آخر الأخبار
 - كتابات

الخميس, 12-إبريل-2012 - 00:57:48
مركز الإعلام التقدمي- امجد عرار -

يبدو أن بعض المسؤولين يفيدون رغماً عنهم حتى لو كانوا بلا فائدة. لبنان مثلاً، على صغره، فيه عدد كبير من المسؤولين والأحزاب، بل ربما الأكبر في العالم قياساً لعدد سكانه، وأيضاً لأنه البلد الوحيد الذي لا يكف المرء فيه عن أن يكون مسؤولاً حتى لو ترك منصبه أو أجبر على تركه.


في لبنان ليس ثمة مسؤول يحمل لقب سابق، فمن يشغل منصب رئيس حكومة نصف ساعة يحوز مسمى "الرئيس" طالما لبنان حياً. أما كيف يكون مفيداً رغماً عنه، فهذا اتضح بعد حدوث حالات تسمّم غذائي في منازل بعض المسؤولين، لتتفجّر بعد ذلك فضيحة وصفتها الصحافة اللبنانية بـ"تسونامي التسمم الغذائي"، ذلك أن التحقيقات الصحافية والرسمية كشفت عن وقائع مذهلة طالت الغذاء بأنواعه والدواء. الجهات الرسمية كشفت أطناناً من المواد الغذائية الفاسدة في ملحمات ومستودعات معدّة للتسميم الجماعي للناس، وأطنان أخرى ألقى بها أصحابها على المزابل قبل افتضاح أمرهم.


يقول بعض المثقفين إن الصحافة في لبنان "تعمل من الحبة قبة"، لكن أليس ذلك أفضل من التعتيم؟ في الأمن الغذائي ليس هناك ما هو أخطر من التعتيم لأن هذا القتل الجماعي المجهول يؤدي إلى هوس دائم بحيث يشك الإنسان في كل شيء يأكله، وربما يصل الشك للماء والهواء، فهل يصبح للحياة طعم عندما تضطر لوضع يدك على صدرك كلما مد طفلك يده إلى صحن الطعام؟


من يتحدّثون عن التهويل هم في الأصل لا يريدون الحديث من أصله لأن "من على رأسه بطحة يحسس عليها"، وتزداد المصيبة هولاً حين يجمع البعض بين المنصب السياسي والشركة الخاصة، حينها نكون أمام الدفيئة الأكثر ملاءمة لإنتاج الفساد وتعميمه ومنحه الغطاء السياسي، وأخطر الأغطية ما يأخذ الطابع الطائفي أو الحزبي، بحيث يصبح اتهام شخص بالفساد أو ارتكاب جريمة كأنه اتهام للطائفة أو الحزب، وأحياناً للبلدة أو المدينة التي يتعامل معها البعض عاصمة سياسية لحزب أو تيار لا يتجاوز عدد أعضائه عشرات المصفّقين بالأجرة.


لكن لكي تستقيم الموازين يقفز للذهن سؤال: هل لبنان حالة استثنائية في تفشي الفساد؟ أي شخص ينتهج مبدأ البحث عن الخلل حتى بين قدميه، يصل إلى نتيجة بأن لبنان ليس حالة استثنائية، وأن الانفجار الإعلامي الذي أحدثته فضائح التسمم الغذائي لم يحدث إلا لأن لبنان فيه حرية إعلامية بناءة وإيجابية على نحو عام حتى لو رأى البعض فيها "سكّر زيادة". حتى تركيز البعض على أن سبب انفضاح الأمر يعود لوصول التسمم إلى منازل بعض المسؤولين، فهذا لا يضير بل يضيف للمعالجة وسائل إضافية، ذلك أن من الواضح أن لبنان يتميّز عن غيره من بلاد العرب بأن لا حصانة حتى للمسؤول، لا من التناول الإعلامي ولا من النقد في الشارع ولا من المساءلة القانونية.


لكن التقليل من أهمية هذا الواقع مرده الاستماع إلى حديث اللبنانيين عن واقعهم، ومن الطبيعي أن ينطلق كل امرئ في تقييمه لوضعه من المقارنة مع الواقع نفسه قياساً بحالة أخرى، لكنه لو قارن وضعه بأوضاع الآخرين لخرج بانطباع آخر.


انكشاف أمر الفساد الغذائي في لبنان، أياً كان الظرف والسبب، دفع لسباق بين كثير من المسؤولين ممن "لا يحملون بطحة"، للبحث عن سبل المواجهة والعلاج، بما تحتويه المعالجة من استحداث قوانين وتطوير لسبل الرقابة وآليات للملاحقة القانونية الصارمة.


لو لم تكن في لبنان حريات ومكاشفة لما أمكن كشف المرض الذي يحث على تطوير العلاج، ولبقي تجار الموت يراكمون ثرواتهم على حساب صحة الناس. أما عن مصدر هؤلاء التجار للمواد الفاسدة، فاسألوا الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال "الإسرائيلي".

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)