آخر الأخبار
 - عرب القحط والربيع

الخميس, 05-إبريل-2012 - 11:59:25
مركز الإعلام التقدمي- أمجد عرار -

 تساءل أكثر من قارئ ظريف عن سبب عدم تناول مقالة الأول من إبريل/ نيسان العنوان الأبرز والأشهر لهذا الشهر، "كذبة نيسان". نسي هؤلاء أن الكذبة الكبرى أن يخصص للكذب يوم واحد، فيما العالم يأكل ويشرب ويتنفس كذباً على مدار العام، ويطوّر أدوات الكذب أكثر مما يطوّر مناهج التعليم.


يردد كثيرون في الشارع العربي في لحظات يرونها ربيعاً كلمات تشير إلى الإحباط أضعاف ما ينطقون بالتفاؤل، وما أن يرى أحدهم صورة من الماضي حتى يعلّق على الفور "ساق الله أيام زمان"، أما مهندسو العناوين فيخطّون "لحظات من الزمن الجميل". هل كان ذلك زمناً للقحط أم للربيع؟ أياً كان، كل من عايشوه يحنّون إليه حين يدفعهم واقعهم "الربيعي" للحسرة حد البكاء.


اللاجئ الفلسطيني الذي يحمل مفتاح منزله منذ أربع وستين سنة لا يمكنه أن يفرّط بالقحط في حيفا من أجل "ربيع" المنفى. لم يكن التشريد كذبة أو مزحة، بل مأساة بات ينظر للمتحدّث عنها ككذبة، أو إنه بلغة مثقّفي الحداثة والواقعية الغربية "عدمي راديكالي" لأنه لا يرى زمن القحط العربي أسوأ حالاً من ربيعه، ففلاحو ذلك القحط كانوا يرضعون أبناءهم مع الحليب أبجديات مقاومة الاستعمار والخيانة.


وفي زمن القحط العربي ذاك، استشهد القائد المقدسي عبد القادر الحسيني في الثامن من إبريل عام 1948، عام النكبة، في معركة القسطل على مقربة من القدس المباعة قبل أن تكون محتلة. لم يستسلم لاختلال موازين القوى ولم يستنجد بالحاضنة الانتدابية لعصابات الصهاينة، بل قاتل وحفنة من المقاومين تلك العصابات التي حوّلها التواطؤ العربي الرسمي والدولي إلى "دولة" فوق جثث الشهداء.


في زمن القحط قرر حاكم مصر الخديوي إسماعيل، في الثامن من إبريل سنة 1879 طرد الوزيرين البريطاني والفرنسي من الحكومة المصرية استجابة لحس شعبي يؤمن بالسيادة.


صحيح أنه كان زمن قحط استعماري، لكنّه لم يخل يوماً من ثقافة المقاومة، مثلما لم يكن يحتمل وجود أحد يجاهر بوضع يده بيد المستعمر مهما كانت الظروف والذرائع.


الشعب العربي في زمن "القحط" أنجب جمال عبد الناصر الذي أعاد في الثامن من إبريل من عام 1957 فتح قناة السويس بعد إغلاقها أمام الملاحة البحرية بسبب العدوان الثلاثي الذي شنه الصهاينة والبريطانيون والفرنسيون على مصر، لأن عبد الناصر استنجد بنخوته وبروح الفلاح ابن بني مر، وبعد شكوى مكسورة من عامل مصري، وأعلن تأميم القناة وعليها علم مصر.


في زمن القحط، هُزم عبد الناصر سنة 67، لكنّ أحرار مصر البهية، ومعهم أحرار الشعب العربي الذين استيقظوا من الصدمة، أوقفوا عبد الناصر على قدميه ومنحوه ثقتهم، من دون ديمقراطية مستوردة، لينهض من جديد ويقود حرب الاستنزاف تمهيداً لرد الاعتبار. لم ينس الصهاينة مرارة تأميم القناة في حلوقهم، فانتقموا من أطفال مدرسة بحر البقر، أيضاً في الثامن من إبريل سنة 1970، حيث قصفوا المدرسة وقتلوا ثلاثين طفلاً وجرحوا عشرات آخرين.


لم يطل الوقت كثيراً، واهتزت الكرة الأرضية تحت أقدام شرفاء العرب برحيل ملهم قوميتهم التي تيتّمت بعده. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على رحيله، لم يتركوه هادئاً في قبره، بل يتعمّدون تجريح تلك الصورة المشرقة للزعيم الذي سرق الملايين، نعم سرق الملايين من قلوب العرب وغير العرب. لأنه في زمنه "الخريفي" كانت الوحدة العربية من أبجديات العرب، وفي زمن الربيع، أصبح "العربي" والعربي يحتكمان للفصل السابع.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)