آخر الأخبار
 - ينزلق العالم العربي إلى الفوضى الدموية، ويخوض اليوم حزمة حروب متعددة ومركبة سيالة، تستنزف الاستثمار القيمي والحضاري، وتنحر النظريات السياسية وتتخطى المحظورات الاستراتيجية، وتؤسس لحروب القرن القادم

الخميس, 08-مارس-2012 - 04:10:49
مركز الإعلام التقدمي- د. مهند العزاوي -
ينزلق العالم العربي إلى الفوضى الدموية، ويخوض اليوم حزمة حروب متعددة ومركبة سيالة، تستنزف الاستثمار القيمي والحضاري، وتنحر النظريات السياسية وتتخطى المحظورات الاستراتيجية، وتؤسس لحروب القرن القادم وباستخدام السلاح السري الفتاك "حرب الهويات الفرعية"، وأضحت شلالات الدم وإزهاق الأرواح والترويع والإرهاب الطائفي سمة هذه الحروب، وحزامها الناقل لفناء الشعوب والمجتمعات، ويقف النظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي عاجزين عن معالجتها، ويبدو أن انفراط النسق الدولي والانفلات القانوني وسوق الحرب كانت من الأسباب الرئيسية في حروب الدم الزاحفة.

مشروع سياسي أم فوضى شركات؟
فشلت أمريكا الدولة والسياسة في الإدارة السياسية العالمية، وخرقت المحظورات الاستراتيجية وأدخلت نفسها في شبكة أنفاق إستراتيجية معتمة، وأثقلت بحزمة أزمات مركبة تلقي بظلالها على الخارطة السياسية والأمن القومي، وفي الشرق الأوسط غامرت بتفكيك معادلة التوازن العربي الإقليمي، والذي كان بمثابة صمام الأمان الاستراتيجي ومرتكزا أساسيا في الأمن والسلم الدوليين.

أما أمريكا الشركة فعززت من أرصدتها المالية على حساب أمريكا الدولة الكبرى وعلى حساب دافعي الضرائب الأمريكان، وأدخلت العالم بأزمات مالية كبرى يصعب الخروج منها بلا خسائر، وقد تكون تلك الخسائر سببا في انفراط عقد الولايات المتحدة، وكذلك الاتحاد الأوروبي. هذا على المستوى السياسي والاقتصادي. ونشهد تفاقم فوضى المرتزقة وتعاظم تجارة الموت، وكذلك اندثار القيم الحربية والمهنية على الصعيد الدولي من الناحية العسكرية، ويحتمل انفلات المجتمع الأمريكي باحتراب أفقي كما يجري في العراق والمنطقة، وبذلك لم تكسب أمريكا الدولة الكبرى شيئا من المغامرات الحربية الاستراتيجية.

دوافع معلنة ونتائج مريبة
كانت أبرز دوافع الحرب ضد العراق هي النفط والغاز وفتح الأسواق وتشغيل جيوش المرتزقة، وإذا قورنت بحجم الأكلاف الرسمية والخسائر الأمريكية والضحايا العراقيين فنجد أن إيران هي الرابح الأكبر في اللعبة، وتهيمن على 75 بالمئة من العقود التجارية العراقية وتحتكر 60 بالمئة من النفط بشكل مباشر وبالتهريب وبالمقايضة، وتسيطر على الأسواق العراقية عبر إغراقها ببضاعتها الرديئة، وتسحب العملة الصعبة من العراق وتفرغه ماليا، وقد جعلته مركزا لتزوير العملات، وتخترق بشكل مزمن أمن العراق والمنطقة بالمليشيات الطائفية والمجاميع الخاصة وبخلايا الحرس الإيراني الذي يعمل على شكل شركات أمنية، وتهيمن كذلك على الهرم السياسي الذي يجسد أجندتها!!

إذن، ما هي الفائدة الاستراتيجية من حرب المغامرة بالعراق؟ وما هو المشروع أو الهدف السياسي الذي تحقق، وقد سلمت العراق إلى إيران على طبق من ذهب دون خسائر إيرانية، والأخيرة استخدمت دماء العراقيين معبرا لأطماعها؟!

