وآليات للحفاظ على نوع من التوازن بين القوى السياسية والاجتماعية النشطة من خلال عملية إعادة تدوير مستمرة للنخبة واستخدام آليتي القوة والتنازلات بشكل دوري للحفاظ على استقرار النظام في إطار تعزيز القوى الاجتماعية الموالية ومنح الأمل لحل مشكلات القوى الاجتماعية المعارضة.

ولعل هذا النموذج ينطبق على الأردن أكثر من غيره من دول المنطقة العربية، حيث تأسس النظام الملكي الأردني خلال عشرينيات القرن الماضي عبر "حل للتناقض" بين العشائر الموجودة في شرق الضفة والنخبة الهاشمية من خلال "صفقة" الرضاء والقوة. وبالتوازي نجح النظام الحاكم في البقاء بمنطقة شديدة الاشتعال والتوتر منذ تأسيس الدولة العبرية في نهاية الأربعينيات وبروز إشكالية الضفة الغربية وما تلاها من حرب 1967 وتواجد مجموعة سكانية ضخمة من الفلسطينيين داخل الحدود الأردنية والاضطرار لانهاء سياسة التهدئة مع الفصائل الفلسطينية المسلحة في بداية السبعينيات لصالح استخدام القوة في سبتمبر 1970.

وحملت الثمانينيات تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي هددت بقاء النظام من خلال الانتفاضات الشعبية، وهي التهديدات التي تعاملت معها المؤسسة الملكية بتقديم التنازلات والقبول بالآليات الديمقراطية عبر انتخابات 1989 وهي الانتخابات التي دشنت صعود التيار الإسلامي الذي حصل على أكثر من 30% من المقاعد (24 مقعداً من أصل 80). وبعد نجاح النظام في حل التناقض الاجتماعي الرئيسي عبر الديمقراطية، عاد في 1993 ليعيد صياغة المعادلة مستعيداً الكلمة العليا عبر نظام انتخابي قائم على "صوت واحد لمقعد واحد" يمنح ممثلي العشائر والقوى التقليدية المؤيدة للمؤسسة الملكية الأغلبية داخل مجلس النواب طوال العقود الثلاثة المنصرمة.

ومع جلوس الملك عبد الله الثاني على عرش الأردن في 1999، بدأ الملك الشاب عهده باصلاحات سياسية ومحاولات جادة لمحاربة الفساد مما منحه القدرة على اكتساب الشرعية الشعبية بجانب الشرعية الدستورية سريعاً خاصة في ظل الرضا المزدوج من العشائر والفلسطينيين.

وتجاوز عبد الله الثاني خلال السنوات الثلاث عشرة المنصرمة العديد من الأزمات السياسية عبر تبني "حل التناقضات البنيوية" من خلال منح مساحات أكبر للمعارضة في لحظات محددة وترجيح كفة مؤسستي القصر والمخابرات في لحظات آخرى مع الحفاظ على ولاء اغلب العشائر. وكان تغليب كفة على اخرى في كثير من الأحيان مرتبط بالوضع والتهديدات الاقليمية خاصة عقب غزو العراق (2003) وتهديدات القاعدة (2005-2006) والتي منحت جهاز المخابرات القوى سلطات اوسع مقارنة بالسنوات الأولى لجلوس عبد الله الثاني على العرش. بالتوازي تزايد نفوذ مؤسسة القصر في السياسة وبسط نفوذهم على اجزاء هامة من النظام بالتوازي مع تفكك نسبي للولاء العشائري في ظل التحولات الديموجرافية التي تشهدها العشيرة الأردنية مع نجاح النظام في زيادة نسبة الخريجيين من الجامعات وارتفاع نسبة انخراط المرأة في سوق العمل.

وهي النجاحات التي تحسب للنظام ولكنها بالتوازي قوضت معاقل نفوذ رئيسية للنظام. وعلى جانب اخر، استفادت الحركة الإسلامية من التحولات الاقليمية التي دفعت التيار الإخواني للمقدمة عبر السنوات العشر الماضية وبالتوازي تزايد سخط الفلسطينيين الاردنيين وهو السخط الناجم بشكل اساسي عن ارتفاع سقف توقعاتهم خلال السنوات الخمس الأولى من القرن الحالي وليس نتيجة تراجع حقيقي لمتوسط الدخل او تدهور مستويات المعيشة.

كل هذه التحولات عبرت عن نفسها مع انفجار ثورات "الربيع العربي" في نهاية 2010 بداية 2011، حيث سعت كل القوى في الساحة الأردنية لاستغلال نجاح الثورات او تحولها لصراع مسلح في سوريا المجاورة لصالحها وبغرض تعزيز قوتها. وفي المقابل يسعى النظام الملكي إلى استعادة المبادرة عبر آليات "حل المعضلات البنيوية.




