آخر الأخبار
 -  لعقود طويلة من الزمن ظلت آثار اليمن متاحة أمام السماسرة وهواة الاتجار بتاريخ الشعوب والعابثون بذاكرة الأمم.
وإذا كانت الآثار اليمنية التي شادها الأقدمون منذ آلاف السنين قد عانت الضياع وتعرضت للعبث والإهمال بسبب الاوضاع السياسية المتعلقة في شطري الوطن سابقاً وانعدام الوعي المجتمعي بأهمية هذه الكنوز فإن مسلسل إهدار هذه الثروة ما زالت تتواصل حتى يومنا.

الاثنين, 25-يونيو-2012 - 23:01:58
مركز الإعلام التقدمي- تحقيق/ حمدي دوبلة -

ضعف الرقابة.. وتعطيل القانون.. وغياب الوعي المجتمعي.. وراء استشراء ظاهرة تهريب الآثار
 لعقود طويلة من الزمن ظلت آثار اليمن متاحة أمام السماسرة وهواة الاتجار بتاريخ الشعوب والعابثون بذاكرة الأمم.


وإذا كانت الآثار اليمنية التي شادها الأقدمون منذ آلاف السنين قد عانت الضياع وتعرضت للعبث والإهمال بسبب الاوضاع السياسية المتعلقة في شطري الوطن سابقاً وانعدام الوعي المجتمعي بأهمية هذه الكنوز فإن مسلسل إهدار هذه الثروة ما زالت تتواصل حتى يومنا.
 
 النزيف المستمر
وبشكل شبه يومي تقريبا تتمكن جهات الضبط المختصة كما يقول المعنيون من ضبط المحاولات تلو الأخرى لتهريب أشكالا مختلفة من ألوان التراث اليمني بشقيه التاريخي والثقافي وبالطبع فإن هذه المحاولات المضبوطة ليست سوى حالات ضئيلة جدا مقارنة بتلك التي يكتب لها النجاح من مختلف المنافذ وهو ما جعل عشرات من علماء الآثار من مختلف جنسيات العالم يؤكدون في ختام مؤتمر عقدوه قبل بضع سنوات في فرنسا وكرس لمناقشة الأوضاع المتردية التي تعانيها آثار أقدم حضارة في العالم العربي في أرض سبأ وأكدوا بأن عددا كبيرا من القطع الأثرية تخرج يوميا من المواقع الأثرية اليمنية من خلال الحفريات العشوائية وغيرها وأن هذه القطع معروضة في الأسواق العالمية للتحف والآثار.
 
نهب واسع ومنظم
وعلى الرغم من أن تهريب الآثار ظاهرة عالمية تعاني منها مختلف بلدان العالم إلا أن خطورتها في اليمن كما يؤكد المختصون تتمثل في أنها تأخذ بعدا منظما بفضل وجود شبكات محلية ترتبط بعلاقات مع جهات إقليمية ودولية يتم عن طريقها تهريب الآثار إلى الخارج.


إضافة إلى أن الظاهرة أصبحت على المستوى المحلي مصدرا حيويا لجني الأرباح بشكل سريع ما جعلها تستشري بصورة منظمة وعلى نطاق واسع في عموم محافظات ومناطق البلاد ما حدا ببعض المهتمين إلى التأكيد بأن تهريب الآثار في اليمن يضاهي ما حصل من نهب وسطو على الآثار في بلاد الرافدين عقب سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في أبريل من العام 2003م.. بل أن هناك من يشير إلى أن الظاهرة في اليمن تفوق بالفعل ما حصل لآثار العراق إذ أن كثيرا من آثار العراق التي هُرّبت إلى مختلف بلدان العالم عقب الاحتلال الأمريكي قد تم استعادتها من قبل المتاحف الدولية التي تحرص على إعادة الآثار المهربة بينما هذه العملية تواجه صعوبة كبيرة بالنسبة لليمن التي لا تملك ما يسمى بملف الاسترداد التي يتضمن تسجيل كل القطع الأثرية التي تملكها وبموجب ذلك يتم إثبات ملكية اليمن لتلك القطع المهربة ما يجعل من استعادة البلاد لأي قطع مهربة مهما كانت مميزة بعلامات ومزايا يمنية خالصة أمراً في غاية الصعوبة.
 
 
وسائل متطورة
الإجراءات والخطوات الحديثة التي تتخذها السلطات المعنية لتعزيز جهود الحفاظ على الآثار يقابلها بالتأكيد تطورا لافتا لأساليب ووسائل التهريب التي لا تعدم حيلة في تنفيذ عملياتها مهما كانت إجراءات الرقابة الحماية غير أن توفر الرقابة الصارمة وتفعيل القوانين والتشريعات الخاصة بحماية الآثار والصرامة في معاقبة المتورطين لا شك يكون له الأثر الإيجابي الكبير في الحد من الظاهرة.. كما أن دولا تمكنت في مختلف بقاع العالم تمكنت وبنجاح كبير في الحد من تهريب الآثار على الرغم من تطور أساليب المهربين وتقنياتهم الحديثة.


وغني عن القول بأن ضعف تطبيق النظام والقانون أدى بطبيعة الحال إلى انتشار ظاهرة التهريب في اليمن على نطاق واسع.