أساطير تاريخية وهمية
تعد منطقة الشرق الأوسط الرقعة العالمية الوسطى، كونها خزين الطاقة وسوق العالم ومركز التلاقح الحضاري، وينظر إليها التجار الأيديولوجيون من زوايا متعددة أبرزها: التبشير الفكري، والوعاء الإعلامي، وسوق المال، وتوريد الطاقة، وأسواق حربية وأمنية، وكذلك الأهمية الجيوستراتيجية للممرات البحرية الحاكمة، ناهيك عن حجم الحشد البشري المستهلك، وبنفس الوقت تعد مركز الديانة الإسلامية والحضارات العربية، ولعل اخطر ما نتعرض له اليوم هو: ظواهر "الحروب الديموغرافية" على المستوى الأفقي والذي أشعلت فتيله إيران في لبنان والعراق واليمن والبحرين وباستخدام فيروس الطائفية السياسية، وبآليات دموية
"مليشيات وتنظيمات مسلحة وزعانف أيديولوجية تروج أساطير تاريخية وهمية تنخر بها المجتمعات وتنحر المنظومات الأسرية" وتعمل بقوة على تفكيك الدين الإسلامي إلى طوائف ومذاهب محتربة، وأعتقد أنه "السلاح السري لتفكيك الوطن العربي" وتحقيق حلم الإمارة الإيرانية بالمنطقة وفقا لمشروع تصدير الثورة الإيرانية.

«إيرانات» جديدة
جاءت الاحتجاجات الشعبية وما يطلق عليها إعلاميا "ربيع الثورات العربية" بإرادة شعبية عفوية وبمطالب تحاكي الخلل السلوكي للنظام وتفاقم الفساد وظواهر القمع والترويع والاستئثار بالسلطة دون ممارسات ديمقراطية أو إنجازات يقدمها الحاكم على الصعيد المجتمعي والمعيشي، ولمسنا سوء إدارة الأزمات وعدم فهم المطالب، ناهيك عن ركوب الموجة وتوظيف الأحداث، خصوصا عندما صرح المسؤولون الإيرانيون بأن الثورات انطلقت من وحي الثورة الإيرانية عام 1979!! وهذا مجاف للواقع وللحقيقة، وأن الثورات ستفرز "إيرانات جديدة بالمنطقة" في تحدّ سافر لإرادة الثوار، خصوصا أن تصريحات سليماني ودنائي بخصوص مستقبل العراق تؤكد حقيقة رؤية إيران للعراق كضيعة تابعة لها وتحرك مسرح الدمى السياسي فيه.

تصدير الثورة الإيرانية
إيران الفارسية، الدولة الطامعة منذ قرون بالعراق، تمارس غسيل الدماغ الطائفي كوسيلة حربية إستراتيجية، وترفع يافطات إسلامية لتصدير مشروع الأمة الإيرانية، انطلاقا من العراق، بعد أن فشلت لعقدين كاملين في لبنان، وكانت خطيئة غزو العراق قد مكنتها من التمدد جنوبا باتجاه الخليج العربي عبر العراق وتأسيس رأس جسر ثلاثي معكوس في الكويت والبحرين واليمن، والصومال والسودان ضمن حرب المشاطأة التي تصل إلى البحر الأحمر والمتوسط، وبذلك أصبح العراق رأس جسر لانطلاق مشروع الأمة الإيرانية.

ويمكن وصف إيران بأنها الاحتلال الأخطر على العراق، لأنها متاخمة له وطامعة في أمواله وثرواته، وتستخدمها لبناء قدراتها غير النظامية! وتلك أخطر التهديدات الحالية. ويلاحظ حجم الحرب الإعلامية الأيديولوجية التي تنفق عليها، وتعدد وسائل الاتصال والتي بلغت أكثر 150 وسيلة اتصال فاعلة تهيكل العقول العربية وتحرض المجتمعات سلبا ضد دولهم وهذا جوهر الاستهداف في حروب الإزاحة للدول العربية.

