آخر الأخبار
 -  تأثيرات الصعود السلفي في دول الربيع العربى

الجمعة, 05-أكتوبر-2012 - 06:50:34
مركز الاعلام التقدمي- علي بكر * -

يرى البعض أن من أهم تداعيات للربيع العربي هو الصعود القوي للتيارات الدينية بصفة عامة، والتيارات السلفية بصفة خاصة في دول الربيع العربى (مصر، تونس، ليبيا)، والتي أحرزت فيها التيارات السلفية مواقع متقدمة في الأوضاع الجديدة، حيث تشهد تيارات السلفية، على تصنيفاتها المختلفة، نشاطاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة على مستوى المنطقة العربية ككل.

ولقد انتعش السلفيون في حقبة الثورات العربية بشكل مفاجئ، واندفعوا إلى قلب العمل السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم أن الخطاب السلفي في السابق كان يحض أتباعه على الابتعاد عن السياسة، على اعتبار أنه "من السياسة ترك السياسة"، تخلى عن كل ذلك، وأصبح من الواضح أن التوجه الجديد هو "من السياسة خوض السياسة".وبرز التيار السلفي بشكل غير مسبوق في بعض الدول العربية التي مر بها قطار الربيع العربى، فاتجهت الأنظار إلى هذا التيار الذي أتاحت له التغييرات المستجدة في دول، مثل مصر، وتونس، واليمن، التموقع في المشهد السياسي بدرجات متفاوتة، وسط هواجس داخلية وخارجية من تنامي قوته.

وفي الآونة الأخيرة وقبل انطلاق الربيع العربى،  وجدنا أن التيارات السلفية قد انتشرت بقوة بسبب اتساع القاعدة السلفية ، بحيث لم تعد السلفية هي تلك المدارس العلمية التي تقتصر على طلب العلم الشرعي، وتصحيح العقيدة، والتمسك بالكتاب والسنة، والابتعاد عن العمل السياسي، بل أصبحت شريكا قويا وأساسيا في العملية السياسية، وفي رسم الملامح السياسية المستقبلية في دول الربيع العربى. وهرولت التيارات السلفية نحو المشاركة السياسية، وأخذت قاعدتها تتسع في بلدان الربيع العربى، حتى أصبح يوجد ما يمكن أن يطلق عليه "المظلة السلفية" التي تضم تحتها تقريباً كل التيارات الدينية، باستثناء جماعةالإخوان المسلمين، والجماعات التكفيرية، والطرق الصوفية، وجماعة الدعوة والتبليغ.

والتيارات الدينية التي تجمعها المظلة السلفية يوجد بينها العديد من الاختلافات الفكرية والفقهية،ولكن يجمعها أصول الفكر السلفي العام، وكذلك بعض الأهداف التي تسعى هذه التيارات إلى تحقيقها، مثل تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة الدولة الإسلامية، وكذلك إعادة الخلافة الإسلامية من جديد.

سمات التيار السلفي:
السلفية، سواء فى مصر، أو تونس، أو ليبيا، أو أي دولة أخرى، بينهم مجموعة من السمات أو القواسم المشتركة للتيارات، منها على سبيل المثال:

-    عدم وجود تنظيم موحد يضم المدارس الفكرية وتياراتها المختلفة في إطار تنظيمى،  ورفض فكرة العمل الجماعي (أي العمل من خلال جماعة معينة).

-    التيار السلفي ليس جماعة موحدة ذات إطار فكري أو أيديولوجي مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولكن كل مدرسة أو تيار يعمل بشكل مستقل عن التيار الآخر،ولكن بالأصول العامة للفكر السلفي، وكل تيار سلفي له شيوخه ومدرسته الخاصة به، سواء كانت فقهية أو فكرية، وله طلبة العلم الخاصون به.

-    التشدد الفقهي، وعدم وجود مجال للرأي الآخر، حيث يتبنى التيار السلفي الآراء الأكثر تشدداً في الفقه والفكر، مع عدم وجود مرونة فقهية لدى التيارات السلفية، لأن- من وجهة نظرهم- كل مرونة فقهية أو فكرية تسيب.

-    التمسك بحرفية النص، وعدم مراعاة الواقع أو ما يسمى بـ "فقه الواقع" والمستجدات التي تطرأ على الحياة، بحيث يجب أن تكون الفتوى مناسبة للواقع وتراعيه، وهذا ما تفقده التيارات السلفية، لذا كثيراً ما تصطدم هذه التيارات بالمتغيرات، نظراً لتمسكها بحرفية النص، وعدم النظر إلى حكمة التشريع.

