آخر الأخبار
 - إحياء الأمل وشحذ الهمم

الأحد, 18-مارس-2012 - 12:32:48
مركز الإعلام التقدمي- منجي المازني -
قال الشاعر أحمد مطر: "أدام الله والينا- رآنا أمةً وسطًا- فما أبقى لنا دنيا ولا أبقى لنا دينا!!".
لم يترك لنا المخلوعون مجالا إلا وأفسدوه، حتى طال فسادهم آخر خيط يمكن أن يتشبث به الإنسان من أجل البقاء ألا وهو الأمل. مجرد الأمل والتمني والتوق لغد أفضل. ولذلك لاحظنا أن كثيرا من الشباب ولوا وجهتهم إلى البحار رغم ما تحويه من مخاطر كبيرة وعقدوا الأمل على ما وراءها بعدما فقدوا الأمل في العيش بكرامة في ظل دولة الفساد والاستبداد. فلا يمكن للإنسان أن يعيش بدون أمل، فهو القاطرة التي تجر بقية العربات، وهو محرك البحث عن المستقبل والغد المشرق والحلول المنتظرة لكل مصاعب الحياة.
وأعظم شيء يمكن أن تقدمه سلطة منتخبة لجماهير شعبها هو إحياء الأمل في نفوسهم وشحذ هممهم من جديد. عندئذ سيجدون أنفسهم مقبلين بكل تفاؤل على رسم تصورات ورؤى جديدة ترتكز على آمال عظيمة وتعتمد على عزائم فولاذية.
والأمل لا يبنى من فراغ، بل له مقدمات وأسس. فمقدماته إشاعة الحرية بين الناس حتى يعبروا عن آرائهم بكل حرية، وأسسه إشاعة العدل بين الناس والسعي إلى تطبيق وتجسيد العدالة الاجتماعية. قال عبد الرحمان بن خلدون "العدل أساس العمران". فإذا سعت السلطة المنتخبة إلى تطبيق العدل بكل السبل الممكنة حازت شيئا فشيئا على ثقة الناس وضمنت لاحقا تضامن مؤسسات المجتمع المدني في كل عمل مستقبلي.
فكما هو معلوم لدى الخاصة والعامة لا تستطيع السلطة المنتخبة في جل البلاد العربية إيجاد حلول، في ظرف وجيز، لكل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية بدون مد تضامني من مختلف فئات الشعب. والمد التضامني لكي يكون فعالا يحتاج إلى ثقة متبادلة بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني. وعندئذ تستطيع السلطة القائمة، ممثلة في السياسيين والمفكرين والعلماء والدعاة، لفت عناية الناس إلى المساهمة في أداء الواجب الإنساني والديني والوطني لإيجاد حلول لكل المسائل المطروحة.
فلا بد من إشاعة ثقافة التآخي والتعاون بين الناس وثقافة التفكير في الآخر، ولا بد من إرساء ثقافة لكل الناس الحق في العمل والحق في الحصول على دخل مادي على قاعدة الرجل وبلاء والرجل وحاجته.
فالدولة والمجتمع المدني بكل مكوناته، مطالبان بالسعي الجاد لإيجاد حلول بديلة لمن لم يحصل بعد على وظيفة. والسعي هنا ليس لرفع الحرج ولرفع العتب بل هو واجب مقدس. فلقد أصبحنا نعيش في زمن لا قيمة فيه لمن لا عمل ولا وظيفة له. فالوظيفة أصبحت مفتاح الاستقرار للغالبية العظمى من الناس. ولا بد لنا أن نسعى لإرساء مفاهيم تحط من قيمة كل الذين لا يسعون لإيجاد مخارج وحلول لمن انقطعت بهم السبل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم". وقال عمر ابن الخطاب "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر". وقال الله تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" "سورة التوبة 34- 35".
