آخر الأخبار
 - جامعة الدول العربية

السبت, 24-مارس-2012 - 10:45:44
مركز الإعلام التقدمي- د. لطفي زغلول... -

بداية فإنه ما من عربي ما زال متمسكا بعروبته ومخلصا لها لا يثمن عاليا وغاليا أية جهود خالصة ومخلصة لوجه العروبة تستهدف رأب الصدع العربي على كافة الصعد، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى مثل هذه الجهود، إن وجدت. ذلك أن الواقع العربي منهك ومهلهل على كافة جبهاته الداخلية والخارجية جراء الأحداث الراهنة.
والجهود التي يبذلها الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية لإعادة هيكلتها تندرج في إطار المساعي الخيرة والمحدودة جدا التي لم تعد تشكل على ما يبدو واحدا من هواجس الأنظمة العربية أو أولوياتها على صعيد العلاقات العربية- العربية التي أصيبت في صميمها يوم غاص صانعو قراراتها في مستنقع الإقليمية الضيقة.
إلا أن موضوع إصلاح الوضع العربي العام، في اعتقادنا، لا يبدأ من الفروع وإنما من الأصول. والأصول هنا هي الأنظمة العربية السياسية. وأحد الفروع كانت جامعة الدول العربية. فخلال أربعة وخمسين عاما وهي عمر هذه المؤسسة منذ تأسيسها في العام 1945، كانت خلالها مرآة تعكس بصدق صورة الوضع العربي المتمثل بأجواء الأنظمة العربية بكل أبعادها وألوانها ومعضلاتها وآفاتها واتجاهات تحركها وتوجهاتها.
ولدى استقراء تاريخ هذه الجامعة، فانه يستشف بكل وضوح وموضوعية أن دورها كان هامشيا، وأداؤها كانت تعتوره في أغلب الحالات الصعوبات على كافة الصعد. وأما إنجازاتها فكانت محدودة للغاية، كونها أساسا قامت كمظلة قومية صورية تتفيأ ظلالها أنظمة سياسية أقليمية النزعة، فردية الرأي، عشائرية الانتماء، أبوية السلطة عملت- وهذه طبيعتها- على تعميق روح الإقليمية على حساب الروح القومية. وكل ذلك جرى وما زال يجري تحت ظلال تطاحنها وحساسيتها المفرطة تجاه بعضها، وشدة حرصها على تكريس الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار خدمة لأهدافه الاستراتيجية البعيدة المدى، وليس حبا بالعرب والعروبة أيا كانت أنظمتها.
ومثالا لا حصرا فإن جامعة الدول العربية لم تقم بإخراج مشروع قومي واحد لافت ومؤثر في الجماهير العربية إلى حيز التنفيذ. فليس هناك صحيفة يومية أو إذاعة أو قناة تلفزيونية أرضية أو فضائية أو وكالة أنباء واحدة تنطق باسم العرب من المحيط إلى الخليج بإشراف جامعة الدول العربية. إذ ليس ثمة جهة أخرى يفترض أنها ملزمة بهذه المشروعات أو أنها أكثر أحقية. وهي آليات أقل ما يقال فيها أنها تلم الشمل وتوحد الكلمة.
وفي ذات السياق فإن جامعة الدول العربية لم تحقق إنجازا واحدا فيما يخص أي تحرك على طريق الوحدة العربية، اللهم باستثناء تهيئة الاجتماعات والمؤتمرات الدورية على كافة المستويات السياسية والتي وصفت معظم قراراتها بأنها حبر على ورق، وبأنها بلا رصيد على أرض الواقع.
فالمشروعات القومية التي حلمت بها الجماهير العربية منذ ما قبل سنوات الاستقلال حتى أيامنا الراهنة تراجعت إلى درجة التغاضي والنسيان. والمقصود هنا الوحدة الاقتصادية المتمثلة بالسوق العربية المشتركة، وكل من الوحدة الثقافية والتربوية، وهي تمثل في مجموعها منسوب الحد الأدنى المفترض تحقيقه قوميا في الوطن العربي الآخذ بالتشرذم والاكتفاء بالانتماء الشفوي إلى هذا القالب القومي المتآكل والمتمثل بالجامعة العربية.