-    التفسير التآمري للأحداث، وسيطرة هذا الفكر التآمري على تفسير السلفية للأحداث، فالسلفية تفسر كل الأحداث الجارية في العالم على أنها تدور في ضوء المؤامرة على الإسلام والمسلمين، وإلغاء كافة الاعتبارات الأخرى، مثل المصالح السياسية، والعلاقات الدولية.

أهم ملامح الصعود السياسي للتيار السلفي:
وإلى عهد قريب، لم يستطع السلفيون التحرك في ظل أنظمة واجهت بالقوة كل الحركات الإسلامية، حتى الحركات "الأقل تشددا" من السلفية، لكن الثورات حملت السلفية إلى واجهة الأحداث. وبعد الإطاحة برؤساء تونس ومصر واليمن، ظهرت إلى العلن أحزاب سياسية ذات مرجعية سلفية، وكان أكثرها قوة وتأثيراً حزب النور السلفي في مصر، الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية،مع وجود أحزاب أخرى قوية تنتمى إلى التيار السلفي، مثل حزب البناء والتنمية، وحزب الأصالة، وحزب الفضيلة .

وفي تونس، منحت الحكومة ترخيصا لحزب ذي مرجعة سلفية، أطلق عليه مؤسسوه "جبهة الإصلاح"، وهو أول حزب بهذه المرجعية يطلب خوض غمار السياسة، وفق قواعد الدولة المدنية والديمقراطية.

وفي مارس الماضي، أعلنت شخصيات يمينية تتبنى المنهج السلفي تأسيس حزب سياسي، أطلقت عليه "اتحاد الرشاد اليمني". وفي المغرب، أعلن أخيرا محمد الفزازي، وهو أحد رموز التيار السلفي (سُجن عشر سنوات عقب تفجيرات الدار البيضاء في 2003) أنه يستعد لتأسيس حزب سياسي تكون مرجعيته إسلامية.

مخاوف من التيار السلفي:
وكانت النتائج القوية التي حققها التيار السلفي في مصر في الانتخابات التشريعية،وإعلانهم الواضح أنهم يسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل، قد أثارا مخاوف لدى التيارات الليبرالية والعلمانية على الحريات، وعلى الطبيعة المدنية للدولة. كما أن ضلوع بعض الأفراد المحسوبين على التيار السلفي بتونس في حوادث عنف، بينها اشتباك مسلح مع الأمن والجيش العام الماضي، أثار مخاوف التيارات ذاتها التي ترى في منهج السلفيين تهديدا صريحا لمدنية الدولية، ولـ"قيم الحداثة" التي اكتسبتها تونس منذ استقلالها عام 1956.

بل إن بعض الأحزاب والشخصيات المحسوبة على اليسار لم تتردد في اتهام حكومة "الترويكا"، بقيادة حركة النهضة، بالتساهل مع السلفيين، واتهام النهضة ذاتها بالسكوت عنهم، باعتبارهم "مخزونا انتخابيا" سيخدمها في الاستحقاقات المقبلة.

كما أن صحيفة الجارديان البريطانية، رأت أن السلفيين يشكلون خطراً على الثورة التونسية، في ظل الأزمة الاقتصادية والمطلبية الاجتماعية التي أججتها سياسات التفقير والتهميش السابقة. لكن مراقبين يرون في المقابل أن تنظيم السلفيين -أو جزء منهم على الأقل- وانخراطهم في العملية السياسية بمصر وتونس واليمن وغيرهما هو في ذاته علامة إيجابية، لأن ذلك يساعد على الحد من احتمالات الانزلاق إلى العنف.

السلفية في المشهد السياسى:
لقد بات السلفيون عنصرا مؤثرا في المشهد السياسي المصري على وجه التحديد، بما أنهم يشكلون مع حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن الإخوان المسلمين، أغلبية عريضة في مجلس الشعب، وسيكون لهم على الأرجح دور مؤثر في تشكيل الحكومة المقبلة التي يفترض أن تتقاسم أعباء السلطة التنفيذية مع الرئيس القادم. بيد أن السلفيين في مصر ليسوا على رأي واحد، بما أنهم انقسموا حين تعلق الأمر بدعم بعض مرشحي الرئاسة، بعد إسقاط ترشيح الداعية السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل.

أما السلفيون في تونس -وهم أيضا بالتأكيد ليسوا على رأي واحد- فليس لهم بعد وزن سياسي، وإن كان خصوم حركة النهضة يتهمونها بمهادنتهم، كي يصوتوا لها في الانتخابات المقبلة التي يرجح أن تنظم بحلول منتصف عام 2013 على أقصى تقدير.