ويقول الدكتور يوسف محمد عبدالله أستاذ الآثار بجامعة صنعاء والرئيس السابق لهيئة حماية الآثار والمتاحف بأن اليمن يمتلك واحدا من أفضل القوانين في البلاد العربية لحماية الآثار غير أنه يظل بحاجة إلى تطبيق وتفعيل بنوده ويشير عبدالله إلى أن مشاكل الحدود مع بلدان الجوار كانت خلال الفترة الماضية أهم العوامل الأساسية التي ساعدت على انتشار ظاهرة تهريب الآثار غير أن الظاهرة بدأت تخف حدتها شيئا فشيئا مع ترسيم اليمن لحدودها مع بلدان الجوار كاملا إذ أن عملية التهريب عبر المنافذ البرية والجوية كانت كثيرة وكان يصعب حينها الضبط الذي كان يتم بصورة مشتركة على جانبي الحدود ويوضح بأن أكثر عمليات التهريب للآثار كانت تتم عبر الحدود الشمالية والشرقية قبل ترسيم الحدود لكنه لا ينفي تزايد التهريب من حين لآخر على الرغم من الترسيم الحدودي الشامل وذلك بسبب قلة المتابعة وضعف انتشار رجال الآثار وهشاشة مستوى التنسيق مع أجهزة الأمن العام والسلطات المحلية.


ويؤكد المختصون بأن النبش العشوائي للمواقع الأثرية يظل أحد أبرز العوامل الأساسية في تهيئة الظروف الملائمة للتهريب.. وقد شهدت المواقع الأثرية اليمنية في عدد من المحافظات حملات نبش واسعة نفذتها جماعات من ضعاف النفوس الساعين وراء جني الأموال ومنهم من لا يمتلك الوعي الكافي بخطورة ما يقدم عليه. حيث أن معظم القطع الأثرية التي تهرب إلى الخارج هي في الواقع نتاج لتلك الممارسات الطائشة وخير مثال على ذلك أعمال النبش التي تعرضت لها مدن "السوداء والبيضاء ومعين" بمحافظة الجوف وكذلك ما حدث في مناطق مختلفة من محافظات شبوة وإب والحديدة وغيرها من المحافظات التي ما تزال تشهد أعمالاً مماثلة من حين لآخر.
 
المدن التاريخية
إن أبرز ما يميز اليمن التنوع الجغرافي الفريد حيث تنفرد بسلاسل جبال صخرية وصحاري وسهول مترامية.. وتظل الطبيعة في هذه البلاد خلابة رغم استيطان الإنسان لها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام شيد خلالها مئات القرى الصغيرة والمدن الحضرية تتميز كل منها بخصوصيتها وطابعها المعماري المتفرد وما تزال معظمها شامخة إلى يومنا كموروث تاريخي وثقافي هام محل فخر واعتزاز كل اليمنيين.. كما أن تنوع الثقافات التي تتميز بها تلك المنشآت التاريخية جعل منها موروثا رائعا لا يقدر بثمن.
 
ويبقى حماية الموروث الثقافي والتاريخي الزاخر من أهم التحديات التي تواجه السلطات اليمنية ذلك لأن تلك المدن التاريخية التي تجذب آلاف السياح إليها تعد رافدا اقتصاديا هاما لدولة ضعيفة الموارد إلا أنه وإلى الآن لم تستفد من عائدات السياحة إلى هذه المدن سوى كبرى الوكالات السياحية ولم تصل إلى مستوى الاستفادة الشعبية بعد.
 
الطرق المثلى للمكافحة
ويقينا فإن ظاهرة تهريب الآثار ومهما بلغت في قوتها ومدى انتشارها فإن هناك وسائل وطرق مثلى ينبغي اتخاذها للقضاء عليها أو الحد منها على الأقل وبما يحمي ما تبقى من آثار وتاريخ هذه البلاد التي تعد واحدة من البلدان التي شهدت أقدم الحضارات الإنسانية على نوجه المعمورة.


وتتمثل تلك الوسائل بحسب ما يرى مهتمون وأكاديميون في تشديد إجراءات الحماية والضبط في كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية لليمن والعمل على ضبط ومعاقبة المتورطين في جرائم النبش العشوائي للمواقع الأثرية بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الممارسات الطائشة والإسراع في تنفيذ البرامج التوعوية لنشر الوعي الآثاري والتعريف والحديث عن الآثار وأهميتها في حياة الشعوب والحث عبر مختلف الوسائل الإعلامية على حب الوطن وحب الآثار التي هي ملك لجميع المواطنين وهي الشواهد الصادقة لتاريخ الأمة وإحدى أبرز المعطيات التاريخية التي تسهم في رسم صورة الشخصية الوطنية وتعكس إبداعات وفنون أجدادنا الأوائل وعظمة الحضارات الإنسانية التي شيدها اليمنيون.


ومن الوسائل المقترحة لمكافحة التهريب الحرص على تواجد الجهات المختصة في مختلف المحافل الإقليمية والدولية ذات الصلة من خلال المشاركة في ندوات وأنشطة مؤسسات التراث المحلية والدولية والمتابعة المستمرة لأسواق الآثار والمزادات العلنية في الخارج والعمل على رصد ما لدى "المواطنين" من ممتلكات أثرية قيمة وتعويضهم التعويض العادل على اقتنائها والتأكد من أن حصولهم عليها جاء عبر طرق مشروعة.


إلى جانب تفعيل التعاون مع "الانتربول" والمنظمات الدولية المعنية وإبرام اتفاقيات معها تضمن حماية الآثار واستعادة ما ضاع منها.


وتبقى المسئولية المشتركة التي ينبغي على الجميع الاضطلاع بها كامنة في الحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة ففي أجواء الأمن والأمان تقل كثيرا عمليات تهريب الآثار فيما تستشري الظاهرة وتبلغ ذروتها في فترات القلاقل والاضطرابات.
 

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)