الحراك الشعبي مقابل خمس حكومات




عشية الثورات العربية كان النظام الأردني يسعى لدفع عملية الاصلاح الاقتصادي عبر التكنوقراطي القريب من القصر سمير الرفاعي ومثل الرفاعي التعبير الادق لعملية ادارة التناقضات البنيوية باحلال ابن احد عائلات السياسة العريقة يحمل مؤهلات التكنوقراطي الماهر والذي يمثل خياراً ايجابياً لصالح القصر والمؤسسة الأمنية في المقابل، فإن حجم ضغوط العشائر والتيارات السياسية الأساسية كان قد تراجع نسبياً مما يتيح فرصة لتحقيق عملية الاصلاح الاقتصادي.

وخلال عام وشهرين هي فترة رئاسته للحكومة، سعى رئيس الوزراء الشاب إلى تسريع عملية الاصلاحات الاقتصادية متعهداً بتحقيق المكاسب للجميع في فترة زمنية قصيرة. ولكن قبل ان يبدأ مشروعه الطموح في تحقيق المكاسب للمجموعات الأقرب للقصر جاءت الثورات العربية لتغلق الباب امام مشروع الرفاعي الصغير الذي ضم غالية التكنوقراط والبيروقراط المؤيدين للسياسات الأميركية والقريبين جداً من الأجهزة الأمنية. وبعد اقل من اسبوع من اندلاع التظاهرات الأردنية على غرار مصر وتونس، سارع الملك عبد الله باقالة الرفاعي في احد آليات نموذج "حل التناقضات البنيوية" الأكثر استخداماً في الأردن لتهدئة الغضب.

ومع إقالة الرفاعي في 1 فبراير، قبل سقوط نظام مبارك في مصر بعشرة أيام، عاد الهدوء نسبيا للشارع الأردني ونجح الملك في الحيلولة دون وصول سريع للثورات إلى عمان. وجاء تعيين معروف البخيت، ابن المؤسسة العسكرية، تعبيراً عن خيار تحجيم تأثير التيار السياسي الإسلامي والذي اشتهرت به حكومة بخيت الاولي (2005 – 2007). وراهن النظام على قدرة البخيت الخبير في السياسة والتعامل مع المعارضة في اسكات صوت التظاهرات ولكنه لم ينجح باستمرار الحراك وتظاهرات الجمعة.

وبعد ثمانية أشهر ونصف، أقال الملك حكومة البخيت ولكن بعدما نجحت هذه الحكومة القصيرة في كسب معركة الوقت مع المعارضة في ظل نجاحات الثورات في مصر وتونس وليبيا واليمن. فعملية الشد والجذب التي قامت بها حكومة البخيت كانت هي ما يحتاجه النظام في ادارة "التناقضات البنيوية"، مع استعادة جزء من دعم العشائر التي كادت ان تبعد لمسافات طويلة عن القصر في ظل حكومة "شباب الرفاعي". وجاءت الحكومة الثالثة بتعيين عون الخصاونة وهي الحكومة التي حملت شعارات محاربة الفساد والاصلاح السياسي لتفح كوة ضوء امام المعارضة لامكانية الحصول على مكاسب من النظام في ظل استمرار الحراك وتجذر شعارات المظاهرات إلى "تغيير النظام" وان كان على استحياء.

جاء قاض المحكمة الدولية المعروف بنزاهته وهو يحلم ان يدعمه الحراك الشعبي في تحقيق اصلاحات سياسية جذرية ومحاربة الفساد وتحجيم سلطة المخابرات العامة، ولكن كانت الأجهزة الأمنية له بالمرصاد حيث جعلته يعترف في النهاية بأن رئيس الوزراء الأردني ما هو إلا أداة.

ويمثل بقاء الخصاونة رئيساً للحكومة لمدة 6 أشهر نموذجاً لأزمات "حل التناقضات البنيوية"، حيث ان النظام في سياق بحثه عن شخص يعمل كمصد لرياح ارتفاع سقف المطالب السياسية والاجتماعية قد يجيء بشخصية تقوم على صدام مع الأجهزة الحليفة وبالتالي يصنع أزمة جديدة ويخرج في النهاية لينضم لهدير الحراك الذي جاء ليهدئه. وهذا ما حدث مع الخصاونة فقد اخرج الصدام مع المخابرات والديوان الملكي إلى العلن وحاول التقرب للإسلاميين مما لم يعجب نخبة حكومة الرفاعي السابقة والمخابرات التي تسيطر على الاعلام. وفي ظل احتدام الصراع اصبح الخصاونة ملهما لتصعيد الاحتجاجات وليس العكس وخرج من الحكومة ليصبح "صداعاً" او تناقضاً جديداً يجب على النظام التعامل معه.

في المقابل، فإن القصر استغل الخصاونة لاخراج تعديل قانون الانتخابات الذي عبر عن 90% من مطالب الحلفاء و10% للمعارضة، حيث لم يسمح التعديل سوى بانتخاب 15 عضواً فقط على القائمة الوطنية اي اقل من 20% من اعضاء البرلمان مقابل بقاء 80% من المقاعد فردية تتحكم فيها العشائر بشكل اساسي مع زيادة عدد مقاعد المرأة.