ويفترض ألا يكون للأحزاب السلفية في مصر وتونس واليمن (ومستقبلا في المغرب وليبيا ودول أخرى) تأثير خطير في العلاقات الخارجية لهذه الدول، في ظل وجود قوى "مضادة" لها، بما فيها الأحزاب الإسلامية المشاركة في الحكم (العدالة والحرية في مصر، والنهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب)، التي تحرص حتى الآن على صون ودعم العلاقات الثنائية مع الدول الغربية والعربية على حد سواء.

وكل ما سبق لا يمنع من أن هناك قلقا من تنامي قوة التيار السلفي، وهذا القلق تتقاسمه الدول المعنية بالظاهرة، والدول التي ترتبط معها باتفاقيات ومصالح مشتركة، كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل التي تخشى على معاهدة كامب ديفيد مع مصر من السلفيين والإخوان على حد سواء.

تداعيات الصعود السلفي:

هناك قلق متنام من الصعود السلفي في المنطقة، حيث يرى البعض أن الخطر الجسيم الذي يهدد الربيع العربي هم السلفيون وأفكارهم، التي بدأت تطفو بقوة على السطح السياسي العربي، وأنه ليس من المستبعد أن يعود الاستبداد السياسي بصور وصيغ ووجوه أخرى، قد تختلف مع صيغ الاستبداد السابق. لكنها بالنتيجة تتشابه معه تماما في التجاوز على حقوق الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية، التي قدمت الغالي والنفيس من أجل القضاء على الاستبداد السياسي.

وهذا القلق السياسى يعود الى عدة أسباب، منها:

- التيارات السلفية لها تاثيراتها السلبية في المجتمع والسلام الاجتماعي،لاعتقادها أنها تمتلك الحق، وأنها ليست في حاجة للقيام بأي مراجعات فكرية أو فقهية، وإن كان هناك أخطاء فهي عند الآخرين وليس عندها. كما أن السلفية بأصولها وأفكارها الحالية لا يصعب عليها التعاطي مع الوقائع والمستجدات، في عالم أصبح مليئا بالمتغيرات واختلاف الواقع عما مضى، مما يجعل السلفية في  تصادم مستمر مع المجتمع.

- نشر ثقافة التشدد، فالتيار السلفي دائماً يدفع المجتمع نحو التشدد، ويحاول أن يحمل الناس على آرائه هذه المتشددة، والأخطر من ذلك هو محاولة فرض المفاهيم الخاصة بالفكر السلفي على المجتمع. وهذه الأمور تدفع الناس باتجاه ثقافة التشدد، والابتعاد عن اليسر والتسامح الذي أتت به الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى نشر ثقافة التشدد التى سوف يكون لها تأثيراتها البالغة في هوية المجتمع.

- ترسيخ مفهوم الطائفية، لأن السلفية دائماً من خلال آرائها وأفكارها تجاه الآخر تؤصل  لمفهوم الطائفية والعداء تجاه الآخر، خاصة تجاه أصحاب الديانات الأخرى، مثل الأقباط في مصر، أو بعض الفرق الإسلامية مثل الشيعة. حيث إن هناك آراء داخل  المدارس السلفية ترى أن الشيعة كفار، فمثل هذه الآراء تجعل من الصعوبة بمكان التعايش بين الطوائف الإسلامية، خاصة في البلدان المتعددة الطوائف، حيث تدفع هذه الآراء إلى طريق التصادم والعنف والصراع الطائفي الذي يهدد الأمن والاستقرار في أى مكان.

وبشكل عام، فإن المخاوف من الصعود السلفي في دول الربيع العربى تتمحور حول عدد من القضايا،وعلى رأسها قضية الحقوق والحريات. فالقوى غير الإسلامية ترى أن التيارات السلفية سوف تضيق على حرية الرأى والفكر والإبداع، كما أنها سوف تقيد حرية المرأة، ولا تعطي لها الكثير من الحرية التي تناسب تطور المجتمعات، وأنهم سوف يستخدمون كل الوسائل من أجل تقليص حرية المرأة، وحرمانها من حقوقها، إضافة الى الضغط على الأقليات غير المسلمة عن طريق التشريعات التى سوف تكون في صالح التيارات السلفية، التي أصبحت أغلبية داخل مجالس النواب في بلدان الربيع العربي.
* باحث في شئون الحركات الإسلامية
المصدر: السياسة الدولية

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)