آخر الأخبار
 - ربيع للبيع

الثلاثاء, 27-مارس-2012 - 16:54:06
مركز الإعلام التقدمي- عبدالدائم السلامي -

هل يمكن أن نبيعَ الزَّمنَ سواء أكان أيّامًا أم شهورًا أم سنواتٍ في الأسواقِ العربية السوداء خاليًا من الأداءات الضريبيّةِ؟ بل هل يجوز تأخيرُ الزمن، باعتباره بضاعةً فاسدةً، ساعاتٍ لنتحرّرَ من مرارةِ وقعِه علينا؟ ولكن، إذا قلنا بالتأخير، فهل يمكن تأخير زمنِ الموتِ مثلاً لنفرحَ بالحياةِ ساعاتٍ أُخْرى، ونحبَّ فيها ما استعصى علينا حُبُّه؟ ثمّ أليسَ الزمنُ صنيعةَ التخييلِ، ونحنُ أمّةٌ تصنعُ الخيالَ الخامَّ وتُصدِّرُه إلى شعوبِ العالَمِ ليعودَ إليها مُعَلَّبًا وفقَ معاييرَ غربيّةٍ؟ يبدو أنّ الإجابةَ عن هذه المسائل تحتاجُ جرأةً، ونحن نفتقدُ جُرأةَ الإجاباتِ.
***
يُحكى عن أحدِ أجدادي الغابِرين أنّه لمّا توكّل على الله ليحصدَ زرعَه في آخر أيّام شهر مايو وكان رمضانُ قد حلَّ فيه، وقفت الشمسُ في كبدِ السماء، أو هكذا خُيِّلَ له، وراحتْ تصبُّ عليه جحيمًا من النارِ أحرقتْ فيه جِلْدَةَ جسدِه العاري من وَفْرةِ الفقرِ وبلغت عِظامَه النخرةَ ومنعتْه من حصد حبوبِه لكثرة العطشِ. ولمّا كان العامُ مُجْدِبًا مليئًا بالجوعِ، فقد وجدت العصافير مثل "القُوبَعِ" و"بو مْزَيّن" و"بلقاسم الضَعيف" في سنابل جدّي موائدَ كريمةً فانهالتْ على السنابل تأكل حُبوبَها مَا أغاضَ جدّي وجعلَه يبحث عن حلٍّ لجمعِ محصولِه الفلاحي. وانتهى من تفكيرِه، وهو الذي لا يستطيع إفطار رمضان، بقرارِ الذهابِ إلى مُمَثِّلِ المُقيمِ العامِّ الفرنسيِّ بجهتِنا وطالبَه بأن يُؤجِّلَ شهرَ رمضانَ حتى يحصد زرعَه ثم يُعيدُه إلى الناسِ.
***
أنا مثلاً، أستطيعُ أن أبيعَ هذا الرَّبيعَ، ربيعي. أبيعُه بِريشِه وحشيشِه. بل بنوّارِه وأزهارِه وأطيارِه وأنهارِه وثوراته. أستطيعُ أن أُقَرْطِسَ ربيعي هذا في ورقٍ شفيفٍ وأقف به في رأسِ شارعٍ من شوارعِ عواصِمِنا وأُغنّي محاسِنَه حتى يُقبِلَ عليه الناسُ. أعرِفُ أنّ الصبايا سيُقْبِلْنَ على ربيعي يتذوّقنَه ويلمسْنَه ويَقِسْنَ اتساعَه حتى يتناسبَ وأجسادَهنَّ، ثمّ يقطِفْنَ منه نوّارةً دون دفع ثمنِها ويمضين إلى بائعٍ ثانٍ. الصبايا لا يشترين الزمنَ، لأنّهنّ يخشَيْنَ من شيخوختِه. هل تشتري الحكوماتُ ربيعي؟ ربّما، وإن فعلتْ يكون ذاك من بابِ تفريغي من ثرواتي التخييليّةِ حتى لا أقدرَ فيما بعدُ على ممارسةِ حقّي في ترميزِ اللغةِ. سمعتُ أنّ السياساتِ الدوليةَ الراهنةَ تبحثُ عن أزمنةِ الناسِ لتشتريها بالدّولار واليورو وتُذيبُها في مشاريعِها الاستحواذيّةِ ثم تُعيدُ عَجْنَها حسَبَ هيئاتٍ جديدةٍ لها طعمُ الحنظلِ، وتُهديها للناسِ في شكل إعاناتٍ دَوليةٍ أو ثوراتٍ شعبيّة تقودها الفضائيات. وسمعتُ أنّ أغلبَ السياساتِ العربيةِ تُحبُّ قطفَ أزهارِ ربيعِ رعاياها لتُعجِّلَ بِقِيامتِهم وتَقِيهم من الفَراشِ والنحلِ وأيدي الأطفالِ. سمعتُ بكلِّ ذلك، وإنّي سأبيعُ ربيعي...


 

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)