وربما كان الملك عبد الله في خطاب 23 اكتوبر يلمح صراحة بقوله إن البعض يشارك في المسؤولية وعندما يخرج يسابق بالانتقادات، يشير إلى عون الخصاونة الذي انتقد بشدة تعديل قانون الانتخابات الذي تم اقراره بعد خروجه من الحكومة بشهرين وانضم فعلياً للمعارضة الاسلامية واليسارية، بالإضافة إلى احمد عبيدات رئيس الوزراء الأسبق ورئيس الجبهة الوطنية للاصلاح المعارضة.

مثل خروج الخصاونة هزمية للتيار الإصلاحي لصالح المؤسسة البيروقراطية والأمنية وجاء رئيس الحكومة الرابع فايز الطراونة ليعيد اليد الطولى لهذه المؤسسات. فالطراونة المحافظ هو التعبير عن استدعاء النظام لرجل من الماضي القريب (حيث تولى رئاسة الحكومة خلال 1998 في عهد الملك حسين) ليعيد هيبة مؤسسات الدولة التي شعرت بالإهانة مع وجود الخصاونة. وواجه الطراونة في ظل حكومته التي استمرت اقل من 6 اشهر تناقض اقتصادي رئيسي وهو ضعف الموارد وارتفاع المصروفات مع تزايد اعباء الطاقة في ظل انقطاع الغاز المصري وتحمل الخزانة 3 مليارات دولار اضافية.

وسعي الطراونة بطريقته "اليمنية القديمة" إلى تحميل الطبقات الوسطى الثمن برفع اسعار الطاقة وهو ما اشعل الغضب الشعبي ورفع درجة سخونة الاحتجاجات التي توازت مع ارتفاع حدة الصراع المسلح في سوريا. وفي هذه اللحظة اصبح الطراونة عبء على الجميع وليس وسيلة لحل التناقضات البنيوية، فكانت اقالته من اجل تعيين رئيسا سادساً للحكومة خلال اقل من 20 شهراً.




هل ينجح خيار النسور؟




ولعل عبدالله النسور، السياسي الإصلاحي المخضرم، هو تعبير عن تغيير النظام لبوصلته نحو حل الخصاونة بالبحث عن شخص مستقل ويحمل نوعاً من العداء او التناقض مع الأجهزة الأمنية ويمثل خياراً مقبولاً للمعارضة. وجاءالنسور مثل الخصاونة بامال واسعة في ظل احساسه باحتياج النظام له من اجل حل التناقضات الجديدة وارتفاع حدة الاحتجاجات والخوف من تشكيل برلمان معدوم الصلاحيات بسبب تفريغه من المعارضة وخشية السيناريو المصري الذي كان برلمان 2010 الذي فرغ من المعارضة بمثابة الخنجر الذي منحه نظام مبارك لمعارضيه طواعية لطعنه به. وعبر النسور عن هذه الامال بقوله إنه سيكون في الأردن اوكسجين جديد وشمس جديدة ودعوته للمعارضة بالمشاركة في الانتخابات ومغازلته للتيار الإسلامي.

إن خيار النسور ودعوة الملك عبد الله للمعارضة للمساهمة في إدارة شؤون البلاد عبر خوض الانتخابات هو طريق المصالحة او بالاحرى ترخية الحبل من اجل تمرير الانتخابات البرلمانية دون ان تهتز مؤسسات الدولة وهي سياسة طبقها النظام مرتين من بين ستة خلال سعيه لحل التناقضات البنيوية منذ يناير 2011. ويبقي السؤال الجوهري هو: هل سينجح خيار النسور؟

الإجابة عن هذا السؤال ستصيغها بالاساس قدرة النظام على تقديم المزيد من التنازلات في قانون الانتخابات وقبول المعارضة بهذه التنازلات دون اغضاب الأجهزة الأمنية والبيروقراطية والعشائر. وفي هذا السياق، تكمن مخاطر في الرهان على النسور في الوقت الراهن، حيث انه في حال فشل النسور في اقناع النظام والمعارضة بالحوار وتقديم التنازلات المتبادلة قد يجد النظام في الاردن نفسه امام انتخابات "خالية من المضمون السياسي" تسمح بزيادة رقعة المعارضة خارج مقاعد مجلس النواب ورئيس وزراء سابق غاضب ينضم لفريق رؤساء الوزراء المعارضين المكون حالياً من عبيدات والخصاونة مما يزيد قوة المعارضة نخبوياً. وفي النهاية، فإن المؤسسة الملكية في الأردن أمامها خيارين عقب الانتخابات إما العودة لطريق "الرفاعي" وفريقه الذي يستعد عدد منه للعودة للحكومة الجديدة أو محاولة السير على نفس خط السعي للتهدئة والمصالحة عبر محاولة استقدام رئيس وزراء إصلاحي ثالث.




 
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)