انفراط الموزاييك العربي
يرزح الشرق الأوسط تحت سياط الصراع الجيو-قاري وعبر الدول المتمركزة، ونشهد حروب الإزاحة الجيو-سياسية العربية، ومعارك النفوذ وحرق الرقع الخضراء، مما يجعل المنطقة قلقة وأسيرة المتغيرات، وألقت الخطيئة الاستراتيجية الكبرى "غزو العراق" بضلالها على مستقبل العالم العربي برمته، وشهدنا انفراط الموزاييك العربي بشكل غير مسؤول، وأضحت منصات الصراع الإقليمي لاعبا آخر يثقل كاهل المنطقة بالأزمات، وأصبحت الفوضى والقتل الطائفي والفساد ونحر القيم الوطنية وبيع الأوطان مرتكزات للهندسة المعكوسة لتفكيك العالم العربي، وهذا مجسد على الأرض بشكل واقعي وينذر بتفكك الدول بحروب أهلية متعددة تدار عن بعد، وتخضع المنطقة للفوضى الهدامة الزاحفة والصدام المسلح الأفقي والذي يعد من أكبر المخاطر التي يحتمل أن تشهدها المنطقة.

العراق مسرح الصراع
يدخل العراق في شبكة أنفاق مهلكة تستهدف وجوده وهويته ومكانته في ظل التشظي السياسي، وطوأفة القانون، وتعاظم وهم القوة الذي يتمترس خلفه الطائفيون الجدد، وهم يشكلون خارطة العنف العراقي الملتهبة، وتؤكد الواقعية أنه لا وجود للديمقراطية في العراق بالرغم من التصريحات الدعائية، ونشهد انسلاخ النظام السياسي العراقي من نظرية الدولة والإجماع الوطني، إلى التسلط الطائفي وتطويع القانون واحتكار السلطة، وطوأفة القوة داخل السلطة وخارجها، وتعاظم مظاهر عسكرة المجتمع، حيث تذل فيه الهوية الوطنية وتتعالى فيه الهويات الفرعية، وأصبح العراق يقاد بحكومة بوليسية، ولا بد من إعادة رسم السياسة والقوة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وخلافا لذلك فإن العراق سينزلق إلى الفوضى المسلحة والتقسيم وربما سيكون مسرحا لصراع دولي وإقليمي يقودنا إلى المجهول.

تؤكد الوقائع أن العالم العربي في أسوأ أحواله ويخوض حروبا أفقية وعامودية في ظل الفوضى الهدامة الزاحفة، ويبدو أن التجارة الطائفية أصبحت مربحة للمنتفعين وراكبي موجة السياسية الطائفية، والتي تعد "السلاح السري لتفكيك العالم العربي"، وبصماته الرقمية في السودان والصومال والجزائر ولبنان والعراق... والمعضلة كما يبدو في غياب التحسب الاستراتيجي والتقهقر في الحروب الأيديولوجية والتي تركت المجتمعات العربية فريسة للتأثير الوافد.

ونحتاج اليوم إلى استعاده المبادأة وبإرادة صلبة وعقيدة ناجعة، والإيمان بقدسية الفرد وحرمة الدم وتوعية المجتمع وإدامة التماسك العربي، وتطوير السلوكيات الذكية التي تحاكي التطور ومظاهر العولمة وتطويعها لخدمة شعوبنا وعدم تركها سائبة، ولا بد من تحقيق القدرة العسكرية الدفاعية لتكون عامل ردع ضد الأطماع الإقليمية، ناهيك عن إعادة ترسيخ المنظومات القيمية لمعالجة الهندسة المعكوسة التي استخدمت لتفكيك الشعوب والمجتمعات العربية لدوافع سياسية وحربية مخابراتية، ولا بد من حملة شاملة لإيقاف النزيف العربي.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS


جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(مركز الإعلام التقدمي)