فالحاكم والمحكوم مطالبان أمام الله وأمام بعضهم البعض بوجوبية إغاثة الملهوف وتأمين الخائف والأخذ بأيدي الناس إلى بر الأمان. فلا خير في أناس يكنزون الذهب والفضة والآلاف المؤلفة من الدنانير ولا يسخرون هذه الأموال لتنشيط الدورة الاقتصادية ولإيجاد حلول ومواطن شغل لأكبر عدد ممكن من الناس وإسعادهم. والله تعالى حرم الربا وتوعد آكله بالحرب لأن آكل الربا يتحسس ويغتنم عثرات الناس لكي يمتص دماءهم ويزيد من معاناتهم بعكس الفطرة البشرية التي تميل إلى الأخذ بأيدي الناس وإسعادهم.
ولقد أثبتت الدراسات الحديثة أن أكثر شيء يسعد الإنسان في هذه الحياة هو إعانة الناس على حل مشاكلهم والبذل والعطاء المتواصل من أجل تلبية حاجياتهم وإدخال البهجة والسرور عليهم. ولقد جاء في كتب التاريخ أن التاجر في الأندلس كان إذا باع سلعة وتحصل على ربحه المعتاد في الساعات الأولى من اليوم أغلق دكانه لكي يمكن جاره من البيع والكسب بقية اليوم.
فلا بد من تشجيع الناس على البذل والعطاء وعلى تخصيص "وقف" جزء من أموالهم أو جراياتهم "ولو دينار واحد" لأجل إيجاد حلول لفئات أو شرائح أو قرى معينة أو طلبة علم أو لبناء مستشفيات وتصريف شؤونها. ولا بد للناس أن يفكروا بكل جدية قبل الشروع في بناء بيت ثالث ورابع وعاشر في إمكانية المساهمة مع بعضهم البعض لأجل إعانة الفئات الضعيفة على اقتناء منزل. ولا بد من إشاعة ثقافة التنافس بين الناس لفعل الخير. فإن الناس قد جبلوا على التنافس وعلى مجاراة بعضهم بعضا فإن لم يجدوا خيرا يتنافسون عليه تنافسوا على تلبية الشهوات وربما على فعل المنكرات.
وكنتيجة مباشرة للحرية والديمقراطية فإن الشعب سوف ينتخب ويفرز، بالضرورة إن عاجلا أم آجلا، قيادة ذات بأس وذات عزم وذات همة عالية. ولن تعظم أمام هذه القيادة السياسية الجديدة وأمام عزيمتها القوية الصعاب. وكما قال أبو الطيب المتنبي:
"وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم"..
ولن ينطبق على الحكام الجدد قول الشاعر الكبير عمر أبو ريشة:
"رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم"!
هذه القيادات سوف تدفع باتجاه تقوية عزائم الناس وسوف تكون المثال الذي يحتذى به. فالهمم العالية والعزائم القوية وحب التطلع إلى المعالي تولد مع الإنسان، ولكنها لكي تظل تنمو وتكبر مع الإنسان يجب أن تخضع للصقل والرعاية والاهتمام باستمرار، فإذا دفعنا في اتجاه إبراز هذه المعاني فسوف تعول أغلب فئات الشعب على نفسها، وسوف تحاول أن تبني نفسها بنفسها، ولن تبقى مكتوفة الأيدي تترقب الحكومة لتجد لها حلولا، ولن تبقى في بيوتها تنتظر المساعدات والإعانات كل نهاية شهر.
ففي زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حدث في إحدى المرات أن الذي كلف بتوزيع أموال الزكاة على المحتاجين لم يجد من يأخذ منه هذه الأموال، ذلك أن الناس تعففوا بعد أن أصبحت هممهم عالية.
ولكن أنظمة الفساد والاستبداد أنتجت وخلفت لنا فئات واسعة مهزوزة نفسيا بعضها يتزلف للحاكم الفاسد ويثني عليه ويمدحه ليلَ نهارَ بدون خجل ولا وجل، والبعض الآخر يشتكي ويتسول وينتظر المساعدات في كل نهاية شهر ولو كان ليس في حاجة إليها.
بهكذا تصور يمكن لكل من لم يتمكن بعد من الحصول على عمل أو مورد رزق أن يأمل خيرا وأن يستقر نفسيا واجتماعيا ويطمئن على حاله ومستقبله ولا يلقي بنفسه في عرض البحر باحثا عن حبل نجاة، لأن الحاكم والمحكوم لن يتركاه يصارع الأمواج لوحده وسوف يكونان أسرته الكبيرة التي تحتضنه..
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)