وإضافة إلى الضرورات والتحديات المتفاعلة داخل الأقطار العربية، فثمة التحديات الخارجية المحيطة بالوطن العربي والتي تفرض أن يكون هناك قدر ما من التضامن العربي. فالعالم قد شهد في نهاية القرن العشرين المنصرم قيام الاتحاد الأوروبي على إرث متين من السوق الأوروبية المشتركة.
وها هو في بدايات القرن الحادي والعشرين- وتحديدا في هذه الأيام- يشهد ميلاد الاتحاد الإفريقي الذي شيع منظمة الوحدة الإفريقية باعتبارها أصبحت فعلا ماضيا. وأغرب ما في الأمر أن هناك تسع دول عربية إفريقية تساهم في هذا الاتحاد الإفريقي، ولا تحرك ساكنا فيما يخص اتحادا عربيا.
إن ثمة الكثير من العبر التي يمكن أن تستخلصها الأنظمة العربية من هذين الاتحادين المذكورين. وأول هذه العبر أن شعوب هذين الاتحادين لا يجمعهما ولو جزء يسير من العوامل التي تجمع شعوب الأمة العربية. وبرغم هذه الاعتبارات فقد أقدمت على التكتل والتضامن فيما بينها خشية أن تفترسها منفردة "غيلان العولمة السياسية الاقتصادية".
وثمة عبرة ثانية تتمثل في أن الوقوف عند صيغ تعاونية أيا كان شكلها لفترة طويلة من الزمن يتنافى وحتمية التطور والأخذ بكل ما تفرضه المتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية الداخلية والخارجية.
وثالثة هذه العبر تخص توظيف عنصر التكامل. فالوطن العربي متعدد الموارد والامكانيات وهي مجتمعة قادرة على تشكيل سوق عربية مشتركة ذات طابع انتاجي لا تقتصر على تكريس الثقافة الاستهلاكية التي تستنزف خيراته ومدخولاته وتعمل على هدم الروح الإبداعية لدى مواطنيه، والتحريض على هجرة كفاءاته البشرية، وتجعله بالتالي أسير التبعية الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ورابعة هذه العبر تخص منظومة الكلمة والكرامة والهيبة والمكانة العربية. إضافة إلى عناصر التغيير والتغير والتجديد والتحديث والبحث المستمر عن آفاق جديدة وعدم الوقوف على أطلال الماضي والمحاولات العبثية في ترقيع الثوب المهترئ أو تجميله. ورحم الله شاعرنا العربي الذي أطلق حكمته القائلة "وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر"؟!
وخلاصة القول أننا حينما نطالب بعدم الوقوف على أطلال الجامعة العربية، فليس هذا- معاذ الله- تجنيا على العروبة أو رفضا لها أو خروجا عليها، فالمطلوب هو التجديد والتحديث في الطرح في ضوء تحديات المرحلة. وهذا الطرح يتمثل في مؤسسة الاتحاد العربي فهي الوحيدة القادرة على أن تقف على قدم وساق ندا لاتحادات سبقتها في قارات أخرى.


إن الأنظمة السياسية العربية مطالبة أن تنفض عنها غبار تراكمات العجز والتخاذل والشرذمة والتبعية حفاظا على هويتها العربية وحاضرها ومستقبل أجيالها. إنها بحاجة إلى مؤسسات قومية لا إقليمية تنقل الوطن العربي بثقة واقتدار إلى القرن الحادي والعشرين قويا عزيز الجانب لا أن تبقي عليه كسيحا تحت مظلة الماضي. إن مؤسسات الوطن العربي وفي مقدمتها جامعة الدول العربية بحاجة إلى التغيير الجذري لا إلى التجميل.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)